كتابات | آراء

دور الإدارة الصحية في رفع مستوى أداء النظام الصحي (2-1)

دور الإدارة الصحية في رفع مستوى أداء النظام الصحي (2-1)

مارس الإنسان الصحة منذ القدم وسعى إلى الحصول عليها بشتى الوسائل حتى أصبحت حق من الحقوق الإنسانية، حيث تبنت هذا الحق الأمم المتحدة في دستورها وأهدافها الإنمائية عبر منظمة الصحة العالمية،

المعنية بإدارة شؤون الصحة في العالم، كما أكدت مجدداً في دستورها على حق الأنسان بالصحة، وقامت بإدارة وحشد الجهود والموارد الرامية لتحقيق هذا الحق الإنساني حتى يومنا هذا.
ومن أجل تحقيق التغطية الصحية الشاملة تقوم منظمة الصحة العالمية مع دول الأعضاء بمراجعة النظام الصحي العالمي وتحسينه بين فترة وأخرى، وذلك نظراً للتغيرات والتطورات التي تحدث في العالم في مجال الصحة وظهور الأوبئة، وبما أن الأمراض والأوبئة قابلة للتطور والتغير فإن مواجهتها تتطلب تطوير النظام الصحي وفقاً لهذه التطورات والتغيرات، وكان أهم حدث لإصلاح النظام الصحي العالمي في القرن التاسع عشر هو (مؤتمر الماتا) في عام 1979م والذي دعا إلى إعادة النظر في تقديم الخدمات الصحية من خلال تقديم الرعاية الصحية الأولية.
وبما أن النظام الصحي يحتاج إلى تحديث وتطوير مستمر فإن إدارته هي المفتاح ونقطة البدء في عملية إصلاح النظام الصحي وتطويره ليواكب متطلبات المجتمع وتطلعاته، لهذا صدر في يناير 2012م من مكتب إقليم الشرق المتوسط لمنظمة الصحة العالمية وثيقة بعنوان "رسم ملامح المستقبل الصحي من أجل تعزيز دور المنظمة في الإقليم"، تركزت هذه الوثيقة على تنفيذ الأهداف الاستراتيجية الخمسة والتي منها تقوية النظم الصحية، وتقديم دعم خاص للبلدان التي تعاني من أزمات وتحتاج إلى إعادة بناء النظم الصحية فيها، وذلك ضمن إطار أولويات عمل منظمة الصحة العالمية التي أقرتها في وثيقة إصلاح المنظمة.
وتقوية الأنظمة الصحية وتعزيز قدرتها تكون من خلال الحوكمة مثل الالتزام  بالتشريعات والموارد التنظيمية والإدارة الصحية، لهذا حظي هذا الموضوع باهتمام بالغ في الدول المتقدمة والنامية، وبلادنا اليمن أيضاً قدمت العديد من الالتزامات الصحية عبر وزارة الصحة العامة والسكان، وأصدرت العديد من التشريعات الصحية المنظمة للعمل الصحي، ومؤخراً توجهت نحو تحسين الإدارة الصحية، حيث تضمن المحور الأول للاستراتيجية الرابعة لوزارة الصحة العامة والسكان، الذي يكمن في أهمية الإدارة فءي تحسين أداء النظام الصحي من خلال الحوكمة، وأنشأت مركزا تدريبيا للإدارة الصحية ودشنت العديد من الدورات التدريبية وورش العمل لتدريب المدراء الصحيين وتم اعتماد مساق ماجستير إدارة صحية في المجلس اليمني للتخصصات الطبية.
وتركزت التوجهات الاستراتيجية لإقليم الشرق الأوسط حتى 2016م، نحو توفير ودعم القيادة في الصحة من خلال التركيز على العناصر الرئيسية مثل الحوكمة الصحية وصياغة الخطط والاستراتيجيات الوطنية الصحية، وجعلت منظمة الصحة العالمية أحد أهدافها الاستراتيجية، العمل على تعزيز قدرات دول الأعضاء في مجال الإدارة وإدارة الأزمات الصحية، وتنفيذ أسلوب منهجي لإدارة وتدبير أحداث الطوارئ.
ومن هنا جاءت أهمية الإدارة الصحية كونها عامل أساسي في نجاح أو فشل الأنظمة الصحية ومرافقها، لهذا جعلتها منظمة الصحة العالمية ضمن الحوكمة التي صنفتها بأنها ركن أساسي من أركان أي نظام صحي في العالم، كما أدركت أن تحقيق بقية الأهداف الصحية لن تحقق بكفاءة وفعالية إلا من خلال تقوية النظم الصحية بما فيها الإدارة الصحية، وتأتي جهود منظمة الصحة العالمية والمكتب الإقليمي، نظراً لوجود قصور في الأنظمة الصحية لدى معظم البلدان ومنها بلادنا اليمن، حيث تعاني من الضعف في الجوانب الإدارية مثل التخطيط الاستراتيجي طويل الأمد المعني بتطوير الأداء الإداري للنظام الصحي، وحتى عند وجود هذه الخطط، فأنها لا تتحول إلى واقع ملموس.
وحالياً يعاني اليمن من أسوء أزمة إنسانية على مستوى العالم، والتي ساهمت في تزايد عوامل الضعف للنظام الصحي من خلال الأثار السلبية التي تركتها على المجتمع اليمني حيث جعلت ما يقارب 19.7 مليون إنسان بحاجة إلى الرعاية الصحية، إضافة إلى احتياج 80% من السكان شكل من أشكال المساعدات الإنسانية والحماية، منهم 14مليون شخص في حاجة ماسة للمساعدة الإنسانية وعشرة ملايين شخص على بعد خطوة واحدة فقط من المجاعة والموت جوعاً وهذا يترك آثر وعبء إضافي على النظام الصحي زادت من معاناته وضعفه.
وتدني مستوى الأداء الإداري الصحي وعجزه حالياً عن مواجهة التحديات وحل المشاكل التي يتعرض لها النظام الصحي لم يكن بالصدفة بل نتيجة للأزمة المستمرة وظهور أزمات جديدة متتالية مثل ظهور أمراض معدية، أضافة إلى عوامل إدارية قديمة متراكمة جعلت منه نظام صحي غير قادر على تغطية الخدمات الصحية الأساسية والشاملة مثل وجود تشريعات وطنية معيقة كقانون السلطة المحلية لسنة 2001م الذي نتج عنه تدني مستوى القدرات الصحية على مستوى المحليات وممانعة الوزارات القطاعية في تفويض السلطات الصحية للقيام بالمهام الصحية مثل الصحة المدرسية وصحة البيئة، إضافة إلى عوائق وعراقيل داخل النظام الصحي مثل هيمنة العديد من البرامج الرأسية الشديدة المركزية، المسندة من قبل الجهات المانحة، والتي تقوم بتقديم خدمات صحية من الرعاية الصحية الأولية مع تنفيذ برامج خاصة بالصحة العامة.
ومن التحديات التي تواجهها الإدارة الصحية في النظام الصحي باليمن هي العجز في توفير الميزانية التشغيلية، وتوفير الرواتب للكوادر الصحية غير المنتظمة والمنقطعة منذ ست سنوات، وتسرب للكوادر العاملة وصعوبة في التنسيق والتواصل بين كافة شبكة القطاع الصحي، مع تراجع في الأداء الإداري والطبي، ونقص حاد في الموارد الطبية المساندة مثل الأدوية والعقاقير والمعدات الطبية إضافة إلى ضعف الحوكمة (نظم الإدارة العامة)، والافتقار إلى المساءلة، وافتراق وتجزء وطني ساهم في تجزئة وتقسيم تقديم الخدمات الصحية.
* مستشار الإدارة الصحية والبحوث العلمية

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا