الصفحة الإقتصادية

هل سيكون العام الجديد عام الصناعات المدنية ؟

هل سيكون العام الجديد عام الصناعات المدنية ؟

رشيدالحداد
قبل عام تحدث قائد الثورة، السيد عبدالملك الحوثي، عن الصناعات المعدنية، وحدد العام المنصرم، بعام الصناعات المدنية، وتحدث في سلسلة محاضرات بشكل مفصل عن ضرورة التوجه نحو رفع الإنتاج المحلي ليس فقط في الإنتاج الزراعي والذي يعد ركيزة أساسية في قائمة أولويات قائد الثورة،

بل إن الإنتاج المحلي بمفهومه الواسع هو ما يتمنى أن يشهد طفرة وخاصة في الصناعات الغذائية وغير الكمالية، وهو ما كان يجب أن يكون، ولكن دعونا نصارح أنفسنا، كم من الخطط أعدت لإنعاش الواقع الصناعي اليمني، وكم من الدراسات أجريت، علينا أن نكون صادقين مع أنفسنا ومع القيادة حتى نتجاوز حالة الجمود والركود الذي يعانيه الإنتاج المحلي في مختلف المجالات، صحيح أن هناك جهوداً كبيرة تبذل في مجال رفع معدلات الإنتاج الزراعي، ولكن تكاد مثل تلك الجهود تنعدم في مجال الصناعات المدنية، دون الكشف عن الأسباب، وهو ما يضاعف الأزمات الاقتصادية خاصة ويكرس التبعية الاقتصادية للخارج.
والسبب عدم وجود رؤية مناسبة قابلة للتنفيذ في ظل الوضع الحالي، بعيداً عن الشطحات، فتنفيذ مثل هذه الموجهات تحتاج إلى تنسيق وتكامل بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص، وتحفيز رؤوس الأموال على إنشاء المزيد من المصانع المختلفة وتقديم كافة التسهيلات لهم ومنحهم الإعفاءات والامتيازات التي كانت الحكومة اليمنية تمنحها للمستثمر الأجنبي حتى ندفع برؤوس الأموال إلى التوجه نحو الصناعات المدنية، وما يحز في النفس أنه خلال العام الماضي وجدنا رأس المال الوطني الشريف وليس مال الخونة والعملاء يستثمر في عدد من الدول العربية، وهناك إقبال على الفرص الاستثمارية في الاردن ومصر ودول أخرى، حتى اني انصدمت عندما وجدت منتجات جديدة في الأسواق من معلبات وعصائر دخلت اليمن بكميات كبيرة مصدرها دول عربية وتعود المصانع المنتجة لها لرجال أعمال يمنيين، اكتفوا بتسويق تلك المنتجات في الأسواق المحلية، بعد أن رفضت دول المصدر تسويق تلك المنتجات في اسواقها تحت مبرر حماية إنتاجها المحلي من أي إغراق أو اي منافسة لمنتجات مشابهة، وهذا يؤكد أن هناك تقصيرًا في هذا الجانب من قبل الجهات الحكومية التي كان يفترض بها أن تنفذ برنامج وطني لرفع معدل الإنتاج الوطني، وان تعزز علاقتها بالقطاع الخاص بما ينعكس بشكل إيجابي على الاقتصاد الوطني.
اللافت في الأمر أن الجانب الحكومي يضع في أولوياته الخطط السنوية لتحفيز الصناعات الوطنية في قائمة الاهتمامات، ويرى بان التقليل من الاستيراد ضرورة سيسهم في حماية العملة والحفاظ على الاستقرار المعيشي وسيوفر فرص عمل للعاطلين،وسيرفع من معدل الاكتفاء الذاتي من السلع والمنتجات، ولكن لم تترجم تلك العبارات التي لا تزال مجرد حبراً على ورق منذ أكثر من عشر سنوات، ورغم إدراكنا بان العدوان والحصار تسبب في ارباك لمختلف القطاعات الإنتاجية ومنها الصناعي، إلا أننا بحاجة اليوم أن ندفع نحو نمو هذا القطاع وأن نعمل على تقييم واقع القطاع الصناعي اليمني أولاً ومعرفة المعوقات والتحديات والصعوبات التي تواجه نموه، فالتشخيص السليم هو المدخل الأساسي لإنعاش هذا القطاع في الوقت الراهن خاصة وأن المنتج الوطني من منتجات وسلع غذائية فقد المنافسة في السوق امام وجود منتجات مشابهة أقل سعراً منه وتنافس بقوة في السوق للمنتج المحلي، وهو ما يستدعي التدخل أولاً لدى المنتجين المحليين والتزامهم برفع الجودة، ورفع معدل الإنتاج، وتقديمها للمستهلك بأسعار منافسة مقابل تفعيل الدولة قانون حماية المنتج الوطني، واتخاذ إجراءات تحمي المنتج وتضع المنتج الأجنبي المنافس في اخر اهتمامات المستهلك من خلال رفع الضرائب العامة على اي منتجات مشابهة للمنتج المحلي و يتوفر بكميات تجارية،وهذا اسلوب تلجأ إليه الكثير من الدول لحماية إنتاجها الوطني من الاغراق التجاري في ظل حرية السوق، بل إن الحكومات تعمل على الترويج للمنتجات المحلية وتعقد اتفاقيات تبادل تجاري مع الدول الأخرى لضمان نفاد منتجاتها الوطنية إلى الأسواق الخارجية، بينما وضع المنتج المحلي في اليمن من حيث المنافسة ضعيف ولذلك فإن فرض المنافسة في أسواق خارجية ضئيلة وهو ما يستدعي رفع معدل الجودة وكذلك تعزيز ثقة المنتج بالمستهلك.
نحن الآن بحاجة إلى تنفيذ خطوات للنهوض بهذا القطاع تتمثل في التقييم وايجاد المعالجات من خلال إزالة التحديات التي تواجه نمو هذا القطاع، ومن ثم تشجيع المصانع القادمة على رفع معدل الإنتاج، وفرض قيود على المنتجات المماثلة لمنتجاتها في السوق، وكذلك ينبغي إعداد خارطة صناعية نضع فيها اولويات البلد من السلع والمنتجات، وان تتولى الجهات الحكومية إعداد دراسات الجدوى وتقديمها للمستثمرين مع الامتيازات اللازمة حتى نحفز المستثمر المحلي على الاستثمار في هذه الفرص الصناعية المقدمة، وبالعودة إلى موجهات سابقة للسيد القائد، تحدث عن أهمية إنشاء شركات عن طريق الاكتتاب العام اي شركات مساهمة عامة يشارك فيها المجتمع بشكل كبير.
فالنهوض بالواقع الصناعي اليمني في المحافظات الحرة يتطلب توجهاً صادقاً لتحويل التحديات إلى فرص والفرص إلى واقع، فهذه المحافظات فقط عدد سكانها يتجاوز 21 مليون نسمة وهذا الرقم يعد احد عوامل نجاح أي مشاريع صناعية كون مجتمع المستهلكين كبيراً، وربما هذه الميزة لن يحصل عليها أي مستثمر في أي دولة أخرى، فمثلا في الصين هناك أكثر من 100 الف مدينة صناعية، معظم هذه المدن التي فيها مصانع عملاقة تبحث عن سوق استهلاكي خارجي، بينما في اليمن بامكان أي مصنع أن يبيع منتجاته على بعد خطوات من مقره الرئيسي ولم يعد بحاجة إلى أسواق خارجية، لذلك لدينا فرص كفيلة بالنهوض بهذا القطاع إلى أعلى مستوى لو تم الاهتمام بها، فمثلا لدينا موارد أولية محلية بنسبة كبيرة كالأسماك مثلا تنتج اليمن أكثر من 450 نوعًا من افضل الأسماك، ولكن لا نملك مصنع لتعليب الأسماك والتونة في سواحل الحديدة منذ 50 عاماً، ونفاد الأسماك الطازجة التي يتم تسويقها في السوق المحلي تتركز في المناطق الحضرية بينما 70% من السكان يعيشون في الريف، ومعظمهم يلجئون لاستهلاك معلبات الأسماك التي يتم استيرادها من الصين وماليزنا ودولاً آسيوية ألا يدل ذلك على وجود علامات استفهام كبيرة، ويؤكد مدى هدر الفرص الصناعية في هذا البلد وعدم الاستفادة منها، حتى على مستوى كبار التجار المستوردين المعلبات التونة منذ عقود زمنية، الم يفكروا في التوجه نحو الصناعة المحلية والانتقال من مجال التسويق للخارج مقابل هامش ربح إلى الإنتاج المحلي.
اتمنى ان يحظى هذا القطاع بالمزيد من الاهتمام في العام الجديد..
# كاتب وخبير في الاقتصاد الوطني.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا