كتابات | آراء

بوح اليراع:بمناسبة اليوم العالمي لجلالتها متى تخلع (لغة الضاد) ثوب الحداد؟!

بوح اليراع:بمناسبة اليوم العالمي لجلالتها متى تخلع (لغة الضاد) ثوب الحداد؟!

مرَّ علينا يوم أمس الأول الـ18 من ديسمبر/كانون الأول الذي اعتمد عام 2012 -أمميًّا- يومًا عالميًّا للغة العربية "لغة الضاد" التي يفترض بالأحفاد -

لكي يحققوا بواسطتها من مطامحهم ما أرادوا- أن يعتزوا ويفاخروا بها كما اعتز وفاخر بها الأجداد فارتقوا وانتصروا وسادوا.
فبالإضافة إلى أن اللغة العربية بالنسبة لعموم المسلمين ولبعض اليهود والمسيحيين هي لغة الدين الجديرة بتقديسهم مجتمعاتٍ ومنفردين، فقد سادت -على مدى مئات السنين- (بوصفها -بحسب تدوين "وكيبيديا" عن ثقاتِ المؤرخين والمدونين- لغة السياسة والعلم والأدب، وقد أثرت تأثيرًا مباشرًا أو غير مباشر في كثير من اللغات الأخرى في العالم الإسلامي، مثل: التركية والفارسية والكردية والأوردية والماليزية والإندونيسية والألبانية وبعض اللغات الإفريقية الأخرى مثل الهاوسا والسواحيلية، بل لقد أثرت أيضًا في بعض اللغات الأوروبية وخاصةً اللغات المتوسطية كالإسبانية والبرتغالية والمالطية والصقلية.
وفضلا عن ذلك، مثلت العربية في عصورها الذهبية حافزًا على إنتاج المعارف ونشرها، وقد ساعدت على نقل المعارف العلمية والفلسفية اليونانية والرومانية -في عصر النهضة- إلى مختلف أرجاء القارة الأوروبية، كما أتاحت فرص إقامة الحوار بين الثقافات على طول المسالك البرية والبحرية لطريق الحرير من سواحل الهند إلى منطقة القرن الأفريقي).
ولأن العربية قد تشرفت -من دون أمثالها- بنزول الرسالة السماوية الخاتمة "القرآن الكريم" بها، فقد ساعدها ذلك التشرف -بما ترتب عليه من حتمية التكلف بالتبليغ الدعوي الحسن والمنصف- على انطلاقها من عقالها ومنحها فرصة التمدد واتساع مجالها إلى خارج الحيز الجغرافي لسكنى أهلها، فتلقفت أجيال من أبنائها تلك الانطلاقة المبدعة الخلاقة بإيجابية منعدمة المثال واستغلها أولئك الرجال أيَّما استغلال، فارتقت بهم وارتقوا بها، فصار الإنسان العربي -بتعاطيه مع روح عصور الفتوح الإسلامية بقدر كبير من التكيف والإنسجام والتناغم والقبول بالآخر القادم- رمزًا للتحضر والتقدم، وصارت لغته الأم مناط فخرٍ واعتزازٍ لكل متحدث بها في أية بقعة من بقاع العالم.
ومن هذا المنطلق صار يتسابق على التسلح بها الشباب المسلم في ما فتح من أقاليم الأعاجم، وصاروا -لشدة افتتانهم برقة ألفاظها وروعة معانيها وعذوبة مفرداتها وسلاسة تراكيبها- من أكثر الناس اشتغالا بها وأعظمهم اجتهادًا في استخراج مكنوناتها والارتقاء بتعبيراتها وأساليبها، فلم يلبثوا أن صاروا -على الرغم من أصولهم السلالية الأعجمة- هم أبرز علمائها، بل أشهر أعلامها التي تغنيهم شهراتهم ورصانة مؤلفاتهم عن التنويه كمؤسس علم النحو العربي "عمرو بن عثمان بن قنبر" الشهير بـ"سيبويه".
بيد أن المحزن في الأمر أن انشغال أساطين الخطاب وفطاحلة الشعر العربي -في ما سمي بـ"عصر الدول والإمارات" التي شهدت في أمة العروبة والإسلام بداية التشرذم والانقسام- بتمجيد أنموذج الحكام الأقزام المنخفضي الهمم الخائري العزائم الذين ألقت بهم كثرة المظالم واللهث وراء المغانم في سحيق الهزائم قد أدى إلى تراجع لغة الضاد عن مجاراة الأنداد وعن مواكبة العصور لاحقا إنتاجًا وإبداعًا وتألقا، فلم تلبث أن وقعت -بعد أن آل أمر تمثيلها إلى كل متكلف متزلف- في شراك التخلف فصارت عقيمًا عن إنتاج ما يليق بها من صنوف المعارف،
وصارت -بسبب عتو ما يحيط بها من موجات التغريب- عاجزةً حتى عن الإيفاء بمهام الترجمة والتعريب.
وها قد صرنا -منذ وقت قريب- نستجدي أعداءنا وأعداءها السماح لها بترجمة أقل القليل من الوثائق الأممية العديمة الأهمية عن لغات لم يكن لها -إلى ما قبل عقود- وجود إلى في نطاق جغرافي محدود، بدليل احتواء "ويكيبيديا الموسوعة الحرة" على هذه الفقرة: (بعد جهود بذلت منذ خمسينات القرن الماضي، أسفرت عن صدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 878 الدورة التاسعة المؤرخ في 4 ديسمبر 1954، يجيز الترجمة التحريرية فقط إلى اللغة العربية، ويقيد عدد صفحات النصوص المسموحة ترجمتها بأربعة آلاف صفحة في السنة، مشرطًا أن تدفع الدولة التي تطلبها تكاليف الترجمة، وعلى أن تكون هذه الوثائق ذات طبيعة سياسية أو قانونية تهم المنطقة العربية).
وبعيدًا عن التغني بأمجاد الأجداد لم يعد بوسع لغة الضاد إزاء تعرضها للانتقاص المتعمد والحاد على رؤوس الأشهاد إلا الاتشاح بالسواد وارتداء ثوب الحداد في انتظار جيل عربي هُمام يمنحها ما تستحقه من الاهتمام الجاد ويعيد لها اعتبارها ويقتحم بها ميادين العلوم والمعارف الحديثة بخطى مدروسة وحثيثة، وستثبت لهُ -في غضون فترات زمنية قياسية- منطقية المراهنة عليها وصوابية الاستناد إليها.
فمتى -يا ترى- تغاث بهذا الجيل ذي الخلق النبيل القادر على اكتشاف مكنونات "لغة التنزيل" والآخذ بأسباب الاهتداء إلى (سَوَاءَ السَّبِيلِ)؟!

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا