أخبار وتقارير

اغتيال الحمدي أو التقسيم الحلقة (13)

اغتيال الحمدي أو التقسيم الحلقة (13)

  أكد الباحث عبدالله بن عامر أن توجه الرئيس الحمدي نحو الوحدة وتأكيد إستقلال البلاد جعل القوى الإقليمية تشعر بالخطر وعلى رأسها السعودية مشيرا الى ذلك التوجه جعل التجمع الاستخباراتي العربي الغربي لليمن بالمرصاد

لاسيما بعد تواتر الحديث عن خطوات متقدمة لتوحيد اليمن وتبادل الزيارات بين المسؤولين من الشطرين.
وقال: "أعادت المخاوف بشأن تأسيس دولة يمنية قوية في الجزيرة العربية الحديث عن ضرورة تقسيم اليمن فقد رأت السعودية الى ان الحمدي يسعى «الى بناء امبراطورية يمنية فالسعودية تنظر الى ضعف اليمن كعامل قوة للمملكة وقوته كعامل ضعف لها وذلك كمعادلة تأسست عليها الاستراتيجية السعودية تجاه اليمن». . وأوضح ان الأفكار البريطانية المتعلقة بالتقسيم برزت ايضا وكان هناك تداول ضمن دوائر معينة لهذه الأفكار لاسيما لدى كل من الأمريكيين والسعوديين إضافة الى البريطانيين والفرنسيين.. فيما نص الموضوع حسب ما أورده الباحث:
عرض - 26 سبتمبر
" في 1970م كانت المصالحة الملكية الجمهورية وتمكنت السعودية من فرض وصايتها على الجمهورية العربية اليمنية واتجهت نحو تحويل الشمال إلى جبهة متقدمة ضد الشطر الجنوبي ودفعت بالأوضاع نحو أول حرب شطرية في 1972م بعد تأسيس الجبهة الإسلامية كمليشيا مسلحة لمواجهة الجبهة الوطنية المدعومة من الشطر الجنوبي ،وما إن هدأت الجبهات بعد تلك الحرب حتى سعت السعودية الى إشعال حرب أخرى وقررت الإطاحة بالرئيس الإرياني، في 13يونيو 1974م وصل الى السلطة إبراهيم الحمدي الذي تمكن بدهاء سياسي من إيقاف التوتر مع الشطر الجنوبي والانتقال الى مرحلة من التفاهم والتنسيق وصولاً الى العمل من أجل تحقيق الوحدة في ظل ظروف دولية وإقليمية معقدة.
ومع توجه الحمدي نحو الوحدة وتأكيد إستقلال البلاد شعرت القوى الإقليمية وعلى رأسها السعودية بالخطر فكان التجمع الاستخباراتي العربي الغربي  لليمن بالمرصاد لاسيما بعد تواتر الحديث عن خطوات متقدمة لتوحيد اليمن وتبادل الزيارات بين المسؤولين من الشطرين وكانت هناك مخاوف تتعلق بشعبية الحمدي ليس في الشمال فحسب وإنما في الجنوب كذلك والتفاهم بين الحمدي وسالمين على توحيد رئاسة الشطرين وسيكون الحمدي أول رئيس لليمن الموحد لفترة معينة قبل أن تنتقل الرئاسة الى سالم ربيع علي وهكذا.
أعادت المخاوف بشأن تأسيس دولة يمنية قوية في الجزيرة العربية الحديث عن ضرورة تقسيم اليمن فقد رأت السعودية الى ان الحمدي يسعى «الى بناء امبراطورية يمنية فالسعودية تنظر الى ضعف اليمن كعامل قوة للمملكة وقوته كعامل ضعف لها وذلك كمعادلة تأسست عليها الاستراتيجية السعودية تجاه اليمن» وهنا برزت الأفكار البريطانية المتعلقة بالتقسيم وكان هناك تداول ضمن دوائر معينة لهذه الأفكار لاسيما لدى كل من الأمريكيين والسعوديين إضافة الى البريطانيين والفرنسيين، وعلى ما يبدو أن تلك القوى قبل أن تقرر التخلص من الحمدي من خلال أدواتها في الداخل كانت تتشاور حول مشروع التقسيم قبل أن تجد نفسها أمام كيان يمني جديد في ظل قيادة تمتلك رؤية وتحظى بشعبية واسعة ولهذا حضرت المشاريع البريطانية مع بعض التعديلات التي فرضتها متغيرات الواقع في تلك المرحلة فلم يمض على رحيل بريطانيا من الشطر الجنوبي العقد الزمني حتى بدأت تحن الى ذلك الماضي على الأقل في استعادة السيطرة على عدن ولهذا كان المشروع التقسيمي بتلك الفترة يقوم على تقسيم الشمال وتقسيم الجنوب مع الاستجابة لمصالح السعودية وبريطانيا والولايات المتحدة فالشمال سيتعرض للتقسيم على أساس مذهبي من خلال فصل اليمن الشافعي عن اليمن الزيدي وبالتالي يصبح هناك دولتان في الشمال والأمر ذاته بالنسبة للجنوب فحضرموت والمهرة وشبوة تسمى دولة حضرموت وتكون هذه الدولة مرتبطة بالسعودية أما عدن ولحج وابين فتسمى دولة عدن .
تقسيم اليمن الى أربع دول كان هو الحل الأمثل بالنسبة للسعودية والقوى الغربية على وجه التحديد لتحقيق عدة أهداف ابرزها افشال مشروع الحمدي - سالمين  وكذلك التخلص من النفوذ السوفيتي في الجنوب من خلال استخدام الموالين للسعودية في إدارة دولة حضرموت وكذلك الموالين لبريطانيا في إدارة دولة عدن وهنا استمرت السعودية في دعم المكونات الجنوبية التابعة لها منها جيش الإنقاذ إضافة الى السلاطين والأمراء وعدد من السياسيين والقادة العسكريين الذين فروا من الجنوب، ويحقق هذا المشروع كذلك هدفا استراتيجيا يتمثل في اضعاف اليمن حتى لا يتمكن من استعادة أراضيه الخاضعة للحكم السعودي أو حتى مجرد المطالبة بها  وقد أثيرت هذه القضية خلال العام 1977م إلا ان الحمدي رفض التنازل عن تلك الحقوق وكان هناك تنسيق مع الشطر الجنوبي بضرورة توحيد الموقف بشأن قضية الحدود والحقوق التاريخية حتى لا تستفرد السعودية بكل شطر على حدة بل إن الحمدي حدد مسار استعادة تلك المناطق من خلال العمل على تعزيز قوة اليمن في كل المجالات ومنها القوة العسكرية  خاصة بعد أن حاولت السعودية الحصول على ضوء أخضر منه لشق طريق نجران الشرورة ضمن مشروع تنفيذ عدة طرقات منها الحديدة جيزان وصعدة ظهران إلا ان الحمدي أدرك اهداف السعودية المتمثلة في تثبيت وضع قائم بفصل مناطق الجوف عن نجران من خلال الخط الاسفلتي الذي سيعمل على تحديد الحدود فما خلفه من جهة السعودية سيكون للسعودية وهذا يعد تفريطا بالحق اليمني  وقد تضاعفت المخاوف السعودية بعد تبني قوى يمنية اعتبار جيزان ونجران وعسير جزءا من اليمن  إضافة الى الرفض الشعبي الكبير لموقف الارياني والحجري بشأن الحدود في 1973م وكل ذلك الى جانب موقف الحمدي الرافض اعتبار اتفاقية الطائف نهائية.
وكانت بدايات تنفيذ ذلك المشروع من خلال دعم التمرد القبلي على سلطة الحمدي لاسيما في صعدة وعمران وأجزاء من حجة ووصول ذلك التمرد الى الجوف وأجزاء من مارب ،وحينها دفعت السعودية بأحد رموز الملكيين الى الظهور مجدداً ومولت تحركات له في تلك المناطق إلا أن بعض القبائل رفضت عودة الملكيين.
ونجد أن هذا المشروع ظل رهين نقاشات الغرف المغلقة بسبب التطورات التي شهدتها المنطقة واليمن تحديداً وكذلك قرار اغتيال الحمدي والنجاح في تنفيذ ذلك القرار في 11اكتوبر 1977م وما تلاه من احداث ابرزها تأكيد النفوذ السوفيتي على الشطر الجنوبي ومن ثم التخلص من سالم ربيع علي في 24يونيو 1978م وبمجرد استشهاد الحمدي عادت الخلافات مع الشطر الجنوبي وتطورت في مطلع 1979م الى حرب هي الثانية خلال عقد السبعينات إضافة الى حروب المناطق الوسطى واستخدام السعودية للجبهة الإسلامية في إفشال أي تقارب شمالي جنوبي وهنا تحقق للسعودية أهدافها.  
الوحدة ومشروع الدول الثلاث:
رغم خروج بريطانيا من اليمن في 1967م وكذلك خروجها من المنطقة في 1972م إلا أنها ظلت تعمل على اقتناص الفرص للعودة بأشكال أخرى كالنفوذ السياسي والهيمنة الاقتصادية الى جانب النفوذ الأمريكي وبما يجعل الحضور البريطاني متماهياً مع الدور الأمريكي وكما أشرنا سابقاً فإن العقلية البريطانية حاضرة دوماً ليس مع الدور الأمريكي فحسب بل وفي الأجندة السعودية لاسيما ما يتعلق باليمن فالمخاوف السعودية من اليمن ليست مجرد اجتهادات ابتدعها العقل السياسي السعودي بل كانت متأثره الى حد كبير بالنظرة البريطانية الى اليمن إضافة الى الأسباب السعودية الخاصة التي تعود جذورها الأولى الى أول لقاء بين محمد بن سعود ومحمد بن عبدالوهاب عند تأسيس الدولة السعودية الأولى في 1745م ثم تصبح تلك الاسباب أكثر وضوحاً في عهد مؤسس الدولة الثالثة الملك عبدالعزيز الذي لم يفارق الحياة قبل أن يحذر أبناءه من اليمن في وصية لم يعد هناك أية مجال للتشكيك في صحتها ولعل الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل كان أكثر وضوحاً حين كشف مضامينها نقلاً عن أحد أبناء عبدالعزيز بالقول: قال لي احد اخوة الملك فهد ان وقوف السعودية ضد وحدة اليمن تنفيذا لوصية المؤسس عبدالعزيز وكانت وصيته وهو على فراش الموت لكل أبنائه بأن عليهم ان يحاذروا من يمن موحد فهذا خطر عليهم وعلى المملكة التي سوف يرثوها بعده وأن عليهم ان يذكروا دواما أن ضمان رخائهم مرهون ببؤس اليمن  وفي رواية أخرى: إن أي شر لنا أو خير لنا مصدره اليمن.
وفي الحقيقة أن القيادة السعودية لم تبق وحدها تعمل على تجزئة وتقسيم اليمن الى جانب البريطانيين فقد انضمت اليها قيادات خليجية أخرى لأسباب مختلفة لعل من أبرزها الشعور بأن وجود يمن قوي لن يكون مؤثراً على السعودية فحسب بل وعلى بقية المكونات الخليجية وهذا الشعور لم يكن حاضراً بقوة إلا بعد حرب الخليج الثانية 1990م وكان يعبر عن تغيير في أهداف بعض قيادات الخليج التي ظلت خلال مرحلة السبعينات تنظر الى اليمن كعامل قوة يمكن أن يسهم في تخفيف وطأة الضغط السعودي عليها اذا ما تمكن اليمن من الانعتاق من الوصاية السعودية ولهذا شهدنا مراحل دعم خليجي كبير لليمن بشطريه لاسيما من الكويت والإمارات إلا أن ذلك لم يستمر لأسباب على رأسها أن القيادة اليمنية لم تكن تمتلك مشروع دولة بل مشروع سلطة ارتبط منذ البداية بالملحق العسكري السعودي صالح الهديان وباللجنة الخاصة وبالأمير سلطان بن عبدالعزيز.
لقد استدعت القيادات السعودية الأفكار البريطانية المتعلقة بتقسيم اليمن بعد أن ساهمت تدخلاتها في إضعاف اليمن وجعله رهين المساعدات والمكرمات الملكية والتبرعات الأميرية ولهذا لم يكن مشروع الوحدة اليمنية إلا مجرد تحصيل حاصل كنتيجة من نتائج المتغيرات الدولية وهو ما سبق وأن أعترف به الدكتور عبدالكريم الإرياني عندما أكد أن انهيار الاتحاد السوفياتي والضوء الأخضر الأمريكي يقفان وراء اعلان الوحدة في 1990م  إضافة الى ان السعودية لم توافق على الوحدة الا بعد التعهد بحل مشكلة الحدود  وفي ظل غياب المشروع الوطني الجامع واستراتيجيات بناء الدولة والنهضة كانت الصراعات السياسية حاضرة بقوة خلال سنوات الوحدة الأولى الأمر الذي هيأ الفرص المناسبة للقوى الأجنبية للعمل من أجل اجهاض ما تحقق على اعتبار أن «الدولة الموحدة تستند الى كتلة ديمغرافية تصل الى 14مليون نسمة متجانسة هي الأهم في الجزيرة العربية وتتمتع بموارد أولية على تواضعها كفيلة بتوفير الأسلحة وتمويل جيش قوي في منطقة إستراتيجية من الدرجة الأولى وتمثل قطباً مهماً في المستقبل بمواجهة القرن الأفريقي وتحتل موقعاً إستراتيجيا على البحر الأحمر وتتحكم بالملاحة البحرية في باب المندب” فحضرت بقوة خلال 1993- 1994م الأفكار البريطانية للتقسيم وهنا نعود الى ما تحدث به هيكل : إن هناك شواهد تدل على أن اليمن الموحد الذي تعرض شهرين لنيران حرب أهلية لم يكن يراد له أن يعود فقط ليصبح يمنين ،وإنما تقول الشواهد إنه كانت هناك رغبة في فكه الى ثلاث دول : «شمال  جنوب  وسط»، في حضرموت التي تحوي معظم احتياطات البترول التي تطل على المحيط الهندي  ولعل ما يؤكد أن اليمن سيظل يصارع محيطه المعادي له وكذلك الأطماع الإقليمية والدولية ومحاولات التقسيم هو استمرار القوى الأجنبية في التعامل مع اليمن من منظور المخاوف السعودية بحكم المصالح الكبيرة لتلك القوى في بلدان الخليج بالتزامن مع شن حرب شرسة على اليمن كلما حاول الخروج من حالة الخضوع والارتهان ،فالسعودية كما يقول هيكل تعرف أن يمناً موحداً وقوياً قابلاً للنمو الاجتماعي والنمو السياسي يمكن أن يكون خطراً على المملكة ،ثم أن هذا اليمن كتم طويلاً مطالب تاريخية له في ولايات ضمتها السعودية إليها في الحرب في الثلاثينات وأهمها ولايتا نجران وجيزان وقد يغريه النصر بإعادة طرح الملفات حسب هيكل وحتى لا يصل اليمن الى تلك المرحلة بل ولا يتمكن كذلك من العودة الى ما قبل 1990م كان هناك مشروع الثلاث دول الذي تداولته بالنقاش القيادات السعودية وكذلك قيادات خليجية إماراتية قبل وأثناء وبعد حرب 1994م إضافة الى وصول ذلك المشروع الى قيادات عربية حتى يحظى بدعمها لاسيما الجانب المصري وكان ذلك المشروع مصدره الجانب البريطاني وكان يقوم على تأسيس واقع يمني يعمل على الغاء الحالة التشطيرية التي سبقت اعلان الوحدة بما يكرس ما هو أسوأ من تلك الحالة من خلال الثلاث الدول ،وفي ذات الوقت يكون هذا الواقع قابلاً لحالات متصاعدة تتجه بالوضع في كل مكون الى مزيد من الانقسام وبهذا يعيش اليمن مرحلة صراعات تستطيع السعودية التحكم بها وادارتها في ظل غياب المشروع الوطني الجامع."

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا