كتابات | آراء

البحر الأحمر ملتقى الأطماع الاستعمارية (98)

البحر الأحمر ملتقى الأطماع الاستعمارية (98)

من المعروف بأن احتلال عدن قد أصبحت قاعدة مهمة بالنسبة لبريطانيا فقد تحولت لبؤرة أو مركزاً لرسم السياسات البريطانية في المنطقة العربية والساحل الإفريقي للبحر الأحمر

أو بالأحرى الخط الأمامي لرسم تلك السياسة بين كل من حكومتي لندن وبومبي أودلهي عندما انتقلت ملكية الشركة إلى حكومة الهند في عام 1858م ولاشك أن مجيئ الحملة الفرنسية إلى مصر هي التي جذبت أنظار بريطانيا إلى أهمية البحر الأحمر وهي التي فجرت لديها فكرة أن يكون هذا البحر هو الشريان الحيوي للإمبراطورية البريطانية وأخذت هذه الومضة تنمو مع أحداث البحيرة بالتدريج خلال القرن (19م ) حتى أصبحت الفكرة حقيقية واقعية عند نهايته وقد أشرنا إلى أن تسارع الأحداث داخل هذا البحر وحوله جعل بريطانيا تسارع من خطواتها أيضاَ فاحتلت عدن عام 1839م عند طرف البحر الجنوبي ثم أحتلت مصر عند الطرف الشمالي في عام 1882م . ولايتسع المجال هنا لتتبع أوضاع الساحل الإفريقي منذ أن فكر" أزد مر باشا " في تأسيس ولاية الحبش وربطها بجدة ثم ولاية صوماليا وربطها بحاكم الحديدة وذلك خلال القرن 16م  كذلك لا يتسع المجال لمتابعة تجديد شباب السيطرة العثمانية على هذا الساحل على يد ولات مصر وهما محمد على وحفيده إسماعيل (1863- 1879م ) في القرن 18م لكن يكفي هنا متابعة سياسة بريطانيا حتى تم لها إبعاد السيادة العثمانية المصرية من ذلك الساحل وكيف تم تقسيمه بينها وبين فرنسا وإيطاليا وقد أشرنا من قبل إلى بعض تلك الأحداث لماماً ولكن يهمنا أن نتذكر أن القرن 19م بدأ بالانقلاب الصناعي مما جعل الهجمة الاستعمارية فيه أكبر بكثير من إمكانيات السلطنة العثمانية وولاتها في مصر حينذاك ونتذكر تعاون بريطانيا ودفعها للسلطنة العثمانية من أجل تحجيم محمد علي بعد سيطرته على ساحلي البحر الأحمر وتقييده باتفاقية لندن عام 1840م هو واسرته وهذا كله هو الذي جعلها تسرع باحتلال عدن بالقوة عام 1839م وأشعل إتفاق شق قناة السويس عام 1854م ثم افتتاحها عام 1869م خيال بريطانيا وقررت احتلال مصر 1882م  من أجل استكمال شريانها الحيوي والمحافظة على سلامته وذلك بعد أن كان رئيس وزرائها سالسبوري قد تخلى عن سياسة المحافظة على كيان السلطنة العثمانية مع الدول الأوربية الأخرى بين كواليس مؤتمر برلين عام 1878م ولاشك أن احتلال بريطانيا لمصر قد أزعج باقي الدول الأوروبية فسارع الجميع إلى عقد اتفاقية 1888م التي نظمت المرور بالسويس أي جعلت البحر ممراً دولياً لكن تحت حماية بريطانيا.
في هذا الإطار نستطيع أن نفهم أن نجحت بريطانيا في أن تمد سيطرتها من عدن ومحمياتها شرقاً إلى الساحل الإفريقي غرباً ونفهم أن إمتداد سيطرة الخديوي اسماعيل باسم السلطنة العثمانية إلى المديرية الإستوائية في قلب أفريقيا وإلى ميناء قسمايو على الساحل الصومالي الجنوبي لم يكن يمثل عقبة أمام تحقيق أغراض بريطانيا  أو غيرها  على الساحل الإفريقي للبحر الأحمر ويمكن أن نشبه نشاط الخديوي إسماعيل الإفريقي تلك الفترة مثل نشاط فأر شديد الحيوية في داخل قفص أوفي داخل دائرة محدودة رسمت له إذ كانت اتفاقية لندن 1840م في حقيقتها تتيح لبريطانيا وغيرها مجال للسيطرة على مقدرات مصر من خلال السلطنة العثمانية وقد ادراك ولاة مصر هذه الحقيقة وهي أن بقائهم على عروشهم إنما هو بإسترضاء أوروبا كما هو بإسترضاء السلاطين العثمانيين ويعني هذا أنه من الاوفق هنا أن نتبع خطوات بريطانيا لمد سيطرتها على الساحل الإفريقي بدلاً من أن نتبع خطوات إسماعيل لبسط سيطرته على تلك المناطق .
أنزعجت بريطانيا دون شك عندما رأت قوات إسماعيل تتقدم على الساحل الصومالي الجنوبي وسيطرتها على مقديشو وبراوة وقسمايو , وتريد أن تتقدم إلى ميناء ممباسا حتى يسهل عليها فيما بعد الوصول منه إلى المديرية الإستوائية التابعة لمصر حينذاك وكانت تلك القوات قد استولت على إقليم هرر في الداخل وقد دفعت بريطانيا سلطان زنجبار إلى الاحتجاج وكان لديه حينذاك مستشار بريطاني يثق به وكانت خطواتها الثانية الضغط على إسماعيل لسحب قواته من هذه المناطق وأستجاب إسماعيل لضغط بريطانيا وأمر بسحب القوات من تلك المنا طق.  يتبع .
.... يتبع...

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا