كتابات | آراء

البحر الأحمر ملتقى الأطماع الاستعمارية ( 102)

البحر الأحمر ملتقى الأطماع الاستعمارية ( 102)

نواصل من حيث تو قفنا حول تصميم الإمام على إعادة سيادة اليمن على جزره في البحر الأحمر والتعنت البريطاني رغم محاولة بريطانيا بكل السبل لا قناع الإمام في عدم المطالبة بالجزر

وكما ذكرنا بأن صالح جعفر مندوب بريطانيا في الحديدة قد حضر إلى صنعاء وحاول يقنع الإمام بعدم المطالبة ولم يستطع أن يثني تصميم الإمام بذلك الأمر وأمل أن ينجح مستر رايلي في إسقاط موضوع الجزر عندما يأتي إلى صنعاء وهذا ماحدث عملياً كما رأينا
وكان القاضي محمد راغب بك مستشار الإمام يحيى والذي كان بمثابة وزير خارجيته دائم الإشارة في أحاديثه مع عناصر أوربية إلى هذه الجزر وإلى غيرها من مشاكل الحدود مع بريطانيا فقد صرح في وقت مبكر بالنسبة لعقد المعاهدة في رسالته إلى مسئول الماني فقال بالنسبة لعلاقاتنا مع جيراننا (يقصد بريطانيا) فنحن مستعدون للتوقيع على كل ما يريدون  ويأمرون به ومستعدون بقبول الوضع بكامله كما هو عليه الآن وعلى المدى الطويل ولكن بشرط واحد وهو أن يعترفوا بأن الأراضي والجزر من الأراضي اليمنية جغرافياً وتاريخياً وطبيعياً وهل نستطيع نفعل أكثر من هذا ؟ إن الشيء المفقود حتى الآن هو النية الطيبة والرغبة الصادقة .
هكذا يتضح من موقف اليمن الرسمي في مطالبتها بحقها في جزرها في البحر الأحمر منذ إعلان استقلالها حتى عقد معاهدة الصداقة مع بريطانيا في 1934م غير إن بريطانيا ظلت في موقف متعنت مع الإمام يحيى بحجة أنه حاكم غير صديق ثم بحجة ما جاء في نص المادة (16) من معاهدة لوزان . ويرجع موقفها هذا وذاك إلى مصالحها الخاصة في عدن وما حولها من محميات وإلى موقفها من حلفائها إيطاليا وفرنسا بالنسبة للجزر اليمنية وقد سبق وأن أشرنا إلى التنافس الاستعماري بين بريطانيا وايطاليا في جنوب البحر الأحمر وزاد التنافس حدة عندما أحتلت ايطاليا الحبشة في عامي 5/3/1963م فأسرعت بريطانية إلى عقد معاهدة معها في 1938م وقد عرضنا أبعاد هذه المعاهدة من قبل لكن ما يهمنا هنا هو الإشارة الى الرسالة التي أرسلها الرئيس الإيطالي موسليني  حينذاك إلى وزير الخارجية  يكلفه فيها بأن يرسل برقية إلى رئيس البعثة الطبية الإيطالية في صنعاء في نفس يوم توقيع المعاهدة بأن يبلغ الإمام بوضوح وتعبيراً عن الصداقة بين البلدين بمحتويات هذه المعاهدة  مما يخص اليمن حتى لا يقع أي سوء تفاهم  قد يحيط  بالطرفين المتعاقدين وعلى رئيس البعثة أن يؤكد للإمام أنه أثناء التفاوض مع إنجلترا كان في الذهن دائماً مصالح اليمن وان الطرفين راعيا استقلال اليمن ولم يسعيا إلى مد نفوذهما إليها وبالنسبة لجزر البحر الأحمر فقد تعهدت إنجلترا بألا تمد سيادتها على جزيرة كمران ولا تقيم بها أية تحصينات , وتعهدنا نحن بالمثل بالنسبة لمجموعة جزر حنيش .
وكان موسليني بذلك يتودد إلى اليمن بعد  أن فشل مندوبيه في المعاهدة اليمنية إلا لمدة عام واحد فقط وذلك للخوف الذي أنتاب الشعب اليمني عقب احتلال الحبشة  .
وقد فقدت إيطاليا إمبراطورتيها في شرق افريقيا بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية بقليل وأحتلت بريطانيا الممتلكات الإيطالية عام 1941م كما عرضنا من قبل أما بريطانيا فقد سارعت  قرب نهاية الحرب العالمية الثانية إلى عقد اجتماع في وزارة الخارجية بين مندوبي وزارات الخارجية والمستعمرات والصحة والهند والمالية والبحرية والنقل الحربي ومدير إدارة محطة الحجر الصحي في جزيرة كمران وقد أستعرض المجتمعون مسائل جزر جنوب البحر الأحمر وأهمية محطة الحجر الصحي في جزيرة كمران والفنارات الثلاث في جزر جبل الطير والقمة الوسطى وأبو علي كذلك مسألة السيادة على تلك الجزر وقد أتفق الرأي على أنه في تسوية الصلح المقبلة فإن الضغط على إيطاليا بأن تتنازل عن أي حقوق كانت تطالب بها طبقاً لمعاهدة لوزان وتقرر لا تسعى حكومة جلالة الملك حالياً إلى طلب السيادة على أي من تلك الجزر ولا تثير مسألة من الذي يمتلكها.
وقد رأينا أن تتنازل إيطاليا عن ممتلكاتها وقد تم في معاهدة الصلح المعقودة بينها وبين الحلفاء في 10/2/1947م كما أنه لظروف وخطوات الحرب نفسها فقد وضعت بريطانيا يدها على تلك الجزر وبالتالي كان لها اليد الطولي على الأوضاع فيها دون أن تدعي السيادة عليها ورغم تنازل إيطاليا في معاهدة الصلح عن أي حقوق أو إداعاءات في جزر البحر الأحمر التي تنازلت عنها تركيا طبقاً للمادة (16) من معاهدة لوزان فقد ظلت بريطانيا مشغولة بتلك الجزر نظراً لمصالحها الكثيرة في ذلك البحر .
وعقب عقد المعاهدة مع إيطاليا مباشرة أعدت وزارة الخارجية البريطانية مذكرة طويلة حول مسألتين هامتين الأولى حول مستقبل محطة الحجر الصحي في جزيرة كمران والثانية حول اقتراح فرنسا بإجراء مفاوضات جديدة لتشغيل الفنارات في جزر البحر الأحمر الثلاث أبو علي وجبل الطير والزبيروجمعت هذه المذكرة كل الأقوال التي وردت اليها من الأدميرالية ووزارة الدفاع وغيرها كذلك ما جاء في الاجتماعات السابقة وجاء في هذه المذكرة أن في جزيرة كمران مطاراً صالحاً في الحرب والسلم وأن شواطئها تصلح لرسو الأسطول واللجوء اليها كما أنها تطل على الممرالمائي الذي يصل بين باب المندب ومصر ورأي رجال الحرب أن تبقى الجزيرة تحت الإدارة وإذا كان هذا مستحيلاً فالجانب العسكري يؤكد عقد معاهدة أو ما يشابه ذلك  لتأمين استعمالها للأغراض العسكرية أو جوية ونظراً لرغبة حكومة الهند في الانسحاب من سداد نفقات محطة الحجر الصحي ذهبت المذكرة أن تتحمل وزارة المستعمرات هذه النفقات .

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا