كتابات | آراء

لا حوار مع من ليس بيدهم قرار

لا حوار مع من ليس بيدهم قرار

بعد أن خسر تحالف العدوان ضد اليمن المعركة العسكرية واعترافه الصريح بهزيمته فيها بدأت ترتفع أصوات من هنا وهناك تنادي بأهمية جلوس الفرقاء اليمنيين بمختلف توجهاتهم السياسية مع بعضهم للتحاور فيما بينهم كمخرج من الوضع القائم وإنهاء العدوان ورفع الحصار

وقد حمل هذه الدعوة للحوار المندوب الأمريكي إلى اليمن وأيده المندوب الأممي والهدف من هذا الطرح معروف جداً ويتمثل في الحفاظ على ماء وجه السعودية وشريكتها الإمارات اللتان قادتا تحالف العدوان ضد اليمن وإخفاء هزيمتهما وقد ساند هذه الدعوة للحوار بين اليمنيين العديد من قادة القوى السياسية داخل اليمن وخارجه لاعتقادهم أن الحوار اليمني- اليمني هو الحل الأمثل لإنهاء العدوان غير مدركين أن الحرب العدوانية على اليمن تم التخطيط لها خارجيا وتربعت على قيادتها بشكل مباشر طيلة التسعة الأعوام الماضية الإدارتين الأمريكية والبريطانية ومعهما الكيان الصهيوني وليست حربا أهلية كما يصورها أعداء اليمن لإخفاء ما ارتكبوه من جرائم بشعة ضد الشعب اليمني وتدمير بنيته التحتية وقتل شيوخه ونسائه وأطفاله والسيطرة على مقدراته ونهب ثرواته بل واحتلاله وهي الحقيقة التي لا يمكن لأي طرف تجاهلها أو حجبها عن الأعين المبصرة، وحتى لا تنطلي خدعة الدعوة إلى الحوار بين اليمنيين أنفسهم ويصدقها البعض فإننا سنعود إلى الحوارات التي كانت تجري بين القوى السياسية اليمنية خلال العقود الستة الماضية وتحديدا مُنذ قيام ثورة 26سبتمبر عام 1962م وكيف فشلت جميعها رغم كثرتها حيث أنهم لم يكونوا يتوصلون إلى اتفاق حتى يختلفون حوله وحبر التوقيع عليه لم يجف بعد ومن أهم تلك الاتفاقات المجمع عليها وشاركت فيها كل القوى السياسية المختلفة وثيقة العهد والاتفاق التي تم التوقيع عليها في العاصمة الأردنية عمان وما عُرف بالمبادرة الخليجية التي تم التوقيع عليها في الرياض والمؤتمر الوطني للحوار الذي عُقد في صنعاء ولم تنفذ مخرجاته وكذلك اتفاق السلم والشراكة الوطنية الموقع عليه في القصر الجمهوري، اخترت هذه النماذج الأربعة لأن مختلف القوى السياسية شاركت فيها ووقعت عليها.
وللتذكير بالحوارات التي جرت خلال حرب الأعوام السبعة التي شهدتها الساحة اليمنية عندما كان اليمن قد تحول إلى معسكرين جمهوري وملكي وكان لكل معسكر منهما داعميه من الخارج والداخل بالإضافة إلى انقسام الاعتراف الدولي بهما وكانت أصوات العقلاء في الداخل اليمني تنادي بالحوار وصولاً إلى حل يقطع الطريق على تدخل الخارج في الشأن اليمني فتشكلت وفود من المعسكرين التقت في أكثر من منطقة يمنية من بينها عمران وخمر وحرض وغيرها وعندما لم يتوصلوا إلى اتفاق أرادوا أن يجربوا الحوار في الخارج للتغلب على الضغوط التي كانت تُمارس عليهم في الداخل فذهبوا إلى منطقة اركويت في السودان ثم إلى دولة الكويت ثم إلى جدة ولكن المحصلة النهائية من تلك الحوارات كانت هي الفشل بعينه ولم تنته حرب السبعة الأعوام إلا بعد أن تم التحاور مع العامل الخارجي المتدخل في الشأن اليمني والمتمثل في مصر والسعودية حيث كانت الخطوة الأولى التي مهدت للسلام هي انسحاب القوات المصرية من اليمن والتصالح بين الرئيس المصري جمال عبد الناصر والملك السعودي فيصل بن عبدالعزيز وتبعتها الخطوة الأهم المتمثلة في فتح صنعاء لحوار مباشر مع السعودية كونها صاحبة القرار لإيقاف الدعم عن الملكيين وفرض إرادتها عليهم كما تفعل اليوم مع القوى التي ارتمت في أحضانها واعتبرتها المنقذة لها و القادرة على إعادتها إلى الحكم متجاوزة القوى التي كانت تدعمها السعودية لإسقاط النظام الجمهوري لكن لأن القادة الجمهوريين كانوا حديثي الخبرة في التفاوض وفي السياسة كون الحكم كان بيد المصريين وهم كانوا عبارة عن كمبارس لايهشون ولا ينشون كما ذكر ذلك القاضي عبدالرحمن الإرياني رئيس المجلس الجمهوري الأسبق- رحمه الله- في مذكراته فقد تسرعوا بالذهاب إلى جدة لمقابلة الملك فيصل وقبلوا بشروط السعودية وسلموها في شهر يوليو عام 1970م رقبة الثورة والجمهورية ففقدت صنعاء استقلاليتها في اتخاذ القرار سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وحتى أمنياً وتحول اليمن إلى بلد تابع للسعودية تحكمه بشكل فعلي اللجنة الخاصة بالرياض وتسير مقاليد أموره بالطريقة التي تريدها السعودية وأصبح المسؤولون في صنعاء وكأنهم موظفون لدى النظام السعودي لا يملكون من أمرهم شيئا سوى تنفيذ أجندته، ثم توالت الأحداث التي خلقت صراعاً بديلا ً بين ما كان يعرف بالشمال الرجعي والجنوب الشيوعي وقد غذت السعودية هذا الصراع لتصل حدته إلى إشعال الحرب بين الشطرين اليمنيين سابقا وكانت تشكل عقب كل حرب لجان من الجانبين للتحاور وصولا إلى حل لكن الفشل كان دائما حليفها بل وصل الأمر إلى تشكيل مقاومة للنظام في الشمال في المناطق الوسطى عُرفت بالجبهة الوطنية المدعومة من عدن وردت صنعاء بتشكيل مقاومة مماثلة عُرفت بالجبهة الإسلامية مدعومة من السعودية ولم تهدأ الأوضاع نسبياً إلا بعد أحداث 13 يناير المأساوية في عدن عام 1986م بين الرفاق التي قضت على الأخضر واليابس وأضعفت دولة الجنوب فتخلصت صنعاء من الضغط الذي كان يُمارس عليها وتم تفعيل اللجان الوحدوية للتحاور حول إنهاء الصراع العسكري بين شطري الوطن.
قد يقول البعض إن الحوار بين اليمنيين أنفسهم نجح في إعادة تحقيق الوحدة اليمنية في 22 مايو عام 1990م ولكن الحقيقة تختلف تماما فإعادة تحقيق الوحدة لم يأتِ نتيجة الحوار بين الشطرين الذي بدأ عام 1972م في القاهرة مروراً بمحطات كثيرة منها طرابلس الغرب بليبيا ودولة الكويت وصنعاء وعدن ولقاءات ثنائية بين القيادتين وإنما جاء إعادة تحقيق الوحدة بقرار فوقي تم التوافق عليه بين شخصين كانا على رأس الحكم في صنعاء وعدن مكرهين عليه حفاظا على بقائهما لأن النظامين في صنعاء وعدن كانا مهددين بالسقوط نتيجة المتغيرات الدولية التي حدثت آنذاك وأهمها سقوط المنظومة الاشتراكية وتفكك الاتحاد السوفيتي سابقا الذي كان يحميها ولأن قرار تحقيق الوحدة كان هروبا إليها للبقاء في الحكم فإن الوحدة السلمية الحقيقية لم تصمد طويلا فقد اختلف الشريكان حولها مُنذ شهورها الأولى لتنتهي بحرب صيف عام 1994م التي حولتها من وحدة سلمية إلى وحدة ضم وإلحاق فترتب على ذلك تداعيات لاتزال هي السبب المباشر الذي يعاني منه الشعب اليمني اليوم بكل محافظاته وعليه فإن ما يقال عن أهمية الحوار بين اليمنيين أنفسهم هو خدعة وكذبة كبرى وأن الخروج من الوضع القائم وإنهاء العدوان ورفع الحصار لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال سواعد رجال الرجال الذين أثبتوا جدارتهم في ميدان النزال دفاعا عن سيادة الوطن وحريته واستقلاله أو بواسطة الحوار الجاد المباشر مع العدو نفسه الذي شن على اليمن حربه العدوانية بعيدا عمن ارتبط به من العملاء والمرتزقة الذين ليس بيدهم أي قرار لأنهم مسيرون وليسوا مخيرين.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا