أخبار وتقارير

العداء السعودي للوحدة اليمنية (5)

العداء السعودي للوحدة اليمنية (5)

تمويل السعودية للقبائل اليمنية أدى إلى تقويض سلطة الدولة المركزية
علي الشراعي
رغم توقيع اتفاقية الحدود المجحفة بحق اليمن في جدة يونيو عام 2000م يبدو أن السعودية كانت مطامعها اكبر مما أخذت من أرض اليمن عقب توقيع اتفاقية الحدود 2000م

فعادت لخلق الأزمة عن طريق من فروا من القادة والسياسيين بعد حرب صيف 1994م والتي تزامنت مع تصريحات شديدة اللهجة لحيدر أبو بكر العطاس أحد الفارين خارج اليمن عقب حرب صيف 1994م  والمقيم في السعودية والذي دعا إلى فك الارتباط بين الشمال والجنوب.
كذلك خلال الستة الحروب في صعدة 2004- 2009م  لوحت السعودية بالورقة الجنوبية وتأييد القيادات الجنوبية بالدعوة لفك الارتباط ورغبتها في لعب ذلك الدور الذي تدعو إليه معارضة الخارج ويحركه الحراك الجنوبي في الداخل. وهذا ما دفع القيادة اليمنية للتقارب مع كل من قطر وليبيا أثر الحرب السادسة في  صعدة للحصول على الدعم لمواجهة السياسة السعودية من جهة وحل القضية في صعدة من جهة أخرى .

اتفاقية تسليم
إن قرار الموافقة على ترسيم الحدود بين اليمن والسعودية هو قرار يعكس هيمنة رأس النظام في صنعاء آنذاك على الأوضاع السياسية في البلاد فالحسم في الحدود اليمنية - السعودية يُعد موضوعا شديد الحساسية بالنسبة للرأي العام اليمني , ولذلك لم يتمكن أحد من الرؤساء اليمنيين السابقين من اتخاذ قرار حاسم بشأنه وعندما أشيع بأن محمد أحمد النعمان وزير الخارجية في حكومة عبدالله الحجري في عهد الرئيس القاضي الارياني وقع على بيان مع الطرف السعودي اعتبر الحدود بين اليمن والسعودية حدودا دولية ودائمة لقي البيان معارضة شعبية ورسمية شديدة أدت إلى سحب الاعتراف , ليس هذا فحسب بل ولقي رئيس الوزراء عبدالله الحجري ووزير خارجيته محمد احمد نعمان حتفهما في أماكن وظروف مختلفة على خلفية ذلك البيان , أما قرار الرئيس صالح بالتوقيع على اتفاقية جده في يونيو 2000م والتي نصت على أن الحدود بين الدولتين نهائية ودولية ومع أنه لم يسبقه تهيئة للرأي العام وبدا وكأنه تسليم للسعودية دون أن يقابله مصالح سياسية واقتصادية لليمن إلا انه وجد سبيله للتنفيذ سريعا باستثناء بعض الاعتراضات المحدودة .

أموال سعودية
يشير الباحث علي ابراهيم مطر في كتابه ( العلاقات اليمنية – السعودية ) إلى حجم الأموال التي قدمتها السعودية لكسب ولاءات قبلية لها في اليمن والتدخل بالشؤون اليمنية الداخلية بل وإيصالهم إلى هرم السلطة ومراكز سياسية وعسكرية هامة لأضعاف قوة الدولة اليمنية مما يخلق لها فرصة لتحقيق مطامعها في اليمن والتي عجزت عنه عسكريا فلجأت إلى عدة أساليب لتقويض الوحدة اليمنية من الداخل ومن ذلك ما كشفته وثائق ويكليكس فقد  نشر موقع ويكليكس وثيقة رقم (08SANAA 1053) تحدثت : أن الشيخ عبدالله يستلم مبالغ مالية من السعودية تقدر ب7 مليارات ريال يمني  وتم تخفيض المبلغ بعد وفاة الشيخ الأحمر ليستلم ابنه حسين الأحمر ما بين  3- 4 مليارات ريال يمني شهريا ووفقا للوثيقة المؤرخة في 18 يونيو 2008م . وأن السعودية استغلت قرب المملكة من اليمن جغرافيا وتاريخها المشترك ولا سيما أن الكثير من القبائل اليمنية تربطها علاقات مصاهرة مع القبائل السعودية حيث قدمت مبالغ مالية لشيوخ القبائل مقابل الحصول على معلومات لضمان سيطرتهم على السياسات المحلية وكسب ولاء الشيوخ وقبائلهم وكشفت وثائق ويكيليكس عن طبيعة العلاقة التي اختارتها السعودية في علاقتها مع القبائل اليمنية حيث المال يمثل العنصر الأساسي من خلاله تستطيع شراء ولاء القبائل وتعزيز نفوذهم . كما ذهب بعض المحللين السياسيين إلى أن تمويل السعودية للقبائل بحجة محاربة الإرهاب يؤدي إلى تقويض سلطة الدولة المركزية اليمنية في الوقت الذي تحتاج فيه الدولة اليمنية كل قوتها لمواجهة التهديدات الأمنية في نفس الوقت الذي يعتمد العالم الغربي على السعودية في تحقيق الاستقرار في اليمن كون الرياض اكبر المانحين في برنامج المساعدات المقدمة لليمن إلا أن السعودية تقدم الدعم بشكل مباشر للقبائل والذي يقوض من سلطات الحكومة وتحرص بشكل دائم على خلق توازن بين السلطة المركزية والقبائل .
ومن خلال هذا التوازن يجعل اليمن في حالة عدم استقرار دائم قابل للتدخل والسيطرة في صنع القرار والتوجهات في السياسة الداخلية والخارجية , كما أن ذلك الدعم قوض من قدرة الدولة على محاربة الإرهاب . ورفضت السعودية كل المطالب لوقف الدعم عن القبائل اليمنية مما يؤكد مدى أهمية القبائل كوسيلة نفوذ للسعودية في اليمن وقال : باراك بار في الباحث الأمريكي في (مؤسسة أمريكا الجديدة) خلال ندوة أقيمت في العاصمة القطرية الدوحة هناك أن الدعم السعودي للقبائل اليمنية يقوض سلطة الدولة وأن السعودية لا تريد أن يكون اليمن بلدا قويا  ولهذا فهي تحرص على دعم القبائل اليمنية) .

اللجنة الخاصة
خصصت السعودية لجنة سميت (اللجنة الخاصة ) وهي لجنة متخصصة في دعم القبائل وتقديم المال والرواتب لبعض المشايخ ويرأس هذه اللجنة ولي العهد السعودي الأمير سلطان بن عبدالعزيز , وبعد وفاة الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر أواخر 2007م الحليف التاريخي للمملكة ظهرت طموحات لبعض القوى القبلية اليمنية - في ظل غياب قانون ونص دستوري يحرم ويجرم مثل هذا التواصل غير الرسمي وعبر قنواته الرئيسية مع دولة تُعتبر العدو التاريخي لليمن شعبا وأرضا - للعب نفس الدور الذي كان يقوم به الشيخ الأحمر فبعد عودة الأمير سلطان بن عبدالعزيز المتخصص في الملف اليمني من رحلة علاجية قدم إلى الرياض أكثر من 100 شيخ قبلي على رأسهم شيخ مشايخ قبيلة بكيل المنافسة لقبيلة حاشد التي يتزعمها الشيخ عبدالله الأحمر ( العلاقات اليمنية - السعودية )

أدوات الرياض
لم يكن ترسيم الحدود  بين اليمن والسعودية نهاية في أن يكف آل سعود عن مطامعهم في اليمن لتقسيمها بعد أن خسرتها عسكريا إلى معارك سياسية واقتصادية وصراعات دينية عبر أدواتها فخارجيا استقطاب من فروا من قادة الجنوب بعد حرب صيف 1994م و في الداخل اليمني فالقبيلة والجماعات الدينية وتغذيتها احدى أهم وسائلها ما بعد 2000م . حيث تتغير علاقة القوى القبلية بالسعودية تبعا لتغير العلاقة مع السلطات الرسمية في اليمن فبعد أن تم ترسيم الحدود في عام 2000م بدأت العلاقة في الضعف نتيجة تراجع المبرر في ممارسة النفوذ وبدأت العلاقة تسير بين البلدين في الأطر الرسمية كما أن نظرة السعودية قد تغيرت للنظام السياسي اليمني حيث رأت بان مصالحها ستكون في حال أفضل ببقاء الرئيس صالح في الحكم كونه سيكون أكثر حرصا على بقاء الاتفاقيات المجحفة التي قبلها فيما يتعلق بترسيم الحدود في نفس الوقت الذي لم تجن اليمن ما كان مؤملا من تلك الاتفاقيات بعودة القوى العاملة اليمنية إلى الأراضي السعودية ومعاملتها بنفس المعاملة للمواطنين السعوديين بل أصبح يمارس على المواطن اليمني في الأراضي السعودية والخليجية قانون الاحتقار والعبودية. ومن ناحية أخرى أن بقاء الرئيس صالح في الحكم دون تغيير يضمن عدم تطبيق النظام الديمقراطي في صورته الحقيقة وهذا مالا تريده السعودية , إضافة إلى أن النظام الحالي هو القادر على التعامل مع ملف الإرهاب وهو ما يلتقي عنده السعوديون والأمريكان هذه العوامل التفضيلية لبقاء الرئيس صالح واجهت معارضة شديدة من المؤسسة القبلية والتي يتزعمها الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر إضافة إلى أن حزب المؤتمر الشعبي العام استطاع إقصاء حزب التجمع اليمني للإصلاح وتقليص دوره من خلال عمليتين انتخابيتين أحدهما جرت في عام 1997م والأخرى جرت عام 2003م وهو الحزب الذي يضم الإخوان المسلمين والقوى القبلية التي يتزعمها الشيخ الأحمر.
ولهذا بدأت معالم صراع بين المؤسسة القبلية والدينية من جهة والرئيس صالح من جهة أخرى بلغت ذروتها في الانتخابات الرئاسية عام 2006م واستطاع أن يفوز بها الرئيس صالح بفارق كبير مما أعطى انطباعا لدى المؤسسة القبلية التي يتزعمها الشيخ الأحمر بأن دورها وعلاقتها مع السعودية قد تتعرض للخطر بسبب سيطرة صالح على مفاصل الدولة في الداخل وإسناد المناصب الحساسة مدنية وعسكرية لأقاربه وانفراده في العلاقات مع السعودية .

العداء الاماراتي
 ( انه إنما يشهد أبطالا من ابطال القوات المسلحة اليمنية سيكونون كما هم بالفعل حماة اشداء ليس لليمن فحسب وانما لكل الدول العربية ... حينما تتعرض لأى عدوان يستهدف حريتها وكرامتها واستقلالها وان القوات المسلحة اليمنية في ظل حركة 13 يونيو التصحيحية جزء لا يتجزأ من القوات المسلحة في كل الدول العربية تعادي أعداء الأمة العربية وتستبسل من اجل الدفاع عن الكرامة والعزة العربية ) من خطاب المقدم عبدالله الحمدي قائد قوات العمالقة في  المناورة العسكرية التي نفذها اللواء الاول عمالقة في الثالث عشر من مارس وبحضور الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الامارات العربية المتحدة الذي زار اليمن خلال الفترة من 12-17 مارس عام 1977م .( مجلة الجيش , العدد 84 , ابريل 1977م )
إن موقف الامارات خلال وبعد حرب صيف 1994م ظل متصلبا وأوقفت الدعم الاقتصادي المتعدد الأنواع الذي كانت تقدمه أبو ظبي لصنعاء -  وأن اظهروا شيء من العلاقة مع صنعاء عام 1997م لكن اهدافهم ظلت خفية لتكشف في عدوان مارس 2015م -  ففي اليوم الثاني لبداية حرب صيف 1994م قامت الإمارات بتأييد انفصال جنوب اليمن عن صنعاء ودعمهم للقادة الاشتراكيين بالمال والسلاح وفتح أبواب بلادها لهم وبعد انتصار الوحدة اليمنية لجأ العشرات من السياسيين والضباط الجنوبيين إليها فقد كان الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة قد أعطى علي سالم البيض لقب فخامة الرئيس في إشارة واضحة إلى أنه رئيس ( جمهورية اليمن الديمقراطية ) مشكلا بذلك اعترافا غير مباشر بالدولة الانفصالية الجديدة , ومع وجود أغلب الانفصاليين في الإمارات فقد استغلت تواجدهم فيها لمعاداة صنعاء والوحدة اليمنية .
ويضيف رياض الريس في كتابه (رياح الجنوب ) بقوله : (والكثيرون في اليمن لا يعرفون كيف يفسرون موقف الإمارات من اليمن ووحدتها منهم الشيخ عبدالله حسين الأحمر الذي يصف بأنه موقف أكثر غرابة من موقف الكويت ولا مبرر له ولا يجد تفسيرا لموقف ابو ظبي المتصلب ضد اليمن) ويؤكد ايضا ( إن الشيخ زايد خلال حرب الخليج الثانية 1991م بأنه أقسم على تمزيق اليمن إلى اكثر من دولة) .

الثأر السياسي
إن بروز ظاهرة الإقطاع السياسي وتكريس ثقافة الثأر السياسي  أدى إلى عدم الاستقرار السياسي الذي يقود إلى تدهور في كافة القطاعات الأخرى فاللحظة التي يتسلم فيها قوى او حزب أو حركة للسلطة تمثل بالنسبة لهما فرصة للثأر من القوى التي كانت مهيمنة على السلطة في السابق وبالتالي تعاني الدولة من عدم الاستقرار .وبالتالي فالنخب التي تعاقبت على حكم اليمن والاحزاب التي نشطت في الساحة اليمنية بشكل سري أو علني سواء في الشمال أو الجنوب ولم تعرف اليمن الاستقرار السياسي وأديرت العلاقات السياسية بين مختلف الجماعات السياسية سواء كانت في السلطة أو خارجها وفقا لمبدأ الثأر السياسي وسعت كل واحدة منها إلى الإبادة السياسة للجماعات السياسية الأخرى
وبالتالي فإن الثأر السياسي كالثأر القبلي لا يأخذ طابعا فرديا فالثأر القبلي لا يتم من القاتل نفسه دائما وقد نقلت الثقافة القبلية هذه الممارسات إلى المستوى السياسي فتزامن مع كل تغير سياسي في اليمن عملية واسعة لإقصاء العناصر الموالية للنخبة السياسية السابقة أو المحسوبين عليها من الجهاز الإداري للدولة وهي ما تسمى بتطهير الجهاز الإداري وهي ممارسة مكرسة في الثقافة السياسية اليمنية استغلتها السعودية وربما غذتها وشاركت في اغلبها . ولعل أشهر عملية ثأر سياسي تلك التي حدثت بعد حرب 1994م حيث تم استبعاد عشرات الآلاف من العاملين في السلك العسكري والأمني والمدني وهو ما أدى إلى طرح القضية الجنوبية عام 2007م ومطالبة البعض من الجنوبيين بالانفصال , وعلى خلفية أحداث صعدة خلال عامي 2004 ,2005م أوقفت السلطات خلال عام 2006م نشاط 21 جمعية خيرية وأهلية في محافظة صعده , وتم إغلاق مركز بدر بالعاصمة صنعاء واعتقال العديد من طلبته ومدرسيه وتم التحقيق مع القائمين على مؤسسة المحطوري وفي عام 2004م أوقفت السلطة التنفيذية في محافظة عدن نشاط جمعية يافع الاجتماعية الخيرية على خلفية تنظيمها ندوة عبر دائرة تلفزيونية مغلقة استضافت فيها شخصيات معارضة مقيمة في الخارج وبعد حرب عام 1994م عملت السلطة في صنعاء على استصدار قرار من لجنة شؤون الأحزاب بحل حزب الحق (القصر والديوان الدور السياسي للقبيلة في اليمن , مجموعة مؤلفين يمنيين)

حروب بالوكالة  
يشهد التاريخ أن السعودية هي التي عززت في اليمنية النعرات القبلية  وكذلك الطائفية بل والمذهبية في مواجهة الحكم الثوري منذ مطلع الستينيات من القرن الماضي وحتى عدوانها في مارس 2015م على اليمن - . ففي سنة 2004م شن النظام في صنعاء آنذاك الحرب على صعدة على خلفية استغلال مخاوف السعودية من أي حراك قرب حدودها – حرب بالوكالة- لكن المفاجأة أن هذه المجموعة قاتلت بقوة ولن تضعف ولعبت مشيخة حاشد وآل الأحمر وإخوان اليمن (التجمع اليمني للإصلاح ) أدوارا تحريضية علنية تزلفا للجنة السعودية المكلفة بموضوع اليمن بإدارة الأمير سلطان بن عبد العزيز  .
ويلخص (غريغوري غوس ) أستاذ العلاقات السياسية في جامعة - فرمونت- الأمريكية تلك السياسة بالقول : ( تحاول السعودية تاريخيا منع أي قوة من بناء قواعد تأثير لها في اليمن لأن من شأن ذلك أن يؤثر على الأحداث في اليمن وشبه الجزيرة العربية ككل , وتُفضل لو كانت كل الأنظمة في تلك المنطقة ملكية وأن تكون علاقتها باليمن كعلاقتها بالإمارات الصغيرة على الخليج ) .

مخاطر داخلية
ظل الاتجاه الغالب في الفترة التي تلت جرب صيف 1994م هو الاوسع المطرد في سلطات وصلاحيات الرئيس وتمدد النظام السياسي الحاكم على حساب القوى السياسية والاجتماعية الأخرى. فمنذ عام 2000م حدث تحول في طبيعة التحديات التي يوجهها نظام الرئيس علي عبدالله صالح حيث تراجعت المصادر الخارجية لتلك التحديات بعد حسم قضايا الخلافات الحدودية مع كل من سلطنة عُمان واريتريا والسعودية , وبالمقابل تصاعدت المخاطر الداخلية التي يوجهها نظام الرئيس بسبب ارتفاع مستوى التنافس مع احزاب المعارضة وانزلاق البلاد في حروب تكررت ست مرات ما بين 2004 - 2009 م  في محافظة صعدة  فبعد الانتخابات الرئاسية عام 2006م انزلقت البلاد إلى حرب رابعة في صعدة كما اندلعت حركات احتجاج شعبية واسعة في المحافظات الجنوبية تحولت مطالبها من قضايا حقوقية إلى مطالب انفصالية ولها سيطرة واسعة على الشارع في تلك المحافظات وكان لها ارتباط بالقوى المعارضة في الخارج وخصوصا في السعودية والإمارات حيث يتواجد اغلب القادة الجنوبيين منذ نهاية حرب صيف 1994م
كذلك تمثل ظاهرة توريث القوة والتأثير السياسي أهم المظاهر السلبية لتنامي الدور السياسي للنخبة القبلية فعلى مستوى السلطة التنفيذية فإن أبناء شيوخ القبائل وأبناء كبار مسؤولي الدولة غالبا ما يتبوأون مواقع متقدمة في مؤسسات الدولة بما لا يتناسب مع مؤهلاتهم وخبراتهم وبشكل يتنافى مع مبدأ تكافؤ الفرص  وإن رفض شيوخ القبائل لمفهوم الديمقراطية والمطالبة بالشورى عوضا عنها يرجع إلى أن الديمقراطية تقوم على المواطنة المتساوية وإشراك جميع المواطنين في الشأن العام وفي عمليات صناعة القرار أما الشوري فتقوم على تمثيل التنظيمات القبلية من خلال شيوخها.

تعديلات دستورية
لشرعنه أي اتفاق أو معاهدة تنتهك سيادة اليمن وتقتطع أراضيها استطاعت السعودية عبر أدواتها في احداث صيغ قانونية ودستورية فيما يخص المؤسسة القانونية في اليمن تخدم اهدافها وايصال عملائها من شيوخ القبائل وابنائهم أو من السياسيين والقادة العسكرين الموالين لها إلى مناصب صنع القرار السياسي اليمن فدستور الجمهورية اليمنية يوزن القوة بين السلطات السيادية الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية حيث أسند السلطة التشريعية إلى مجلس النواب بنص المادة 62 من دستور الجمهورية اليمنية وفي فبراير 2001م استحدثت التعديلات الدستورية التي تم إجراؤها انشاء مجلس الشورى الذي أدرجته التعديلات في الفصل الثاني من الباب الثالث من الدستور والمخصص لتنظيم رئاسة الجمهورية وهذا يدل على تبعية هذا المجلس لمؤسسة الرئاسة والسلطة التنفيذية حيث يمارس مهام واختصاصات تشريعية إذ يقوم بالاشتراك مع مجلس النواب بتزكية المرشحين لمنصب رئيس الجمهورية والمصادقة على خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية والمعاهدات والاتفاقيات المتعلقة بالدفاع والتحالف والصلح والسلم والحدود وغيرها وبالتالي فإن التعديلات اتجهت بقوة لسلب بعض الصلاحيات التشريعية لمجلس النواب ومنحها لمجلس الشورى الذي يتبع السلطة التنفيذية وقد طال ذلك أهم الاعمال التشريعية وهي تلك الأعمال ذات الطابع السيادي والمتصلة بموضوعات ذات خطورة عالية على السيادة الوطنية مثل تعديل الحدود والتحالفات العسكرية أو السياسية وإعلان الحرب أو السلم ولم تبق التعديلات في المقابل للسلطة التشريعية منفردة غير الصلاحيات التقليدية وهي سلطة سن القوانين المنظمة للحياة الاجتماعية والاقتصادية .

دعم الجماعات
لم تكتف السعودية بشراء ولاءات شيوخ القبائل اليمنية والدفع بهم للسلطة بل استخدمت جماعات دينية لخدمة اهدافها ومطامعها التوسعية في اليمن وتقويض قيام الوحدة اليمنية قبل 22مايوم 1990م وما بعد الوحدة  وجعلت من تلك الجماعات مشروعها وادواتها في اليمن وما عدوان مارس 2015م الا دليل وشاهد على ذلك فبحكم القرب الجغرافي استفاد الإخوان المسلمون في اليمن من السعودية فقد كانت مصدرا لتزويدهم بالكتب والمطبوعات الدينية وبعض الموارد المالية من بعض الجمعيات الإسلامية.. كما أن العديد من الإخوان المسلمين اليمنيين تخرجوا من الجامعات السعودية وخاصة في عقدي السبعينيات والثمانينيات وهم يمثلون اليوم المرجعيات الفقهية داخل الحركة ويحتل عدد منهم الصف الثاني والثالث في قياداتها التنظيمية وبذات الوقت فقد أدى الجوار الجغرافي بين اليمن والسعودية إلى تأثير سلبي على الحركة الإخوانية إذ أدى اغتراب كثير من اليمنيين في السعودية إلى التأثير بسمات الشخصية السلفية في الجزيرة العربية من جهة وانتشار ما يُطلق عليه بالتيار السلفي في اليمن والذي يعد أهم التيارات المنافسة للإخوان المسلمين في الثمانينات خاصة وأنه يحظى بدعم سخي من قبل عدد من الدوائر الرسمية والشعبية في السعودية , وقد ازدادت منافسته بعد قيام الوحدة وبالذات في المحافظات الجنوبية اليمنية  حيث وجد مجالا مفتوحا للعمل فيه .
والجماعة السلفية في اليمن حديثة النشأة إذ يعود تاريخها إلى بداية ثمانينيات القرن الماضي حين عاد إلى اليمن الشيخ مقبل بن هادي الوادي قادما من مكة المكرمة عندما أفرجت عنه السلطات السعودية بعد ثلاثة أشهر قضاها في السجن بتهمة الاشتراك فيما عُرف حينها بقتنة جهيمان العتيبي الذي استولى على الحرم المكي عام 1400هـ الموافق 1979م وكانت السلطات السعودية تتهم الشيخ الوادعي بأنه وراء كتابه بيانات جهيمان بحجة أن جهيمان كان لا يعرف القراءة ولا الكتابة وهذا ما نفاه الشيخ الوادعي فاطلقوا سراحه . ثم وبعد من السعودية أسس الوادعي مسجدا بمسقط رأسه بإحدى القرى القريبة من مدينة صعدة وتوسع حتى صار معهدا كبيرا توافد إليه الطلاب من أنحاء اليمن والدول العربية والإسلامية واوروبا ...
وهكذا غدت دار الحديث في دماج بمثابة النواة التي بدأ منها التيار السلفي يمتد إلى معظم أرجاء اليمن موفد تعرض التيار السلفي . وخلال الأيام الأولى من تأسيس معهد دماج كان هناك تعاون بين الإخوان والشيخ الوادعي بحكم أن الطرفين يواجهان ذات الصعوبات وهم يؤسسون لدعوتيهما في صعدة التي تعد القاعدة التقليدية للمذهب الزيدي في اليمن , لكن الشيخ الوادعي سريعا ما انقلب على الإخوان وأخذ يشن هجوما حادا عليهم حتي وفاته مشككا في عقيدتهم ومناهجهم وقياداتهم وتنفير الناس عنهم وبشكل أشد في أوقات الانتخابات  وفق ما تضمنه كتاب ( الحركات الاسلامية والنظام السياسي في اليمن – للمؤلف ناصر الطويل )

ابتلاع صعدة
صعدة مدينه ذكرتها النقوش اليمنية القديمة منذ القرن الثالث الميلادي - قبل 14 قرنا من ظهور دويلة قرن الشيطان -  فليست حضرموت والمهرة هدفا ومطمعا للسعودية فقط فتاريخ السعودية وعدوانها علي اليمن منذ تأسيس دويلتهم الاولى في درعية نجد  منتصف القرن الثامن عشر يؤكد أنها كيان توسعي ودولة مغتصبة لأراضي غيرها فمشروعها تقسيم وتفتيت اليمن كدويلات الخليج لتصبح هي المهيمنة والقوة الوحيدة في شبه الجزيرة العربية . فمع احتلالها لعسير ونجران وجيزان منتصف ثلاثينيات القرن المنصرم ومع قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م وحرب السنوات الثماني لم تدعم الرياض سواء الملكيين في الشمال أو السلاطين في الجنوب بعد الاستقلال 1967م  لإعادتهم إلى صنعاء أو عدن وحضرموت بل لتحقق مكاسب على حساب التراب والارض اليمنية .
ومع ترجيح كفة انتصار الثورة والجمهورية اقدمت السعودية على احتلال مدينة صعدة تزامنا مع قدوم عيد الأضحى المبارك وخلال ايام العشرة من ذو الحجة 1389هـ الموافق 14 فبراير 1970م قبل اعترافها بالجمهورية وفي ذلك يصف محسن العيني رئيس الوزراء حينها  وشاهدا على تلك الاحداث في كتابه ( خمسون عاما في الرمال المتحركة ) حول مطامع السعودية في ابتلاع صعدة ( إن الطائرات السعودية الاستكشافية قد حلقت فوق صنعاء والحديدة على ارتفاع عال وعلى طريق صنعاء - الحديدة على ارتفاع منخفض . وأن السعودية قد حشدت أكثر من سبعة آلاف على مشارف صعدة بهدف الاستيلاء عليها ... وبعد حصار كامل للمدينة سقطت صعدة وانسحبت قواتنا ... وقد عقدنا على الفور يوم السبت 14 فبراير 1970م مؤتمرا عسكريا بمنزل رئيس المجلس الجمهوري قررنا فيه سفر قادة الوحدات العسكرية بالسيارات إلى الصفراء لوقف الانسحاب هناك وإعادة تجميع القوات وتنظيمها ورفع معنوياتها ...كانت لنا في صعدة قوات كبيرة لا يمكن عسكريا أن تنهزم أمام تجمعات القبائل ) واشار العيني إلى العديد من الكتائب والوحدات العسكرية التي كانت متمركزة في صعدة  منها ( كتيبة عاصفة وكتيبة صاعقة وكتيبة أمن مركزي وكتيبة حرس جمهوري وشرطة عسكرية وكتيبة أمن عام في المطار وكتيبة وفصيلة دبابات وقاعدة صاروخية في صعدة ووحدات من المدفعية لدعم جميع المواقع إلى جانب قوات شعبية من حاشد ونهم.... إنها كارثة كبرى وأكبر هزيمة مشينة في حق الجمهورية والقوات المسلحة ... اما السعودية فلم تكتف بإسقاط صعدة بل ضاعفت من حشودها ... وقد فقدنا 30 شهيدا في ليلة واحدة في المدرج وهو الموقع العسكري الأول بعد الانسحاب من صعدة).

 جبل الدخان
قبل 40 عاما جيش بكتائبه ينهزم وتسقط صعدة بسقوط 30 شهيدا لتحتل السعودية صعدة . وفي شهر نوفمبر  2009م - وان صح اعتبار هذا التاريخ بداية شن العدوان السعودي على اليمن واستمراره حتى اليوم - تمكن ثلاثون  من ابناء صعدة  من الانتصار على لواء سعودي كامل وغنموا آلياته بل استطاعوا دخول عشرات القرى السعودية - وبدعم كثيف من السعوديين شن علي محسن الأحمر حربه الأخيرة ضد صعدة  ثم تدخل الجيش السعودي علنا بعد أن كانت تدخلاته تقتصر على القصف المدفعي سابقا . وانتصر ابناء صعدة  على الكماشة ودخلوا عشرات القرى السعودية المتاخمة للحدود . وقاتل هؤلاء قتالا شرسا وبتفان في ظل غياب أي توازن للقوى على أي صعيد . ففي معركة جبل دخان انتصر 30 مقاتلا يمنيا على لواء سعودي كاملا وغنموا آلياته . ورغم تكبد أهل صعدة خسائر هائلة في الأرواح بلغت 5 آلاف ضحية غالبيتهم الساحقة من المدنيين فإن إرادتهم لم تنثن (العلاقات اليمنية - السعودية)

تقرير دولي
ويصف تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية عام 1010م تحت عنوان (اليمن: القمع تحت الضغوط)  ( ففي نوفمبر 2009م اتسع نطاق القتال ليجتاز الحدود مع المملكة العربية السعودية التي  استخدمت جيشها وقواتها الجوية ضد ابناء  صعدة وتبعت ذلك أسابيع من القصف المكثف لصعدة ولاسيما رازح من جانب الطائرات السعودية وأنها قتلت مئات الأشخاص وتسببت بأضرار واسعة النطاق للمنازل ولغيرها من المباني ومرافق البنية التحتية . وفي يناير 1010م أعلن ابناء صعدة  وقفا لإطلاق النار وقالوا أنهم سوف ينسحبون من الأراضي السعودية وعقب ذلك بفترة وجيزة أعلنت المملكة العربية السعودية إنهاء مشاركتها في القتال وبحسب أحد التقارير لقي ما لا يقل عن 133 جنديا سعوديا مصرعهم أثناء القتال )

حضرموت والفكر السلفي
مع انتهاء حرب 1994م ونشاط التجمع اليمني للإصلاح في المحافظات الجنوبية ومحاولة تواجده لكنه واجه صعوبات حالت دون الانتشار الواسع لهم وخاصة في محافظة حضرموت والمهرة فقد كان الفكر السلفي الذي عدى أكثر تجذرا وعمقا وكان الأسبق والأكثر سيطرة على الخطاب الدعوي في الجنوب قبل الوحدة وبعدها بفعل تلقيه لدعم خارجي من قبل السعودية والتي كانت تهتم بنشر التيار السلفي فيها بذريعة مقاومة الفكر الماركسي قبل الوحدة وبعد حرب 1994م ولكن كان حقيقة ذلك الدعم فيما يخص الفكر السلفي هو ايجاد  موطئ قدم للسعودية في جنوب اليمن وبالأخص في حضرموت والمهرة فمثل هذا التوجه بدأ منتصف الستينيات من القرن الماضي عبر بعثات تعليمية و متزامنا مع وسائل اقتصادية ومشاريع استثمارية وخدمية عبر بعثات تعليمية . فقد أشار الدكتور صالح باصرة في كتابه (دراسات في تاريخ حضرموت الحديث والمعاصر) قيام السعودية في نهاية 1964م بإرسال بعثة تعليمية سعودية إلى حضرموت وتكونت هذه البعثة من ثلاثين مدرسا بينهم ثلاثة عشر من حملة الشهادة الجامعية والبقية من خريجي معاهد إعداد المعلمين ترافق ذلك مع التحضير لفتح فرع للبنك الأهلي التجاري السعودي في المكلا والحديث عن مشاريع خدمية سوف تنفذها المملكة العربية السعودية في بعض مدن حضرموت - فلم تختلف سياسة آل سعود التوسعية بحضرموت والمهرة بين الأمس وعدوان اليوم 2015م وأن اختلفت الأساليب والادوات والطرق - !. وبسبب الظلم الذي طال المحافظات الجنوبية كان هناك سبب آخر لتمدد الفكر السلفي وتحفظ عدد من المواطنين تجاه الإصلاح خاصة في الفترة التي كان فيها قريبا من السلطة الحاكمة وفيما يخص الاوضاع السياسية فأن التوتر الذي كان ينشأ بين صنعاء  والرياض كان يدفع الرئيس صالح إلى تلطيف علاقته بالقوى السياسية الداخلية وتخفيف الضغوط على الحركة الإسلامية بهدف تقوية الجبهة الداخلية .
وفيما يخص الاوضاع السياسية فأن التوتر الذي كان ينشأ بين صنعاء  والرياض  كان يدفع الرئيس صالح إلى تلطيف علاقته بالقوى السياسية الداخلية وتخفيف الضغوط على الحركة الإسلامية بهدف تقوية الجبهة الداخلية .

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا