كتابات | آراء

دنت ساعة التحرير من البحر إلى النهر

دنت ساعة التحرير من البحر إلى النهر

  برغم أن تحولات عاصفة وتطورات نوعية جرت خلال السنوات الأخيرة، وجلها تقطع بأن لا اساس مادي لعقد تسويات، بل هي اسقطت التسويات التي تمت من قبل، ولا اي افق او ظروف لعقد صفقات،

مازال رهط كبير من الباحثين والكتاب والإعلامين وجنرالات الفضائيات ووسائط التواصل وسياسيين يكررون ويتحدثون ويستعرضون معلومات عن قرب عقد تسوية في الاقليم، واكثر يفترضون ان صفقة جار اعدادها لإجهاض حرب غزة وقطع تحولها الى حرب تحرير فلسطين من البحر الى النهر.
جل المعلومات المتداولة تبدو افتراضات وأوهام مستعارة من زمن غابر قد مضى والتهم معه فرص التسويات والصفقات.
يبدو ان العقل مازال يفكر ويستعير ويستجير بالماضي واحداثه على الرغم من ان زمن طوفان الاقصى وحرب غزة والحرب الاقليمية الجارية هو زمن غير المسبوقات. وعندما يقع حدث غير مسبوق فالمنطقي ان ينفتح العقل للتفكير من خارج الصندوق وبعيدا عن الاحداث التي سبقت والا ما كان الحدث غير مسبوق.
في عملية طوفان الاقصى وما استولدته من حرب وتطورات يمكن القبض على عشرات الاحداث غير المسبوقة فالزمن الجاري بكليته وبأحداثه والتي ستكون تنتمي الى صفة غير المسبوق.
واللافت بل المزعج ان العقول التي تقادمت وترهلت وسلمت نفسها للماضي ترفض التعامل بواقعية وبعملية مع الأحداث الجارية وبدل القبول ومحاولات التفكير بالجديد يشنون الحملات والاتهامات وكأن من يقرأ في الحاضر قراءة ملموسة وواقعية ليعرف الكائن وما سيكون مجرد متحمس وانتصاري ومتفائل ويتمنون رجمه، ربما لأنه يكشف عن تقادم افكارهم وآليات تفكيرهم.
على كل الاحوال؛ ما الضرر من ان تنكمش العقول وتتقادم وتعجز عن فهم الجاري وما سيكون، فلو ان هذا الرهط كان يوما فاعلا وقادرا على معرفة الواقع والتبصر في المستقبل لما كانت الجموع مازالت في حال يأس واحباط وتشكيك بالآتي ورهاب منه.
زمن التسويات قد ولى واختبرت فرصها لخمسين سنة، وحل الدولتين قتل مع قتل اسرائيل لرابين، وسبق ان عقدت صفقات واتفاقات ولم يبق خارجها الا سورية وفصائل المقاومة، ووقع الاتفاق النووي بين امريكا وايران وجاء من مزقه.
وتسوية اوسلو لم تنتج الا سلطة سجون واجهزة دايتون وتهويد للقدس وزرع ثمان مئة الف من المستوطنين في الضفة وتحولت اسرائيل الى التدين واليمينية مع هيمنت السفارديم والحريديم وهجرة الاشكيناز والطبقة الوسطى. وانكشف مخطط تهجير الفلسطينيين من غزة والضفة والـ٤٨ لتصير فلسطين يهودية وتشريد اهلها واصحابها الاصليين، فهل بقي في اسرائيل من يقبل تفكيك مستوطنات يهودا والسامرة والانسحاب لخط الرابع من حزيران ١٩٦٧م؟.
ولو ان التسويات والاتفاقات تعالج القضية وتنهيها وتصفيها لما كانت عملية طوفان الاقصى وحرب غزة التي تقرر بقرار إسرائيلي وبقيادة امريكية لإسرائيل وللحرب انها حرب تحرير فلسطين من البحر الى النهر، فمن وصف حرب غزة بانها حرب وجودية لإسرائيل هم قادتها ورئيس وزرائها ووزير دفاعها وجنرالاته وترجمتها الى العربية تعني تحرير فلسطين كلها فالإسرائيلي يخوضها كأخر الحروب.
وهي المرة الاولى وغير المسبوقة ايضا التي تعلن فيها اسرائيل التعبئة العامة وتخوض الحرب على انها حرب وجود.
فهل من عاقل يمكن له ان يستنتج ان حرب الوجود ستقود الى تسوية او صفقة؟!! ومن هي الجهات التي ستصفق والتي ستنخرط بالتسوية؟ وهل اذا اعيد انتاج تفاهمات بين سلطة ابو مازن برعاية مصرية واردنية وسعودية وأمريكية واوروبية يمكن ان تحصل تسوية او تسمى بتسوية!!!، وماذا يستطيع الفريق الفلسطيني في التسوية ان يقدم غير ما قدمه منذ اوسلو ووادي عربة وكامب ديفيد والتطبيع والابراهيمي.. حقا من يفترض ويراهن ويتوهم ان في الجاري وفي الافق  تسوية اما هو يحلم او منقطع عن الواقع ويأمل بالجنة لإبليس اللعين.
اما قصة الصفقات، فالأمر ذاته وفي نفس السياق...!! فمن سيعقد صفقة مع من؟؟ الا تذكرون كذبة القرن التي سميت صفقة القرن واشتغل فيها وعليها الاعلام سنوات؟ اين هي واين اصبحت ولماذا تبخرت؟؟
وكذا عن صفقة تحالف المعتدلين والناتو العربي الاسرائيلي الاسلامي، ومشاريع مشابهة التي لم تعمر طويلا حتى في الاعلام والمنابر والذاكرة.
والصفقات عادة تعقد بعد الحروب لا في زمنها الجاري وتعقد بين المنتصرين وليس بين المتحاربين، والحرب لم تضع اوزارها بعد وباتصالها بحرب اوكرانيا والحرب العالمية الاقتصادية والمالية بين الصين وامريكا يكون الجاري بمثابة حرب عالمية كبرى جارية في مسارحها وجغرافيتها وتحالفاتها واحلافها وفي كل فروع الحرب.
والحرب الاوكرانية التي بدأتها روسيا كعملية عسكرية خاصة اي محدودة تحولت الى حرب شاملة لأول مرة بتاريخ الحروب واعلنتها امريكا والاطلسي حرب وجود فانتصار روسيا يعني تداعي الاطلسي وانهيار الاتحاد الاوروبي  وتاليا هزيمة نوعية لأمريكا تعيدها الى جزيرتها مأزومة ومنحسرة على ازماتها التكوينية، التي تضربها وبعنف وتهدد مستقبل نظامها.
فالحرب مستعرة على كل الجبهات وامريكا اعلنت حربها على الصين واعدت تحالفاتها الاسيوية، ولا تدخر جهدا لإضعاف الصين ووقف تقدمها واعلن بايدن طريقا هنديا وحزاما بديلا عن طريق وحزام الصين وليس مصادفة ان طريق بايدن الهندي يمر عبر البحر الاحمر والخليج الى اسرائيل التي يقال ان حربها على غزة لتامين قناة بن غوريون بديلا لقناة السويس.
والحرب على هذه الوتيرة واطرافها في جانب امريكا والاطلسي وادواتها وفي الجانب الآخر اوراسيا ومحور المقاومة وتنهض امريكا اللاتينية وافريقيا وتسعى للتحرر من الاستعمار الاوروبي والاطلسي، وتمثل للجميع حرب غزة وتجلياتها الفرصة التاريخية لانهاك واستنزاف والحاق هزيمة بأمريكا والاطلسي..
 يخرج بعض الواهمين والمنفصلين عن الواقع والتطورات ويحدثونك عن صفقات، وعن تسويات؟!.. حقا هزلت..
الواقع اصدق انباء من الكتب والتسريبات، وما كان قد صار في ذاكرة النسيان، اما ما سيكون فهو الذي جرى بالأمس واليوم ومؤشراته ووقائعه قاطعة بان زمن التسويات والصفقات ولى والى غير عودة فالحدث يحصل اول مرة كمأساة وفي الثانية كملهاة فمبروك عليهم ملهاة الحديث عن الصفقات والتسويات.
وللتذكير فالعالم وتوازناته يعيش حقبة غاليان وزمن الغير مسبوق ومخاض ولادة عالم بديل للأنجلو ساكسوني..فهل يعقل ان احدا صاحب عقل ما زال يراهن ويتوهم ويروج لتسويات وصفقات.
ان لله في خلقه شؤون. ولمن اغواه الماضي وتكلس عنده نقول الا تعقلون الا تتفكرون، فالزمن زمن تغير وغليان عالميا واقليميا واسلاميا وعربيا، والحرب في اوكرانيا جرت كعملية قيصرية لتوليد العالم الجديد الذي طال مخاضه، وفي غزة تستكمل العملية القيصرية ليولد وسيولد وانتم مازلتم عند افكاركم القديمة.
هنيئا لكم ان تحبسوا افكاركم وعقولكم في الصندوق وللصندوق حظ ان يحتضنكم غير مأسوف عليكم فقد كنتم من ابتلاءات الأمة وماضيها العفن.
* كاتب لبناني

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا