كتابات | آراء

دولة الضرار قاب قوسين أو أدنى من الانهيار

دولة الضرار قاب قوسين أو أدنى من الانهيار

مذ تشكلت نواة المجتمع الصهيوني من لفيف غير متجانس من اليهود المتوارثين -منذ آلاف السنين- حلم إخراج دولة توراتية إلى الوجود، وعلى مدى فترة استجلاب اليهود من أصقاع المعمورة ما تزال مظاهر التباين في مجتمع الكيان ماثلة للعيان، وهي أكثر وضوحًا في المتباين البيِّن من قضية التعديلات القضائية.

ولا غرابة في ما نشهده في مجتمع الكيان الصهيوني -بين الآن والآن- من أزمات سياسية ومجتمعية توشك دولة الكيان أن تصبح على أثرها في «خبر كان»، لأنَّ ذلك المجتمع -بحسب ما نقل التقرير الإخباريّ المعنون [الانقسامات الداخلية بالمجتمع الإسرائيلي] المنشور في «عربي21» بتأريخ 20 سبتمبر 2022 عن علماء اجتماع إسرائيليين- (مجتمع ممزّق تتجاذبه الصراعات الأيديولوجية والأخلاقية، وهو مشكل من المهاجرين غير المتجانسين، ويحوي في تركيبته جنسياتٍ وأعراقًا وديانات وثقافات متباينة، وما من شك أنَّ عملية ربط هذه المجموعات المتنوعة معقدة ومليئة بالتوترات والصراعات، فكل مجموعة تحمل هوية مختلفة، ففيهم المتدينون والعلمانيون، وفيهم الشرقيون السفارديم والغربيون الأشكناز، وكل مجموعة لديها -بالضرورة- رغبات وأهداف وحساسيات مختلفة عن سواها، وفي كثير من الأحيان تتصادم أولوياتها، وتتولد انقسامات تقصم عرا المجتمع، وتقوِّض استقراره).
كما انَّه قد تأسس من أول يوم على العنصرية والطبقيات المتعددة المستويات، وهذا الأمر يُفهم بسهولة من احتواء التقرير التحليلي التساؤلي المعنون [العنصرية الطبقية داخل المجتمع الإسرائيلي.. هل ستُنهي "إسرائيل"؟] الذي أعدَّته «مجد أبو ريا» -على ضوء حوارها مع الباحث «أحمد الشنطي»- والذي نشرته في «نون بوست» بتأريخ 13 مارس 2019 على ما يلي: (إنَّ كلَّ الصور المطبوعة على الأوراق النقدية الإسرائيلية صور لشخصيات أشكناز فقط، وفي دراسة لمركز «أدافا» ظهر أنَّ راتب اليهود الغربيين يفوق راتب اليهود الشرقيين بنسبة 42%، وأنَّ أكثر من 80% من حملة شهادة الدكتوراه من الأشكناز).
بل إنَّ أكثرَ ما تقدم عليه السلطات الصهيونية الاحتلالية من اقتحامات للمناطق والبلدات الفلسطينية ومن افتعال أعمال قتالية مجرد هروب مكذوب من الأزمات المجتمعية الداخلية، وقد أشار إلى ذلك مسؤول قسم البحث الاستراتيجي للشرق الأوسط في مؤسسة «أوروبا الشرق» أحمد الشنطي في حواره المطول مع «مجد أبو ريا» لـ«نون بوست» بقوله: (سياسات "إسرائيل" الشرسة واندفاعها بسهولة للحروب ليست محصورة في أسباب سياسية، بل أصبحت ضرورة اجتماعية لتوحيد كل أطياف مجتمعهم أمام "العدو"، فعادةً ما نجد أنَّه فور خفوت أصداء الحرب، تعود الأصوات التي تنضح بنكهة العنصرية بالظهور، كما حدث في أزمة مدرسة بلدة "نتيفوت" عام 2014" التي حدثت بعد أن وضعت حرب غزة 2014 أوزارها، وتمثلت تلك الأزمة في تعليق أولياء أمور الدراسة في مدرسة فتيات احتجاجًا منهم على قبول المدرسة 3 طالبات من اليهود الشرقيين).
والإضافة إلى ما يتخلل المجتمع الصهيوني من تباينات تبعًا لمناطق الاستجلاب، تتخلله -أيضًا- تباينات أيديولوجية تعدُّ أهم أسباب ما يشهده مجتمع آل صهيون اليوم من انقسام واضطراب، فمعظم الإحصائيات السكانية ترسم الخارطة الأيديولوجية للشعب الإسرائيلي البالغ تعداده قرابة 7 ملايين نسمة على النحو التالي: (44.3%علمانيون، و21.4% محافظون، و12.3% محافظون ذوو ميول دينية، و11.5% متدينون معتدلون، و10.2% يهود توراتيون متطرفون).
وفي حال إسقاط هذه الخارطة الأيديولوجية على واقع الانقسامات السياسية الناتجة عن أزمة التعديلات القضائية سنجد رجحان كفة الأقلية المتطرفة التي يحمل لواءها الوزيران المتطرفان «إيتمار بن غفير» ممثلًا عن حزب «الصهيونية الدينية» و«بتسلئيل سموتريتش» ممثلًا عن حزب «البيت اليهودي» ومعهما رئيس الحكومة «بنيامين نتنياهو» وثلاثتهم يجدون في افتعال الأزمات الأمنية مع التجمعات السكانية في المناطق الفلسطينية مخرجًا مناسبًا من الأزمات السياسية والاجتماعية في الأوساط المجتمعية الصهيونية.
لكن يبدو أن سعيهم -في سبيل حماية أنفسهم مما ينسب إليهم من تهم قانونية- لفرض التعديلات القضائية التي ستفرض -في حال تمريرها- إرادة الأقلية على الأغلبية سيمثل بكل تأكيد المسمار الأخير في نعش دولة الضرار التي تأسست -منذ 75 عامًا- (شَفَا جُرُفٍ هَار)، وأنَّ المجتمع الصهيوني -في ضوء ما يعصف به من اضطرابات مروعة إزاء التعديلات القضائية المزمعة- قد صار قاب قوسين أو أدنى من الانهيار.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا