كتابات | آراء

بوح اليراع: صقيع الشتاء يضاعف معاناة الفقراء

بوح اليراع: صقيع الشتاء يضاعف معاناة الفقراء

إنَّ من أهم المسلَّمات لدى كل المجتمعات أن شريحة الفقراء تُعاني -في جميع الأوقات- من ألوان الحرمان ما لا تُعانيه غيرها من الشرائح والفئات.
بيد أنَّ تلك المُعاناة المتسببة لهم -دائمًا وأبدًا- بالكثير من العناء تتضاعف وتتعاظم أكثر وأكثر في فصل الشتاء.


للفقراء الصيف أكرم ضيف
مهما يكن من عوز الفقير، فإن فصل الصيف يعود عليه ببعض الخير، فوفرة الخضروات والفواكه وهبوط أسعارها يُضاعفان -إلى حدٍّ ما- فرصة حصوله عليها عن طريق الصدقة أو الشراء بسعر منخفض نسبيّا، كما أن انبساط النعمة في فصل الصيف يُهيئ النفوس للجود على الفقير المتعزز بضروريات الطعام وأهمها الخُبز، فضلاً عن أن دفء طقسه يقلل حاجة الفقراء للكساء والفرش والغطاء إلى الحدِّ الأدنى، وبالمثل السُّكنى وأماكن الإئتواء لا تمثل في الصيف -بالنسبة للأشد فقرًا- معضلة كبرى، فمع توافر غطاء خفيف يمكنهم النوم في الرصيف.

الفقراء في الشتاء ومعضلة انعدام الغذاء
أما فصل الشتاء الشديد البرودة الشحيح الإنتاج الذي يصبح -بخيالية أسعاره- حلمًا بعيد المنال بالنسبة للمحتاج، فتتضاءل فيه فرصة الفقير في الظفر بالفواكه والخضار أو أيٍّ من ألوان الطعام إلى ما يشبه الانعدام، لأن ندرة المنتجات وقلة تداولها في الأسواق -بالإضافة إلى ما تتسم به طبيعة الأرض في فترة الشتاء من مظهرٍ كالح- تُذكي ما هو كامن في نفوس القادرين من مشاعر الشُّح وتحمل بعض فاعلي الخير على التقتير وقبض ما بأيديهم -بشكلٍ غير معهود- عن الفقير، وإن أعطوا لحالات معدودة فبكميات محدودة، في الوقت الذي يتضاعف الشعور بالجوع كلما اشتدت البرودة، فتصبح أبدان الفقراء الهزيلة التي يفتك بها ويُطاردها شبح الجوع ليل نهار عُرضةً للانهيار وفريسة لأمراض الشتاء التي يمكن لهم مقاومتها لو أن إخوانهم الأغنياء يمدُّونهم -بسخاء- بالحدِّ الأدنى من الغذاء باعتباره أحد أسباب البقاء.

شدة الاحتياج في الشتاء للكساء والائتواء
إذا كانت شدة برودة الشتاء تطال بسلبية آثارها الشرائح المجتمعية العائشة في مستوى لا بأس به من الاكتفاء، فلا تلبث تلك الشرائح تتواصى بتفادي تلك الآثار بوسائل التدفئة المثلى، فإن شريحة الفقراء -للأسف الشديد- تستقبل الشتاء بأطمارٍ من الملابس لا تتجاوز -في أفضل صُوْرة- ما يستُر العورة وبافتقارٍ إلى البُسُط والفُرُش يُلجئها إلى افتراش الحصير والتدثُّر بقطع من القماش ذات سُمُك محدودة لا تقيْهُم الحدَّ الأدنى من برودة الشتاء، لا سيما ومساكنهم مجرد أكواخ تتخللها تيارات الهواء من معظم الأنحاء، فيبيتون في حالةٍ من الارتجاف الذي تستكُّ -على وقعه الأسنان وتتزلزل -لشدته- الأبدان.
على أن وقوع الفقراء بين مطرقة الجوع وسندان برودة الشتاء يجعلهم -بلا استثناء- أقرب إلى عالم الأموات منهم إلى عالم الأحياء.
افتقار سكان الأرصفة حتى إلى الألحفة
لعل الوضع الأكثر مأساوية تتمثلُهُ -بصورةٍ أكثر حيويَّة- شريحة المشرَّدين وأشباه المجانين الذين ألجأتهم أوضاعهم المعيشية المؤسفة إلى المبيت -في ليالي الشتاء- فوق بلاط الأرصفة مفتقرين حتى إلى ما يتغطون به من الألحفة، بل إن المحظوظين منهم هم الذين تتوافر لهم الكراتين التي لا تدفئ بقدر ما تموِّه، فلا يستدلُّ على مَنْ تحتَها من أناسٍ نائمين إلا بما يصدر عنهم -بين الحين والحين- من تأوِّهٍ وأنين.
ختامًا:
هل يَحِقُّ لنا تجسيدًا لما بلغناه من وضعٍ مُجتمعيٍّ مُخيف -وبين أظهرنا من إخواننا المسلمين مَنْ ينامون على الرصيف، ويبيتون على الطِّواء في ليالي الشتاء- أن نعتبر أنفسنا مؤمنين وبشرًا أسوياء؟!
وحتى نكون واضحين ومع أنفسنا صادقين، علينا أن نقيس أعمالنا بأعمال سيد المرسلين المبعوث رحمةً للعالمين -صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين- في ضوء الحديثين الشريفين التاليين:
١ - قَال رسولُ اللَّه -صلوات الله وسلامه عليه-: «مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلى مَنْ لا ظَهْرَ لَهُ، وَمَن كانَ لَهُ فَضْلٌ مِن زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَن لا زَادَ لَهُ». رواه مسلم.
٢ - قالَ -عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلام-: «مَا ءَامَنَ بِي مَنْ باتَ شَبْعانَ وَجارُهُ جائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ» رواهُ الطبرانِيّ.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا