أخبار وتقارير

فصل المناطق الشرقية: حضرموت - المهرة – سقطرى الحلقة (11)

فصل المناطق الشرقية: حضرموت - المهرة – سقطرى الحلقة (11)

  أكد الباحث عبدالله بن عامر أن من أهم أسباب التوجه البريطاني نحو تقسيم اليمن التاريخي هو الطبيعة الجغرافية المميزة التي دفعت الى القول بأنه مع توافر الإمكانيات المادية والعسكرية والسياسية يمكن لليمن أن يتزعم كامل المنطقة الجنوبية من الجزيرة..

ومما تضمنه الفصل السادس من كتابه تطرق الباحث الى سياسية بريطانية التي استخدمتها "فرق تسد" من أجل تحقيق أهدافها في المناطق التي وضعت تحت الحماية البريطانية.. فيما يلي نص الموضوع حسب ما أورده الباحث:

احتلال حضرموت والمهرة:
في عام 1886م وضعت المهرة وسقطرى تحت الحماية البريطانية أما حضرموت فقد خضعت للحماية قبل ذلك وكانت بريطانيا تستخدم سياسة فرق تسد من أجل تحقيق أهدافها ففي عام 1881م دعمت بريطانيا امارة القعيطي ضد خصومها الكسادي ونزح الكسادي الى عدن لقاء مبلغ مالي وتولى السلطان الجديد توقيع معاهدة مع البريطانيين والتدخل لحسم الخلافات حول الحدود بين المحميتين ،وبعد تحقيق الاستقلال شهدت حضرموت تحولات عدة حيث كانت تتأثر بالصراع في عدن لاسيما خلال السنوات الأولى للجمهورية وكانت حضرموت محسوبة على التيار الاشتراكي المتشدد لدرجة أنها في احداث الصراع بين تيارات السلطة في عهد الرئيس قحطان أعلنت قطع العلاقات مع عدن «بسبب ان عدن أصبحت تابعة للإمبريالية الأمريكية» ومما يقال أن حضرموت حاولت الانفصال بقيادة فيصل النعيري أثناء أزمة 1968م ويبدو ان ذلك كان بتدخل سعودي ودعم بريطاني حيث بدأت السعودية تعمل على التدخل في الشطر الجنوبي إلا أنها كانت تفشل فلجأت الى من قررت استيعابهم من السلاطين والمشايخ وشكلت لهم قوات وقامت بتسليحها إضافة الى محاولاتها اثارة الصراع في الداخل وذلك في مايو 1968م وفي مارس 1969م شن السلاطين هجمات من السعودية على الشطر الجنوبي وفي 1972م اشعلت السعودية الحرب بين الشطرين الشمالي والجنوبي وكان ذلك ضمن مخطط اشغال الشطرين بالحرب مقابل التقدم واحتلال حضرموت والمهرة وفصل المحافظتين عن اليمن وهذا ما كان قد أشار اليه اليمن الجنوبي ففي 15 ديسمبر 1972م أعلن اليمن الجنوبي رسمياً عن وجود مؤامرة أمريكية سعودية إيرانية عُمانية وأن من وضع خطتها وكالة المخابرات الامريكية وجاء في تصريح على لسان رئيس الوزراء وزير الدفاع علي ناصر محمد أن هذه المؤامرة تقوم على احتلال حضرموت والمهرة لتحقيق عدة أهداف منها: قطع خطوط الإمداد على ثوار ظفار وتأمين منافذ بحرية مباشرة للسعودية على بحر العرب ومن ثم الوجود الأمريكي إضافة الى الاحتمالات العالية لوجود النفط في هاتين المحافظتين.  وقد ظلت حضرموت تحافظ على هويتها ضمن الهوية اليمنية الجامعة رافضة الانسلاخ عن الجسد اليمني الواحد وقدمت للبلاد أبرز كوادرها في السياسة والاقتصاد والإدارة والثقافة والعلم ورغم المحاولات منذ عقود في دفع أبناء حضرموت الى اتخاذ مواقف إنفصالية عن اليمن الا ان تلك المحاولات تبوء بالفشل ومما يجدر الإشارة اليه هنا موقف الرئيس علي سالم البيض من الوحدة وأسباب اندفاعه الى خيار الوحدة الاندماجية وليس الفيدرالية حيث تتمثل تلك الأسباب في حضرموت نفسها ولهذا يقول أن أسباب الوحدة ثلاثة إنهيار الإتحاد السوفياتي- إقتطاع السعودية أجزاء كبيرة من أراضي جنوب اليمن - إكتشاف أن حضرموت تقوم على بحيرة نفط وكان المسؤول الوحيد الذي يعرف بهذه المعلومة من جهات أجنبية ولو ان المكتب السياسي للإشتراكي عرف بهذه المعلومة لوقف ضد الوحدة  واذا تحدثنا عن المهرة فقد بدأت المحاولات السعودية بالتزامن مع محاولات ضم حضرموت كون احتلال حضرموت سيؤدي حتماً الى احتلال المهرة التي كان لها حضور في الاجندة البريطانية والسعودية ويمكن ان نشير هنا الى مرحلة ما بعد 1990م حيث انتهجت السعودية سياسة تجنيس أبناء المهرة بإعداد كبيرة وتقديم امتيازات لهم ودفعهم الى اتخاذ مواقف ضد بلدهم إلا انهم ابلغوا صنعاء وقتها، بل كانوا يلومون السلطة في صنعاء على تقاعسها في الحفاظ على المهرة ومواجهة المخطط السعودي بل إن وطنية أبناء المهرة جعلتهم يناشدون السلطة بصنعاء الى ارسال طواقم تلفزيونية لتصوير المحافظة وتوثيق تراثها حتى يتأكد الجميع انها يمنية في وقت كانت عروض السعوديين لهم مغرية، وهاهم اليوم يجددون مواقفهم الوطنية التاريخية.

السيطرة على سقطرى:
لجزيرة سقطرى أهمية استراتيجية نظراً لموقعها الحيوي المرتبط بخليج عدن وباب المندب وكذلك بمضيق هرمز والبحر العربي وخليج عمان إضافة الى المحيط الهندي وارتباطها كذلك بقارتي آسيا وافريقيا ولهذا فهي مفتاح مهم من مفاتيح السيطرة على خطوط التجارة البحرية ولها أهمية تتعلق بثرواتها من تنوع بيئي وكذلك ثروات بحرية وبرية مختلفة وقيل خلال العقود الماضية أن سقطرى تساوي ثقلها ذهباً ويعود الاهتمام البريطاني بالجزيرة الى النصف الأول من القرن التاسع عشر حينما ارسل هينز أحد ضباطه الى سلطان المهرة بموجب تكليف من حكومة بومباي البريطانية وذلك لإقناع السلطان بضرورة الارتباط بالبريطانيين من خلال معاهدة تجارية قبل أن تقرر بريطانيا وقتها ضرورة احتلال الجزيرة وذلك بعد فشل المفاوضات مع سلطان المهرة وفي 1834م عادت المحاولات البريطانية مع سلطان المهرة عامر الطوعري الذي قال أنه لن يتخلى عن الجزيرة طالما بقيت السماء فوقه وبذل الوفد البريطاني جهداً كبيراً لإقناع الحاكم بالتنازل عن الجزيرة مقابل المال إلا أنه رفض بشدة  كل تلك المحاولات وأكد أن جزيرة سقطرى هبة من الله لقبيلة المهرة وانه لن يتخلى عن أي شبر منها، وقال رداً على عروض شراء الجزيرة لن تأخذوا ولا شبراً طالما امكن لواحد من المهرة ان يقذف رمحاً وإذا ارسلتم جنوداً فيمكننا عمل نفس الشي ،ويقول المؤرخ القاسمي وهو إماراتي الجنسية ان السلطان عامر لم يكن رافضاً ومتشدداً فقط وإنما كان حازماً مع كل من تسول له نفسه الإتصال بالبريطانيين من أبناء المهرة، وكان ذلك الموقف بعد ان علم بمحاولات البريطانيين إيجاد شرخ وانقسام داخل القبيلة وكذلك تحريض احد أقارب السلطان على الانقلاب عليه فوقتها كانت بريطانيا تبحث عن شرعية لوجودها في الجزيرة بعد ان كانت قد دفعت بأسطولها البحري لاحتلالها واذا وافق السلطان على بيع الجزيرة فمن يدري ان سقطرى كانت ستبقى تحت سيطرة البريطانيين حتى يومنا هذا فلا تزال جزر في مناطق مختلفة حول العالم تابعة لبريطانيا حتى اليوم بعد أن قامت بشرائها من سكانها في القرن التاسع عشر، وقد شهدت تلك الفترة محاولات بريطانية تمثلت أولاً في عرض شراء الجزيرة ثم محاولة احتلالها ثم العرض على سلطان المهرة باستئجارها وقد استعد أبناء المهرة للجهاد ضد البريطانيين الذين اضطروا الى الانسحاب من الجزيرة لعدة أسباب منها تفشي الامراض بين جنودهم ولم تتمكن القيادة البريطانية من وضع حد لتلك الامراض التي فتكت بالجنود فجاء قرار الانسحاب في 1835م، وبعد دخول المشايخ والسلاطين في المناطق الجنوبية لليمن في معاهدات حماية مع البريطانيين لم يجد سلطان المهرة بتلك الفترة أي مفر سوى الدخول تحت الحماية البريطانية وذلك في 1867م واحتفظ الاحتلال البريطاني بالجزيرة بصفة مركز استراتيجي احتياطي وخلال الحرب العالمية الثانية أنشأت بريطانيا قاعدة جوية في الجزيرة ثم غادرت بعد الحرب وسحبت كل شيء حتى المولد الوحيد بالجزيرة وفي 1957م عمل البريطانيون على انشاء قاعدة جوية في سقطرى تحسباً لتطور الموقف في النزاع اليمني البريطاني..

فصل ظفار
لسنا هنا بصدد إثارة الجدل حول منطقة ظفار التي أصبحت ضمن سلطنة عمان إلا أن هذا البحث لا يكتمل دون التطرق اليها بإعتبارها جزء من اليمن التاريخي مثلها مثل عسير ونجران وجيزان وهذا الأمر متفق عليه لدى معظم المؤرخين إن لم نقل جميع المؤرخين الأكثر شهرة ودراية بالتاريخ العربي وتاريخ اليمن والجزيرة العربية على وجه التحديد، ولعل من أسباب التوجه البريطاني نحو تقسيم اليمن التاريخي هو الطبيعة الجغرافية المميزة التي دفعت الى القول بأنه مع توافر الإمكانيات المادية والعسكرية والسياسية يمكن لليمن أن يتزعم كامل المنطقة الجنوبية من الجزيرة، ومن ثم يفهم دأب القوى الإستعمارية البريطانية في خلق المحميات منعاً من قيام هذه الكتلة المحلية التي تستطيع السيطرة فعلاً على كل الساحل العربي الجنوبي على البحر العربي والمحيط الهندي كان لبريطانيا بصمات فيما يتعلق بتحديد الحدود بين اليمن وسلطنة عمان وبما أدى الى فصل إقليم ظفار عن اليمن وإلحاقه بسلطنة عمان وفي البداية نؤكد أن قضية ظفار غير حاضرة في الذهنية اليمنية تماماً كقضية أقاليم عسير ونجران وجيزان نتيجة العلاقات الجيدة بين عُمان واليمن والتعامل الأخوي بين الشعبين الأمر الذي أدى الى تناسي الكثير من ملفات الخلاف إضافة الى أن دور سلطنة عمان في اليمن ليس كالدور السعودي الذي يحاول اخضاع اليمن وتفتيته واضعافه وتدميره بشتى الوسائل ومختلف الطرق.
خلال فترة الاحتلال البريطاني لعدن وما عرف بالمحميات الجنوبية والشرقية اتجهت سلطات الاحتلال الى ترسيم الحدود بين المهرة وظفار وهو ما كان يعني ترسيم الحدود بين اليمن الجنوبي وسلطنة عمان وذلك في العام 1965م لأسباب تتعلق الحفاظ على المصالح البريطانية في المحميات الشرقية ويذكر أن خط الحدود الذي تضمنته الاتفاقية في 1965م لم يكن سوى تطوير وتعديل لخط سابق معروف بخط هيكم بوثم ورد في نصوص اتفاقيات بين سلطان المهرة وسلطان عمان 1954- 1960م ورغم تعامل سلطات جمهورية اليمن الجنوبية بعد الاستقلال بالحدود الموروثة من عهد الاحتلال إلا أن الخطاب الإعلامي ظل يتحدث عن ظفار كحق من حقوق اليمن التاريخية قبل أن تتجه السلطة في عدن الى دعم حركة ظفار التي كانت تطالب بالاستقلال واسقاط نظام السلطان قابوس بن سعيد لاسيما في الفترة ما بين 1970- 1976م وقد أدت المواجهات العسكرية بين جبهة تحرير ظفار وقوات السلطان قابوس الى تدخلات خارجية فالدول الخليجية وكذلك ايران ودول غربية مثل بريطانيا قدمت الدعم للسلطان قابوس فيما المنظومة الاشتراكية كالاتحاد السوفيتي والصين إضافة الى جمهورية اليمن الديمقراطية قدمت الدعم لجبهة تحرير ظفار ونتج عن تلك المواجهات إقامة حواجز عسكرية وبروز واقع حدودي جديد ليس كما هو عليه في خط إتفاقية 1965م.
وبتحركات عربية منها للرئيس إبراهيم الحمدي توصلت مسقط وعدن الى تفاهمات في 1976م منها الاعتراف المتبادل بين الدولتين فيما ظلت ظفار عصية على قوات السلطان قابوس ومن يقف معها في المعركة من قوات إيرانية وبريطانية إلا ان السلطان تمكن من خلال سياسة الاحتواء والحوار من بسط نفوذ السلطنة على ظفار، ومن ثم تعززت العلاقة مع الشطر الجنوبي وصولاً الى مفاوضات 1982م  وحينها لم تعترف اليمن بإتفاقية 1965م حتى تم تحديد خط مستقيم للحدود في الفاتح من أكتوبر 1992م بصنعاء، وكان الخلاف في مباحثات 1982م على أساس الحدود عشية الاستقلال 1967م إلا أن وجود أكثر من خريطة وأكثر من خط أدى الى التفاوض بشأن تحديد خط جديد للحدود يبدأ بنقطة رأس ضربة علي على ساحل البحر الأحمر ثم جرى الخلاف حول تحديد موقعها وبشأن وادي حبروت فقط طلب السلطان قابوس ضمها لعمان ووافق الجانب اليمني على ذلك وتنازل اليمن كذلك على كوريا موريا إلى جانب قلعة ووادي حبروت وبشأن نهاية الحدود في صحراء الربع الخالي فقد حسمها الاتفاق العماني السعودي ما اثر ذلك على طبيعة خط الحدود اليمني مع السعودية حيث كان من المفترض ان يتجه الخط العماني اليمني شمالاً وبحسب الدكتور الوشلي فإن الكثير من أبناء اليمن اعتبروا اتفاقيات الحدود قد قلمت مساحة اليمن كثيراً واقتطعت أجزاء كبيرة من أراضي اليمن التاريخية كظفار الذي تبلغ مساحته 90 ألف كم مربع بل تم ضم أراضي أخرى الى عمان ما جعل أبناء المهرة يرفضون اتفاقية ترسيم الحدود مع عمان وقالوا ان تلك الاتفاقية ضمت أراضي إضافية الى عمان قدرت بـ18 ألف كم وان هذه الاتفاقية لم تأخذ بالاعتبار اتفاقيات 1954م و1960م بين سلطان المهرة وسلطنة مسقط تحت اشراف المستشارين البريطانيين وكان من ضمن ما أكدوه أن بداية خط الحدود من مصب وادي صرفيت على بحر العرب وليس رأس ضربة علي، استحداث مثلث حبروت وهذا لم يكن موجودا، وهناك أراضي يمنية احتلت بعد الاستقلال بدعم من القوات الإيرانية، واتهم أبناء المهرة القيادة اليمنية بعدم معرفة طبيعة الأراضي وأهميتها وثرواتها.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا