أخبار وتقارير

سياسة وخطط المحتل في جنوب الوطن بين الأمس واليوم

سياسة وخطط المحتل في جنوب الوطن بين الأمس واليوم

علي الشراعي /


في مطلع القرن التاسع عشر الميلادي غزا الوهابيون القادمون من نجد السواحل اليمنية الغربية ولم يرحلوا عنها إلا في عام 1818م عندما احتلتها الحملة المصرية بقيادة ابراهيم باشا فأعيدت تلك السواحل والموانئ لحكومة صنعاء اسميا،

في حين كانت وحدات من الجيش المصري متمركزة في الموانئ اليمنية الرئيسة خاصة في الحديدة والمخا واللحية، وإلى ذلك الوقت يرجع تاريخ رغبه المستعمر البريطاني وتطلعه إلى الاستيلاء على السواحل اليمنية الجنوبية بقصد إيقاف تقدم الجيوش المصرية والحد من نفوذ وعودة سلطة الدولة العثمانية إلى اليمن مجددا.

التوغل الاستعماري
في عصر الملكة فيكتوريا انتهجت انجلترا سياسة تهدف إلى احتلال السواحل في المنطقة، ففي سنة 1829م أنشأ الانجليز في المكلا مستودعا للفحم، وفي سنة 1934م احتلوا جزيرة سقطرى إلا أن هاتين الخطوتين لم تشبعا رغبة الانجليز، فقد كان موقع عدن الملائم جدا للملاحة يستأثر باهتمامهم، فالمنطقة- عدن- كانت تعتبر محطة هامة للفحم على طريق الهند، كما كانت مركزا تجاريا ومرفأ رائعا من حيث وضعه الطبيعي ومركزه الدفاعي، ونتيجة لفقدان اليمن آنذاك لوجود دولة مركزية قوية بل كيانات مستقلة وضعيفة اضافة إلى افتقار قوات بحرية قادرة على حماية الجزر والسواحل اليمنية وان تشكل قوة مقاومة ضد الغزاة تمكنت حملة بحرية بريطانية من احتلال عدن في 16 يناير 1839م.
ومع احتلال بريطانيا لعدن ارادوا أن يصبحوا سادة غير منازعين على المنطقة كاملة وبالذات على مضيق باب المندب (باب الدموع) فعززوا جزيرة ميون والتي احتلوها للمرة الثانية سنة 1857م والتي تسيطر على مدخل البحر الأحمر وأصبحت كل سفينة أجنبية عدوة تحت رحمة نيرانهم، ومع احتلالهم لميناء عدن عملوا على تأمينه لحمايته من المقاومة اليمنية الآتية من القبائل المحيطة بعدن ومن الداخل ومن ثم قيام المحتل بتوسيع نفوذه عبر معاهدات متعددة ومختلفة بحسب الظروف السياسية في المنطقة، وبعد ذلك اتخذوا من عدن نقطة انطلاق للتغلغل نحو الداخل لبسط نفوذهم على ما تبقى من اليمن الجنوبي, وكانت الظروف السياسية والاجتماعية خلال منتصف القرن التاسع عشر تسهل لهم تحقيق مخططاتهم لذلك تم لهم التغلغل في الداخل دون مواجهة صعوبات كبيرة، فقد وجدوا أمامهم بالفعل بلدا يفتقد إلى الوحدة السياسية مجزأ إلى عدد كبير من المناطق المستقلة بعضها عن بعض وكان على رأس بعض هذه المناطق سلاطين أو مشايخ إلا أنهم لم يكونوا يملكون سوى سلطة شكلية وكانوا مشغولين بصورة دائمة بحروب فيما بينهما حول قضايا متعددة اهمها الثأر، وكانت لتلك الحروب نتائج مأساوية فيما يتعلق بالحياة الاقتصادية والاستقرار السياسي، وكانت تلك المناطق تستعصي على كل مراقبة، فالقادة المحليون كانوا من جهة عاجزين على فرض سيطرتهم وكانوا من جهة ثانية لا يخضعون لسيطرة أحد بل أن هؤلاء القادة المحليين كانوا أنفسهم المحرضين على الصراعات القبلية، فكان القوي يخضع الضعيف ويلحقه بنفوذه، فكانت الفوضى تعم جنوب اليمن وكانت الزراعة مهملة والطرق التجارية مقطوعة والبطالة مستفحلة وحركة الهجرة قوية.

احتلال مصر
ومع فتح قناة السويس عام 1869م ومع استخدام السفن التجارية ازدادت أهمية ميناء عدن ولذلك كان حماية أمن الميناء يتقدم في نظر الانجليز على كل شيء لذلك انصرفوا إلى تقوية منشآته وتزويد جزيرة ميون بالمدفعية.
فكلما توسعت مصالح بريطانيا في آسيا الغربية وافريقيا الشرقية (شراء أسهم مصر في شركة قناة السويس عام 1875م) وكلما امتدت امبراطوريتها باحتلال مصر والسودان كلما زادت قبضتها تمسكا بعدن، وعلى هذا الأساس أقامت على طول الشاطئ منطقة حماية شرق عدن وغربها.

المقاطعات التسع
وهي تشكل القسم الغربي الذي كان الاستيلاء عليه أقل سهوله من القسم الشرقي من حضرموت، لأن الانجليز اصطدموا منذ البدء بحكومة صنعاء بالمطالبة بجنوب اليمن كونه جزءاً من الوطن الأم، وكان هذا الوضع يقرب السلطات الانجليزية من زعماء القبائل في حضرموت والمهرة.
إن كون اليمن دولة مركزية قوية وغنية وموحدة كان يجعل منه عقبة في وجه المخططات البريطانية، لكن الامارات الصغيرة التي انسلخت عنه خلال القرن الثامن عشر تشكل حليفات طبيعية للسلطات الاستعمارية البريطانية، لذلك فإن التغلغل كان فعليا نظرا لموقف حكومة صنعاء من جهة، ولعودة العثمانيين للمرة الثانية واحتلال اليمن سنة 1872م.
وأن دعم السلطات البريطانية للأمراء والمشايخ جعلهم يبسطون نفوذهم على القبائل التي كانت تتجه إلى التوحد مع صنعاء، وقد استطاعت السلطات البريطانية في عدن أن تحملهم على توقيع معاهدات الحماية عن طريق تزويدهم بالسلاح والمؤن وبالمكرمات المالية السنوية.

حضرموت والمهرة
ما عدا القبائل الرافضين للزحف الاستعماري البريطاني نحو حضرموت لم يكن ثمة عقبات جدية تقف في وجه تدخل الانجليز عمليا لذلك كانت تستخدم القوة وتقوم بعمليات تأديبية تجاه خصوم زعماء القبائل الذين اصبحوا موالين لهم.
فإن حكومة الهند دعمت عسكريا عام 1881م القعيطي ضد خصومة من الكسادي الذين نزحوا نهائيا عن المكلا لقاء تعويض مالي، وعندئذ قبل زعيم قبيلة القعيطي بتوقيع معاهدة 1888م والتي بموجبها أصبحت حضرموت تحت الحماية البريطانية ومكافأة لزعيم القبيلة على ولائه لبريطانيا لقب سلطانا عام 1902م.
وفي حالات أخرى كان التدخل يقوم على حسم النزاع حول الحدود فعند قيام الخلاف بين الكثيري والقعيطي, تدخلت السلطات البريطانية لصالح القعيطيين في التحكيم, وقد توج الاتفاق عام 1918م بتوقيع المعاهدة الثلاثية الانجليزية– الكثيرية– القعيطية التي أعلن بموجبها السلطانان (حليفين للامبراطورية) والتي اعترفت للسلطان القعيطي بميزة خاصة فيما يتعلق بالعلاقات مع حكومة الهند, وضمنت في الوقت نفسه الاستقلال الذاتي لدولة الكثيريين.
اما فيما يتعلق ببلاد المهرة وسقطرى فقد وضعت تحت حماية (صاحبة الجلالة) بموجب معاهدة 1886م..
وهكذا فإن المنطقة كانت تفتقر إلى سلطة مركزية قادرة على فرض النظام والأمن وكان التبعثر يحول دون تشكيل مقاومة جدية تقف في وجه الانجليز ولم تكن الأطر الاجتماعية والسياسية العشائرية والاقطاعية قادرة على قيام مؤسسات تنقذ الشعب من الخوف والجوع والاضطهاد.
ورغم ذلك فالاحتلال البريطاني لم يخلص جنوب الوطن مما كانت تشكو منه.
وعلى الرغم من تلك الظروف المواتية إلى أقصى حد, فإن السلطات الانجليزية في عدن لم تعتمد على القوة في بسط نفوذها, لأنها وجدت في شخص بعض السلاطين الراغبين في تعزيز سلطتهم تجاه القبائل المنافسة والمتمردة حلفاء طبيعيين، فأنشأت معهم علاقات جوار وصداقة تمهيدا لفرض معاهدات حماية عليهم.
واستطاعت حكومة الهند البريطانية أن تتوصل دون صعوبات كبيرة ودون احتلال فعلي للأراضي إلى أن تخضع بواسطة أسلوب الاتفاقيات والاحلاف التي امتدت بين 1839 إلى 1914م اليمن الجنوبي للسيطرة البريطانية، فقد أخضعت صغار الامراء المحليين لسلطتها وقد ضمنت لهم المحافظة على الاستقلال الذاتي التقليدي ضمن حقوق السيادة لسلطات الحماية بعدن والتي لم تعمل على السيطرة على النزاعات القبلية.
بل ذهبت إلى حد إعطاء زعماء القبائل صفة الامارة والسلطنة والمشيخة ووضعهم على رأس دول مصطنعة، لذلك قامت في ظل السيطرة البريطانية مجموعة كبرى من المحميات تتوالد وتتكاثر كلما عقدت معاهدات جديدة للحماية تم توقيعها من قبل زعماء آخرين، ومنذ ذلك الحين تحولت الصراعات القبلية إلى صراعات بين دول ذات تكوين اقطاعي..
وعندما بسطت انجلترا حمايتها على اليمن الجنوبي اكتفت بإعلان ذلك وتركت البلاد لمصيرها المحزن وشيدت على أساس من الحكم المطلق قوى سياسية ليس لها مثيل في رجعيتها، ولم تشهد البلاد أي تحسن في أوضاعها سواء على الصعيد الاداري او الاقتصادي او الثقافي وبقيت التركيبات السياسية والاجتماعية البدائية على حالها لم تمس.

مستقبل العلاقات اليمنية الخليجية
في 27 فبراير1938م اورد حاكم بومباي في خطابه الموجة إلى مجلس إدارة شركة الهند الشرقية البريطانية تضمن تدشين احتلال ميناء عدن حيث قال: "إن عدن بالنسبة لنا لا تقدر بثمن فهي تصلح كمخزن للفحم طيلة فصول السنة، ويمكن أن تكون ملتقى عاما للسفن المستخدمة طريق البحر الأحمر, وقاعدة عسكرية بواسطتها يمكننا أن نحمى ونستفيد من تجارة الخليج العربي والبحر الأحمر والساحل المصري المحاذي والغني بمنتوجاته، وعدن كجبل طارق متى ما أصبحت في أيدينا ستكون صعبة المنال من البر والبحر.. هناك أمتان كبيرتان تتآمران علينا وتودان القضاء على نفوذنا في الشرق الأولى روسيا القيصرية وتتجه نحونا من خلال إيران والثانية فرنسا وهي آتية من خلال مصر، وحتى نتصدى لهذه التهديدات يتحتم على بريطانيا أن تعد لنفسها مراكز دفاعية خارج الحدود".

اهمية عدن
بعد فتح قناة السويس في عام 1869م ازدادت أهمية عدن والخليج العربي في حركة الملاحة الدولية، وأصبح النفوذ البريطاني في عدن إحدى نقاط الانطلاق لاحتلال مصر وإلغاء النفوذ العثماني فيها، وبعد احتلال مصر والسودان أصبحت الممرات المائية الدولية الثلاثة وهي البحر الأحمر ببوابتيه الشمالية والجنوبية والبحر العربي والخليج العربي تحت السيطرة البريطانية وكانت هذه السيطرة أحد عوامل احتلال بريطانيا مرتبة الدولة العظمى الأولى في العالم إلى الحرب العالمية الثانية.
ومن عدن تسرب النفوذ البريطاني إل إمارات ومشيخات جنوب اليمن وعبر ثلاثة أنواع من المعاهدات الأولى سميت بمعاهدات الصداقة والسلام والثانية معاهدات الحماية والثالثة معاهدات الاستشارة، ووصل النفوذ البريطاني إلى حضرموت والمهرة في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وبالوصول إلى حضرموت والمهرة ارتبطت حلقات النفوذ البريطاني في الجنوب والخليج ببعضها البعض، وهذا ما تسعى له امريكا عبر عدوانها على اليمن والزج بوكلائها من اجل مصلحتها.
وما تشهده مناطق جنوب الوطن المحتل من سياسة تقسيم ونهب وانشاء مكونات ضعيفة ترتهن للمتحل بواسطة ادوات طيعة تتمثل بالإمارات والسعودية التي تمثل عباءة وبوابة خلفية لعودة المحتل القديم ولكن بعباءة اعراب الخليج.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا