كتابات | آراء

محطة توقف عند أسماء بعض الصحف

محطة توقف عند أسماء بعض الصحف

قبل إصدار أو إطلاق أية وسيلة إعلامية يُعمل الناشر أو المطلق ذهنه في اختيار التسمية التي تتضمن رسالة مباشرة أو غير مباشرة تترك أثرها في وعي جمهوره وما أمكن من جماهير غيره، لأنَّ لتسمية الوسيلة أثرا في تشكيل وعي المشاهدين أو المستمعين أو القرَّاء.

وسأحول -في ضوء اقتصار طبيعة عملي المهنية على الصحافة الورقية والإلكترونية- أن أتوقف -من خلال هذا الحيِّز المحدود- عند أسماء بعض الصحف، مسلطًا الضوء على ما تنطوي عليه تلك الأسماء من تزييف أو زيف مجحف لوعي جمهورنا العربي الذي ما تزال أغلبية نسبية منه تعاني من هذا أو ذاك النمط من التخلف، في مسعى منها إلى إقناع ذلك الجمهور بخطأ توجهات الأشخاص والقوى المدافعة عن قضاياه وبصواب الرؤى التي تعمل -صباح مساء- على تدجينه لخدمة مشاريع ألدِّ العدا، ومحاولًا -من ناحية أخرى- لفت انتباه القراء إلى أنَّ إصداراتٍ أخرى تعمل على تماهينا مع ما تحيكه لمنطقتنا القوى الكبرى، مفندًا -من ناحية ثالثة- انطواء صنفٍ من الأسماء على أوضح معاني الحرية، في حين أنَّ الوسيلة الإعلامية صادرة عن دولةٍ راعيةٍ للكثير من الممارسات الاستبدادية والاستعبادية المزرية، وسأقف في هذا المنعرج عند ما يأتي من النماذج:

١- صحيفة «العرب» بوق أبو ظبي:
على الرغم من أنَّ عمر دولة «الإمارات» لا يزيد عن عمر صحيفة «العرب» اللندنية التي أصدرها الصحفي ووزير الإعلام الليبي السابق الأستاذ «أحمد الصالحين الهوني» في العاصمة البريطانية «لندن» منتصف 1977 عن 5 سنوات، وأنها كانت عند مستوى تسميتها لسانَ حال كل العرب وأنها كانت صدرًا أرحب لكل اتجاه وكل مشرب، فقد صارت في السنوات المتأخرة وبالتحديد منذ منتصف 2020 -بعد أن مورست عليها ضغوط من «أبوظبي» بإمكانية إيقاف التمويل- بوقًا دعائيًّا يكرِّس -من خلال استكتاب ثلةٍ من مروجي الأباطيل الذين يبيعون دينهم بعرضٍ من الدنيا قليل- سياسةَ النظام الإماراتي المتصدر -في ضوء ما يلاحظ عليه من توجهاتٍ تصهينيَّةٍ متزايدة- قطار التطبيع مع دولة «الكيان الصهيوني» السائر -بخطىً حثيثة وجادَّة- صوب تصفية القضية الفلسطينية وتهجير من لم يزل من أبناء الشعب الفلسطيني متشبثًا بأرض آبائه وأجداده، حتى يسلمها - كل من حانت ساعة رقاده- أمانة لدى أبنائه وأحفاده من بعده، وغالبًا ما تتبني هذه الصحيفة -منذ أعوام- وجهة نظر النظام المتخندق -على الدوام- في خندق العداءِ للعروبة، فلم يعد لها -لا من بعيدٍ ولا من قريب- من اسمها نصيب.

٢- «الشرق الأوسط» مكرسة المخطط:
مصطلح «الشرق الأوسط» الذي أطلق -في خمسينات القرن التاسع عشر- من قبل السلطات البريطانية الحاضنة الأولى للحركة الصهيونية، وتكرس -على أوسع نطاق- عام 1902 بواسطة أحد الخبراء الاستراتيجيين في البحرية الأمريكية يهدف إلى جعل منطقتنا العربية الإسلامية بلا هوية، حتى يسهل على القوى الإمبريالية -وفي مقدمتها البريطانية والأمريكية- زرع الكيان السرطاني الخبيث في الأرض الفلسطينية.
وبالرغم من نجاح البريطانيين في زراعة ذلك الكيان الذي سرعان ما حظي بحنان ورعاية الأمريكان، فقد بقي -لعدة عقود زمنية- منبوذًا من المحيط العربي الإسلامي الشديد الاعتزاز بأرومته، فعمدت «واشنطن» و«لندن» -في سبيل حماية الكيان الصهيوني الدخيل من تبعات المواقف العربية المسنودة بوحدة الهوية- إلى توجيه نظام «آل سعود» بتبني إصدار صحفي يقفز على الهوية العربية ويكرس في وعي القارئ العربي الفكرة الشرق أوسطية، فتجسد المخطط بإصدار صحيفة «الشرق الأوسط» التي التزمت -منذ صدورها عام 1977 عن شركة نشر المملوكة للمجموعة السعودية للأبحاث والإعلام- سياسة الحياد من الصراع العربي الصهيوني وأسهمت في إضاعة الحق التأريخي الفلسطيني بعد عقود من الجهود في تمزيق أواصر القربى لصالح التقارب مع أمريكا وأوروبا.

٣- موقع «الحرة» الحاضُّ على التكاره:
ما زلت أتذكر أنَّ «واشنطن» التي تسعى إلى فرض وصايتها بأبشع صورة على معظم أنظمة وشعوب المعمورة قد أطلقت قناتي «الحرة» و«الحرة عراق» اللتين اقتصر بثُّهما على الأقطار العربية الإثنين والعشرين في فبراير عام 2004 بعد عام واحد من احتلال العراق للتأثير على الرأي العام العربي، وإيهامه بضرورة الاستعانة بـ«أمريكا» للتخلص من الأنظمة العربية الحاكمة التي تحول دون تمتعه بمناخات الحرية التي تنعم بها الشعوب الغربية، وقد أثبت تعاقب الأيام أنَّ ذلك الإغراء كان محض أوهام وأنَّ التغوُّل الأمريكي في العراق قد كرَّس الفوضى الممنهجة على أنقاض النظام، فعاد البلد -بعد تحقيق قفزات علمية وتنموية لا تُبارى- قرونًا عديدة إلى الوراء.
وبعد تراجع مستويات ما تحصده الفضائيات من مشاهدات زاد اعتماد القائمين على تينك القناتين -مواكبةً مع المتغيرات ذات الأثر الإيجابي أو السلبي على الفهوم والذوائق- على موقع الحرة الإلكتروني الذي يُكرس معظم محتواه المتحيِّز للباطل والمبطلين إلى مستوىً غير لائق لإذكاء نيران البغضاء وتزييف الوعي وتزوير الحقائق.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا