كتابات | آراء

أزمة الشرعية الدستورية في الوطن العربي..!!

أزمة الشرعية الدستورية في الوطن العربي..!!

كثير من المحللين السياسيين يؤكدون على أهمية مفهوم الدولة الاصطلاحي، ولكن في الوقت نفسه يؤكدون على أهمية وتشابك المعاني والمفردات الحديثة في حالة تغييب المصطلح الدلالي

ومصادرة محتواه وحصره في جوانب ضيقة.. لفرض سياسة الأمر الواقع، ما جعله محل شك ورفض من قطاعات شعبية عريضة.. فالشرعية الدستورية تسير وفق منظومة قانونية تشريعية متفق عليها قمةً وقاعدةً.. وتشمل اختصاصات ومسؤوليات ومهاماً عديدة تجاه الوطن وقضاياه الداخلية والخارجية.
أما شرعية الشمولية.. والأبوية التي تمارسها معظم البلدان العربية بإصدار القرارات الصارمة، والنبرة الترهيبية، وأسلوب الوعد والوعيد، وكبح الحريات ومصادرة الحقوق، والارتهان في أحضان القوى الخارجية، أياً كانت إقليمية أو دولية، كل هذه المظاهر تشير الى هشاشة وضعف، واختلالات في منظومة النظام الحاكم العربي ومؤسساته المختلفة.. رغم القبضة الأمنية الحديدية..
فالدول العربية اليوم تعيش مرحلة الشيخوخة السياسية والدساتير المفصلة أيديولوجياً، وفكرياً ومذهبياً، ولهذا تنشأ شروخ عميقة وغائرة بين القمة، وطبقات وشرائح المجتمع المختلفة، وهذا ما يؤدي إلى ظهور صراعات جهوية، وأيديولوجية، وفكرية، ومذهبية، يدفع ثمنها غالباً أبناء الوطن الواحد..
فالمشهد السياسي العربي اليوم في كثير من دول المنطقة يعج ويمج بالعديد من التيارات الفكرية والمذهبية والأيديولوجية المتناقضة معنى ومبنى، في ظل أنظمة عربية متشبعة بشموليتها الأبوية، وبابويتها البيروقراطية الصرفة، ماجعلهامحل شك ورفض من قبل قطاعات شعبية عريضة، بالرغم من توسيع مساحة المشاركة لمكونات سياسية وفكرية وحزبية مناوئة لها.. فالدولة كسلطة غير مؤدلجة هي أكبر شمولاً واتساعاً من مفهوم الحكومة، لذا ينبغي بل يجب على الحكومة تفعيل مؤسساتها المختلفة، ومحاسبة كل فاسد أو مفسد..
هناك برلمانات تشرع وتراقب، ومحاكم دستورية مستقلة، ومنظومة قانونية وقضائية فاعلة، فالكل يحتكم إليها بعيداً عن المؤثرات السياسية أو الحزبية أو المذهبية.. القانون فوق الجميع.. هذا في حالة الشرعية الدستورية الحقيقية.. أما في ظل غياب تلك المؤسسات أو تجميدها، أو تهميشها تضيع هيبة الدولة، وتضيع الحقوق الجمعية، وتصادر الحريات العامة..
المؤسف حقاً أن الشرعية الدستورية في كثيرٍ من البلدان العربية، مازالت مكبلةً ومتقوقعةً داخل ثقافة الأبوية، والبابوية المقدسة..
من هنا ندرك خطورة تلك الشرعية المؤدلجة لخدمة أجندة خاصة بها، أو لها علاقة بجهات أخرى..
ما يحدث اليوم في معظم دول الوطن العربي هو عبارة عن تجسيد حقيقي للأبوية السلطوية، بل الشمولية المفرطة.. وهذا هو الخطر الداهم الذي تواجهه الأمة اليوم، من المحيط إلى الخليج..
عندما تستأثر الطبقة الحاكمة بمناصب الدولة ومؤسساتها المختلفة، وتزيح الكفاءات المبدعة، وأصحاب المؤهلات العالية تنحرف بوصلة الدستورية الى الفوضوية، والغوغائية، وترتع فيها ذئاب الفساد والمفسدين مستغلة ً تسييس القضاء وتغييب القوانين وتعطيل الدستور..
 وما حدث في تونس أخيراً هو انحراف البوصلة الدستورية عن مسارها الحقيقي فخرج الشارع عن بكرة أبيه رافضاً للشرعية السياسية الأبوية.. في ضوء ذلك يكون من الأجدى بتلك الأنظمة العربية الحاكمة أن تقوم بعملية حوار عقلاني ودبلوماسي شفاف وبمصداقية عالية مع كافة الأطراف المعارضة والمكونات السياسية والحزبية والفكرية والأيدولوجية بمختلف أطيافها ومشاربها وألوانها لإعادة صياغة توافقية وميثاق وطني عادل ومنصف يٌرضي كافة الأطراف، لا فيه غالب ولا مغلوب.. بهذه الرؤية التوافقية الشاملة تتحقق مطالب التنمية البشرية المستدامة في ظل تطبيق العدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية والحريات العامة.. دون ذلك تظل الشروخ غائرة.. والفجوة عميقة.. والرتق يتسع يوماً بعد يوم على الراتق.. لهذا وذاك فلنترك التعصب الأعمى والولاءات الفكرية الضيقة.. والتقوقع داخل البابوية المقدسة، والأبوية العصبوية.. ونلتفت الى مصلحة الأوطان الكبرى وبنائها واعمارها بدل من تدميرها وتخريبها.. ولنصل بالأوطان من مرحلة الانتقال السلس الى بناء الدولة المدنية الحديثة والحكم الرشيد وهذا لم ولن يكون إلا بتكاتف الجميع.. حينها ندرك عظمة حب وعشق الأوطان، بأنه شيء غريزي في قلوبنا..!!
كلمات مضيئة
في غياب الشرعية الدستورية تظل الأوطان على حافة الانهيار والسقوط الأخلاقي والقيمي والإنساني وتصبح مؤسسات الدولة المختلفة غير مؤهلة لأداء دورها الريادي والوطني والاجتماعي.. وعندما ترتدي الأنظمة العربية جلباب البابوية المقدس.. وتتموسق الأبوية المستبدة.. بهذا تكون قد حكمت على نفسها بزوال عرشها بين عشية أو ضحاها..
لذا علينا أن ننأى عن شخصنة الدولة ومؤسساتها المختلفة والبعد عن تكريس ثقافة الأنا.. فالدولة لا تُبنى الا بمعايير ثقافية وأخلاقية عالية، وأيديولوجية واضحة المعالم والرؤى والأهداف، وهذا لم ولن يتحقق الا بوجود الكوادر الوطنية الكفوءة والكفاءات المؤهلة القادرة على العطاء والابداع.. والاهتمام بالمؤسسات التعليمية بكافة أنواعها وأصنافها وأقسامها.. فالأوطان لن تبنى الا بسواعد أبنائها البررة الاوفياء.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا