أخبار وتقارير

العداء السعودي للوحدة اليمنية (4)

العداء السعودي للوحدة اليمنية (4)

السعودية تبحث عن منفذ بحري عبر اليمن
على الرغم من انتصار الوحدة اليمنية وتعميدها بدماء آلاف الشهداء خلافا للجرحى فان السعودية لم تتوقف عن استخدام جميع الوسائل لإضعاف الموقف اليمني

تحسبا لمواجهات أو مفاوضات تتعلق بقضية الحدود التي لم تكن قد حلت بعد ولم تتوقف التحركات السعودية التي تهدف إلى إجهاض الوحدة اليمنية والاخلال بالاستقرار في اليمن.
فقد ظلت قضية الحدود بعد الوحدة التي كانت وراء كل نزاع بين اليمن والسعودية من أيام الإمام يحيى والملك عبدالعزيز إلى أيام الرئيس علي عبدالله صالح والملك فهد.. ولما تمت الوحدة اليمنية عام 1990م وتلتها حرب الخليج الثانية سنة 1991م واتضح حجم النفط المخزون في اليمن أعيد فتح ملف الحدود إثر الاتفاق على ترسيم الحدود نهائيا بين اليمن وسلطنة عُمان في عام 1992م.

علي الشراعي
الموقف الدولي
رغم محاولة السعودية تقسيم اليمن واعادته إلى ما قبل 22مايو 1990م وربما إلى ما قبل 1967م إلا ان قدرة السعودية في هذا الجانب كانت محدودة كون الرأي العام الدولي يؤيد استقرار اليمن ووحدته ليس لنجاح الدبلوماسية اليمنية في هذا الجانب ولكن مدفوع بمخاوف عميقة لدى المجتمع الدولي تتعلق بأمن دول النفط والبحر الأحمر والمحيط الهندي فلم يكن النجاح الدبلوماسية اليمنية هو سبب الموقف الدولي ولا الحرص الأخلاقي لدول العالم على تماسك واستقرار اليمن بل كان الموقع الجغرافي هو مصدر ذلك الموقف.
وصارت الخلافات الحدودية بعد الوحدة مع السعودية تشكل محور اهتمام السياسة اليمنية الخارجية وعوضا عن دولتين صغيرتين في حالة نزاع مستمرة إحداهما ضد الأخرى حولت الوحدة اليمن بالنسبة للسعوديين إلى دولة كبيرة تقع على حدود المملكة الجنوبية والغربية وسكانها يتفوقون عدديا على سكانها إضافة إلى اكتشاف كميات كبيرة من النفط واحتمال العثور على كميات أخرى وسيكون هناك يمن أكثر قوة وتوحدا وأقل تبعية يمن اكثر قدرة من ذي قبل.

الحق التاريخي
ولما أعلنت الوحدة بين شطري اليمن تضمن أول بيان لأول رئيس وزراء لليمن الموحد الدكتور حيدر أبوبكر العطاس في 20يونيو 1990م إعلانا واضحا وصريحا في أن الجمهورية الجديدة الموحدة على استعداد لحل قضايا الحدود كافة برا وبحرا مع جيرانها على أساس الحقوق التاريخية والقانون الدولي واعتبر الشارع اليمني بيان العطاس حول موضوع الحدود هو أهم حدث وقع في البلاد بعد إعلان الوحدة اليمنية مباشرة لأن رئيس الوزراء كان أول مسؤول يمني يُدلي بتصريح على هذا المستوى منذ معاهدة الطائف 1934م.. فيما اعتبرته السعودية بيانا سلبيا لأن اليمن تريد حل قضية الحدود على أساس (الحقوق التاريخية) وفسرها السعوديون على أنها تشكل تشكيكا بمعاهدة الطائف من أساساها وهم لا يمكن أن يبدأوا أي تفاوض إلا انطلاقا من معاهدة الطائف وملحقاتها.. وفيما يخص الحدود مع جنوب اليمن فبريطانيا المحتلة له لم تعترف بالوجود السعودي في منطقة شروره ولم تشملها بأي مفاوضات حدودية معها بالمقابل لم تعترف الرياض بالحدود التي رسمتها بريطانيا في جنوب اليمن مع السعودية قبل انسحابها وسمي بخط الاستقلال.
إن المشاحنات الحدودية مرشحة للتصعيد بما يتعدى (عسير ونجران وجيزان) فالألف ميل المتبقية من الحدود بين اليمن والسعودية (الحدود الشرقية) لم تخضع مطلقا لترسيم دقيق ولوقوعها على امتداد أطراف الربع الخالي فإن الترسيم الجغرافي لتلك المنطقة مرشح لأن يتعقد بفعل اكتشاف اليمن النفط في جوارها, ولغموض الولاءات التي يدين بها أبناء القبائل.. فالسعودية المحصورة بين قناة السويس وباب المندب على البحر الأحمر ومضيق هرمز على الخليج العربي قد تجد نفسها مضطرة لأن تبحث عن خط لها عبر اليمن تؤمن من خلاله طريق صادراتها النفطية.. حيث إن اقتراحها بإنشاء ممر يعبر سلطنة عُمان لم يحظ بالترحيب من مسقط كذلك يصعب تجاهل صنعاء من المساعدات السعودية المقدمة للتجمعات القبلية في الشمال.. وعندما انسحبت بريطانيا نهائيا عن جنوب اليمن وتم إعلان الاستقلال في 1967م وقعت أول حرب يمنية جنوبية مع السعودية عندما تحركت القوات السعودية من منطقة شرورة- التي احتلتها سابقا- إلى منطقة الوديعة وتمت أولى المواجهات وأخطرها بين الرياض وعدن 1969م في حين لم تعترف السعودية بجمهورية اليمن الديمقراطية إلا في عام 1976م بوساطة كويتية.
ورغم محاولات الرياض قبل الوحدة بأشهر انهاء ترسيم الحدود مع عدن بحيث يصبح أمرا واقعا أمام دولة الوحدة عندما يتم إعلانها.. لكن موضوع الحدود في جنوب اليمن مرتبط تاريخيا بالعلاقة مع الشمال.. على الرغم من أن الأمر الواقع المفروض على الأرض غير.. فقد ظل الإمام يحيى يدعي السيادة على السلطنات وعلى حضرموت في جنوب اليمن ولم يتخل عن منازعة بريطانيا عليها طوال سنوات الوجود البريطاني في عدن.

فصل حضرموت
يشير كتاب (حرب اليمن 1994م الأسباب والنتائج, مايك هدسون وآخرون) إلى سيناريوهات عدة لليمن بعد حرب صيف 1994م.. منها تنبأ بأن بذور حركة الانفصال في جنوب اليمن ستستمر نتيجة لوجود مطامع خارجية تسعى لتحقيق أهدافها وخاصة في حضرموت (قد تشكل مقاطعة حضرموت بآبارها وما لها من علاقة مع المملكة العربية السعودية محورا لحركة انفصالية قد يدعمها قادة المحاولة الفاشلة الذين ينتمون إلى حضرموت.. وبينما تظل السياسة المستقبلية لدول المنطقة كالمملكة العربية السعودية غير واضحة.. يوحى التطور الأخير للأحداث بأن حركة انفصالية ناشطة سوف تلاقي دعما من الخارج ولكن في ظل الظروف الراهنة يبدو من غير المحتمل ظهور حركة انفصالية مجددا في المدى القريب).
فالسياسة السعودية الطامعة بحضرموت والمهرة ليست وليدة حرب صيف 1994م وإنما تعود لثلاثينيات القرن الماضي وزادت بداية الستينيات بسبب قيام ثورة 26سبتمبر وتفجير ثورة 14أكتوبر 1963م والتقارب البريطاني- السعودي وغض الطرف من قبل الاستعمار البريطاني عن جنوب اليمن من تدخل الرياض بشؤون حضرموت والمهرة قبل استقلال جنوب اليمن في 30نوفمبر 1967م ويعزز ذلك ما ورد في كتاب (دراسات في تاريخ حضرموت الحديث والمعاصر, للمؤرخ الأستاذ الدكتور صالح باصره) فقد أوضح عدة حقائق للمطامع السعودية وتواطئ المحتل البريطاني وامريكا في فصل حضرموت عن جنوب اليمن تمهيدا لتحقيق مشروع الرياض التوسعي في حضرموت فقد (.... ابدت بريطانيا مرونة في التعامل مع النشاط السعودي في محمية عدن الشرقية وبوجه الخصوص مطلع الستينيات ومن ذلك احتضان رابطة أبناء الجنوب العربي وعلى وجه الخصوص فرع الرابطة في حضرموت.. والدعم السعودي الكبير لفرع الرابطة ليكون أحد قنوات اتصالها بحضرموت وكذا أحدى قوى الضغط لتوسع علاقات حضرموت بالمملكة العربية السعودية  والاهتمام بالمهاجرين الحضارم في المملكة وإعطاء التسهيلات لاستقبال اعداد جديدة من المهاجرين وخاصة في الفترة من سنة 1960 إلى سنة 1967م والضغط وبدعم امريكي لمنع دخول محمية عدن الشرقية في اتحاد إمارات الجنوب العربي التي أسسته بريطانيا في فبراير 1959م وارسال بعثات تعليمية سعودية إلى حضرموت في نهاية عام 1964م اضافة إلى لقاءات وزيارات بين مسؤولين حكوميين من حضرموت والسعودية...).

هزيمة سياسية
وكما احتضنت السعودية فلول الانفصاليين في حرب 1994م فقد كان لها سابقه في احتضان سلاطين حضرموت والمهرة عام 1967م حيث اشار الدكتور باصره في كتابه (ففي سبتمبر 1967م وصل سلاطين حضرموت والمهرة إلى السعودية وذلك بعد ان شاركوا في مؤتمر لندن الدستوري ولقاء جنيف بشأن استقلال الجنوب وقابل السلاطين اكثر من مسؤول في المملكة العربية السعودية وعاد السلاطين إلى المكلا على ظهر باخرة سعودية ومعهم مساعدات سعودية لتعينهم على مواصلة الحكم في الفترة القادمة.. فالأحداث السياسة في الجنوب سارت في اتجاه مغاير لرغبات السعودية وكذا المصالح الأمريكية فقبل وصولهم بليلة واحدة سيطرت الجبهة القومية وبمساعدة جيش البادية الحضرمي على السلطة في مدينة المكلا وضواحيها وفي 17سبتمبر 1967م. وصلت إلى ميناء المكلا الباخرة السعودية المقلة لسلاطين حضرموت والمهرة ومنعتهم الجبهة القومية من النزول من على ظهر السفينة وطلب منهم التوقيع على وثيقة تنازل عن الحكم.. وعادوا إلى السعودية كلاجئين سياسيين وليس كسلاطين). فكان يوم 17 سبتمبر 1967م هو آخر اتصال سعودي رسمي مع حضرموت والمهرة وهزيمة سياسية لمطامعها واهدافها التوسعية في حضرموت والذي نجدها اليوم تعود من خلال عدوان مارس 2015م.

رهينة اقتصادية
وحينما تحركت المفاوضات بين اليمن وسلطنة عٌمان على أساس الحل الودي وتفاوض اليمنيون حوالى السنتين حتى تم توقيع اتفاق الحدود بين البلدين في اكتوبر 1992م والذي تم ليس على أساس الحق التاريخي المطلق أو الأمر الواقع المفروض وإنما على اساس ودي.. وخلال المفاوضات وفي مارس 1992م عمدت السعودية بتوجيه رسائل إنذار إلى جميع شركات النفط صاحبة الامتياز في التنقيب داخل الأراضي اليمنية تنذرها فيها بأنها تعمل وتنقب في أراضي متنازع عليها وتعتبرها أرضا سعودية وتطلب من الشركات إيقاف العمل
وكان الهدف السعودي الأساسي من رسائل الإنذار توقيف الشركات من عملية التنقيب كذلك تعطيل اتفاقية الحدود اليمنية- العمانية ان أمكن عن طريق إثارة منازعات نفطية بالقرب من الحدود بغرض التأثير على الجانب العماني. ومن الاهداف الهامة هو منع اليمن من تعزيز وضعه الاقتصادي بعد حرب الخليج الثانية 1991م فقد أرادت السعودية بإنذارها هو إبقاء اليمن رهينة اقتصادية- سياسية لها وفي موقف ضعيف في موضوع الحدود وفي أي مفاوضات مقبلة وخشيت السعودية أنه في حالة عثور هذه الشركات على كميات تجارية من النفط في الأراضي اليمنية سوف يجعل من الصعب على اليمن التخلي عن هذه الأراضي لو أرادت ذلك فيما بعد.. إضافة إلى أن مداخيل النفط ستجعل اليمن أكثر إمكانية في التصدي الاقتصادي والعسكرية لمحاولات السعودية بالتدخل بشؤون اليمن الداخلية أو التطاول على الاراضي اليمنية وستكون اليمن ندا قويا للسعودية في شبة الجزيرة العربية.
ومع بدء التفاوض الحدودي بين صنعاء والرياض بعد ان دفعت واشنطن وباريس لذلك التفاوض حدثت أخطر أزمة هددت الوحدة اليمنية تمثلت بالأزمة السياسية ثم حرب الانفصال وظنت السعودية أنه سيكون لها في نهاية الحرب طرف مستقل كدولة في عدن أفضل لها من صنعاء للتفاوض معه حول الحدود فوقعت الحرب لكن خاب مطامع الرياض وانتصرت الوحدة.
وبعد حرب صيف 1994م لم تكن العلاقة بين اليمن والسعودية في أحسن حال وكانت لا تزال قضية الحدود قائمة مما دفع بالرئيس علي عبدالله صالح إلى محاولة احتواء القوى القبلية والتي قد تلعب دورا لصالح السعودية وأغدق عليهم بالأموال والمناصب بل سمح لهم بممارسة الفساد تحت حماية القانون والذي أسس بدوره لمرحلة جديدة مرحلة الفساد في البلاد واضر بالاقتصاد الوطني.. وإن السعودية لازالت تملك التأثير والنفوذ على بعض القبائل اليمنية واستخدمتهم في ممارسة الاختطافات للأجانب بهدف تشويه سمعة اليمن في الخارج من جانب وضرب السياحة كأحد الموارد الاقتصادية من جانب آخر.. فالسعودية استغلت تدهور اليمن اقتصاديا وحالة التضخم فأدخلتها في سلسلة من المشاكل كالإرهاب وتهريب الأسلحة والاتجار بالمخدرات بهدف تمزيق اليمن اقتصاديا قبل تمزيقه سياسيا كبداية لتجزئه اليمن.

مواجهة عسكرية
في العاشر من يناير 1995م حدثت أولى المناوشات الحدودية بين اليمن والسعودية في منطقة الخراخير على الحدود الشرقية اليمنية- السعودية.. حيث دفعت السعودية جماعة من الانفصاليين رفع العلم السعودي في منطقة (عروق بن حمودة) فقامت القوات اليمنية بطردهم واستعادت سيطرتها على أراض تخضع أساسا للسيادة اليمنية.. في حين لمح سعود الفيصل وزير الخارجية السعودية بالحرب على اليمن وفيما هدد وزير الدفاع السعودي سلطان بن عبدالعزيز بأنه سيقصف القوات اليمنية بالطيران إذا لم تنسحب من المنطقة ومع التصعيد العسكري دخلت الوساطة السورية بين صنعاء والرياض فاليمن مازالت تجرجر آثار حرب الانفصال فتكاليفها بلغت 11 مليار دولار.. فيما السعودية وباعتراف وزارة الخارجية الأمريكية أن حرب الخليج الثانية 1991م (عاصفة الصحراء) كلفت السعودية وحدها 55مليار دولار.. فالوضع الاقتصادي في البلدين لا يحتمل عبء التورط في حرب جديدة وخاصة بالنسبة إلى الجانب اليمني الذي هو في حاجة ماسة إلى الثروات النفطية الهائلة في المناطق الحدودية.. كذلك أن المنطقة لا تتحمل حربا أخرى تزيد من انشقاق الصف العربي أكثر مما هو في تصدع عربي- عربي منذ أزمة اغسطس 1990م.

الوساطة السورية
كل تلك الاعتبارات تحركت الوساطة السورية ونجحت في ذلك عبر مقترح تشكيل لجنة سعودية- يمنية مشتركة للتفاوض تبدأ فورا ببحث مشاكل الحدود وجميع القضايا المتفرعة عنها.. وتم الاتفاق على إذاعة البيان في وقت واحد من الرياض وصنعاء ودمشق.. وأذيع البيان من العواصم الثلاث ليلة 16يناير 1995م فحققت الوساطة السورية نجاحا في وقف التصعيد العسكري ودفع عجلة المفاوضات إلى الابتداء وكان أهم ما في البيان ما دعا إليه وأكده السوريون بإصرار هو أن القضايا بين البلدين (تحل بالطرق السلمية) ومع تشكيل لجنة التفاوض المشتركة حول الحدود اليمنية- السعودية بدأ السعوديون يؤخرون وصول وفدهم إلى صنعاء حسب الاتفاق للبدء في مفاوضات الحدود مع الوفد اليمني كما تم التوصل إليه مع السورين ويعود ذلك لعدم رغبة الرياض باشراك الدكتور عبدالكريم الارياني في الوفد اليمني وتعتبره الرياض من الجناح المعارض لسياستها في النظام اليمني وارادت أن يكون الشيخ عبدالله حسين الأحمر بدلا للارياني حليف الرياض.

تمزيق اليمن
وتم اللقاء الأول بين الوفدين وبدأ التفاوض حول مذكرة التفاهم في 28يناير1995م واستمرت شهرا كاملا حتى 26فبراير 1995م فبراير ويرجع ذلك أن السعودية تريد أن تعامل موضوع الحدود مع اليمن على أساس مسألتين منفصلتين: الحدود مع اليمن الشمالية (الجمهورية العربية اليمنية) والحدود مع اليمن الجنوبية (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) متجاهلة أن اليمنيين قد اتحدوا في دولة واحدة هي (الجمهورية اليمنية) في الـ22 من مايو 1990م وأنهما خاضا حرب انفصال بعدها انتصرت فيه دولة الوحدة.. فاليمن كانت تصر بموقفها على التعامل مع قضية الحدود ككل وليس كقضيتين منفصلتين.. فالموقف السعودي في تجزئته لموضوع الحدود فيه إصرار على عدم الاعتراف بوحدة اليمن ومازال متمسكا بالسياسة الهادفة إلى إعادة تمزيق اليمن إلى دولتين تحقيقا لمطامعه التوسعية في ابتلاع أراضي يمنية.. كذلك أصرت اليمن على بحث معاهدة الطائف 1934م بكل بنودها لتغطي الحدود والأمن والاقتصاد.. وكان من أهم عناصر الموقف اليمني هو إصرار صنعاء على أن تشمل المفاوضات التطبيع الكامل للعلاقات مع السعودية وعودة المبعدين التي تم ترحيلهم من السعودية آثر أزمة الخليج, وضرورة التزام الرياض وقف نشاط المعارضة اليمنية الجنوبية التي قادت حرب الانفصال 1994م ولجأ بعض زعمائها إلى السعودية.. وخلال المفاوضات والتعنت السعودي إلى جانب أن رئيس الوفد اليمني ابدى مرونة كونه احد اعمدة السعودية في اليمن ومن المتفق عليه أن العلاقات بين صنعاء والرياض شيء وتلك التي بين آل سعود وبيت الأحمر شيء آخر.. فحينما زار الأحمر الرياض خلال فترة الحوار بين اللجنة المشتركة قرر عدم مغادرتها حتى يتم التوصل إلى اتفاق إلى درجة جعلت اليمنيين يعتبرون أن فترة بقائه الطويلة في المملكة هي (سلوك مذل للشعب اليمني وكبريائه الوطني) فيما مثل الوفد السعودي وزير الدفاع سلطان بن عبدالعزيز حامل ملف اليمن والمسؤول الأول عن العلاقات معه منذ قيام الثورة اليمنية وهو الذي قاد السياسة السعودية في دعم الانفصال 1994م.. فالأمير سلطان يمثل الوجه المتصلب في السياسة السعودية تجاه اليمن ووحدتها.
قابل ذلك رفض صنعاء مما احدث انقساما داخل اليمن إزاء العلاقات المتوترة مع السعودية بين تصعيد من جهة ومسايرة من جهة ثانية.

تحريض خارجي
وفي خضم التوتر السياسي والتصعيد الإعلامي فيما يخص قضية الحدود ولفتح جبهة جديدة على صنعاء وحينما كانت اليمن تجرجر النتائج المأساوية لحرب الانفصال 1994م هدد أمنها القومي خطرا خارجيا أواخر سنة 1995م من قبل دولة أريتيريا. وفي خضم تهديد الأمن القومي لليمن ولوحدته يتحدث كتاب (مستقبل العلاقات اليمنية- الخليجية, للدكتور محمد الرميحي والدكتور فارس السقاف). (بعد قيام ثورتي سبتمبر واكتوبر المجيدتين ورحيل المستعمر البريطاني لم تواجه اليمن تهديدات خارجية جادة لأمنها القومي سوى مرتين ازلها عقب قيام ثورة 26 سبتمبر مباشرة حيث سعت القوى الخارجية إلى إجهاض الثورة والقضاء عليها في مهدها واستمرت تلك التهديدات قائمة إلى أن قضي عليها نهائيا بفشل حصار صنعاء (حصار السبعين يوما) عام 1967م وتأكد الانتصار الحاسم للثورة والجمهورية.
فيما كان التهديد الخارجي الثاني بعد قيام الوحدة اليمنية حيث سعت القوى الخارجية إلى تحريض دولة صغيرة ناشئة وإقناعها بشن عدوان غادر على اليمن واحتلال جزيرة حنيش اليمنية عند المدخل الجنوبي للبحر الاحمر وذلك بهدف إحراج الحكومة اليمنية وتشتيت تركيزها الذي كان منصبا على إعادة توطيد الوحدة الوطنية عقب القضاء على محاولة الانفصال التي كانت ممولة من ذات القوى الخارجية. وهاتان المحاولتان الخارجيتان لتهديد الأمن القومي تشيران بوضوح إلى مصادر ذلك التهديد فالتحدي القادم من وراء حدوده الشمالية والتهديد القادم من وراء حدوده الجنوبية الغربية.

احتلال حنيش
عند استقلال اريتيريا عن اثيوبيا عام 1993م قامت اليمن بمنح ترخيص لشركة المانية لأنشاء مشاريع اقتصادية وسياحية على ارخبيل حنيش. قيام ارتيريا في 15 ديسمبر 1995م باحتلال ارخبيل جزر حنيش واستمر القتال حتى يوم 17ديسمبر مدعية أحقيتها بأرخبيل جزر حنيش.
ادركت مصر خطورة ذلك على أمنها القومي واقتصادها فبعد ان رفضت اليمن الوساطة الاثيوبية تدخلت مصر بعد ذلك بين الطرفين ومحاولة التوسط لأنهاء النزاع القائم- وكأن السعودية وغيرها من القوى الخارجية التي دفعت اريتيريا لاحتلال جزيرة حنيش الكبرى لم تكن تستهدف اليمن ووحدته بل ايضا مصر وامنها القومي فجمهورية مصر رغم موقفها بجانب السعودية بحرب الخليج الثانية ووقوفها بداية حرب الانفصال وتأييدها للانفصاليين إلا أنها أدركت الخطر والمطامع السعودية ووقفت إلى جانب اليمن ووحدتها فالتاريخ المشترك بين مصر واليمن يثبت أن آمن مصر يبدأ من باب المندب.
ولتلك الحقيقة التاريخية يشير كتاب الدكتور عبدالرحمن البيضاني في كتابه (مأزق اليمن في صراع الخليج). بقوله: (أدركت مصر ما يتبع ذلك من نتائج حتمية من بينها اهداف استراتيجية كحماية باب المندب... ولتأمين الملاحة في قناة السويس وكان رمسيس الثاني أول حاكم مصري يدرك أهمية باب المندب حين حرره من القراصنة وترك عنده حامية مصرية ثم تبعه في ذلك حكام مصر من الفراعنة حتى التاريخ الحديث الذين اجمعوا على ان حماية أمن مصر تبدأ من باب المندب في الجنوب وهذا ما اكدته حرب رمضان (6أكتوبر 1973م) عندما اغلقت اليمن باب المندب بناء على طلب من مصر). فموقع اليمن الاستراتيجي وطبيعة شعبها المقاتل وقدرته الوراثية على سرعة استيعاب العلوم المعقدة والمعارف الجديدة تفرض وضعه في الحساب الاستراتيجي عند التخطيط لحماية آمن الجزيرة العربية واستقرارها بما يرمز إليه من مصالح اقتصادية عربية وعالمية.

الدور الفرنسي
وتمكن فرنسا إلى جانب مصر واثيوبيا من التوصل لاتفاق بين الطرفين (اليمن وارتيريا) وتوصلت الوساطة الفرنسية إلى توقيع اتفاق مبدئي في 21مايو 1996م بين اليمن وارتيريا وافقت بموجبه الدولتان على التخلي عن استعمال القوة الحربية والتوجه إلى اللجوء للحلول السلمية. ويبدو أن فرنسا استشعرت الصراع اليمني الاريتيري قبل وقوعه- فلفرنسا موقفان ايجابيان مع اليمن الاول في مجلس الأمن حين تدويل الأزمة اليمنية 1994م والأخر بتوسطها بقضية حنيش الكبرى- حيث نشرت مجلة وزارة الدفاع الفرنسية في ابريل عام 1995م أي قبل الهجوم الاريتيري على جزر حنيش بـ7 أشهر مقالة بعنوان (ارخبيل الزبير وحنيش بؤرة توتر في البحر الأحمر) وكان كاتب المقال الأدميرال هنري لابروس قائد القوات الفرنسية السابق في جيبوتي. وفي 3أكتوبر 1996م وقعت اليمن واريتيريا اتفاقية التحكيم فأحيل النزاع بينهما إلى محكمة التحكيم الدائمة. وفي 9 اكتوبر 1998م اصدرت محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي بهولندا قرارها حيث منحت المحكمة اليمن حق السيادة على ارخبيل حنيش وزقر والزبير. ( أهمية جزر البحر الأحمر في الأمن القومي العربي جزيرة حنيش الكبرى وتيران وصنافير, خالد عياد). وكما تعامل اليمن بالانتصار بالثورة وتثبيت الوحدة استطاع ايضا بالدبلوماسية والتعقل والحكمة عندما لجأ إلى التحكيم الدولي من ازالة الخطر الآخر الذي هدد الأمن القومي اليمني. فكان احتلال جزيرة حنيش الكبرى بمثابة دق ناقوس بان اليمن لازالت بحاجة إلى استكمال عوامل قواتها البحرية بالشكل الذي يتناسب مع أهميتها كدولة بحرية استراتيجية في جنوب شبه الجزيرة العربية والقرن الأفريقي.

اختراق القبيلة
وتحت ذرائع مطالب بعض القبائل ظاهريا وتحريض سعودي للقبائل اليمنية اوضح كتاب (القصر والديوان الدور السياسي للقبيلة في اليمن, الدكتور عادل الشرجبي وآخرون) إلى حوادث منها (فخلال عام 1998م تم تفجير الأنبوب الذي ينقل النفط الخام من مأرب إلى موانئ التصدير على البحر الأحمر 188 مرة من قبل قبيلة جهم. وخلال الفترة 1996- 2000م تم تنفيذ أكثر من مائة حادث اختطاف وكان بين المختطفين 147 أجنبيا).

عمالة وخيانة
لذلك اخذت السياسة السعودية في اختراق بعض القبائل اليمنية عبر منحهم اموالا كمرتبات شهرية ومزايا أخرى لذلك دعمت النخب القبلية والتقليدية عموما ودفعت النظام في صنعاء إلى منحها دورا سياسيا أكبر والدفع بهم لتولي مناصب سياسية كبيرة في الدولة إلى جانب امتلاكهم لمشاريع اقتصادية وتجارية واستثمارات اضرت بالاقتصاد الوطني وبوحدة اليمن. وهذه السياسة التي انتهجتها هي بحقيقتها سياسة الاستعمار البريطاني في جنوب اليمن لكسب الولاءات له في اقرار معاشات لبعض مشايخ القبائل اليمنية الادارة الاستعمارية البريطانية في عدن منحت شيوخ القبائل مرتبات شهرية وهذا سبب قبول تلك القبائل بالاستعمار البريطاني وتمردهم على الحكم العثماني في شمال اليمن لذلك ومجاراة لسياسة الإدارة الاستعمارية البريطانية في التعامل مع شيوخ القبائل قرر الحاكم العثماني عزت باشا عام 1330هـ معاشات شهرية لرؤساء القبائل في حاشد وأرحب وسميت بالمعاشات السياسية.
 ففيما يخص الجانب السياسي يشير كتاب (القصر والديوان) إلى الدور السعودي (فقد اوصلت السعودية هيمنة شيوخ القبائل الى البرلمان اليمني فشيوخ القبائل وأبناؤهم شكلوا نسبة 51% من اعضاء مجلس النواب البالغ عددهم 301 عضوا بالمقابل فإن من بين الأحزاب التي شاركت في انتخابات 2003م التشريعية والبالغ عددها 21حزبا لم يستطع سوى خمسة أحزاب الوصول إلى البرلمان أما باقي الأحزاب وعددها 16حزبا لم تستطع ضمان فوز أي مرشح من مرشحيها البالغ عددهم 305مرشحين لذلك فإن السمة العامة للتنافس في الانتخابات التشريعية والمحلية هو في الحقيقة تنافس بين شيوخ القبائل وليس تنافسا بين أحزاب سياسية فالتنافس في كثير من الدوائر الريفية بين المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح هو تنافس بين النخبة القبلية)- الذي كان أغلبهم يدين بالولاء للرياض في ظل غياب نص دستوري يمني يحرم ويجرم مثل هذه الولاءات والتي تندرج تحت العمالة والخيانة.

الضغوط الأمريكية
مع جمود سير المفاوضات الحدودية تدخلت امريكا عبر القائم بالأعمال في الرياض (دافيد ولش) محاولا كسر الجمود الذي سيطر على المفاوضات بين البلدين خوفا من أن يصل التأزم في النزاع الحدودي إلى صدام عسكري وكانت المعلومات الأمريكية تشير إلى أن احتمالات الحرب قد بدأت تطغى على احتمالات السلام وان إطالة المفاوضات من غير إحراز تقدم ولو جزئيا فيها سيعزز الاتجاه نحو الحرب.
وبذلك استخدمت امريكا كل ضغوطاتها على صنعاء لإنهاء ترسيم الحدود وحصلت على موافقة صنعاء وتم الاتفاق على تشكيل لجنة خبراء يمنية- سعودية مشتركة لوضع الساريات والعلامات الحدودية. كما رضخت صنعاء لطلب واشنطن بإبعاد طيارين عراقيين كانت قد استقدمتهم لتدريب كوادر يمنية على طائرات ميغ29 التي سلمتها السعودية أواخر حرب الانفصال لقادة الاشتراكيين حيث استولى عليها الجيش اليمني حينما دخل مطار الريان بمدينة المكلا في الـ4 يوليو 1994م لينتهي ترسيم الحدود بمعاهدة جدة الحدودية يونيو سنة 2000م المجحفة بحق الشعب اليمني أرضا وإنسانا والتي لم تراع معاملة اليمنيين بالسعودية وفق معاهدة الطائف 1934م.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا