كتابات | آراء

تاريخ اليمن الحديث.. بول دريش جامعة أكسفورد (48)

تاريخ اليمن الحديث.. بول دريش جامعة أكسفورد (48)

في عام 1983م جرت محاولة جادة لحظر استيراد الفواكه والخضروات من خارج اليمن حيث حقق اليمن الاكتفاء الذاتي من الخضار والفواكه فاليمن ينعم بالكثير من المنتجات الزراعية

مثل العنب والبطيخ والرمان والموز وجميعها منتجة محلياً وكانت تأتي قبل ذلك في علب كرتون من الخارج، لكن إجراءات التقشف لم تكن شائعة بينما فرضت صنعاء قيودًا على الاستيراد فيما كانت حكومة عدن تخفف القيود الأخرى حيث سُمح لمزارع الدولة بالتحرك نحو أشكال تعاونية أقل صرامة وركز المخططون في الجنوب على القطاع الخاص الذي ارتفعت حصته من الاقتصاد من 66% إلى 72% بين عامي 1980م و1985م وأصبحت التجارة الداخلية تحت هيمنة ما وصفه البعض البرجوازية الطفيلية وكانت حصص القطاع الخاص أكثر بسبب المانحين الأجانب من الإنتاج المحلي, لم يقتصر الاختلاف بين هياكل الدولة على الاقتصاد ومع ذلك كانت المواقف المالية لحكومتي اليمن متشابهة للغاية كلاهما يعتمد على قابلية بلدهم للاستمرار على التحويلات الضخمة من العمالة المهاجرة فكلاهما يعتمد على المنح والقروض من أماكن أخرى والتي لم تظهر كلها في الميزانيات المنشورة ,أنفقت الحكومات اليمنية الشمالية والجنوبية على حد سواء مبالغ هائلة على الشرطة والجيش وتراكمت على كلاهما ديونًا خارجية ضخمة وكان لديهم أمل ضئيل في سدادها وهم يواجهون الآن بالتوازي انهيار أسعار النفط في أواخر عام 1981م بلغ سعر النفط الخام 34 دولارًا للبرميل مما رفع واردات تصدير النفط بصورة كبيرة ولكن قبل نهاية عام 1985م أصبح بالإمكان الحصول على خامات الخليج مقابل 7 دولارات وكان قد تم تشكيل اتفاق من قبل دول أوبك من أجل أن تحتفظ أوبك بالسعر عند 15 دولارًا  لكن الطفرة انتهت وتوقفت مشاريع البناء في الدول النفطية كان حجم هذه الأحداث جَسِيم وانخفضت عائدات السعودية من النفط من 120 مليار دولار في عام 1981م إلى 17مليار دولار بعد أربع سنوات فقط عانت جميع دول الخليج من تخفيضات مماثلة وكان اليمن يعتمد على النشاط الذي تدعمه هذه الإيرادات انخفضت تحويلات العاملين في شمال اليمن إلى النصف وانهار النظام المالي في السبعينيات وخسر الريال اليمني قيمته انخفض سعر الصرف الرسمي مقابل الدولار الأمريكي من حوالي 4-5 إلى 6.5 ريال مقابل الدولار الواحد في غضون أشهر في عام 1985 وهذا هو السعر الرسمي بينما كانت أسعار السوق السوداء أعلى وانكمش دعم الميزانية من الحكومات الأكثر ثراءً وفي عام 1986م تم إعلان حظر في الشمال على الواردات الخاصة .
لم يكن من الممكن حظر الواردات تمامًا أصبحت الآلات جزءًا من الحياة اليومية ولم ينتج اليمن أي شيء أو حتى قطع غيار وكان الشمال يستورد الحبوب على نطاق واسع منذ عهد الإمام أحمد على الأقل وكان الاكتفاء الذاتي في هذا المجال مستحيلاً حتى في القرى الزراعية باستثناء بعض المزارع من الحجرية التي كانت أفضل حالاً من بعض القرى الأخرى لكن ما تنتجه هذه القرى لا يكفي لأكثر من شهرين أما الباقي يتم شراؤه من السوق في تعز مثل دقيق القمح والأرز والسكر وزيت الطبخ, قديماً كان معظم ما يأكله اليمنيين من زراعتهم ولكن تضاعف سكان اليمن بنسبه كبيرة ولم يعد الإنتاج المحلي قادر على تلبيه الطلب الداخلي للمنتجات الزراعية وهذا أدى إلى ارتفاع واردات الحبوب مؤخرًا من حوالي 160 ألف طن سنويًا في منتصف السبعينيات إلى أكثر من 650 ألف طن وكان السؤال هو كيفية إدارة الواردات في خضم اقتصاديات السوق الحر العادلة في السبعينيات .
 نما جهاز الدولة بشكل كبير بدعم من الحكومات والمؤسسات الأجنبية كمثال المؤسسة الاقتصادية العسكرية التي كانت بارزة في الأصل في توريد الأحذية والزي الرسمي والخبز والسلع المعلبة للجنود وتوسعت مؤخرًا إلى مجالات أخرى وكان معروفًا بالفعل في السوق اليمني وقامت بصفقات واستيراد مواد غير عسكرية مثل ستائر الحمام وتركيبات الحمامات تحت إشراف وزارة المالية وشركة التجارة الخارجية حصلت على 60% من أذونات التجارة الخارجية أما الباقي فقد تم طرحه إلى حد كبير للمناقصة مما أدى في الواقع إلى احتكار التجارة بين أشخاص محددين تابعين للحكومة فيما حرم اغلب التجار من هذه المناقصات لقد ابلى التجار اليمنيين العظماء بلاءً حسناً في نمو اقتصاد اليمن خلال سنوات طويلة ولكن اغلبهم تم ركنهم لصالح أشخاص مقربين من الرئيس الذين تم منحهم مراكز مهمة في مؤسسة التجارة الخارجية لم تكن لديهم خبرة في التجارة وكانت ميزتهم الوحيدة هي قربهم من الرئيس نفسه مثل محمد هاشم زميل الرئيس البعثي القديم ظهر في مؤسسة التجارة الخارجية ثم انتقل لاحقًا إلى المؤسسة العسكرية التجارية وأصبح ثريًا للغاية أما محمد الحضرمي الذي أصبح رئيسآ للمؤسسة العسكرية للتجارة كان مثالا للثروة الباهظة التي تميز بها اعتمد المؤتمر الشعبي العام في عام 1982م جزئيًا على التعاونيات من اجل توفير المنتجات الأساسية للمواطنين ولكن تم استغلالها بطريقة أخرى حيث تم دمجها بالفعل مع جهاز المؤتمر الشعبي العام لتشكيل مجالس تنمية تعاونية محلية مسؤولة أمام وزارة الإدارة المحلية, تم تكليف هذه المجالس بمهمة تحصيل الضرائب كما حدث مع التعاونيات المختلفة في الجنوب قبل عقد من الزمن, تم جمع المزيد من الأموال من الشعب من اجل تغطية جزء من الديون التي ترزح تحتها حكومة صنعاء.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا