كتابات | آراء

الساحل الغربي ملتقى الأطماع الاستعمارية  « الحلقة 47 »

الساحل الغربي ملتقى الأطماع الاستعمارية « الحلقة 47 »

صراع الدول الاستعمارية في البحر الأحمر بشاطئيه:
حقيقة أن الدولتين الأهم في هذه الآونة في التنافس و التسابق لوضع قدم على سواحل البحر الأحمر وبعض المناطق والموانئ ذات البعد الاستراتيجي والجدوى الاقتصادية في الدول المطلة هما بريطانيا ,

وفرنسا وكما أسلفنا أن فرنسا قد عقدت معاهدات مع زعماء في الساحل الغربي بقصد الحصول على مناطق نفوذ للمستقبل القريب حيث كانت قناة السويس على وشك أن تفتح للملاحة فكانت تعقد المعاهدات وتشتري المناطق ذات الجدوى ثم تتركها دون أن تقم باستغلال هذه المناطق ولا تحتلها ولكنها  احتفظت بحقهافي بقاء عقد الشراء الذي أعطاها الحق في منافسة بريطانيا في المنطقة وتهديد سيادة الدولة العثمانية , ولقد سبق أن أشرت في حلقات سابقة بأن بريطانيا قامت بإرسال حملة تأديبية إلى الحبشة في عام 1867م لإطلاق سراح قنصلها . وأود أن اضيف هنا إلى أن تلك الحملة كانت تهدف أيضاً للقضاء على قوة تيودور المتمردة , وإحلال ملك آخر محله ينصاع لبريطانيا ويخدم مصالحها  رغم أن تيودور قد ظل حتى آخر أيامه يعلن ولاءه للملكة فكتوريا .. وإذا حاولنا أن نجد تبريراً واحداً يعطي هذه الدول الاستعمارية الأحقية في شراء , أو امتلاك أي جزء من هذه الأراضي فإن ذلك يصبح مستحيلاً فقد كانت كل هذه الأراضي تقع تحت السيادة العثمانية , ولكن التزامها الصمت قد عرض حقوق السيادة للضياع , وكما أن هذه الدول الاستعمارية قد استغلت ضعف شيوخ المنطقة وجهلهم لحقيقة ما يفعلون , وما يعنيه ذلك من تعريض بلادهم للاغتصاب رغم أن الفرصة متاحة للباب العالي لتأكيد سيادته على المنطقة , وخاصة عندما وفرت فرنسا عليه هذه الفرصة بطلبها من حاكم الحديدة مساعدتها على العثور على قتلة لامبرت. . أما بريطانيا نفسها فقد أثارت تلك السيادة على لسان مقيمها السياسي في عدن تذمره من وجود فرنسا في المنطقة والجدير بالذكر أنه قد ترددت بعض الشائعات عن نشاطات فرنسية على سواحل الجزيرة العربية للعثور على موطئ قدم على مقربة من عدن حيث قيل أن الفرنسيين  يقصدون منطقة (بئر أحمد ) الواقعة في شمالها الغربي وأن فرنسا تثير القبائل اليمنية المحيطة بعدن ضد الوجود البريطاني فيها لتحقيق هذا الغرض , ولقد اقترحت السلطات البريطانية في عدن شراء ( جبل إحسان ) , وشبه جزيرة عدن الصغرى التي في وسطها الجبل المذكور إلا أن حكومة الهند البريطانية رفضت هذه المقترحات , وأيدت فكرة تقديم معونة لشيخ بئر أحمد لحمايته من المؤامرات الفرنسية وكان ذلك في عام 1862م إلا أن بريطانيا قد تمكنت من رفع علمها على شبه جزيرة عدن في سبتمبر 1869م بعد شراء تلك الجزيرة , واعتبرتها جزءاً من مستعمرة عدن . ولقد انتهت نشاطات فرنسا في تلك المنطقة بحصولها على أوبوك , ولقد وصف مارستون تلك الإجراءات بأنها (تشكل إساءة بالغة للقانون الدولي) ولم يختف الفرنسيون أو يفتر نشاطهم بصورة تامة فقد أشارت الوثائق البريطانية إلى ظهور الفرنسيين أمام ميناء المكلا اليمني في سنة 1869م وعندما وصلت إحدى سفنهم إلى هناك وطلب نقيب ميناء المكلا الذي كان قد حضر إلى عدن لمقابلة المقيم السياسي البريطاني هناك  وطلب بسط الحماية البريطانية على الميناء نظراً لأن الفرنسيين قد ظهروا أمام سواحل تلك المنطقة , وحاولوا الاتصال بجاره القيعطي الذي كان على خلاف معه في 1869م غير أنه من المرجح أن يكون نقيب الميناء أراد حماية بريطانيا ومساعدتها لتتغلب على منافسه القعيطي .
تطورات الأحداث في المنطقة عقب افتتاح قناة السويس  
الوجود المصري:
وقد سبق أن تناولنا موضوع الوجود المصري في منطقة الساحل قبل إفتتاح قناة السويس بحقب وعقود إلا أنه من الضروري بمكان أن نذكر القارئ بدور مصر ووجودها في هذه المنطقة في هذه المرحلة وذلك لتداخل الأحداث وتشعبها بالإضافة إلى أن كلاً من هذه الأطراف له دور مؤثر وفعال في أحداث المنطقة التي كانت بريطانيا في ذلك الحين تراقب النشاط المصري على سواحل البحر الأحمر , وخليج عدن , وعلى الجانب الشرقي لا فريقيا بقلق شديد, وخاصة عقب افتتاح قناة السويس , وتكونت قناعة لدى البريطانيين بأن التهديد الحقيقي للمصالح البريطانية هو مصر إذ أن البريطانيين منذ احتلالهم لعدن في عام 1839م وحتى افتتاح قناة السويس في سنة 1869م لم يكونوا قد واجهوا بعد منافساً حقيقياً ومباشراً لهم في منطقة البحرالأحمر وذلك لآن المصالح الفرنسية كانت في معظمها وحتى إفتتاح قناة السويس لم تكن رسمية في مظهرها فضلاً عن أنها لم تكن تستند إلى قوة كبيرة في ذلك الحين .. ولقد أثار قلق البريطانيين زيادة تردد السفن الأجنبية على ميناء عدن في أعقاب افتتاح القناة .. كما أثيرت تكهنات كثيرة حول نوايا الدول المختلفة , وأهدافها الاستعمارية في منطقة البحر الأحمرنتيجة لوصول بعض السفن الحربية إلى ميناء عدن , من بينها سفن فرنسية ونمساوية وهولندية , وبروسية واسبانية فضلاً عن السفن المصرية .. لهذا فقد أصدر الميجور إدوارد راسيل المقيم السياسي البريطاني في عدن تعليماته إلى قبطان السفينة البريطانية السند ليراقب تحركات السفن الأجنبية العابرة في خليج عدن , وعند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر , للتعرف على أهدافها , وذلك في مطلع عام 1870م , ولقد اتخذ البريطانيون موقفاً معادياً إزاء النشاط المصري في منطقة البحر الأحمر , واعتبروا أن هذا النشاط لا يقل خطورة عن النشاط الفرنسي المنافس الرئيسي لبريطانيا في تلك المنطقة .تصاعد النشاط الفرنسي بعد افتتاح القناة وردود فعل بريطانيا. نواصل في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى . 

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا