أخبار وتقارير

11  سبتمبر 2001م.. تنفيذ لمشروع القرن الأمريكي الجديد

11 سبتمبر 2001م.. تنفيذ لمشروع القرن الأمريكي الجديد

 ان الحرب على ما يسمى بالإرهاب بمفهوم واشنطن لم تعلن يوم 11 سبتمبر 2001م  بل تم اعادة الإعلان عنها في ذلك اليوم واستخدم ذات الحديث منذ عشرين عاما فالرئيس الامريكي ريجان (1981- 1989م )

حينما وصل إلى السلطة اعلن أن الحرب على الإرهاب ستكون جوهر السياسة الخارجية الأمريكية.
وندد الرئيس ريجان بما أسماه (وباء الإرهاب الشرير) وكان التركيز على الارهاب العالمي الذي ترعاه الدول في العالم الاسلامي وكذلك في امريكا الوسطي دولة نيكاراجوا. وقد وصف الارهاب بأنه وباء ينشره (خصوم الحضارة الفاسدة).

مشروع القرن
يهدف مشروع القرن الى رسم الاستراتيجيات السياسية والعسكرية للإدارة الأمريكية مع تولي الرئيس بوش الابن الحكم (2001 – 2009م) في مطلع القرن الجديد في يناير 2001م ويتلخص مشروع القرن الامريكي الجديد في ضرورة تأمين أدوات الدفاع والهجوم فيما يتعلق بالاستراتيجيات السياسية والقوة العسكرية لضمان سيادة الولايات المتحدة للعالم لمدة قرن آخر من الزمان ويشتمل المشروع على عدد من الأفكار والخطط منها التأمين العسكري لضمان احتكار القوة العظمى و الحفاظ على السيادة الصناعية  والتكنولوجية والاقتصادية والتأمين الذاتي ضد الاعتداءات من الفضاء وأولوية العمل على إزالة قيود معاهدة حظر التسلح مع روسيا في الفضاء والسيطرة على الشبكة الإلكترونية وكل ما يتصل بالحصول على المعلومات وتطوير القدرة العسكرية الامريكية لتتمكن من شن اكثر من حرب كبيرة بنجاح في القارات المختلفة في وقت واحد وضمان التفوق التكنولوجي للولايات المتحدة في مجال التطورات الجديدة للأسلحة وتطوير الاسلحة النووية ومواصلة تطوير الاسلحة البيولوجية كأداة من أدوات الحرب الحديثة والعمل على رفع النفقات المختلفة للتسلح لأن تأمين الإمبراطورية الأمريكية يكلف الكثير من المال وعلى ذلك فإن الشعب الأمريكي ينبغي أن يتخلى عن أمانيه بالتمتع بالسلام وبأرباح ناجمة عن انهيار الاتحاد السوفيتي واختفاء الشيوعية .
وينتهي المشروع الذي اكتملت صياغته العملية في سبتمبر 2000م وبعبارات ممن وضعوه مشروع القرن يجب أن يؤجل وذلك حتى تحدث كارثة تجبر الجميع على الانصياع الكامل لأفكاره ليتحقق لهم ذلك بعد عام واحد عبر احداث 11 سبتمبر 2001م .

اخطر القرارات
وفي 12 سبتمبر 2001م اقر مجلس الامن القرار رقم 1368 الذي يعترف بحق امريكا في الدفاع الشرعي الفردي او الجماعي طبقا لميثاق المادة 51 من ميثاق الامم المتحدة التي تنص على حق الدفاع الشرعي وقد نص القرار على ما يلي يدعو مجلس الامن جميع الدول الى التعاون المشترك لتقديم الجناة ومخططي ومنفذي هذه الاعتداءات الارهابية للعدالة ويؤكد على ضرورة محاسبة كل من تورط في مساعدة ودعم وايواء الجناة ) وهذا القرار هو من أخطر ما اتخذ من قرارات بدء القرن الجديد إذ يمنح امريكا الحرية والحق في الغزو المباشر لكل الدول المارقة وفقا لتصوراتها بلدا بعد الآخر دون تقديم دليل مادي ملموس على مبررات مثل ذلك الغزو سوى الحديث المبهم عن الحملة للقضاء على الارهاب الدولي أينما وجد .
كذلك صوت اعضاء حلف شمال الأطلسي الناتو بالإجماع في اليوم الثاني للهجمات لإدخال المادة الخامسة بالدفاع الجماعي محل التنفيذ بمقتضى ذلك اعلن الناتو (إن الاعتداء على الولايات المتحدة الأمريكية هو اعتداء عليها ويستوجب اتخاذ اجراءات الدفاع الجماعي ) وبذلك إشارة إلى استعداد الناتو لمساندة أي خيار عسكري تقرره واشنطن .

تطويق موسكو وبكين
فإن حرب امريكا على الارهاب تجاوزت منطق الجغرافيا بناء على اقتضاء مصالحها المنتشرة في ارجاء الكرة الارضية لذلك دفعت باتجاه دعم الانظمة التي تسهم في الحملة ضد الارهاب بالمساعدات الاقتصادية والعسكرية وغيرها وكبح جماح أي دولة اقليمية تحاول فرض هيمنتها غير المرغوبة امريكيا ودفعت امريكا باتجاه بناء الاحلاف الدولية الكبيرة عند الدخول في الحروب ضد الدول التي اسمتها الراعية للإرهاب في إطار الحملة الدولية لمكافحة الإرهاب  وإعلانها بشكل دوري قائمة المنظمات والدول الراعية والمساندة للإرهاب .
وغزو الدول الراعية للإرهاب وعدم الدخول في اي مفاوضات مع الارهابيين وما غزو افغانستان والعراق الا دليل على تلك الحرب التي ساعدت على التغلغل الأمريكي في آسيا الوسطي مطوقة روسيا داخل مناطق نفوذها وساعية نحو توسيع حلف الأطلسي بل واستدراج  روسيا نفسها اذ تم ذلك فان اعلان روما مايو 2002م الذي شهد ولادة مجلس العشرين مما افضي الى اسكات روسيا عند محاولتها لضم جمهوريات البلطيق استونيا ولاتيفيا ولتوانيا . واجهاض لسياسات والتحركات والتحالفات التي شكلت باكورة قطب عالمي جديد والذي يعد خطرا على مشاريعها وذلك بالتفكيك والتطويق والاحتواء والعزلة للحيلولة دون اكتمال نمو جنين تلك التحالفات . وكانت البداية من افغانستان لتتخذ لنفسها موقعا متقدما على شواطئ بحر قزوين وخزانات النفط والغاز هناك والتربص على تخوم روسيا والصين واستدراج جمهوريات آسيا الوسطى لحلفها . فمن بين ما أسفرت عنه أحداث 11 سبتمبر 2001م أن أمريكا تمكنت  من بناء 13 قاعدة عسكرية أمريكية في وسط آسيا بالقرب من الصين وروسيا كخطوة على طريق الاستعداد لتطويقهما عسكريا واقتصاديا.

الضربة الاستباقية
استطاعت الولايات الامريكية بعد اعلانها للحرب ضد الارهاب من تقسيم العالم الى قسم الموالاة التي يدخل فيها من يرضى بالأجندة الامريكية جملة وتفصيلا ومن دون قيد او شرط وقسم المعاداة الذي يضم الاطراف التي تعادي امريكا بأجندتها على الصعيد الدولي هذا بحد ذاته يعد سابقة خطيرة في السياسة الدولية مما يفضي لتعرض الدول جميعها الى الهزات السياسية وتوجسهم من الدور الامريكي المستقبلي في العالم بإعلان استراتيجية الامن القومي الامريكي في 20 سبتمبر 2002م والتي تنطلق بأن امريكا في حالة حرب لدحر الارهاب الدولي سواء كان يمثل دولا وجماعات وافراد وتهدف الى نشر الديمقراطية ودعمها في كل ثقافة وامة حفاظا على امن الشعب الامريكي . فاتجهت السياسة الخارجية الامريكية إلى تبديل استراتيجية الاحتواء والاستقطاب التي كانت قائمة إبان الحرب الباردة باستراتيجية الضربة الوقائية الذي بموجبها يسمح للقوات الامريكية بتسديد ضربات وقائية للدول او المجموعات الارهابية التي ترى انها على وشك امتلاك اسلحة الدمار الشامل او الصواريخ بعيدة المدى او الشك  بأنها تهدد المصالح الامريكية وبذلك فأن هذه الاستراتيجية كما يصورها كيسنجر بأنها ( تمزق ميثاق الامم المتحدة والقانون الدولي وتلغي منظومة ستيفاليا للقانون الدولي التي وضعت عام 1948م )
ومن جهة اخرى جاءت احداث 11 سبتمبر وكأنها الفرصة السانحة للسياسة الامريكية اذ اقدمت على الانسحاب من معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ البالستية والبدء بالتجارب الخاصة بالبرنامج للدفاع بالصواريخ في 13 ديسمبر 2001م .
فمشروع التفرد الامريكي قد تجاوز الحدود باتخاذ الضربة الوقائية سلاحا للحفاظ على مصالح امريكا بإعلان ( مبادئ العمليات النووية المشتركة ) سنة 2005م التي تشير إلى حاجة امريكا لاستخدام الاسلحة النووية في خضم الضربات الوقائية .

حماية الكيان الصهيوني
لم تكن ظاهرة الإرهاب الدولي جديدة على الساحة الدولية إلا أنها أضحت بعد احداث 11 سبتمبر2001م  من الاسباب التي سهلت لأمريكا لتحقيق اهدافها المعلنة وغير المعلنة فالمتتبع لخريطة الانتشار الامريكي في العالم بعد 11 سبتمبر بأن الحرب على الارهاب تبدو مقبولة لمد الهيمنة الامريكية على العالم سواء بنشر اساطيلها او اقامة القواعد العسكرية الجديدة أو نشر جنودها خدمة للبلدان المضيفة .
في حين ان ذلك لم يكن الهدف الاساسي من وراء شن الحرب على الارهاب وإنما لتوظيف هذه الحملة لخلق الآليات الكفيلة التي تمكن واشنطن من تحقيق هيمنتها على العالم بالشكل الذي يحقق مصالحها القومية.
كذلك سعت امريكا لتوظيف الحرب على الارهاب لإعادة رسم خارطة الشرق الأوسط وتحقيق أمن الكيان الصهيوني فضلا للحفاظ على تواجدها العسكري والسيطرة على منابع النفط فتمكنت الولايات من السيطرة على المناطق الاستراتيجية الغنية بمصادر الطاقة النفطية سيما الخليج العربي وردع الانظمة المعارضة لسياستها في المنطقة ولا سيما إيران.
مثلت الحرب التي شنتها امريكا على العراق التطبيق العملي لنظرية الدفاع الشرعي الوقائي وهي حرب غير مشروعة وفقا لمبادئ القانون الدولي والعلاقات الدولية وابتداعا لشرعية دولية جديدة خارج نطاق ميثاق الأمم المتحدة فضلا عن انها سعت لإزاحة كل من يقف بوجه التوجهات الأمريكية تحت مكافحة الإرهاب .

القطبية الواحدة
إن احداث 11 سبتمبر 2001م تخطت حدود الحدث عبر التصريحات النارية للرئيس الامريكي الاسبق بوش الابن التي كشفت الاتجاهات الجديدة للعقيدة الاستراتيجية الامريكية المتمحورة حول التفوق الامريكي ومنع ظهور اية قوة منافسة على صعيد النظام السياسي الدولي ولعل تلك الافكار والتوجهات لم تكن وليدة ساعتها وانما كانت لها جذور تمتد الى مطلع التسعينات من القرن الماضي.
الامر الذي دفع امريكا إلى إعلان مبادئ واسس الامبراطورية بوصفها القوة الكبرى في العالم المتفردة على الساحة الدولية والمتربعة في مكان يعلو على القانون الدولي فلا يمكن لأي عائق ان يعيق تحقيق المصالح الامريكية ويدعو ذلك الاطراف الدولية الاخرى إلى الانضمام الى الحشد وليس له الحق سوى المشورة
ولعل الحملة الدولية لمكافحة الارهاب افضل تكريس لمفهوم التوحيد الامريكي لان الإرهاب أصبح جملا تتخذه امريكا للوصول إلى غاياتها في إخافة الآخرين وانتزاع ولائهم وتبعيتهم وإشاعة القيم الامريكية وذلك ما يشير الى انتهاء عصر الشراكة وإحلال التبعية والولاء المطلق.
وعدت واشنطن نفسها غير ملزمة بقواعد القانون الدولي بعد احداث 11 سبتمبر2001م  مما افضي الى انسحابها ورفضها للعديد من المعاهدات والبروتوكولات الدولية المهمة وبذلك استطاعت ان توظف احداث 11 سبتمبر لانعاش مشاريعها الاحادية والانفرادية التي تبلورت عبر تفكيك الاتحاد السوفيتي والعمل من اجل الهيمنة والتفرد بالقوة العسكرية فضلا عن تبنيها استراتيجيات مخالفة للأعراف والمواثيق الدولية ما يجعلها مبسوطة اليد في التعامل مع الدول او القوى المعارضة لتصفية الحسابات وتحقيق القدر الاكبر من المصالح في بقاع العالم .

بداية السقوط
أوصى المؤرخ العسكري مايكل هوارد في اكتوبر 2001م  بالإشارة الى حرب 11 سبتمبر بعمليات بوليسية ضد المؤامرات الإجرامية والتي يجب ان يتم تعقب مرتكبيها وإحضارهم أمام محكمة دولية ليتلقوا محاكمة عادلة واذا كانوا مذنبين يتم الحكم عليهم بالعقوبات التي يستحقونها ) لكن ذلك الوت العقلاني امام الهيمنة الامريكية تم تجاهله . ورغم ذلك فأن مكانه الولايات المتحدة الأمريكية  على قمة النظام السياسي الدولي بدأت بالتراجع برغم ما تمتلكه من مقومات وبرغم سعيها الى التفرد باتخاذ القرار السياسي الدولي وتجاهل القوى الأخرى سيما بعد أحداث 11 سبتمبر فالحرب على العراق سنة 2003م والخسائر التي تكبدتها القوات الامريكية وانتهاكها لحقوق الإنسان وتحديدا ما حدث في سجن (أبي غريب ) أدى إلى تدني سمعتها فضلا عن معاناتها من التحديات والمشاكل الداخلية التي عجزت عن حلها والتي أدت الى الاضرار بقطبيها على النظام السياسي الدولي وبحسب قول مايكل فلايوس ( على الولايات المتحدة الامريكية ان تتعلم كيف تقود نفسها قبل أن تبدأ بقيادة الآخرين ). وفي ذلك  ايضا قال بول كينيدي استاذ التاريخ البريطاني ومؤلف كتاب سقوط وانهيار الامبراطوريات العظمي ( إن يوم الثلاثاء الحادي عشر من سبتمبر 2001م يعتبر نقطة فاصلة في تاريخ الولايات المتحدة ونهاية اعتبارها كقوة عظمي وحيدة تهيمن على النظام العالمي ) .

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا