كتابات | آراء

بوح اليراع: أعمال نكراء بين يدي ذكرى معجزة الإسراء

بوح اليراع: أعمال نكراء بين يدي ذكرى معجزة الإسراء

بالرغم من ثبوت عروبة أرض فلسطين وفق الثقات من المؤرخين، فإنَّ بيت المقدس تتمتع بأهمية استثنائيّة لدى أمتنا الإسلامية، لأنَّها تضم بين جنبيها المسجد الأقصى مسرى خير الورى ومنطلق عروجه -صلى الله عليه وسلم- إلى السماوات العلى.

وتُعد حادثة الإسراء والمعراج الخارقة التي حدثت سنة 621 للميلاد -بالتزامن مع الليلة الفاصلة بين السنتين الحادية عشرة والثانية عشرة لبعثته المطهرة- واحدة من أعظم المعجزات التي أيَّده المولى -جل وعلا- بها على قوى طغيان ذلك الزمان ممثلة بكفار قريش الذين ظلوا -على مدى ١٣ عامًا- يعملون آملين (أَن يُطۡفِـُٔواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَيَأۡبَى ٱللَّهُ إِلَّآ أَن يُتِمَّ نُورَهُۥ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَٰفِرُونَ) سورة التوبة من الآية: (٣٢).
وقد مثلت تلك المعجزة التي ارتبطت بـ«أولى القبلتين وثالث الحرمين) حافزًا لدى عموم المسلمين لتطهيره -سِلمًا- من دنس المحتلين الرومان في إطار تطهير المدينة المقدسة التي فتحت ذراعيها عام ٦٣٦ ميلادية للفتح الإسلامي في عهد ثاني الخلفاء الراشدين.
ومنذ ذلك الحين الذي دخل المسلمون فيه بيت المقدس فاتحين حظيت المدينة القديمة ومقدساتها الإسلامية بإعمار وتطوير وعناية حكام وأمراء وولاة المسلمين، إلى أنْ بلغ التمزق والضعف بأمة الإسلام -نتيجة مطامع الولاة والحكام- مستوى أهلها للانهزام سقطت المدينة المقدسة عام ١٠٩٩ ميلادية فريسة في أيدي الصليبيين  الذين ارتكبوا مذبحة رهيبة صار ضحيتها معظم سكانها.
أما مقدساتها -وفي مقدمتها المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة- فقد طالها -في ظل ذلك الاحتلال الصليبي الخسيس- من التنصير والتدنيس ما لا يخطر على بال إبليس، وقد ظلت تعاني واقع الذل والمهانة مدة ٨٨ سنة.
ولم تقم في المسجد الأقصى المبارك(الحرم القدسي بأكمله) -طيلة تلك الفترة الزمنية- فريظةٌ أو نافلة.
وفي تلك الأثناء وبعد تجرُّع القدس والمقدسيين حوالي تسعة عقودٍ من البؤس والعناء كان الله -سبحانه وتعالى- قد هيأ قائدًا ربانيًّا يحرر المدينة المقدسة من ربق الاحتلال ويطهر أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى خاتم الأنبياء وسيد المرسلين من رجس عبَّاد الصليب، فقد تمكَّن السلطان الناصر صلاح  الدين الأيوبي يوم السبت ٢٥ ربيع الثاني ٥٨٣ هـ الموافق ٤ يوليو ١١٨٧م -بعد إعداده العدّة وأخذه بالأسباب- من ملاقاة الصليبيين -بين الناصرة وطبريا- ملحقًا بهم هزيمة ساحقة، لتتحر على يده بيت المقدس بالإضافة تحرير مناطق تم احتلالها في أوقات سابقة.
وعاد الأقصى المبارك يؤدي رسالته الدعوية الإسلامية السامية، حتى دبَّ الصراع بين حكام البيت الأيوبي اللاحقين لعهد صلاح الدين الذي عرُف بالعهد الذهبي عادت بيت المقدس والمسجد الأقصى المبارك للوقوع -مرة أخرى- في أسر الاحتلال الصليبي، حتى تحررا عام ١٢٥٠ ونالا من اهتمامهم ما نالاه من حكام المسلمين السابقين، ليئول حكم تلك المدينة وخدمة المسجد الأقصى وإدارة شؤونه عام ١٥١٦ ميلادية، فينعما بوضع مستقر بل مزدهر لثلاثة قرون أو أكثر.
بيد أنَّ شعور الغرب الصليبي بخسران غير محدود نتيجة إفشال السلاطين العثمانيين ما كانوا يبذلونه -في سبيل النيل من استقرار بيت المقدس وفلسطين بصفة عامَّة- من جهود قد حمل البلدان الغربية على التسابق لفتح قنصليات في القدس اتضح -في ما بعد- أنها مجرد وكالات لاستجلاب اليهود إلى فلسطين، كي يحققوا نسبة سكانية تنافس الجنسية العربية الفلسطينية.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى بهزيمة الدولة العثمانية ضمن هزيمة دول المحور عام ١٩١٨ التي كان من نتائجها وقوع فلسطين تحت الانتداب البريطاني، كان صهاينة اليهود قد حصلوا عام ١٩١٧ من «أم الشرور» بريطانيا على الوعد المشؤوم المسمى «وعد بلفور» الذي ضمن لـ«آل صهيون» مساندة كاملة من البريطانيين إلى أن أعلنوا -رسميًّا- عن إنشاء كيانهم اللعين على جزء من أرض فلسطين عام ١٩٤٨ الذي لم يلبث أن توسع وأصبح دولة ذات مساحة واسعة وقوة رادعة بعد حرب حزيران ١٩٦٧ الذي الحق خلالها -وفي ظرف ٦ ساعات- الهزيمة بأربعة جيوش عربية مجتمعة.
وقد فُتحت -نتيجة تلك الحرب- شهية كيان الاحتلال لاستيطان ما بقي من الوطن الفلسطيني وتهويد المقدسات الإسلامية وعلى رأسها المسجد الأقصى الذي بات يتعرَّض لاقتحامات قطعان المستوطنين المتطرفين وتكرار ما يمارسونه في حرمه الطاهر -صباح مساء- من أعمال نكراء، على غرار الاقتحامات التي حدثت -تواليًا بين يدي ذكرى معجزة الإسراء- الثلاثاء والأربعاء والخميس من الأسبوع الماضي التي قادها بعض أعضاء أشد حكومات الكيان تطرفًا ويمينية وأحيطت بحماية مشددة من الأجهزة العسكرية والأمنية الصهيونية مكنتهم من القيام بجولات استفزازية شملت كافة ساحات وأنحاء مسرى المصطفى بما فيه ذلك «مسجد قبة الصخرة» و«المسجد الأقصى» ومن تأدية ما اعتادوا تأديته -في معرض تحديهم لمشاعر المسلمين- من طقوس تلمودية.
بينما منعت قوات الاحتلال المصلين الفلسطينيين من دخول الحرم القدسي إياه لأداء فروض الصلاة، متخذةً من أكذوبة التدقيق في وثائق إثبات الشخصيات ذريعة لاستهداف عدد من أولئك المصلين بالاعتقال واستهداف عشرات المنازل الفلسطينية بالإزالة بل الزوال.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا