كتابات | آراء

كلك نظر: الدولة والقبيلة في التاريخ اليمني (5-5)

كلك نظر: الدولة والقبيلة في التاريخ اليمني (5-5)

لو أعطيت لموضوع العنوان القدر الكافي من المعلومات العامة والمعلومات الرقمية فسأضطر إلى البحث عن المراجع الخاصة به وهي كثيرة وتحتاج إلى عدة صفحات من هذه الصحيفة الغراء.

كما أنني لست متخصصاً بتاريخ اليمن القديم والوسيط والحديث والمعاصر ولكنني  أعرف قدراً لا بأس به عن تاريخ بلادنا اليمن لذلك فضلت الاكتفاء بما تختزنه ذاكرتي في هذا الحيز المتاح لـخمس حلقات وابتعدت عن التطويل الممل والإيجاز المخل.
كثير من المهتمين بتدوين تاريخ الثورة اليمنية الأم 26سبتمبر من عام 1962م أكدوا مراراً وتكراراً ضرورة إعادة كتابة تاريخها وهم على حق فالذي وجد أو تم الحصول عليه من كتابات صحفيين أو كتاب أجانب كانت تعبر عن وجهة نظر أحادية تمت كتابتها عن بعد وبعض الكتابات اليمنية التي كُتبت من قبل بعض العناصر القيادية سواءً كانوا عسكريين ومدنيين كانت مجرد ذكريات لا تخلوا من الأنا وتجنبوا توضيح بعض الحقائق التاريخية التي قد تغضب المملكة العربية السعودية والمؤيدين لها في اليمن إن استثنينا اللواء علي محمد صلاح  لكن ذاكرة الشعب اليمني أقوى من الكتب والروايات الشفهية لمن عايشوا الثورة من الثوار أو بعض المواطنين الذين ما يزالون أحياء تعتبر أقوى من الكتابات التي أوضحت نصف الحقائق وقد رأيت كتابة الروايات الشفهية التي سمعتها في أواخر الستينات وخلال عقد السبعينات وهي تحكي عن أحداث ومواقف خلال الفترة من عام 1963- 1968م  أما فترة أواخر الستينات فقد كنت طالبا وعايشتها على الواقع وخلال الفترة من أواخر السبعينات وحتى اليوم أعايشها كعسكري.
أولاً: ما سمعته من الغير  أواخر الستينات تحكي عن جزء من تاريخ ثورة 26سبتمبر 1962م إلى فبراير من عام 1968م هو التالي: في الأيام الأولى للثورة هرع المئات من القبائل اليمنية لمناصرة الثورة والدفاع عنها وأولئك المئات كانوا من شمال الوطن وجنوبه بدافع وطني خالي من المصلحة وبعد أسابيع من قيام الثورة التحق بصفوفها مئات المقاتلين من قبائل شمال الوطن ليس حباً في الثورة والتغيير بل كراهية  في الإمام الذي قمعهم وأضعف نفوذهم  واشترط بعض القبائل للالتحاق بالثورة الحصول على مصالح وامتيازات من حكومة الثورة  وكان ولاء بعض القبائل في شمال الوطن للثورة والجمهورية مزدوجا فقد كانوا في النهار جمهوريين وملكيين ليلاً وقد أعترف لاحقاً بعض مشايخهم دون حياء أو خجل بهذه الحقيقة.
الإخوة المصريين دافعوا عن الثورة وقدموا مئات الشهداء لكن إدارتهم للدولة والحكومة كانت سيئة والإدارة اليمنية بعد مغادرتهم كانت أسوء.
الانقلاب على سلطة الرئيس عبدالله السلال في 5 نوفمبر عام 1967م كان برغبة من القادة السياسيين والعسكريين لدولة الجمهورية العربية اليمنية وهذه الأحداث والمواقف سمعتها بعد سنين من حدوثها أما الأحداث التي سمعت عنها أو قرأت عنها أو شاهدتها عند حدوثها فهي كالتالي:
أحداث 21-23 أغسطس عام 1968م قامت بها في صنعاء مراكز قوى قبلية وعسكرية  بإيعاز من المملكة العربية السعودية وكان هدفها هو إقصاء اليساريين عسكريين ومدنيين من وظائفهم ومعظمهم كانوا من أبناء المناطق الوسطى.
شاهدت بداية مكونات منظمة المقاومين الثوريين اليمنيين وهي أول تنظيم معارض في اليمن تأسست عام 1969م.
في أوائل عام 1970م شاهدت الحملة القبلية والعسكرية التي توجهت إلى المناطق الوسطى لغرض محاربة منظمة المقاومين الثوريين اليمنيين والنتيجة تعاظمت قوتها تدريجياً في حملات لاحقة من السبعينات والثمانينات.
في عام 1972م شاهدت في سناح بين قعطبة والضالع من الحدود الشطرية السابقة المواجهات المسلحة من ضمن الحرب التي شنها الشطر الشمالي على الشطر الجنوبي من الوطن بإيعاز من السعودية وبضغط من قبائل الشطر الشمالي بعد مقتل الغادر ومجموعة من القبائل.
اكتفي بهذا السرد من الأحداث التي كانت سببها السعودية وبعض قبائلنا اليمنية فبعد أقل من عامين وتحديداً في 13 يونيو من عام 1974م قامت حركة تصحيح مسار الثورة اليمنية برئاسة المقدم إبراهيم الحمدي وخلال فترة 3 سنوات وثمانية أشهر استطاع الحمدي وطاقمه القيادي بناء الدولة الحديثة دولة المؤسسات والنظام والقانون و لكن للأسف تم اغتيال الشهيد إبراهيم الحمدي في 11/10/1977م بتخطيط سعودي وتنفيذ أيادي يمنية عميلة  وفي عهد أحمد الغشمي من 12/10/1977م إلى 24/6/1978م عادت القبيلة وتوغلت من جديد في مفاصل الدولة واستمر ذلك الحال في عهد علي عبدالله صالح إلى عام 1990م فكانت القبيلة تحكم بعض مناطق الأرياف نيابة عن الدولة وبموافقتها.
القبيلة والدولة من عام 1990م إلى اليوم
في 22 مايو عام 1990م تحققت الوحدة اليمنية المباركة واستبشر الناس خيراً وقد وعدت قيادات حزبي المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني وهما حزبا الشراكة في تحقيق الوحدة اليمنية ووعدوا الناس بالعمل بالأفضل من تجربة الشطرين لكن حصل العكس بعد الوحدة مباشرة كنا نأمل العمل بنظام الإدارة التي كانت سائدة في الجنوب والتي كانت هي الأفضل لكن لم يحصل ذلك فبعد إعادة تحقيق الوحدة مباشرة توالدت الأحزاب وصحفها كالأرانب بشكل زائد عن اللزوم وحاول كلا الحزبين استقطاب أكبر عدد من أعضائها إلى صفه وكانت النتيجة اختلاط الحابل بالنابل فخلال أقل من عام من عمر دولة الوحدة شهدت صنعاء ومناطق أخرى العشرات من حالات الاغتيالات لكوادر الحزب الاشتراكي اليمني ولهذا السبب وأسباب سياسية وإدارية أخرى نشبت عدة أزمات سياسية بين شريكي الوحدة أفضت إلى حرب صيف عام 1994م.
ملاحظة: لقد كتبت في صحيفة اليمن وصحيفة "26سبتمبر" عدة مواضيع  عن الأزمات وحرب 94م ولا أود تكرار ما كتبته سابقاً وسأكتفي فيما تبقى من هذا الحيز بالتركيز على المسائل التي تخص عنوان الموضوع.
عودة إلى الموضوع بعد الوحدة اليمنية كان المواطنون يأملون في إيجاد دولة مؤسسات بعيدة عن التأثيرات القبلية والحزب الاشتراكي كحزب يساري بدوره حاول فرملة  أو الحد من نفوذ القبيلة  ولكن كان ذلك دون جدوى أما المؤتمر الشعبي وبحكم جناحه القبلي القوي فقد عمل على استمرارية مراكز القوى القبلية في مفاصل الدولة والمجتمع بل وعمل على تعزيزها من خلال الجناح القبلي في حزب الإصلاح أو إعادة بعض أبناء السلاطين من الخارج  وقد عملت مراكز القوى القبلية على تأجيج واستفحال الأزمة حتى اشتعلت حرب 1994م وشاركت في الحرب ليس حباً في الوحدة بل بغرض القضاء على الاشتراكي وبعد 94م زاد تأثر القبيلة وفسادها وزاد فساد مراكز  القوى العسكرية والسياسية حتى قيام الثورة الشبابية في 11 فبراير عام 2011م وللأسف تمت سرقة الثورة الشبابية من قبل مراكز القوى القبلية والأحزاب وحولوها إلى مجرد أزمة سياسية طالت وتحولت إلى حرب مازلنا نكتوي بنارها إلى يومنا هذا.
إن القبيلة التي كانت طاغية في معظم بلدان قارة أفريقيا وبلدان شبه الجزيرة العربية إلى منتصف القرن الماضي قد شهدت معظم بلدان القارة السوداء ودول شبة الجزيرة العربية خلال النصف الأخر من القرن الماضي والخمس الأول من القرن الحالي خلال الفترة المذكورة تطورات إيجابية وأذابوا القبلية في إطار الدولة واستطاعوا بناء دولهم كدول مؤسسات ويسودها النظام والقانون.
أما نحن في اليمن وفي ظل وجود الكيانات القبلية والمراكز العسكرية والسياسية التي ظلت تتجاذب الحكم وتتصارع على كراسي السلطة وصناديق الثروة فقد أوصلنا هذا الصراع والتناحر حتى وصلنا  إلى حالنا الراهن الذي يصعب على الكافر.. فإلى متى سنظل في هذه الحال ؟ومتى تعود النخب السياسية اليمنية إلى جادة الصواب لتعمل على بناء دولة رشيدة دولة نظام وقانون؟ ومتى سينعم المواطنون اليمنيون بالحياة الكريمة التي طال انتظارها؟!

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا