كتابات | آراء

تركيا ودورها في لعبة الشرق الجديد

تركيا ودورها في لعبة الشرق الجديد

تهدف الاستراتيجيات التي تستهدف العرب والمسلمين الي إطالة أمد الحروب الطائفية - وفق أحدث الدراسات الاستراتيجية طبعا - وبحيث تكون أبدية أملا في الوصول الي حالة التدمير الشامل

للعرب والمسلمين وبحيث تتحول هذه الأمة بنظر العالم الى محاربين لا يحبون السلام والاستقرار , تحركهم أحقاد وثأرات لا تنسجم مع حالة العالم ومصالحه وبذلك ينشأ توافق عالمي على أن القضاء على الاسلام هو الحل الوحيد لإنقاذ العالم من شروره .
"إن العرب والمسلمين قوم فاسدون مفسدون فوضويون، لا يمكن تحضرهم، وإذا تُرِكوا لأنفسهم فسوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية تدمِّر الحضارات، وتقوِّض المجتمعات، والحلَّ السليم للتعامل معهم هو إعادة احتلالهم واستعمارهم، وتدمير ثقافتهم الدينية وتطبيقاتها الاجتماعية» ......
جاء ذلك بالنص في مقابلة أجرتها وكالة إعلام مع ”برنارد لويس”، مستشار البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط في عهدي بوش الأب والابن، وهو مستشرق بريطاني يهودي الديانة، وصاحب أخطر مشروع في القرن العشرين لتفتيت العالم العربي والإسلامي .
ومشروع التفكيك بدأ في عام 1983م وظل يراوح مكانه الى أن ظهر في بداية الألفية  بالتمهيد له بأحداث 11سبتمير , وكانت تلك الاحداث مع موجات التفجير التي اجتاحت العالم هي المحرك الأساسي له ,إذ طرأت منذ 2004م فكرة الشرق الأوسط الجديد وهي الفكرة التي ولدت بعد سقوط بغداد عام 2003م  تحت ذرائع قال الواقع فيها القول الفصل وقد تمخض عن ذلك السقوط فكرة الشرق الاوسط الجديد وكان من نتائجها حرب تموز 2006م بلبنان وهي الحرب التي لم تكن نتائجها مرضية للمنظومة الصهيونية العالمية , وللسيطرة على مقاليد الزمن وحركة التاريخ سارعوا الى تبني استراتيجية راند لعام 2007م بهدف انشاء شبكة اسلام معتدل وهي الرؤية الاستراتيجية التي نجحت الى حد ما في بلوغ أهدافها  في التحكم بمصائر الشعوب , وفي الاحتلال , وتدمير الثقافة الدينية وتطبيقاتها الاجتماعية , عن طريق موجة الربيع العربي وتداعياتها التي لن تقف عند حد التدمير فقط بل الى أبعد من ذلك وهو مرحلة اللا الدولة ,وهو الامر الذي يحدث بالفعل في جل الدول التي عصف بها ربيعها , وجارٍ التمهيد لدول أخرى هي الان فاعلة لكن تدميرها في قائمة الانتظار .
والسعودية في رأس القائمة من خلال اشتغال الاعلام الامريكي ضدها والتركيز على استنفار مشاعر المسلمين في خطين متوازيين هما :
- تدمير التطبيقات الدينية
- والخط الثاني بيان رغبة النظام السعودي في طمس قبر الرسول والصحابة وهي قضية أثارها الاعلام الامريكي قبل زمن والأيام حبلى بالمفاجآت , وقد تجلى الواقع وافصح عن انحلال خلقي وقيمي تقوده هيئة الترفيه .
لعبة شبكة الاسلام المعتدل تقوده تركيا منذ تبدل المعادلة في حرب تموز 2006م وهي تخوض غمار المعركة من موقعها , بعد أن تغير مصطلح الشرق الاوسط الجديد ليصبح أكثر قبولا من الجمهور السني وهو فكرة الخلافة الجديدة , ولعل حركة التبدل في النظام التركي من النظام البرلماني الى الرئاسي وحركة القضاء على رموز النظام التركي القديم في لعبة الانقلاب المزعومة التي شرعنت حركة الاقصاء التي تجاوزت الحد المعقول في مثل قضايا مماثلة , وقد صاحبها صمت دولي مريع من المنظمات الحقوقية وأيضا من المواقف السياسية , وكأن الأمر كان سيناريو مرسوماً سلفا تمت عملية اعداده وتنفيذه بعناية فائقة.
مارست تركيا دورا مزدوجا ظاهره الانتصار لقضايا العرب والمسلمين وباطنه التطبيع وتنفيذ الاستراتيجيات , فالمواقف التي يعلنها رجب طيب أردوغان هدفها لفت الانظار اليه وهو يمتص من خلالها الحالات الانفعالية في الشارع الاسلامي في حين ماتزال مواقفه ثابتة وعلاقاته مطبعة من الكيان الصهيوني , وهو يسير في ذات المنهج للإدارة الامريكية .
تركيا اليوم تكاد تسيطر على الوجدان العربي والاسلامي من خلال الدراما التي تحتل المرتبة الاولى من حيث المشاهدة والتأثير في ظل تراجع دور الدراما المصرية وغياب السورية , وكل الذي تنتجه ليس عفويا ولن يكون ولكنه يرتبط ارتباطا كليا أو جزئيا بحركة الاقتصاد والسوق وهو موجه بشكل منهجي واضح لإدارة الوجدان العربي , فالقضية لم تعد واقعا أفرزه نشاط عسكري وعملياتي عام 2006م , بل تجاوز الفكرة ليصبح حركة تدير الانقسامات وتعمل على تفكيك المجتمعات العربية للوصول الى مرحلة ما قبل الدولة الوطنية أي مرحلة التشظي والانقسامات والحروب التي أعقبت سقوط بغداد في القرن الثالث عشر ميلادي .
ولعل الذاكرة لم يغب عنها دور تركيا بعد فبراير2012م في اليمن وحركة الاسلحة والسفن والشحنات التي تورطت بها السفارة التركية في صنعاء كما أن النشاط الثقافي كان مشهوداً من خلال الحركة المنظمة بين كوادر وشباب والاخوان في الزيارات المنظمة بين أنقرة وصنعاء .
اليوم الصورة أكثر وضوحا من ذي قبل فتركيا تدخل شمال سوريا بعد انسحاب أمريكا منه , وتذهب الى ليبيا وتتدخل في العراق ومثل ذلك النشاط قد أفصح عن نفسه وقال للمكابر عن حقيقة الدور الذي تلعبه تركيا في تفاصيل اللحظة السياسية العربية وهو دور مشبوه ولا ينم عن نوايا حسنة لتركيا مهما تظاهرت وعملت على فكرة التضليل .
مسلسل "آرطغرل " هو الأكثر تأثيرا ومشاهدة في عموم العالم وهو يروج لفكرة عودة الخلافة العثمانية وهي فكرة تخامر النظام التركي وقد اجتمع التنظيم الدولي للإخوان في تركيا وخرج للعلن اعلانهم رجب طيب أردوغان خليفة للمسلمين .
تواجد تركيا في قطر بقواعد عسكرية بسبب الفراغ الذي تركته الأزمة مع قطر وتواجدها في جزيرة سواكن بالبحر الاحمر بعقد استئجار لمدة 99عاما ليس عفو الخاطر البتة ولكن يسير وفق خطى واستراتيجيات مرسومة سلفا بدليل الاشتغال المكثف في تفكيك المجتمعات وتغير مساحة الوعي الجمعي .
في اليمن ثمة قنوات تلفزيونية ترتبط بتنفيذ الاستراتيجيات التركية مثل قناة "بلقيس " وقناة "يمن شباب" , قناة بلقيس دخلت من هذا العام من خلال توسيع قاعدة المشاهدة لها من خلال برامج موجهه مثل برنامج "رئيس الفصل " الذي يقوم بتفكيك المنظومة الثقافية والسياسية وتناول بالنقد كل القوى الوطنية فنال قبولا وحقق مساحة مشاهدة واسعة لم تكن محققة فضلا عن برنامج آخر يربط العمل الخيري بالمشاهد ومستوى مصادرة وعيه , فمؤسسة توكل تدعم مشاريع صغيرة ثم تسرد الدعم في قصة خبرية في برنامج مسابقاتي يرتبط ببعض الاسئلة التي عليها مقابل مادي وفي ذلك طغيان يمارس على وعي الناس من خلال تكثيف الحضور في الوجدان الجمعي .
قناة "يمن شباب " حققت حضورا قبل بلقيس من خلال حالة الانفتاح على المشهد الثقافي في عمومه ومن خلال المسلسلات الوطنية والبرامج الفنية وهي تعزز خط تركيا الثقافي من خلال بث الدراما التركية والسيطرة على مساحات واسعة من الوعي الجمعي اليمني .
في مقابل كل هذا النشاط هناك حركة استقطاب للكوادر الثقافية واغراءات وتنظيم خلايا في شبكات التواصل الاجتماعي  للترويج والدفاع والتفكيك منظمة وفق مقتضيات برامج التمية البشرية الذي أفلح فيه الاخوان والنظام التركي في سنوات الربيع العربي وما قبله.
تركيا اليوم تستغل الفراغات وتحاول لأن تملأ تلك الفراغات بما يحقق طموحاتها المستقبلية ويبدو الواقع اكثر استجابة لها في اليمن كما هو في ليبيا وسوريا والعراق.
مواجهة تركيا لا يتحقق إلا من خلال الاستراتيجيات وبذات الادوات ومن خلال كادر محترف ومثقف وواع .

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا