كتابات | آراء

بوح اليراع:سرُّ تبادل (آل نهيان) السفارات مع (الكيان)

بوح اليراع:سرُّ تبادل (آل نهيان) السفارات مع (الكيان)

لا شك أن استغراب الجمهور العربي هرولة دويلة ما يسمى (الإمارات العربية المتحدة) إلى أحضان الكيان الصهيوني المتمثلة في توقيع اتفاق التطبيع وتبادل السفارات بشكل سريع

مبنيٌّ على أساس من المنطقية.
إذ ليس بين القطرين -بحسب رأي الجمهور المستغرب إلى درجة الاستنكار- أية حدود تتطلب -علي سبيل الاضطرار- توقيع معاهدة تعاون أمني في حده الأدنى لا تتعدى -في ضوء ما تتسم به العلاقات العربية الصهيونية من عداء- كونها اتفاقَ كفِّ أذى متبادل ينصُّ على التشارك المُتعقِّل في اقتلاع مسببات النزاع أولاً بأول.
ومن جانب آخر لا توجد لدى الدولة العبرية ولا ينبغي أن توجد جالية إماراتية، كي يزعم ابن زايد السفيه أن توقيع ذلك الاتفاق يهدف إلى رعاية شؤون مواطنيه.
بل إن دولة الكيان -على العكس من ذلك كله- دولة محتلة تمارس ضد الشعب العربي الفلسطيني أقسى صنوف التنكيل، وتدنس المقدسات الإسلامية بالجملة، وتسعى جاهدة لهدم أولى القبلتين وثالث الحرمين منتهكة بذلك الفعل العدواني المُشين حرمة جميع العرب والمسلمين، ومن شأن هذه الممارسات الجنونية أن تجعل الإمارات -من وجهة نظر منطقية- في حالة عداء مُتنامٍ مع الدولة الصهيونية يحملها على تسخير إمكانياتها المادية لتثبيت الشعب الفلسطيني الشقيق في وجه الدولة الصهيونية المعادية.

ما الغريب في فتح سفارة إماراتية بـ"تل أبيب"؟
إن المُستغرِب ما يحدث بين دويلة "الإمارات" و"الكيان الصهيوني" الغاصب من مظاهر التقارُب ينطلق في استغرابه من اشتمال اسم الدويلة على لفظ يدل على العروبة الذي لا يتعدى -كما سنبيِّن- كونه أكذوبة، ومن كون المهيمنين على عروش الحكم فيها ينحدرون من أسر عربية ويحملون أسماءً عربية بكل ما تقتضيه التسمية والانحدار -على سبيل الاضطرار- من التحلي بقيمهما الأبية.

انتفاء العروبة على صعيدي (الأسماء والانتماء)
إن المدقق في التركيبة السكانية لمعظم الحواضر الإماراتية وبخاصة "أبوظبي" و"دبي" الممسكتان -بفعل تمتعهما بأهمية اقتصادية استثنائية- بدفَّة الهيمنة السياسية يجدها خليطًا من عشرات الجنسيات التي اكتسبت -بفعل تجذُّر وجودها- صفة المواطنة المحلية، ولم تعد الجنسية العربية سوى أقلية، وهو واقع مجتمعي مؤلم يُحتم على أيَّ عربي قادم الاعتماد على مترجم، وهو واقع ديموغرافي لا عروبي يؤكد أن تسمية هذه الدويلة ذات الأكثرية السكانية المجلوبة على لفظ "العروبة" مجرد أكذوبة، ولأنها أكبر مراكز غسيل الأموال ومهوى أفئدة رجال الأعمال المحسوب أغلبهم على الصهيونية، فإن القرار السياسي فيها مرهون لـ"آل صهيون".
وإن المطلع على تأريخ نشوء تلك الكيانات التي شكلت -بعد اتحادها- دويلة "الإمارات" من ناحية، وعلى ظروف وملابسات إعلان تلك الدويلة الاتحادية وما حظيت كل تلك المراحل الاحتضانية من رعاية استعمارية بريطانية، سيجزم أن هذه الدويلة قد نشأت -لا محالة- على أساس من العمالة، لا سيما وأن بريطانيا -وهي المتبني الأول لقيام دولة الكيان الصهيوني- كانت ما تزال تسعى -في تلك المرحلة الحرجة من تأريخ ذلك الكيان الدخيل- إلى تشكيل واقع عربي يدين له -ولو في الخفاء- بالولاء ويسهم -من تلك الأثناء إلى يومنا هذا- في تهيئة مناخات عربية اضطرابية تضمن له البقاء وتحقيق ما يتطلع إليه من توسع، وها هي فلسطين الجريحة تدفع -اليوم- ثمن فاتورة التصهيُن الإماراتي وتكتوي بناره، بدليل نشاط الاستيطان بالتزامُن مع افتتاح السفارة.

المسوِّغ الأخطر لاختيار المقر
بالرغم من أن تطبيع "مصر" و"الأردن" مع الكيان قد سبق تطبيع النظام الإماراتي المُتصهيِن بأكثر من خمسة عقود زمنية وبقرابة أربعة عقود زمنية على التوالي، فقد اكتسب تطبيع الأخيرة لدى الكيان من الأهمية ما لم يكتسبه غيره، فبالإضافة إلى أنه تمَّ دون مسوِّغ من اضطرار، توافر له ما لم يتوافر لسابقيه من أسباب الإشهار التي حقق عبرها حالة من الإبهار، وتلقفه جمهور المجتمع الصهيوني بالكثير من مظاهر الاحتفاء البالغة درجة الاصطفاء.
ولعل أهم مظهر من مظاهر تميز تطبيع دويلة "الإمارات" قد تمثل في ما يتعلق باختلاف أماكن فتح السفارات، فإذا كان مقر السفارة المصرية في شارع (بازيل) الذي لا يحظى بأهمية استثنائية، وكان مقر السفارة الأردنية في شارع (أبا هلال سيلفر) الذي لا يفوق سابقه أهميَّة، فقد رُوعيت عند اختيار مقر السفارة الإماراتية الجوانب الاقتصادية والسياسية بصورة قياسية, فقد اختِير موقعها في "مبنى البورصة الجديد" أو "مبنى البورصة الجديدة" لاعتبارات عديدة، منها -بحسب ما جاء في دليلها الإرشادي- اعتبار أو ضرورة وجودها في قلب الحي المالي الإسرائيلي كي تلعب ما أنيط بها من دور اقتصادي ريادي.
لكنني أرى أن المسوِّغ الأخطر لاختيار ذلكم المقر القريب جدًّا جدًّا من المكان الذي أُعلن فيه -عام 1948- عن قيام "إسرائيل"، هو مسوِّغ سياسي بالدرجة الأولى، إذ يمثل -من باب أولى- اعترافًا تأريخيًّا من قِبَلِ دولة عضوٍ في جامعة الدول العربية بالدولة الصهيونية في أطوار نشأتها الأولى.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا