الصفحة الإقتصادية

استمرار نهب الغاز وصفقات الفساد المشبوهة

استمرار نهب الغاز وصفقات الفساد المشبوهة

الغاز اليمني قصة وقضية فساد كبيرة تنهش وطن تعداد سكانه أكثر من ثلاثين مليون نسمة وصفقات الفساد المشبوهة تعتبر من أكبر قضايا الفساد والنهب الممنهج لثروات اليمن السيادية

وبالأصح تعتبر أكبر جريمة فساد عبر التاريخ اليمني وأهم الحقائق التي لم يتم تسليط الضوء عليها حول جريمة بيع الغاز اليمني تتمثل في قيام السلطات المشرفة والمسؤولة في مؤسسات الدولة في عهد النظام السابق والحكومات السابقة والمتوالية من العام 1995م ابتداء من رئاسة الجمهورية ومجالس الوزراء ووزارة النفط والمالية واللجان المكلفة والأجهزة التشريعية والرقابية العليا في اشتراكهم إبرام الاتفاقيات لإنتاج وتصدير الغاز مع شركة توتال الفرنسية وشركة كوجاز وسويس الكورية في التزوير المباشر وغير المباشر والتلاعب بالوثائق وإخفاء المعلومات والانتفاع غير المشروع وإبرام صفقات الفساد المشبوهة من اتفاقيات بيع الغاز الطبيعي المسال في اليمن ومما لا شك فيه فان مشروع الغاز المسال في بلحاف يعد أضخم مشاريع اليمن الاقتصادية إذ يكلف أكثر من 4 مليارات دولار وبطاقة إنتاجية نحو 6.9 ملايين طن سنويا وقد بدأ اليمن في إنتاج وتصدير الغاز المسال عام 2009م.
ويقول خبراء اقتصاديون أن توتال الفرنسية ومثلها كوجاز وسويس في كوريا الجنوبية حصلت على امتياز استيراد الغاز من اليمن بأسعار زهيدة جدا أقل من 3 دولار لكل مليون وحدة حرارية لمدة خمسة وعشرين عاماً ولا تراعي شروط الاتفاقيات تجديدها نظرا لتقلبات الأسعار العالمية فيما السعر للغاز في المؤشر العالمي تلك الأيام كان أكثر من 12 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية وبنفس الوقت بالتوازي مع أسعار الاتفاقيات المبرمة في هذا الشأن مع دول أخرى كانت قطر تبيع لكل مليون وحدة حرارية من الغاز المسال لكوريا بسعر 12.3 دولار وكذلك اندونيسيا تبيع المليون وحدة حرارية بسعر 9.5 دولار وهذا يعني أن اليمن تخسر بموجب تلك الصفقات المشبوهة ما يساوي 3 مليارات دولار سنويا بالنظر إلى حجم الإنتاج بنحو 6.9 مليون طن متري سنويا وهكذا ومن خلال الفحص والتدقيق في ملفات الفساد في بيغ الغاز اليمني المسال لا يخفى على أحد كيف تحولت شركة توتال الفرنسية والشركات الأجنبية الأخرى من رافد للاقتصاد اليمني إلى ناهب ومجفف لمنابع الثروات الغازية في اليمن.
وفي هذا الإطار ورثت ثورة 21سبتمبر ملفا كبيرا من الفساد والنهب الاقتصادي المتعمد والانهيار المستمر لعملته المحلية والنهب المزدوج لثرواته السيادية من النفط والغاز الطبيعي المسال والوضع المعيشي المتردي للمواطن اليمني وملف كبير من ثقافة الفساد التي تم ترسيخها عبر الأجيال التي تعد أحد مخرجات الأنظمة السابقة ومن ضمنها الصفقات المشبوهة وجرائم الفساد الكبيرة في اتفاقيات إنتاج وتصدير الغاز اليمني ورغم كل ذلك الإرث الثقيل الكفيل بإعاقة التنمية لسنوات إلا أن دول تحالف العدوان كانت تدرك أن كل تلك التحديات والصعوبات التي تواجهها ثورة 21سبتمبر ستزول أمام أي مشروع وطني تحميه إرادة الشعب اليمني وتنفذه حكومات لا تخضع لأي املاءات خارجية وستتجاوز كل التحديات وستتحقق كل الأهداف وهو ما يتقاطع مع أجندات العدوان ومطامعه وأهدافه التي تسعى لإبقاء اليمن خارج مسار التنمية الاقتصادية وتظل تقبع تحت الوصاية الدولية ولذلك شنت عدوانها الظالم وفرضت حصارها الاقتصادي الجائر على اليمن.  
ولا يخفى على أحد الترتيبات التي تقوم بها أمريكا وفرنسا مؤخرا بغرض استئناف تشغيل محطة بلحاف الاقتصادية وتصدير الغاز الطبيعي المسال في محافظة شبوة المحتلة بعد توقفها عن التصدير لسبع سنوات ويأتي ذلك وفقا لاستراتيجية مُعدة مسبقا من دول تحالف العدوان وعلى رأسها أمريكا وفرنسا وتنفذها أدواتها المتمثلة بدويلة الاحتلال الإماراتي التي كان لها دور في السيطرة على المنشأة وتوقفها عن التصدير وكل ذلك من أجل نهب ثروات الشعب اليمني وانتظار الوقت المناسب لتنفيذ مخططاتها التآمرية لنهب الغاز والنفط وإعادة تشغيل منشأة بلحاف لتغطية احتياج دول أوروبا نتيجة العجز الحاصل جراء حرب روسيا على أوكرانيا.
وخلال الفترة الماضية أجرت شركة توتال الفرنسية وشركاؤها الأمريكيون عدة لقاءات في سبيل إعادة إنتاج وتصدير الغاز في منشآت بلحاف الذي يوجد فيها احتياطي أكثر من 10 تريلون قدم مكعب من الغاز الطبيعي المسال ويأتي ذلك عبر عقد اتفاقيات مشبوهة مع شركة توتال وحكومة المرتزقة وتتضمن هذه الاتفاقيات البيع على السعر القديم وهو 3 دولارات فقط لكل مليون وحدة حرارية بينما يتجاوز السعر الجديد أكثر من 20 دولار وتعتبر هذه الاتفاقيات صفقة مشبوهة بكل المقاييس وسرقة ونهب ممنهج للثروة السيادية اليمنية هذا مع أنه كان يمكن لمشروع الغاز في اليمن أن يكون نموذجا اقتصاديا رائعا للنجاح والعبور بالاقتصاد اليمني نحو آفاق عظيمة ويعود بالفائدة الكبيرة لأبناء الشعب اليمني.
وتبلغ كمية احتياطي الغاز المؤكدة في قطاع 18 بمحافظة مأرب والمخصصة لمشروع الغاز الذي تقوده شركة "توتال" بنحو 9,15 تريليون قدم مربعة كما يوجد احتياطي أخر يقدر بنحو 700 بليون قدم مكعبة وتوتال كانت ملزمة برفد خزينة الدولة اليمنية بمبلغ 500 مليون دولار سنويا ولم يتم توريد ما تم الاتفاق علية نظرا للتواطؤ من النظام السابق بغرض الحصول على مصالح شخصية والاحتيال على حساب المصلحة العامة لليمن وشعبها وفي وقت يقول خبراء اقتصاد محليون أن المبالغ التي حصلت عليها توتال خلال فترة عملها تزيد عن 25 مليار دولار وهذا التفاوت الكبير ناتج عن عمليات فساد كبيرة في السعر المحلي والبيع خارجيا أدت إلى فقدان اليمن عشرات المليارات من الدولار وما زالت عمليات النهب والسلب للنفط والغاز اليمني مستمرة حتى يومنا هذا وبغطاء أمريكي سعودي إماراتي وفي إطار العدوان على اليمن والشعب اليمني يعاني من انعدام الغاز والمشتقات النفطية وغلاء أسعارها.
وبحساب بسيط للأرقام نستطيع أن ندرك حجم المشكلة الكارثية بكل المقاييس ماليا واقتصاديا واجتماعيا حيث تحتسب خسائر اليمن بحسب تقديرات خبراء اقتصاديون تصل بنحو 47 مليار دولار خلال الفترة السابقة وهذه التقديرات تعتبر أولية وليست إجمالية ولا يخفى على أحد بأن بقاء الوضع على ما هو عليه يؤسس لتعقيدات ومشاكل اقتصادية في الحاضر والمستقبل ويدرك المختصون والخبراء في صناعة النفط والغاز الحجم القياسي والفارق الكبير في عدم توازن اتفاقيات البيع للغاز اليمني ويدركون المأزق الكبير والخطير اقتصاديا التي تمر به اليمن خلال سنوات العدوان من نهب ممنهج للاستيلاء والسيطرة على ثروات اليمن الاقتصادية.
وفي هذا الإطار تأتي تحركات دول تحالف العدوان وعلى رأسها أمريكا وفرنسا لتنفيذ أهداف سياسية واقتصادية حيث تهدف إلى تشغيل منشأة بلحاف الاقتصادية في محافظة شبوة لإعادة إنتاج وتصدير الغاز الطبيعي المسال المتوقف منذ سبع سنوات وكذلك إعادة إنتاج وتصدير النفط الخام من المسيلة في محافظة حضرموت وكذلك زيادة حجم الإنتاج والتصدير فيها وذلك يعود نتيجة الوضع السياسي الحاصل في الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا وما لها من تداعيات في أزمة الغاز والنفط الناتجة عن هذه الحرب وفي إطار المساعي الأمريكية لإيجاد منافذ مختلفة لتصدير الغاز المسال عالميا وهذا يأتي اقتصاديا في إطار تحقيق الأطماع الأمريكية على ثروات اليمن الاقتصادية من النفط والغاز والتي كانت ضمن أجندتها ومخططاتها التآمرية في شن العدوان على اليمن .
وتعكس خطط ومؤامرات دول العدوان لنهب الثروات السيادية في محافظات اليمن الغنية بالنفط والغاز خطورة الوضع القائم عالميا وإقليميا وبدرجة رئيسية أهمية تلك المحافظات جغرافيا واقتصاديا لعدة أطراف إقليمية ودولية وأن تنفيذ هذه الأجندات الاستعمارية بمثابة إعلان ومباركة صريحة وعلنية من دول العالم والأمم المتحدة في أن العدوان على اليمن عدوان يأتي تلبية لرغبة الكيان الصهيوني في السيطرة على الثروات من النفط والغاز في اليمن بشكل خاص ودول الشرق الأوسط بشكل عام وأن هذا يعكس الحصار الاقتصادي والقرصنة على سفن المشتقات النفطية وما كل ذلك إلا تدمير ممنهج لليمن أرضا وإنسانا وفق مخطط أمريكي إسرائيلي خبيث تقوده أذرع إقليمية ممثلة بالنظام السعودي والإماراتي ومن تحالف معهم لغرض السيطرة على اليمن وممراتها وموانئها الاستراتيجية ونهب ثرواتها وركائزها الاقتصادية .
والمتتبع لخطوات أمريكا وفرنسا وبريطانيا الاستعمارية على المدى القصير والبعيد وعلى مستوى البعد الاستراتيجي التدميري وعلى الأهداف والأطماع التي تريد تحقيقها في نهب الثروات والركائز الاقتصادية للدول يتضح له مما لا يدع مجالا للشك أن تلك الدول تسعى لتنفيذ مخططاتها التآمرية فمن ناحية تحتل وتنهب ثروات الدول وتسيطر عليها وتخلق الأزمات السياسية والاقتصادية والإنسانية عبر أدواتها من عملائها وأذنابها في المنطقة ومن ناحية أخرى تدعي الإنسانية وتقديم يد العون والمساعدة لتلك الدول عبر إرسال المساعدات الوهمية الكاذبة والمخادعة والمنتهية الصلاحية بواسطة منظماتها غير الإنسانية وتدعي أنها راعية للأمن والسلام العالمي وهي بالأساس من يستغل إمكانيات خيرات هذه الدول وتعيش وتنهض على استغلال ثرواتها الاقتصادية وتسعى لتدمير وتجويع الشعوب وشغلهم بالمنازعات والصراعات والحروب.
# وكيل وزارة المالية
كاتب وباحث في الشأن الاقتصادي

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا