أخبار وتقارير

أيديولوجيات صنّاع القرار الأمريكي للهيمنة على العالم (2)

أيديولوجيات صنّاع القرار الأمريكي للهيمنة على العالم (2)

علي الشراعي
حدود الدولة الأمريكية التي قامت عليها الإمبراطورية الأمريكية لم تكن على وفاق مع فكرة الحدود والسيادة على إقليم معين لأن هذه الدولة لم تنشأ في إطار دستوري وقانوني له مساحته المعترف بها

وعلى القواعد التي أقرتها التجارب في نشأة الدول وتأسيسها, والسبب أن حدود الدولة الأمريكية ظلت مفتوحة تتوسع كل يوم بمختلف الطرق والأساليب، وانطلاقا من افكار ونظريات وضعها مستشارون وعسكريون و مفكرون ومنظرون وعلماء اجتماع وقانونيون ومؤرخون وجغرافيون ولاهوتيون وغيرهم لتصبح تلك الافكار والنظريات عقيدة إيديولوجية يؤمن بها صناع القرار الأمريكي للهيمنة والسيطرة على العالم ومن تلك الايديولوجيات.

الأبواب المفتوحة
يعتبر الفريد تاير ماهان بصفته المستشار السياسي البارز لصناع القرار الأمريكي أواخر القرن التاسع عشر قد أثر بقوة في صياغة مفهوم الأبواب المفتوحة والذي تبلور في عام 1898م ووضع ماهان بالاشتراك مع فريدريك جاكسون تيرنر التعليل النظري النهائي لتحول مبدأ الأبواب المفتوحة الى عقيدة ايديولوجية لصناع القرار الأمريكي للتوسع الأمريكي خارج حدود القسم الغربي من الكرة الأرضية..
 فقد أشار تيرنر مستشار الرئيسين روزفلت وولسين إلى أن جوهر الولايات المتحدة الأمريكية كدولة يكمن في العملية الجيوسياسية للتوسع والتحرك الأبدي لحدود الهيمنة الأمريكية نحو الغرب، في البداية حتى شواطئ المحيط الأطلسي وبعد ذلك على الجانب الآخر لهذا المحيط في المنطقة الآسيوية، اما بالنسبة لتيرنر يعد مذهب الأبواب المفتوحة عملية لتحريك حدود الولايات المتحدة الأمريكية إلى آسيا وقبل كل شيء إلى الصين والجانب الآخر من المحيط الأطلسي وأشار فريدريك جاكسون تيرنر مستشار الرئيسين روزفلت وولسين إلى أن جوهر الولايات المتحدة الأمريكية كدولة يكمن في العملية الجيوسياسية للتوسع والتحرك الأبدي لحدود الهيمنة الأمريكية نحو الغرب، في البداية حتى شواطئ المحيط الأطلسي وبعد ذلك على الجانب الآخر لهذا المحيط في المنطقة الآسيوية فمذهب الأبواب المفتوحة كان الأساس الاقتصادي لعقيدة وممارسة النزعة التوسعية ويقول وليم وليامز: (إن سياسية الأبواب المفتوحة كانت موجهة نحو خلق الشروط و الظروف التي في ظلها تكوين الولايات المتحدة عن طريق استخدام تفوقها في مجال القوة قادرة على بسط النظام الأمريكي في العالم غير مثقلة نفسها بعبء وعدم فعالية الاستعمار التقليدي).
 لقد تشكلت الإمبراطورية الأمريكية على أساس استراتيجية وتكتيك الأبواب المفتوحة فقد حدد هذا المذهب العالم كسوق عالمية يجب أن تكون أبوابها مفتوحة وتظل مفتوحة على الدوام أمام الولايات المتحدة الأمريكية، علاوة على ذلك منحت أمريكا نفسها حق التدخل كضمانة لاستمرار فتح الأبواب وكضمانة بأن هذه الأبواب ستظل مفتوحة دائماً.

 الأعمدة الثلاثة
ونظر الرئيس الأمريكي روزفلت إلى مذهب الأبواب المفتوحة بنفس درجة نظرته لمذهب مونرو، ويؤكد ذلك أيضا وليامز بقوله: (إن تاريخ الإمبراطورية الأمريكية بعد انتهاء الحربين العالمتين وخاصة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية هو عبارة عن عملية عولمة لهذه الإمبراطورية بمساعدة استراتيجية الأبواب المفتوحة المؤدية إلى تعاظم الاستيلاء على الأسواق العالمية وفرض الهيمنة والزعامة السياسية للولايات المتحدة الأمريكية).
واعتمدت هذه الاستراتيجية ولا تزال تعتمد حتى وقتنا الحاضر على أعمدة ثلاثة:
 تأسيس امبراطورية وإدارتها وتأسيس مؤسسات الزعامة والهيمنة التي تحافظ على هذه الإمبراطورية وتمنحها الشرعية والعمود الثالث الردع الفعال لجميع الدول التي قد يمكن لها أن تتحدى السلطة الإمبراطورية الأمريكية.

الحدود المتحركة
لقد حدد عالم السياسة الأمريكي ويلس حدود الولايات المتحدة الأمريكية بقوله: (هذه الحدود موجودة في كل مكان وفي أي مكان يمكن الوصول إليها أمريكا في كل مكان أمريكا تصارع على مجمل الكرة الأرضية).
وفي هذا السياق والايديولوجية نظرت أمريكا لمعاهدة يالطا فبراير 1945م التي حددت مناطق النفوذ بينها وبين الاتحاد السوفيتي كعقبة أمام فرض هيمنتها العالمية.
ففي مذكراته أشار السيناريو (فاندربيرج) الصديق القريب من الرئيس الأمريكي (فرانكلن روزفلت) إلى أن روزفلت صرح له: أن مهمتنا الرئيسة في المستقبل تكمن في إلغاء معاهدة يالطا ولأجل ذلك كان من الضروري تحويل منظمة الأمم المتحدة إلى اداة للسياسة الخارجية الأمريكية.
وليس من قبيل المصادفة أنه بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في 1991م قامت أمريكا باستخدام يوغسلافيا كميدان تجارب لفرض نظامها العالمي الجديد ومذهب الحدود المتحركة الذي لا يعترف بأية معاهدات دولية.
ومن حيث الجوهر يمكن القول إن تقسيم يوغسلافيا واحتلال أفغانستان والعراق يمثل تجسيدا واضحا لسياسة (الحدود المتحركة) في الإيديولوجية الأمريكية لصناع القرار السياسي فيما يخص السياسة الخارجية الأمريكية.

 العنصرية الأمريكية
في عام 1900م روج المؤرخ بروكس أدمز في كتاب (الزعامة الاقتصادية لأمريكا) للعنصرية الأمريكية بدعوته لتحويل المحيط الهادي إلى بحر أمريكي داخلي وقام مجموعة من المؤرخين تحت إشرافهم بالتنظير لمبدأ استثنائية النظام السياسي الأمريكي ومبدأ الاختيار الإلهي لهذا النظام واعلنوا حق ومسؤولية أمريكا في فرض نظامها السياسي في انحاء العالم وإيمانا بفكرة الشعب المختار وسلطة الحتمية على العالم شرعت هذه المجموعة من المؤرخين في اعداد الشروط الايديولوجية للنزعة التوسعية الأمريكية العالمية المقبلة.
 وقد عبر المؤرخ جون فيسكى في احدى محاضراته عن ثقته في اقتراب ذلك اليوم الذي سوف ينتشر النظام الأمريكي من القطب إلى القطب وفي كلا القسمين من الكرة الأرضية وتفرض فيه هيمنة وزعامة الولايات المتحدة الأمريكية.
 وفي عام 1890م صدر كتاب (علم السياسة والقانون الدستوري المقارن) أشار مؤلفه جون باردجيس الى أن التنظيم السياسي للدول يحدده الطابع العرقي للسكان وأن الأنجلو سكسوني هم العرق السياسي الأرقي ولذلك رأي أن أمام الولايات المتحدة الأمريكية رسالة تكمن في نشر نظامها في كل انحاء العالم..
ورأى هودزون مكسيم أن التوسع هو قانون الطبيعة ولن تكون الولايات المتحدة قادرة على الحياة إذا لم تخضع النزعة التوسعية الأمريكية للمصدر البيولوجي وأن الدولة مثلها مثل الكائن البيولوجي ففي صراعه من أجل البقاء أما أن ينتصر أو أما أن يموت هذا الكائن ونتيجة للتفوق العرقي فإن الولايات المتحدة سيكتب لها النصر.
وعلى نفس المنوال اكد جيمس سترونج أن إرادة الله تكمن في أمركة العالم وفي كتابه (بلدنا مستقبلها المحتمل) الصادر سنة 1885م اشار سترونج إلى أن العالم دخل مرحلة جديدة من التطور التاريخي مرحلة الصراع العرقي العدائي وأن الأنجلوسكسوني الذي يمتلك طاقة فريدة من أجل بسط مؤسساته السياسية يتحرك في كل مكان من الأرض.

خرافة حضارية
إن الجيوسياسية الأمريكية في السنوات الأولى بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية استندت في تطلعها لفرض الهيمنة الأمريكية العالمية إلى الخصائص الأسطورية والخرافية والتي ما تسمى بالرسالة الحضارية للأنجلوسكسون عامة وللأمريكان خاصة وفي محاولة ولتعليل وإثبات التفوق المزعوم على الشعوب الأخرى استند الباحثون الأمريكيون إلى الظروف الطبيعية الفريدة والمحيط الجغرافي للولايات المتحدة والتي في رأيهم تعد ملائمة لتحويل الأمريكان إلى شعب الله المختار.
 ويعتبر كتاب (القوى الرئيسة المحركة للحضارة) لعالم الاجتماع والجغرافي الأمريكي (صموئيل هايتنغتون) والذي صدر بعد الحرب العالمية الثانية من الأمثلة الساطعة على تشابك وامتزاج العنصرية وبالجيوسياسية، فقد قام هايتنغنتون بمهمة تعليل وإثبات الرسالة الحضارية للانجلوسكسون ولتحقيق هذا الهدف اعتمد على الجغرافيا الطبيعية والنظريات الدورانية الاجتماعية المختلفة.

 نظرية القرن
يشير الدكتور فريد حاتم الشحف في كتابه (الانترنت سلاح الرأسمال العالمي الأمريكي ضد ثقافة العالم العربي) الصادر في عام 2015م أن هايتنغتون اكد في العديد من اعماله على أن الأمريكان هم العرق البشري الأرقى بيولوجيا وبصفاقة مذهلة برر واحدة من أكثر صفحات التاريخ الولايات المتحدة سوادا إبادة الهنود الحمر بطرح افكار عن الإزاحة الطبيعية للهنود الحمر العنصر البشري غير الراقي من قبل الأنجلوسكسون الحيويين.
إن نظرية القرن الأمريكي المماثلة لمفاهيم الرايخ الثالث لهتلر استندت أيضا إلى هذه النظريات العنصرية ومثلها الشمولية الامريكية التي تطابق المصالح القومية للولايات المتحدة تستند نظرية القرن الأمريكي إلى أن أمريكا هي الأمة الوحيدة الأرقي المدعوة للتحكم بمصير كل العالم، لذا بدأت الولايات المتحدة الامريكية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية صراعا إيديولوجيا عنيفا ضد مبدأ سيادة الدول والثقافات القومية ووجد هذا تعبيره في الدعاية والترويج لنمط الحياة الأمريكية الذي يجب عليه تغيير قيم الثقافات القومية التي لا تتفق ومتطلبات عالم ما بعد الحرب العلمية الثانية أي متطلبات القرن الأمريكي كما يدعي المنظرون في الولايات المتحدة الأمريكية، لذلك ندرك استمرارية للنهج العدواني والتوسعي والتدخلات السافرة في شؤون دول العالم والتي بدأته الولايات المتحدة الأمريكية منذ ما يزيد على مائة عام وأن أي تبدل في رؤساء البيت الأبيض لن يغير في الأمر شيئا فإيديولوجيات أمريكا للهيمنة على العالم وضعت الخطوط العريضة لصناع القرار الأمريكي.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا