أخبار وتقارير

أيديولوجيات صنّاع القرار الأمريكي للهيمنة على العالم ! (1)

أيديولوجيات صنّاع القرار الأمريكي للهيمنة على العالم ! (1)

علي الشراعي
يقدم ستانلي كارنوف في كتابه (الإمبراطورية الأمريكية) تحليلاً مستفيضاً للفكر الأمريكي أواخر القرن التاسع عشر بقوله: أن الولايات المتحدة نشأت ونمت بطبائع الجغرافيا والتاريخ

دولة متحركة لا تطيق الوقوف مكانها وتعتقد أن الوقوف لا يكون إلا استسلاما لحصار أو تمهيدا لتراجع أي أن غرائزها ودوافعها تحفزها دائما لأن تتقدم وتتقدم تنتشر وتنتشر .
وحتى ذلك الوقت كان التقدم والتوسع يجري على أساس ملء المساحة من خط الماء (الأطلسى ) إلى خط الماء الباسيفيكي (الهادي) وقد قبلت امريكا ضريبة الحرب الاهلية لهذا السبب وحده وهو ملء المساحة من الماء إلى الماء بدولة واحدة قوية .
لقد حدد السياسي الأمريكي جون سوليفان في عام 1845م نظرية ( المجال الحيوي الأمريكي ) بمبدأ ( القدر المحتوم ) ورسم بهذه الكلمات الإلهية التي تقع على عاتق أمريكا  وهي: ( التوسع في القارة استجابة للتطور المتزايد عاما بعد عام لأمتنا الأمريكية المتعددة الملايين )
وقد كان مبدأ القدر المحتوم يعني بالنسبة للمبشر الأمريكي (سترونغ) هدفا جيوسياسيا وهو تأسيس إمبراطورية عالمية أي على الولايات المتحدة الأمريكية أن تصبح الإمبراطورية الأعظم من بين كل الإمبراطوريات العالمية وقد قال حرفيا : (مثلما كانت الشعوب في زمن ما تقدم طاعتها وخضوعها للسيد المسيح عليها أن تقدم هذه الطاعة والخضوع للإمبراطورية الغربية الفتية ) . – وهنا ندرك الدافع الديني للطغيان الامريكي –
وبما أن المصير قد حدد من قبل الله فإن الأمريكيين بالتحديد لهم الحق الأول في المكان والأرض حارمين الشعوب الأخرى من هذا الحق.
وسنة 1890م وتحت ضغوط المنادين بالتوسع والانتشار أقر الكونجرس اعتمادات لبناء خمس عشرة مدمرة حديثة وستة بوارج ذات قوة نيران غير مسبوقة لكي يكون من ذلك أسطولاً بحرياً يوازي الأسطول الألماني
وأطلق ضباط البحرية يتزعمهم الأميرال ( ستيفن لوس) دعوة تنادي بضرورة أن تتحول امريكا إلى دولة حرب . وبحكم واجبات الشرف والمهام المقدسة والحتميات الضرورية انطلق الزحف الأمريكي في المحيط الهادى نحو الشواطئ البعيدة .

مبدا مونرو
إن تاريخ الإمبريالية الأمريكية يرتبط ارتباطا وثيقا مع تاريخ مذهب مونرو الذي اكتملت مراحله بالعولمة التي تجسدت في الاستيلاء على شرق أوروبا وابتلاع دولها في حلف الناتو وتفتيت وتدمير يوغسلافيا وفرض الهيمنة الأمريكية في البلقان وإعلان مبدأ كلينتون- أولبرايت الذي بموجبه يستعير حلف شمال الأطلسي (الناتو) كل الوظائف والمهام الأساسية للأمم المتحدة . ثم احتلال امريكا لأفغانستان والعراق . حيث يؤكد المؤرخ الأمريكي وليم وليامز أن مذهب مونرو وخاصة سياسة الأبواب المفتوحة القائمة على هذا المذهب .
ففي عام 1823م أعلن الرئيس الأمريكي مونرو في رسالته للكونجرس مذهبه الذي أصبح أداة للاستعباد الأمريكي لبلدان القسم الغربي من الكرة الأرضية حيث أشار إلى أن أية محاولة لتدخل الدول الأوروبية في شؤون بلدان القارة الأمريكية سوف تعتبرها الولايات المتحدة بمثابة العمل السياسي العدواني ضدها . لهذا مثل مذهب مونرو انعطافا في السياسة الخارجية الأمريكية إذ بموجبه استحوذت أمريكا على حق الحماية المنفردة للقارة وحصلت أيضا على حق التدخل في شؤون دول أمريكا اللاتينية التي تحولت إلى محميات لها .
لقد وصف نعوم تشومسكي أن مذهب مونرو بالحرية وحيدة الجانب التي أعلنتها
الولايات المتحدة الأمريكية لنهب واستغلال بلدان القسم الغربي من الكرة الأرضية .
وتحول هذا المذهب على المستوى الجيوسياسي إلى أداة للاستيلاء على المكان وتحويل هذا المكان إلى إمبراطورية إقليمية أمريكية . فقد أشار فريدريك جاكسون تيرنر مستشار الرئيسين روزفلت وولسون إلى أن جوهر الولايات المتحدة الأمريكية كدولة يكمن في العملية الجيوسياسية للتوسع والتحرك الأبدي لحدود الهيمنة الأمريكية نحو الغرب .في البداية حتى شواطئ المحيط الأطلسي وبعد ذلك على الجانب الآخر لهذا المحيط في المنطقة الآسيوية .
في حين يؤكد كنيت كولمان الباحث السياسي الأمريكي ( إن مذهب مونرو على المستوى الأيديولوجي يعتبر ميثولوجيا سياسة وإيديولوجيا للإمبريالية الأمريكية حيث عمل في الأساس على تعليل وقوة واقع هيمنة أمريكا على القارة الأمريكية إن الأسطورة السياسية لمذهب مونرو خلقت بالتوازي مع تشكيل الإمبراطورية الأمريكية ... بالهيمنة أيضا مثلها مثل الإمبراطورية تتطلب تشكيل ميثولوجيا تعطيها الشرعية ... وفي أثناء عملية الاستيلاء على مناطق إمبراطورية جديدة تؤكد الميثولوجيا ما مفاده : نحن نهيمن عليكم لأن هيمنتنا تخدم مصالحكم )
فترسيخ نظام الهيمنة ينبغي على الميثولوجيا خلق الإيمان بأن علاقات الهيمنة والإخضاع القائمة هي علاقات طبيعية ومؤسسة على النفع المتبادل لكلا الطرفين أما أولئك الذين يتشككون في هذا الأمر أو يجهلونه فهم من المجرمين أو من الضالين.

مراحل السيطرة
تواكبت المرحلة الأولى من تطور مذهب مونرو مع صياغة وتعليل مبادئ المنطقة الأمريكية الكبيرة - أي مناطق الهيمنة الأمريكية في القسم الغربي من الكرة الأرضية . وبدأت المرحلة الثانية في الثمانينيات من القرن التاسع عشر وتجسدت في توسيع النزعة المطلقة لهذه الهيمنة وكانت ذروة هذه المرحلة الحرب ضد إسبانيا في عام 1898م والاستيلاء على مستعمراتها وإضافات الرئيس تيودور روزفلت إلى مذهب مونرو في عام 1904م فعندما استسلم الإسبان في كوبا وسيطروا على بورتوريكو والفلبين انتقلت أمريكا إلى الطريق المؤدية إلى الزعامة والهيمنة العالمية .
فيما تماشت المرحلة الثالثة من تطور مذهب مونرو مع خطط تحويل عصبة الأمم إلى أداة للهيمنة العالمية ومع إدماج مذهب مونرو في ميثاق عصبة الأمم بناء على طلب الرئيس الأمريكي ولسون وكانت هذه المرحلة الثالثة بداية الاختراق الأمريكي في أوروبا وآسيا .
فقد وصف كارل سميث  ان مذهب مونرو انتقل في هذه المرحلة من أرض القارة الأمريكية وتحول من مبدأ إقليمي للهيمنة  إلى مذهب عالمي وأداة لفرض الهيمنة العالمية )
اتخذت امريكا تحت لواء هذا المذهب ثلاث محاولات تاريخية لفرض هيمنتها العالمية الاولى بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى والثانية وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية والثالثة في الراهن بعد انتهاء الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي.
في الفترة التي تلت انتهاء الحرب العالمية الثانية جرى توسيع المجال الجغرافي لتطبيق مذهب مونرو فقد نظر الرئيس الأمريكي فرانكلن روزفلت إلى أهمية المنطقة الأوروبية – الآسيوية في ضوء نظرية (ماكيندر) وفي سياق خطط الحكم الأمريكي المقبل للعالم
 فقد أكد ماكيندر  على أهمية المنطقة  الأوروبية – الآسيوية من أجل الهيمنة العالمية واطلق عليها وصف المنطقة المحورية للسياسة والتاريخ العالميين  وقال : ( إن من يحكم الشرق يسيطر على المنطقة المحورية ومن يحكم هذه المنطقة يسيطر على الجزر العالمية ومن يحكم هذه الجزر يهيمن على العالم ) غير إن الإمبريالية والنزعة التوسعية الأمريكية اصطدمت آنذاك بمقاومة جيوسياسية من قبل الاتحاد السوفيتي وجاء عام 1991م وتفككك السوفيت وسقطت العقبة الأخيرة في طريق فرض مذهب مونرو على العالم كله .

القوة البحرية
في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين شهدت أمريكا صياغة إيديولوجيات تعلل نزعة الاستيلاء الاستعماري والتوسع الجغرافي والعدوان بشكل عام ولعبت تعاليم الأميرال (ماهان) الخاصة بالقوة البحرية دورا مهما وتحولت إلى ركيزة إيديولوجية للجيوسياسة الأمريكية فقد عرض ماهان السمات الأساسية لمذهبه في كتابه ( تأثير القوة البحرية على التاريخ في الفترة 1660-1783م) وصدرت أولى طبعته في أمريكا عام 1890م حاول ماهان استنادا إلى مواد تاريخية تتعلق بالأساطيل البريطانية والفرنسية تعليل فكرة مفادها إن القوة البحرية أي قدرة الدول الإمبريالية على شن الحروب العدوانية والهجومية في البحر تعد من العوامل المحددة للمصير القومي وان القوة البحرية ضرورية لأمريكا من أجل نشر الحضارة في العالم المحيط بها . وأعطى ماهان أهمية خاصة في عملية تقوية القوة البحرية لنشاط الحكومة التي اعتبر مهمتها الرئيسة هي النضال من أجل فرض التفوق الاستعماري والتجاري والعسكري البحري للولايات المتحدة الأمريكية على دول العالم الأخرى .

المشروع الاستراتيجي
وفي الفترة ما بين 1890- 1914م روج في العديد من مقالاته برنامجا محددا للتوسع السياسي الخارجي وعسكرة أمريكا . وينحصر اهمية البرنامج السياسي الاستراتيجي لماهان في ثلاث نقاط .
التوسع الاقتصادي الخارجي لأمريكا متمثلا بالتوسع  العالمي للتجارة عبر البحار وتصدير رأس المال والاستيلاء على الأسواق الخارجية . ثانيا التوسع السياسي الخارجي كسياسة استعمارية نشطة والاستيلاء على المناطق التي لم تقسم بعد والصراع العسكري من أجل تقسيم العالم في صالح أمريكا . ثالثا إجراءات إستراتيجية – عسكرية لتعزيز المستعمرات المستولى عليها ومناطق النفوذ والإعداد المستقبلي من أجل الهيمنة والزعامة العالمية
وانطلاقا من الفرضية العنصرية (القدر المحتوم) أي أن قدر أمريكا المحتوم هو زعامة العالم أكد ماهان أن الشعوب غير الراقية من حيث العرق لا توجد لديها تقاليد اقتصادية وسياسية ولا يحق لها امتلاك الأراضي . واعتبر أن العنصر الأنجلو سكسوني هو الأرقي ومن ثم يكسب حقا طبيعيا للاستحواذ على أي منطقة .
وعلل نظرية الدول التي يمكن للولايات المتحدة استخدامها كأذرع للضغط ونقاط للارتكاز من أجل تقوية الجيو سياسة الأمريكية في المناطق الجديدة . وطبقت هذه النظرية لأول مرة على الفليبين التي كان عليها أن تصبح محطة أساسية للقوة البحرية ونقطة ارتكاز في المنطقة الأوروبية والآسيوية . وقد برر ما هان العنف في العلاقات الدولية معتبرا رأس المال كقوة لا يقل عن الجيوش وقد كان الهدف النهائي لمذهبه الجيوسياسي يكمن في تأسيس إمبراطورية أمريكية عالمية .وان الرسالة التاريخية للقوة البحرية لأمريكا يجب أن تكون أداة القدر المحتوم لتوسع وهيمنة أمريكا على العالم .
و يمكن اعتبار إن القوة البحرية والأسطول بالنسبة لماهان يؤديان الدور نفسه الذي يلعبه الناتو اليوم بالنسبة لعلماء الجيوسياسة  الأمريكيين المعاصرين . وقد أعلن تأييده التام للمشروع الجيوسياسي للاستيلاء على المنطقة الأوروبية – الآسيوية وتأسيس إمبراطورية أمريكية عالمية
فقد أعد ماهان  الإستراتيجية الجيوسياسية للاستيلاء على الصين واعتبر تقسيمها من الأمور الضرورية ومثله مثل غيره من التوسعيين الأمريكان نهاية القرن التاسع عشر الميلادي اتفق ما هان بالكامل مع نظرية الداروينية الاجتماعية فقد كانت أمريكا بالنسبة له مثل الكائن البيولوجي الذي يتمثل قدره المحتوم في النمو وزيادة قوته عن طريق التوسع .
إن مذهب الهيمنة الأمريكية كانت بمثابة التعليل والعطاء الإيديولوجي للنزعة التوسعية للولايات المتحدة وكان لهذا التعليل جوانب عدة منها اللاهوتي والحقوقي الدولي والاقتصادي فمثل مذهب القدر المحتوم الذي طابق التوسعية الأمريكية مع الإرادة الإلهية العنصر اللاهوتي ولعب مذهب مونرو دور العنصر السياسي – الحقوقي .

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا