محليات

5 سنوات من الأسر والتعذيب الوحشي.. لم تنل من ولائه وصموده وشموخه اليماني

5 سنوات من الأسر والتعذيب الوحشي.. لم تنل من ولائه وصموده وشموخه اليماني

الأسير المحرر العقيد عبدالحكيم الملاحي يروي قصة أسره في سجون العدوان السعودي
سنعرض في هذه الزاوية تفاصيل ملحمة من الصمود اليماني العظيم، سطرها أحد أسرانا الأبطال في سجون العدوان السعودي،

وهو الأسير المحرر العقيد عبدالحكيم علي الملاحي الذي استمر في سجون العدوان لمدة خمس سنوات، وظل صامداً صابراً معتزاً بولائه وانتمائه لوطنهم وشعبهم اليمني .. لم يستطع نظام العدوان ولا القائمون على سجونه النيل من إرادته وعزيمته وشموخه اليماني، ولم يتمكن اولئك الجبناء الحاقدون أن يحصلوا منه على معلومة واحدة، ولا على اي شيء يمكن أن يفيده في معركتهم العدوانية على اليمن واليمنيين، رغم ما لحق به وما تعرض له من تعذيب وحشي جسدياً ونفسياً، ورغم ما عرض عليه من إغراءات كبيرة.. فإلى تفاصيل خمس سنوات من الأسر والتعذيب الوحشي المفرط الذي تعرض له الأسير المحرر الملاحي في سجون العدوان السعودي، يسردها لنا  الأسير المحرر الملاحي، وعلى النحو التالي:

بداية الرحلة إلى بيت الله
كانت بداية رحلتي إلى الله ورسوله والتي دفعت ثمنها قرابة خمس سنوات في سجون العدوان السعوصهيوأمريكي، في تاريخ 22/10/2018م تحركت إلى الأراضي المقدسة قاصداً العمرة بعد أن تم منحي تأشيرة العمرة حسب نظام وآليه الحج والعمرة فاتجهت ملبياً محرماً ومؤديا مشاعر العمرة لي ولوالدي المتوفي ووالدتي المسنة، استجابةً وتنفيذاً لنذرها.. وكان مدة بقائي لتأدية العمرة 12 يوماً ابتداءً بمكة 5 أيام ثم المدينة 4 أيام ثم العودة إلى مكة والبقاء فيها 3 أيام وبعدها تحركت مغادراً مكة إلى بلادي اليمن وفي تاريخ 5/11/2018م فجراً وصلت إلى منفذ الوديعة السعودي وأعطيت موظف الجوازات جوازي للتأشير عليه خروج والذي ما إن قرأ الاسم ونظر إلى الجهاز حتى أخذ الجواز وأعطاه زميله والذي قام بدوره إلي وقال لو سمحت تفضل معي إلى المكتب وفي تلك اللحظات كانت البداية لقرابة خمسة أعوام عشتها في معتقلات آل سلول فبعد أن أوصلني الجندي إلى موظف الجوازات في مكتبه وهو ضابط برتبه رائد وأخذ الضابط الجواز وفيزة العمرة وبدأ بالإطلاع عليها وعلى الكمبيوتر الذي أمامه ثم بدأ بالكلام معي كلاما عاما وليس تحقيقا وخلال الحوار معه أمر الجنود ينزلوا عفشي فقلت له خير ليش تنزلوا عفشي وما هو المطلوب مني ولماذا أوقفتني قال إجراءات بسيطة فإذا انتهت نمشيك مع أي باص وتم تفتيشي تفتيشا دقيقا وأخذوا كل ما أحمله تلفونات والنظارة والخاتم والفلوس وكل ما بحوزتي وما هي إلا حوالي نصف ساعة إلا وقد وصلت سيارات النجدة وأخذوني إلى مكان عرفت فيما بعد أنه مقر العمليات المشتركة وهناك أودعوني كبينة صغيرة وفكوا الرباط الذي وضعوه على عيني واغلقوا الكبينة.. وبعد ذلك أخذوني إلى سجن شروره.. وبقيت قرابة 9 أيام في كبينة انفرادية وفي اليوم التاسع ذهبوا بي إلى غرفة التحقيق ورفعوا الغطاء عن عيني وجلست وقال لي المحقق أنا عندي معلومات عنك منذ مولدك إلى اليوم فقلت له أنا عابر سبيل، ذهبت إلى بيت الله الحرام لأداء العمرة، قال أعلم، وبدأوا التحقيق، وطلبوا مني معلومات عن السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي- يحفظه الله-، وعن قيادات ومعلومات عن مواقع، واستمر التحقيق قرابة الثلاث الساعات، وكان الجواب لا أعلم، فأنا عقيد متقاعد وليس لدي أي معلومات تفيدكم، وانتقل المحقق إلى موضوع آخر وهو أن عرض عليا الانضمام إلى صفوف المرتزقة (الشرعية) حسب زعمه، محاولاً شرح بعض ما هم عليه من نعيم، وتقدير المملكة لهم.. وقال لي كما أنك من المشايخ البارزين في منطقتك ويجب أن تكون في مقدمة رجال وقيادات (الشرعية) المزعومة.. قلت له يا أخي أنا لا استطيع أن أخرج من بلادي لأن ظروفي لا تسمح بذلك، قال إذا لم تستطع أن تخرج من اليمن فليكن في مأرب، فرفضت كذلك، وقلت له لا استطيع أن أترك بلادي أبداً، وانتهى التحقيق، وقال لي راجع نفسك فإذا قررت كلم العسكري.

سجن خميس مشيط
استمريت في سجن شرورة قرابة 25 يوما وبعدها نقلوني إلى خميس مشيط، وبدأ عنوان خميس مشيط يظهر جلياً منذ اللحظات الأولى لنقلي من شروره إلى خميس مشيط، حيث بدأت مرحلة التعذيب والمعاملة المهينة واللا انسانية.. فقبل فجر ذلك اليوم فتحو عليا الباب وأخذوا الكلبشات ووضعوها في كلتي يدي إلى خلف ظهري وشدوها كي تؤلمني، وكذلك قيدوا رجلي،  ووضعوا الغطاء على عيني، وقربوني إلى السيارة نوع جيب، لم استطع الصعود إلى السيارة، فرفعوني بطريقة وحشية آلمتني ألما شديدا، وسارت السيارة إلى جهة مجهولة لا أعلم إلى أين أنا ذاهب، وخلال الطريق حركت غطاء العين حتى أنني رأيت كل شيئ، وعرفوا أنني أشاهد كل شيئ، لكنهم لم يتوقفوا لإعادة إحكام الغطاء على عيني، وعندما عرفت السبب ضحكت رغم أني في موقف لا يجيز لي الضحك.
وصلنا إلى قاعدة الملك فيصل الجوية في خميس مشيط وأنا أرى كل شيئ وأقرأ اللوحات، وعندما سلموني إلى السجن الذي داخل القاعدة الجوية قال لي السائق مش عيب عليك -وضربني على رأسي- نعطيك في شروره ماء تشرب وأنت ما تحترم نفسك وتفك الغطاء على عينك، قلت له أنا طوال الطريق أدق عليكم كي تتوقفوا على شان تحكموا رباط العين.. فماذا قال لي؟ قال أنت تريد نفتح لك وتكلمنا وتسحرنا ثم تهرب يا مجوسي يا ساحر، كنت في أسوأ حال لكنني ضحكت من كلامهم ومن خوفهم وما يحملونه من ثقافة مغلوطة.
بعد ذلك وضعوني في سجن خميس مشيط، والذي يسمونه العقرب، والتعامل هناك لا يرضي الله ولا رسوله.. وكان وصولي إلى سجن خميس مشيط، فأودعوني كبينه ضيقه وبدأوا بتعذيبي بمختلف أنواع التعذيب، تعذيب جسدي ونفسي وبطريقة بشعة ووحشية، ضرب وإهانات طوال اليوم، ولا يسمح لك حتى بالجلوس، فالكاميرا فوقك لو غلبك التعب وطحت على الأرض، يأتوا إليك ليذيقوك الويلات.. مرت يومين وجاء اليوم الثالث والمعاملة القاسية والمهينة واللا إنسانية تزداد سوءا.. وفي اليوم الثالث جاء المحققون واخذوني وأنا مقيد الأيدي إلى الخلف والكلابش مشدودة وعيوني مغطاة، كنت أمشي وهم يضربوني بالسلك وبالسوط ويركلوني باقدامهم بكل قوة، وإذا طحت على الأرض يسحبوني سحب بالكلبشات التي على يدي، ويدي إلى خلف ظهري.. هكذا بدأت مرحلة التعذيب الوحشي البشع والانتقام الجبان من إنسان ليس له ذنب إلا أنه ذهب إلى بيت الله الحرام.. كان عدد المحققين ثلاثة، والرابع جالس يراقب، وعندما بدأوا بالتحقيق معي، قال أحدهم أهلاً يا ثعلب الصحراء، وكانت محاور التحقيق على النحو التالي:-
خط سيرك من منفذ دخولك حتى عودتك إليه -الأشخاص والقيادات ومقرات تواجدهم - السلاح والمخازن وأماكن إطلاق الصواريخ وتخزينها - المواقع العسكرية واحداثياتها والمعسكرات الجديدة ومعسكرات التدريب ومقرات أنصار الله - معلومات عامة.. وابتداءً من المحور الأول للتحقيق والذي طلبوا فيه تحديد مسار رحلتي منذ دخولي الأراضي السعودية حتى عودتي إلى المنفذ.. فبدأت أتكلم عن رحلتي وأين ذهبت ومن قابلت في الطريق، شرحت كل شيء كما لو كانوا معي، ولكن أثناء كلامي، كنت أتكلم بجملة واحدة واحياناً كلمة واحدة، فيقاطعونني بالضرب والركل والدسع ويقولون كذاب، واستمر التحقيق والتعذيب بهذه الطريقة الوحشية من الساعة 9 صباحاً حتى 2 بعد الظهر.. وتعرضت خلال التحقيق لمختلف أنواع التعذيب الوحشي، ومن ضمنها الصعق الكهربائي والتعليق، وفي نهاية اليوم سلموني للعسكر والذين قاموا أيضاً بضربي، ثم أعادوني إلى الكبينة الضيقة بدون غداء ولا ماء، وعندما ذهبوا بي إلى الحمام للوضوء لصلاة الظهر والعصر، ضربوني أيضاً في الطريق بالسلك على كل جسمي وكانوا لا يعطوني الفرصة الكافية في الحمام واذا تأخرت زادوا التعذيب، وفي المساء، عندما يأتي وقت النوم لتنام على البلاط، وما هي إلا ساعة ثم يأتوا ليصحوني من النوم ويجعلوني أظل واقفاً لمدة ساعة، ويأتي أخر ليقول لي نام، فكان جميع الاسرى والمعتقلين ينامون في اليوم خمس ساعات، وأنا لا أنام سوى ثلاث ساعات فقط، ثم يأتي اليوم التالي ليستمر الحال على هذا النحو وعلى هذا المنوال، في التحقيق بنفس أسئلة اليوم السابق دون اختلاف، وكذلك التعذيب بنفس الطريقة الوحشية..

المحور الثاني من التحقيق
وقد كان المحور الثاني من التحقيق حول الأشخاص والقيادات الذين أردوا معلومات عنهم، وعلى رأسهم قائد الثورة العلم المجاهد السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي- يحفظه الله- وكذا عضو المجلس السياسي الأعلى محمد علي الحوثي. واللواء أبوعلي الحاكم واللواء يوسف المداني واللواء الركن محمد ناصر العاطفي وغيرهم من القادة.. ففي صباح اليوم الثالث بدأت الأسئلة حول السيد عبدالملك، أين الأماكن التي يتردد عليها وهل يتواجد في صنعاء أو في صعده ومنهم الأشخاص الذين يقابلوه أكثر من غيرهم وحول هذا الموضوع مداخلات كثيرة.
طبعاً كانت الإجابة لا أعلم (وهو الواقع) وليس لي أي علاقة بالحوثيين لا من قريب ولا من بعيد فكيف لي أن اعرف معلومات عن قائدهم واختصاراً للحديث كان التعذيب هو سيد الموقف واحياناً يوجهوا إلي السؤال وقبل أن اجيب يتم الضرب أو اللطم ما أن ينتهي من السؤال حتى يبدأوا باستخدام جميع أنواع التعذيب حتى أدخل في غيبوبة ويكون موجود في بعض الجلسات دكتور أو مساعد طبيب تحسباً لأي طارئ وعندما كنت أصاب بحالة من الإرهاق والتي لا استطيع أن اتمالك نفسي احس أن هناك شخصا يومي لهم بالتوقف حتى استعيد توازني ويذهبون إلى الاستراحة ويأتي دور ذلك الطيب ويقول لي أنت عارف أن المملكة إذا عزمت على أمر لا بد أن تصل إليه وفي هذه الحالة يريد أن يخلق لدي حاله من الانهزامية وأنه لا فائدة من الاستمرار في العناد فأسلم لهم، ثم قال سنقوم بالقضاء على سيدكم خلال ستة أشهر ولكن إذا تعاونت معنا سنقضي عليه في أسبوعين أو ثلاثة وكان ردي بلا اعلم.

تعذيب وامتهان
ويبقى الحال على ما هو عليه من التعذيب والامتهان، فكنت أتمنى أن يقتلوني، وكنت اصيح بأعلى صوتي أقتلوني يا جبناء يا أنذال، كنت أصل إلى حالة من الهستريا وكنت أتمنى لو لم أكن مكبل اليدين والقدمين لقاتلتهم حتى الموت، لقد تمادوا كثيراً في الامتهان بكرامة اليمنيين وهذا ما كان يؤلمني ويوجع قلبي أكثر من التعذيب الجسدي، وكثيرة هي الاوجاع التي رافقتني في هذه المحنة وهكذا كان الحال مع بقية القيادات محمد علي الحوثي، ثم اللواء أبو علي الحاكم، واللواء محمد ناصر العاطفي، واللواء يوسف المداني، وعند الوصول إلى اللواء يوسف المداني، هنا لا يمكن لأي إنسان أن يتصور بشاعة التعذيب الذي تعرضت له، وهنا اقف عاجزاً عن وصف ما حدث لي من تعذيب فوق ما يحتمل وفوق ما تتصورون، حيث كان الإصرار منهم والتصميم على ان اعطيهم معلومات عن يوسف المداني، تعرضت لتعذيب لا يحتمل ولا يطاق، وحينها صحت بأعلى صوتي اللهم أنك تسمع وترى وأنت حاضر بيننا فاشهد على هؤلاء القوم، تمادوا في تعذيبي إلى أبعد حد، وكان لطف الله يسبق تعذيبهم ذلك كله..
كما طلبوا معلومات عن قادة آخرين وزملاء وكانت اجاباتي على جميع أسئلتهم، بلا أعلم لا أعلم لا أعلم، وبعد أن يئسوا من استخراج ما يردونه، عن كل من ذكرت سابقاً، ن قالوا لي طيب فلان وذكروا اسم احد أصدقائي وزملائي هذا زميلك وهو أمر لا استطيع انكاره، قلت لهم نعم، قالوا هات لنا احداثيات بيته، وحينها تخيلت كأني أرى أطفاله وهم يخرجونهم من بين الأنقاض كأني أرى الموقف أمام عيني لم أتمالك نفسي وصحت بأعلى صوتي فقلت والله ثم والله ثم والله ما أدي لكم احداثيات أحد يا قتله الأطفال والنساء أنا جيت بيت الله أعلن توبتي ولا يمكن والله أدي لكم إحداثيات بشر أياً كان.
وبذلك وصلوا إلى جدار مسدود هكذا كنت أعاهد نفسي كل يوم وأنا في زنزانة لا استطيع أن استقيم فيها كنت أقول والله لن اعطيهم أي معلومة عن أي انسان في الأرض فما بالك باليمنيين.
عاهدت الله أن أكون نموذجا لرجال اليمن الصادقين والذين كانت لهم مواقف مشرفة وأدوار خالدة خلدها التاريخ وهم كثير ما خضعوا لا للترغيب ولا للترهيب ولا مدوا أيديهم للعمالة والارتزاق كنت أتذكر والدي رحمة الله تغشاه الذي رفض عرض الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر للذهاب إلى السعودية كي يتم اعتماد مرتبات للمشايخ، وقال له أنا لا اريد مرتب منهم ولن اذهب.
وكذلك كنت أتذكر ودائماً ما يخطر على بالي، مواقف الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي الذي دفع حياته ثمناً لمواقفه الوطنية المشرفة والتي خلدها التاريخ في أنصع صفحاته، وكذلك الرئيس الشهيد صالح الصماد أسد الوغى وعنوان البذل والعطاء ورمز التضحية والفداء رحمة الله عليه وعلى جميع الشهداء العظماء، الذين رووا بدمائهم الزكية تراب هذا الوطن المعطاء.
وفي أحد الأيام جاء رئيس المحققين وقال لي أنه يأسف لما يحدث لي وأنا سيد قومي وزعيم عشيرتي، وضرب لي مثلا في تلك الأيام كان انضمام وزير الإعلام إلى صفوف المرتزقة، ثم قال الآن أين هو الآن في الأجنحة الملكية في الرياض يعيش حياة كريمة في ضيافة ملكُ كريم، استغل الكثير من المغريات المادية، واستطرد في الحديث قائلاً وأنت لو تعاونت معنا سيكون لك نفس هذا الشخص، ويمكن أكثر لأنك شيخ كبير إلى جانب ذلك أنت قائد عسكري وأنت أيضاً رئيس لمكون عسكري (الملتقى الوطني العسكري)، هذه كانت أولى محاولات الاستدراج للانضمام إلى صفوف العدوان والمرتزقة.. لكن دون جدوى.. وفي بداية حديثه قال لي كما ذكرت أنه يأسف لما يحدث لي لكن لا يستطيع أن يمنعهم عني لأن التوجيهات لديهم التعذيب حتى الموت، فرديت عليه وقلت إذا كان الأمر كذلك فاختصروا المسافة إلى الموت، فما تبحثون عنه ليس عندي، وكذلك لا استطيع أن أبقى خارج بلدي.. وفي اليوم التالي تواصل التحقيق مع الاستمرار في تقديم الاغراءات وكذا الاستمرار في التعذيب أيضاً.. ولكن ولله الحمد كلما كانوا يرفعون سقف التعامل السيئ كنت أرفع سقف العناد والصمود وأقول لنفسي هناك من يصمد من اليمنيين أمام همجية وغطرسة وهستيرية العدوان وأمام غارات طيرانه وكافة أسلحته بما فيها المحرمة دولياً، صامدون بعزة وشموخ وظروفهم أسوأ مني وفي مقدمتهم الأبطال المجاهدون الذين يواجهون الطائرات دون غطاء جوي ويخوضون معركة الدفاع عن الوطن والشعب بشجاعة وإقدام وعنفوان متوكلين ومعتمدين على الله وواثقين بنصره وتأييده لأنهم يخوضون هذه المعركة جهاداً في سبيل الله ودفاعاً عن الأرض والعرض والدين..
ومن ثم وصلوا بالتحقيق إلى الأسئلة عن الصواريخ البالستية وعن قواعد الإطلاق وقالوا انت تعلم بمقر هذه المخازن وتشرف عليها حسب زعمهم وكالعادة تعذيب وحشي وضرب بعد كل كلمة وكل جملة، قلت لهم والله لا أعلم اين هذه المخازن ولا قواعد الاطلاق، لا أعلم عنها شيئا مطلقاً،.. فقام أحدهم وضربني على أذني اليمنى من الخلف حتى سقطت على الأرض واختل توازني، وبعد ذلك فكوا رباط عيني وفتحوا الشاشة وقالوا لي شاهد وشاهدت مدينة ريدة التي هي مدينتي وقال لي يالله قول لنا إلى أي الاتجاهات نتحرك لتخبرنا عن المخازن ومنصات الإطلاق في أي مناطق، قلت لا أعلم وإذا به يقرب منزلي وعليه نقطة حمراء، أول ما رأيت منزلي وهو يقربه ببطء حدثت نفسي أنهم سيهددوني بضربه فشعرت بالخوف والقلق وفي نفس اللحظة شيء ما بنفسي يقول لي لا تخف وعندما وقف قال لي والله ما هي إلا ضغطة زر ويكون بيتك ومن فيه في العدم أمام عينيك فقلت له بنوع من الخوف والغضب لماذا تقتلون الأطفال والنساء وأنا عندكم أقتلوني أنا ما ذنب الأطفال والنساء فرد عليا سيتم قتلك، قبل ذلك سترى نهاية أسرتك أمام عينيك، قال أحدهم أتركوه خلوه يفكر ويتخذ قراره بهدوء وهو يرى منزله ويتخيل سكينه والبتول أبنتاه الصغيرتان وأحفاده وهم في المنزل وبإمكانه أن ينقذهم من الموت وأنا أتأمل وأفكر ليس كما رسم لي العدو بل ذهبت إلى العكس، فقلت في نفسي جربوا التعذيب الجسدي والمغريات والآن انتقلوا إلى تعذيب آخر نفسي وتهديد، إذاً العدو بدأ باستخدام سلاح آخر وهذا يثبت أن السلاح السابق لم ينفع وهذا أعطاني تحصينات نفسية قوية، ثم جاء وقال لي كبيرهم، عبدالحكيم قررت قلت له مباشرة، من غير المعقول أن يكون باستطاعتي أن أنقذ نفسي وأسرتي ولا أفعل ذلك، قال صحيح ورأيت في وجهه علامات الاستبشار بأنه نال مني، ومقابل هذا تطلب مني معلومات ليست موجودة عندي ولا أعلم عنها أي شيء، وحلفت له بالله فرأيت في عينيه الغضب فقال لي إلى هذا الحد تفدي سيدك بأهلك ونفسك قلت ليس كذلك بل ليس لدي ما تريد، صاح إنذار أخير ما هي إلا ضغطة زر وترى نهاية أهلك، فرديت عليه قائلاً "لي ولهم الله"، وانهالوا عليا بالضرب والركل والدعس، وزادوا في تعذيبي بحرق جسمي بالسجائر، وفي ذلك لم أذهب إلى الزنزانة، فما أن سمحوا لي بالصلاة حتى قاموا بتعليقي وكنت أبقى معلق لساعات حتى تورمت كلتا يداي ثم ينزلوني وأبقى واقف فترة ثم يعودون إلى التعليق وهكذا يومياً على هذا الحال.. وبعد ذلك بثلاثة أيام هددوني بالاعدام واخرجوني وانا مغمض العينين على أساس يقوموا باعدامي في محاولة منهم للحصول على ما يريدونه، ولكن دون جدوى.. بعد ذلك نقلوني إلى سجن آخر وفي هذا السجن أودعوني كبينه ضيقة جداً 80 سم × 80 سم، لا استطيع أن أمد قدماي وهناك نفس المعاملة ونفس الغلظة في التعذيب واستمريت ثمانية أيام على ذلك الحال.. ثم انتقلت إلى سجن في الرياض، وهناك عرضوا عليا العديد من الإغراءات، أموال ومناصب واستثمارات ومشاريع تجارية، ستجعلني في غناء فاحش، ومرة بعد مرة حتى يصل الأمر إلى أن أنهم مستعدين يعطوني وكالات لأفضل مصانع التمر وأكون وكيل في أمريكا وألمانيا لهذه المصانع، وكنت أواجه كل عروضاتهم بالرفض، ثلاثة أشهر ونصف كلها إغراءات وترغيب ولم تفد، فقيل لي بوضوح أنك لن تعود إلى اليمن، ولكن نحن مستعدين نجيب أهلك إلى المملكة وأنت حر في اختيار البلد الذي تريد أن تعيش فيه وهم يتكفلون بكل النفقات، وبقدر تصميمهم على ذلك كان الإصرار مني على رفض كل المغريات مهما بلغت ولن أبيع نفسي بكنوز الأرض ومن الواجب عليا أن أكون نموذج لليمني الذي لا يمكن ان يتنازل عن وطنه وعن قيمه ومبادئه وولائه وانتمائه، ولا يمكن أن أضع يدي في يد قتله الأطفال والنساء وإلى جانب يعتدي على وطننا وشعبنا.
كانت مدة بقائي في الرياض كلها إغراءات وعروضات سخية وكنت أتذكر على سبيل المثال قصة اختبار الخيول العربية الأصيلة التي تقول أنهم كان يجمعون خيول ويقوموا بضربهن ضرب مبرح ثم يأتي إليهن الشخص الذي قام بضربهن ليعطيهن العلف، فكانت الخيول الغير أصيلة تسعى لتأكل من يده أما الخيول الأصيلة فترفض أن تأكل من اليد الذي قام بضربها .. وبهذا كان يتم اختيار الخيول الأصيلة فكنت أقول لنفسي أيكون هذا الحيوان أفضل مني كلا وألف كلا وتنتهي مدة ثلاثة أشهر وخمسة عشر يوم كلها ترغيب لتأتي عشرة أيام ترهيب ويتوعدوني بأنهم سيعيدوني إلى خميس مشيط وأنت تعلم ما في خميس مشيط فقلت لهم هل الله موجود في خميس مشيط كما هو موجود هنا قالوا نعم فقلت إذن دام ربي معي فلا قلق وبعد ذلك تغيرت المعاملة نوعاً ما ثم أرجعوني إلى خميس مشيط وفي خميس مشيط بقيت عشرة أيام في كبينه وبعدها أخرجوني مع الأسرى والمعتقلين لمدة أربعة أشهر كنا جميعا تحت التعذيب والامتهان على مدار الساعة يعذبونا تعذيب غير معقول وكنت في عنبر كلهم في سن أبنائي عدد 26 فرد لكن كنت اتعذب أكثر واحد فيهم ذلك لأنني رفضت كل عروضاتهم ومغرياتهم ولابد لي أن اتحمل ثمن هذا الموقف.. واستمريت في ذلك السجن مدة أربعة أشهر ثم نقلوني إلى سجن آخر وأودعوني في سجن انفرادي مدة ثلاث سنوات وخمسة أشهر..

حرمان من التواصل
وهكذا استمرت معاناتي في سجون العدوان وتعرضي للضرب الشديد ولمختلف أنواع التعذيب النفسي والجسدي.. وطيلة مدة الاحتجاز الذي استمرت خمس سنوات تقريباً كانت كلها معاناة وألم كنت أنا أكثر من في السجن تعذيباً، فلم يسمحوا لي حتى بالاتصال لأهلي، إلا بعد سنة وسبعة أشهر بعد إلحاح شديد واضراب عن الطعام والعلاج لمدة 9 أيام فسمحوا لي بالاتصال كبقية الاسرى والمعتقلين وهذا نوع مؤلم وموجع أن يتصل الجميع بأهاليهم وأنا لا.
ولا استطيع أن أذكر كل ما حدث في هذه السطور الموجزة لكن أنا على يقين ثابت أن ما حدث للأسرى والمعتقلين من تجاوزات وتعذيب وحشي، لن يذهب هدر ولا يمكن أن يسقط بالتقادم كما أن عدالة الله ستقتص منهم عاجلاً أم آجلاً، فلا بد للانصاف الإلهي أن يطال منهم وسيكون ذلك بأيدينا، كما قال الله تعالى
 {قل هل تربصوا بنا إلا أحدى الحسنين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون} صدق الله العظيم.
وجدير بالذكر هنا بأن وضعنا تغير إلى الأفضل وذلك قبل زيارة الفريق اليمني الذي زارنا إلى السجن لمعرفة أحوالنا والتأكد من كشوفات الأسرى والمعتقلين برئاسة الأخ المجاهد أبو حسين هلال – نائب رئيس لجنة الأسرى.. وبعد الزيارة أيضاً تغير الوضع إلى الأفضل أكثر، وبعد 20يوم من الزيارة غادرت الانفرادي إلى العنابر وقاموا بوضعي بين الأسرى وبقيت هناك حتى خروجي في 17/رمضان/1444هـ.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا