كتابات | آراء

ومضات متناثرة: ثلاثية سيكولوجية العدل والأمن والعمران

ومضات متناثرة: ثلاثية سيكولوجية العدل والأمن والعمران

لقد استبق ابن خلدون الأزمنة التاريخية المعرفية والثقافية والحضارية والاجتماعية بمئات القرون، ومن أهم استنتاجاته التقريرية أن العدل أساس نهضة الأمم والشعوب

وأن العصبية هي الناموس لبواطن الأيديولوجيات المرتبطة بالتاريخ السياسي، والصراع الفكري بين الأمم والشعوب حتى قيام الساعة.. يقول علماء الاجتماع:"إن الإنسان ابن بيئته"، وهناك مؤشرات لتأثير البيئة في الإنسان، فوجود الماء يمثل العنصر الأساس في تأمين الحياة، وتأتي الزراعة في المرتبة الثانية ثم العمران البشري في المرتبة الثالثة مع إقامة العدل، ومن هنا بدأت رحلة البحث عن الأمن الغذائي والاستقرار الاجتماعي فاستطاع الإنسان أن يتكيف ويتأقلم مع بيئته ويبتكر أنواعاً من الآلات التي يحتاجها في حياته اليومية والحياتية، ولهذا معظم الحضارات القديمة ارتقت ونهضت بعاملي العمل وتفعيل العقل..
المتأمل في تاريخ الإنسان اليمني قديماً وحديثاً يدرك أن اليمانيين أهل حضارة عريقة موغلة في القدم وراسخة الجذور وهم من سادوا وقادوا الأمم والشعوب وفتحوا الأمصار والأقاليم بقوة إيمانهم وسمو أخلاقهم، وصلابة إرادتهم وطردوا الأحباش والفرس من أرضهم وعندما اسلموا كانوا قوة وزاداً وعدة وفتحاً ونصراً للإسلام، فقادوا الجيوش وسادوا وفتحوا وحكموا.. وأشار الكثير من المؤرخين أن اليمانيين هم من خططوا الأمصار والأقاليم في بلاد الشام ولبنان وفلسطين وسوريا..
لذا علينا أن ندرك أن تأخر الأمة وانحطاطها وسقوطها في مزالق الفتن والأزمات هو بسبب عدم الإنصاف للمظلومين والضعفاء فعندما خاطب الله عزوجل داوود عليه السلام قائلاً له: (يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فأحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب).. فالعدل هو الأمن والأمان.. والعمران والبنيان فيه تكمن عظمة السلطان، وفيه عزة ومنعة للأوطان وفيه هبة الله لعباده الصالحين.. ففي إقامة العدل تعمر البلاد وترتقي الأمم والشعوب، ويرتدع الظالم ويعيش الناس في أمن وسكينة، فالحاكم العادل صمام أمان لدولته وحصن لأمته وملاذ ركين لضعفائه وفقرائه وعامة الناس، وصدق الله تبارك وتعالى القائل: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعاً بصيراً) النساء "58.
فليدرك الجميع أن قوانين البشر مهما سمت وارتقت مكانتها علمياً ومادياً تظل قاصرة وعاجزة أمام قانون السماء ونصوص أحكام الشريعة الإسلامية، ولعل من أهم عوامل السقوط والتخلف والانحلال والتأخر العلمي والثقافي والاجتماعي التي تعيشه معظم الدول العربية والإسلامية اليوم هو راجع إلى الاقتداء بمفردات ومصطلحات الحضارة الغربية الزائفة، أخذنا بريقها، وخدعنا بجوهرها..
• صفوة القول:
لابد من العودة الصادقة إلى روح وجوهر عقيدتنا وعاداتنا وتقاليدنا وتعاليم ديننا قولاً وعملاً وسلوكاً وواقعاً ففيها العزة والشرف والكرامة والإباء.. فإذا أردنا العزة والمجد والسمو، فعلينا أن نتمسك بالعروة الوثقى، دون ذلك سنظل تحت رحمة رياح الحضارات والنظريات والأيديولوجيات المتصارعة إلى قيام الساعة.. فالحاكم العادل ظل الله في الأرض يأوي إليه كل المظلومين والضعفاء والفقراء من الناس، فإن عدل كان له الأجر والثواب من الله وإن جار وظلم وتكبر وتجبر كان عليه الخسف والنسف عاجلاً أم آجلاً..
• خلاصة الخلاصة:
أعلموا أن أحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على قلب مسلم وقال عليه الصلاة والسلام: "من أدخل على أهل بيت من المسلمين سروراً لم يرض له الله ثواباً دون الجنة".
فالعدل لا يفرق بين أمير أو حقير، شريف أو نتيف، رفيع أو وضيع وصدق رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام القائل: "وأيم الله" لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها".. هكذا سادوا وحكموا ففتح الله عليهم أبواب السماء والأرض، فعاشوا سعداء آمنين مطمئنين عدلوا في حكمهم خوفاً من الله وأدوا كل ما عليهم من حقوق وواجبات ابتغاء مرضاة الله فوصفهم الله سبحانه وتعالى بقوله: (أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون) البقرة "5".. (اعدلوا هو أقرب للتقوى)..!!.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا