الأخبار

خطير للغاية .. القات يلتهم فواكه صعدة!

يُعَوَّل على محافظة صعدة بشكلٍ كبير ريادة النهضة الزراعية في اليمن، وأن تكون عموداً أساسياً في تحقيق طموحنا للاكتفاء الذاتي من الإنتاج الزراعي.

خطير للغاية .. القات يلتهم فواكه صعدة!

لكن منذ أكثر من 3 سنوات بدأت مزارع القات تتسع في المحافظة بشكل كبير، وراجت زراعة القات أكثر من زراعة المحاصيل الغذائية والنقدية، بل وحلت محلها في بعض الأماكن، الأمر الذي ينذر بتحوُّل خطط العصر الزراعي في اليمن إلى شعارات وأحلام نظرية وإعلامية لا ترى النور أبداً حتى في كبرى المحافظات الزراعية اليمنية.

صعدة ضمن كبار منتجي القات في المحافظات اليمنية الشهيرة بزراعة القات، مثل الضالع والبيضاء وذمار، تنتشر رواية عنوانها: «صعدة ضربت أسواق القات».

وعندما تسأل مزارعي القات في تلك المحافظات عن تفاصيل هذه الرواية، يُجيبون بأن المزارعين في محافظة صعدة اتجهوا مؤخراً لزراعة القات بشكل كبير، وظهرت إلى الوجود مزارع قات كبيرة وعملاقة أغرقت أسواق القات، ودخلت معها صعدة كمنافس قوي في أسواق القات وجذبت حصة كبيرة من زبائنه.

وحسب ما تبين لـصحيفة »لا» فإن ما يقوله هؤلاء المزارعون ليس مجرد رواية، فقد ثبت بالفعل أن هناك توجهاً كبيراً وغير مبشر لزراعة القات في محافظة صعدة، يقابله عزوف عن زراعة الفواكه التي تشتهر بها المحافظة، كالتفاح والرمان والعنب وغيرها.

وحسب مصادر محلية في صعدة فإن شجرة القات زحفت بقوة خلال السنوات الـ5 الأخيرة، ملتهمة مناطق زراعة محاصيل زراعية مهمة، مثل التفاح والبرتقال والعنب والبن، وغيرها.

وقدّر مزارعون من محافظة صعدة المساحة التي تحتلها شجرة القات اليوم بما بين 30 - 40 ٪ من الأراضي الزراعية في المحافظة.

كما رصدت «لا» توسعاً لمزارع القات في معظم مديريات المحافظة، وفي أهم الأودية التي تعد موطناً لزراعة أجود أنواع الفواكه.

وتظهر صور حديثة توسع زراعة القات في منطقة «قلعة السنارة» – «وادي العبدين» في مديرية سحار، الذي يعد واحداً من أعرق الأودية التي تشتهر بزراعة العنب الأسود والخضروات منذ قرون.

كما بدأ مزارعون في وديان زراعية مهمة، مثل وديان آل سالم وجبل بني عوير وآل عمار والصعيد وبني معاذ... وغيرها، بالتوجه نحو زراعة القات كذلك، مبتعدين عن زراعة العنب الأسود وغيره من الفواكه والخضروات.

موسم الهجرة إلى القات

توجه الكثير من المزارعين في محافظة صعدة إلى زراعة القات كونه مجالاً للاستثمار المالي الجيد من وجهة نظرهم.

وقد حصلت «لا» من مزارعين على صور تُظهر اقتلاع أشجار التفاح والرمان من المزارع تمهيداً لإحلال أشجار القات محلها، فيما البعض الآخر يستحدثون مزارع قات جديدة، وبعد إنشائها يؤجرونها أو يبيعونها.

ويُسخِّر أولئك المواطنون مبالغ كبيرة لتأسيس مزارع القات الجديدة في محافظة صعدة، حيث قد يكلف إنشاء مزرعة واحدة متوسطة الحجم ما يقارب 60 مليون ريال يمني؛ إذ يتم أولاً استصلاح الأرض، ثم شراء غرسة القات، والتي تكلف في المتوسط 4 ملايين ريال، ثم يتم حفر بئر ارتوازية تكلف ما بين 20 و40 مليون ريال، ثم يتم تركيب منظومة طاقة شمسية تكلف بدورها 10 - 30 مليون ريال، بالإضافة إلى عدة ملايين تصرف على إنشاء بقية المرافق الخاصة بالمزرعة، مثل غُرف الحراسة وسياج معدني للمزرعة مع سقف وأغطية وغيرها.

وينتشر حالياً في موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» كثير من العروض عن الحاجة لـ»مزراعي قات ماهرين وذوي خبرة، للإشراف على مزارع قات» أنشئت حديثاً في مديريات صعدة. كما تنتشر إعلانات ترويجية من قبل مُلّاك مزارع جدد يقولون إنهم مستعدون لتوريد «أجود أنواع القات» من مزارع صعدة إلى المحافظات اليمنية الجنوبية وغيرها وبأسعار منافسة.

هناك أيضاً إعلانات لبيع مزارع قات، بعضها مساحته تقارب 10 كيلومترات مربعة.

من أحدث تلك العروض وأكبرها إعلان على «فيسبوك» من صفحة باسم «أبو علي للعقارات والتسويق العقاري» بتاريخ 16 أيلول/ سبتمبر الماضي، يعرض فيه تأجير مزرعة قات كبيرة ومتكاملة تزيد مساحتها عن 10 كيلومترات مربعة في منطقة آل سالم بمديرية سحار في محافظة صعدة.

أسباب الهجرة

أسباب توجه اليمنيين لزراعة القات كثيرة، أولها: الوضع العام الذي يجعل القات هو الأفضل إدرارا للأرباح مقارنة بغيره من المزروعات (حبوب وفواكه وخضروات...).

كما أن مردود القات مستمر على مدار السنة، وليس موسمياً كما هو الحال مع الفواكه والخضروات، حد قولهم.

أما الأسباب الخاصة التي دفعت مزارعي الفواكه والخضروات القدامى في صعدة للهجرة نحو زراعة شجرة القات، فتختلف من شخص إلى آخر، وقد أشار إليها معوض علي سعد، أحد المزارعين والنشطاء في شؤون زراعة الرمان والتفاح بصعدة، في حديثه لـ»لا»، قائلاً: «بأمانة وأقولها كلمة حق أمام الله ثم أمام السيد عبدالملك حفظه الله؛ والله العظيم إن أكثر الناس متوجهون لزراعة القات لأن أكثرهم لم يعد لديهم فائدة من الزراعات الأخرى، وخاصة خلال السنوات الأربع الماضية».

وبحسب «معوض»، فإن أسباب هذا التحول كثيرة، أبرزها عدم وجود سياسة تسويقية ناجحة محلياً وخارجياً، وكذا العراقيل والتعقيدات التي تواجه المزارعين، بالإضافة إلى فرض رسوم كثيرة خلال مواسم الحصاد.

«هذه كلها أسباب تدفع العديد من المزارعين للتوجه نحو زراعة القات بدلا من الفواكه والخضروات».

ويضيف: «تسويق الفواكه والخضار يحتاج لسياسة كما للدولة سياسة؛ لكن للأسف سياسة التسويق غائبة، لا من وزارة الزراعة ولا من مكتب الزراعة في صعدة».

وشكا «معوض» من مشاكل متلاحقة عاناها مزارعو الرمان هذا العام كبدتهم خسائر فادحة وديوناً كبيرة وجعلتهم مستائين للغاية، فقرر بعضهم إزالة أشجار الفواكه أو الخضروات، ليزرعوا القات بدلا منها.

وقال: «أول تلك المشاكل كانت قيام مكتب الزراعة في صعدة بفتح باب التصدير في 12 تموز/ يوليو، بينما ما يزال الرمان أخضر؛ إذ إنه لا يكون ناضجاً إلا من تاريخ 1 آب/ أغسطس، وبسبب ذلك استعجل بعض المزارعين وقاموا بجني الرمان أخضر، بسبب إغراءات الأسعار، وصدّروا رماناً أخضر غير ناضج إلى دول الخليج، وهذا ما دمر سمعة الرمان اليمني في الأسواق العربية وانعكس سلبا على الطلب عليه».

كذلك، والكلام لا يزال لمعوض، «جهات في وزارة الزراعة» ألزمت المصدرين بشراء «كراتين البيبي» لوضع الرمان المصدَّر فيها، وشراء هذه الكراتين كبد المزارعين خسارة إضافية، كما أثر على طلب الرمان في الأسواق الخارجية.

وقد تراجعت تلك الجهات بعد ذلك عن قرارها هذا، بعد مذكرات رفعها التجار إلى الجهات المعنية.

كما أن مجلس المصدرين في صعدة يطلب من كل مصدر للرمان 15 ألف ريال سعودي تحت تسمية «اشتراك سنوي»، بالإضافة إلى 100 ريال سعودي عن كل شاحنة رمان يتم تصديرها، وفق كلام «معوض»، الذي استطرد قائلاً: «ولأنه لا توجد رقابة تتحمل المسؤولية فقد تم مؤخراً تصدير وتهريب رمان تعرض للبرد، ما أدى إلى ضرب سمعة الرمان الصعدي اليمني، وألحق أشد الضرر بمزارعيه، ونُحمِّل قطاع التسويق بالمحافظة مسؤولية ذلك».

ووفق كلام «معوض»، فقد حدثت مشكلة أخرى، تمثلت في توقيف 55 «براد رمان» (شاحنات كبيرة تحمل الرمان إلى الخارج)، في نقاط في صعدة والجوف لمدة أسبوع، وبعد التوقيف دخلت تلك الشاحنات المتكدسة إلى الأسواق الخليجية والعربية دفعة واحدة، ما أدى إلى انخفاض سعر الرمان إلى أدنى مستوى، الأمر الذي كبد المزارعين خسائر كبيرة وفادحة.

ويوضح المزارع «معوض» هذا الأمر قائلاً: «نفى مكتب الزراعة أن يكون هو من أوقف الشاحنات، متهماً المُصدّرين أنفسهم بإيقافها بالتزامن مع زيارة الرئيس مهدي المشاط لصعدة، بهدف خلق حالة من الفوضى؛ غير أن المصدرين أكدوا أنهم تعرضوا للتوقيف قبل زيارة الرئيس بأسبوع، وكيف لهم أن يعرفوا أن الرئيس سيزور صعدة؟!

بالإضافة إلى أنه تم توقيفهم في الجوف يومين مع أن الرئيس لم يزرها».

ولا تنتهي مشاكل وخسائر مزارعي الرمان عند هذا الحد، بل وصل الأمر إلى «فرض 32 ألف ريال رسوم نقل، و15 ألف رسوم تسويق، وهذا موثق بسندات رسمية».

وتساءل معوض: «هل يدخل في العقل أن يوقف المزارعون أنفسهم بضائع بملايين من العملة الصعبة؟! هذا الكلام غير منطقي ولا يقبله عاقل، مع العلم أن كل عملية إيقاف دائماً ما يرافقها طلب مبالغ مالية على كل برّاد، كما قاموا بالتقطع والتهبش تحت تسميات كثيرة وباسم القانون!».

وأضاف قائلاً: «نحن كمزارعين نحتج على توقيف القاطرات بأي شكل وتحت أي تسمىة؛ هذه فواكه لا تحتمل الصراع بين المصدرين والجهات التي توقفها، والدولة باستطاعتها استدعاء أي مخالف وتتخذ إجراءاتها دون أن تضر بسمعة المنتج وتضيع جهود المزارعين بسبب توقيف منتجاتهم ومطالبتهم برسوم، قانونية أو غير قانونية».

ودق معوض ناقوس الخطر من توجه الكثير من المزارعين نحو زراعة القات على حساب الفواكه والخضروات في المحافظة، وقال: «المزارع الذي يصدر حالياً شاحنة كان في الماضي يصدر 7 أو 10 شاحنات رمان يومياً.

يا ترى ما هي الأسباب؟!». مطالبات بتنفيذ توجيهات القيادة الثورية مزارعو الفواكه والخضروات في صعدة طالبوا بتسهيل عملهم وإجراءات التسويق الداخلي والخارجي والتصدير، لما يخدم المزارع ومنتجاته، والاقتصاد الوطني في المقام الأول، وذلك بتنفيذ توجيهات قائد الثورة، السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، بهذا الشأن؛ فهو قد أكد أهمية أن تكون الجهات الرسمية مساعدة ومشجعة ومسهلة للقطاع الخاص، وخاصة الزراعي، وليس معيقة له.

يقول معوض علي سعد: «عندما أرى صاحبي يقطع شجر الرمان ويزرع بدله قات بلوط، أبكي دماً؛ هذه الشجرة سقيناها بدمائنا وأشلائنا، كم ضرب الطيران مزارع في صعدة؟

أكثر من 50 مزارعاً استشهدوا وتقطعوا أشلاء وهم يعملون في مزارع الرمان، أو التفاح!».

وأضاف: «عندما يجد المزارع أن ما ينفقه ويخسره على زراعة الفواكه أكبر من الفائدة العائدة عليه فإنه سيترك الزراعة».

وأكد أنه بكلامه هذا لا يتهم ولا يستهدف أحداً، وأنه مع غيره من المزارعين ليسوا ضد أي جهود أو قوانين صادقة تنظم عملية بيع وتصدير الرمان، لما فيه المصلحة العامة للبلد والمزارعين؛ ولكنه يطالب بأن يكون هناك سياسة تسويق سليمة وعمل صادق ومخلص من الوزارة ومكتب الزراعة.

وقال: «كل القرارات وكل القوانين حق الدولة لا نراها إلا في موسم الرمان؛ لماذا؟!».

«معوض» طالب الجهات الرسمية بإعانة المزارعين في بيع وتصدير منتجاتهم، بدلاً من وضع التعقيدات أمامهم وفرض الإتاوات عليهم حتى بات أكثرهم كارهاً لزراعة الرمان وبقية الفواكه.

خطورة أكبر

ما يضاعف سوء وكارثية ما سبق أن مشكلة اتساع زراعة شجرة القات في محافظة صعدة لا تقتصر على انحسار زراعة الرمان والتفاح والعنب والبن وغيرها من الفواكه والخضروات، وحرمان اليمن وأهلها من خيرات تصديرها للأسواق الخارجية والداخلية، بل الأمر أخطر بكثير، إذ إن زراعة القات تستنزف المياه الجوفية في محافظة صعدة، وقد جف الماء من بعض الأماكن مثل حوض الصعيد.

ولأن القات يتطلب الري بالغمر وبشكل مستمر كل يومين أو ثلاثة أيام، فإنه اليوم يستنزف حوالى 80٪ من المياه الجوفية في المحافظة، حسب مزارعين من صعدة.

وبسبب ذلك فإن مشهد الزراعة برمته في محافظة صعدة يبدو غير مبشر على الإطلاق خلال الأعوام القادمة، وهذا يستدعي التدخل العاجل وبجهود مركزة من قيادة المجلس السياسي الأعلى والحكومة، لإنقاذ الزراعة الغذائية المحتضرة في محافظة صعدة.

صحيفة لا

تقييمات
(2)

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا