كتابات | آراء

مصرع (بريغوجين) بإيعاز من القيصر (بوتين)

مصرع (بريغوجين) بإيعاز من القيصر (بوتين)

تعود العلاقة بين «يفغيني بريغوجين» والرئيس «فلادمير بوتين» إلى ثمانينات القرن الماضي حين كان «بوتين» نائب رئيس بلدية «سانت بطرسبورغ» أيام ارتياده أول مطعم افتتحه السجين «بريغوجين» في ذلك الحين، وقد كانت تلك البداية مجرد تأسيس لعلاقة استحق -بموجبها- «بريغوجين» نعت «طباخ الرئيس».

وقد عاد نشوء تلك العلاقة المبكرة بـ«بوتين» -لا سيما بعد أن أصبح سيد الكرملين- على «بريغوجين» بالثراء السريع بسبب تمكينه من إنشاء شبكة مطاعم احتكرت تنظيم كل ما كانت تقيمه أجهزة الحكومة من ولائم بشكل دائم، بكل ما ترتب على ذلك الاحتكار من مكاسب ضخمة أشبه ما تكون بالمغانم.
ولعل تقرُّب «بريغوجين» من «بوتين» أكثر فأكثر -بالإضافة إلى ما يجمعهما من واحدية المنحدر- قد منحه فرصة إنشاء شركة «فاغنر» التي خُطط لها أن تظهر عام 2014، لتسهم في استعادة شبه جزيرة القرم من سيادة «أوكرانيا» إلى سيادة «روسيا الأم»، فظفرت وظفر قائدها «بريغوجين» -منذ ذلك الحين- بثقة الرئيس «بوتين» الذي لم يلبث أن اتخذ منها -بصفة غير رسمية- أداة «موسكو» غير المباشرة لتنفيذ المهام العسكرية والأمنية القذرة، فبدأت «فاغنر» -منذ عام 2015- ترسخ حضور روسيا في كثير من أقطار القارة السمراء، متسببةً -بسرعةٍ لا تنسى- في تقليص النفوذ التقليدي لفرنسا.
وبالتزامن مع تمدد «فاغنر» في القارة الإفريقية كان لها مشاركة فاعلة في ما ارتكبته القوات الروسية من جرائم وحشية في الأراضي السورية التي شهدت أولى بوادر التمرد التي ما فتئت تتجدد والتي أشير إليها في سياق التقرير الخبري المعنون ["فاغنر".. جيش الظل الروسي للمهمات القذرة في سوريا] الذي نشر في «الجزيرة نت» بتأريخ 21 مارس 2018 على النحو التالي: (ويبدو أنَّ فاغنر خسرت عام 2016 ثقة وزارة الدفاع بعدما كانت تمولها وتزودها بالأسلحة والمعدات، وذلك بسبب توترات مع الجيش الروسي على الأرض وصراعات نفوذ في موسكو).
ومنذ مشاركة مرتزقة «فاغنر» القوات الروسية الهجوم على أوكرانيا الذي شُنَّ في الـ24 من فبراير 2022 بدأ «بريغوجين» بشنِّ حربٍ دعائية ضدَّ قادة وزارة الدفاع الروسية لا سيما وزير الدفاع ورئيس الأركان متهمًا إيَّاهما بالتآمر على مقاتليه الشجعان وبالعجز عن تحقيق أيِّ انتصار على الأوكران.
أما بعد تمكُّن مرتزقته -بواسطة ما يعرف بـ«فرق الموت»- من تحقيق تقدم ملحوظ في معارك الاستيلاء على مدينة «باخموت»، فقد بلغ بـريغوجين «جنونُ العظمة» مستوياتٍ متقدمة، حتى لم يعد يرى أبعد من موضع قدمه، فإذا به يعلن مساء الجمعة الـ23 من يونيو الماضي -تحت ذرائع واهية- تمرده على القيادة العسكرية الروسية، والانسحاب من جبهات القتال الأوكرانية والتوجه شمالًا للاستيلاء على المواقع العسكرية في مدينة «روستوف» الواقعة في جنوب روسيا والتي يقع فيها المقر العام للقيادة الجنوبية للجيش الروسي ويتم فيها تنسيق العمليات العسكرية في أوكرانيا، عاقدًا عزمه على الاستيلاء على موسكو «العاصمة» وإسقاط حكم «بوتين» الذي ما كان سيرضى -إزاء حادث التمرد المشين- بأقل من رأس «بريغوجين»، ولم تُحَل الأزمة إلَّا بوساطة الرئيس البيلاروسي «ألكسندر لوكاشينكو» الذي استهل موقع «العربية نت» الخبر المعنون [رئيس بيلاروسيا: طلبت من بوتين عدم اغتيال قائد فاغنر] الذي نشر في الـ27 من يونيو الماضي -الحديث عنه- على النحو التالي: (أكد الرئيس البيلاروسي «ألكسندر لوكاشينكو»، الثلاثاء، أنّه طلب من نظيره الروسي «فلاديمير بوتين» عدم اغتيال قائد مجموعة فاغنر «يفغيني بريغوجين»).
وقد ظل العالم يترقب ماذا يمكن أن يتعقب ومتى يُدفِّع القيصر «بوتين» «بريغوجين» ثمن المقلب، بيد أنَّ خبر حادث سقوط الطائرة التي قيل أنَّ «بريغوجين» أحد ضحاياها قد حل اللغز المحير، فقد اعتبر الحادث من قبل جُلِّ المراقبين عملًا انتقاميًّا نفذ بإيعاز من الرئيس «بوتين»، وذلك ما ذهب إليه أدق المحللين، منهم -على سبيل المثال- الخبير الأمني الأميركي «جيل دوغيرتي» بشبكة «سي إن إن» الذي رجح بل جزم -بحسب ما ورد في تقرير الصحفي «محمد المنشاوي» الذي نشر في «الجزيرة نت» في الـ24 من أغسطس الجاري- (أنْ يكون الرئيس «بوتين» هو من أعطى أمر التخلص من «بريغوجين»، وأنَّ هذا ما تنبأ به الجميع منذ ذلك الوقت، وأنَّ المسألة كانت مجرد مسألة وقت).

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا