الأخبار |

تاريخ الفن اليمني

تشير المصادر التاريخية إلى أن اليمن عرفت الغناء، ووُجدت بها الآلات الموسيقية المختلفة في الحضارات السبئية والمعينية والحميرية قبل الميلاد، وشوهدت نقوش كثيرة للآلات المستخدمة تعود إلى تلك الحقب،

تاريخ الفن اليمني

تشير المصادر التاريخية إلى أن اليمن عرفت الغناء، ووُجدت بها الآلات الموسيقية المختلفة في الحضارات السبئية والمعينية والحميرية قبل الميلاد، وشوهدت نقوش كثيرة للآلات المستخدمة تعود إلى تلك الحقب،

وبذلك فإن الغناء اليمني يعتبر من أقدم الفنون الغنائية منذ الأمم البائدة، يشير القلقشندي (ت 1418م) إلى أن الغناء في اليمن يرجع إلى عهد عاد، ويذهب المسعودي (ت 956م)، في “مروج الذهب” إلى أن اليمن عرف نوعين من الغناء: الحميَري، والحنَفي، لكنهم – أي اليمنيين- كانوا يفضلون الحنفي، وكانوا يسمون الصوت الحسن بـالجدن، وأخذ هذا الاسم من اليشرح بن ذي جدن، أحد ملوك حمير، وربما هو والد الملكة بلقيس، ويعود إليه غناء أهل اليمن، ولُقب بذي جدن لجمال صوته.

يكاد يجمع المؤرخون على أن الرعيل الأول من العرب المهاجرين من بلاد العرب الجنوبية بدأ يتحرك نحو القرن الثاني الميلادي؛ لذا بدأت الموسيقى العربية تزدهر وتنمو في مناطق ثلاث: سوريا والعراق وغرب الجزيرة العربية.. قادمة من جنوب الجزيرة، ولا تخلو المصادر التي تؤرخ للموسيقى العربية من ذكر اليمن ودور أبنائها في صناعتها، ولعل المستشرق البريطاني هنري فارمر قد خلص إلى القول بأن العرب في ممالك جنوب الجزيرة العربية بلغوا المراتب السامية التي بلغها الساميون من قبلهم في مجال الموسيقى.

وكما جاء في كتابات المؤرخين فإن اليمنيين القدماء عرفوا آلة العود منذ ما قبل الألف الأول قبل الميلاد، وساهمت الهجرات اليمنية، الحضرمية تحديداً، في انتشار اله الطربي “القنبوس” في دول شرق آسيا وتركيا والهند وشرق إفريقيا، والقنبوس تسمية محلية لآلة العود اليمني القديم المسمى بـ”الطربي” في صنعاء والقنبوس في حضرموت، وتظهر هذه الآلة في النقوش الأثرية اليمنية المكتشفة، ومنها نقش لامرأة تمسك بآلة العود التي ميزت الفن الغنائي في صنعاء لعهود طويلة.

وفي ذلك يحث الباحث الفرنسي جان لامبرت على أن العود “كنز وطني عريق تقع على اليمن مسؤولية الحفاظ عليه والاستفادة من مخزونها وموروثها الثقافي والغنائي الضخم”.

لقد كانت اليمن المصدر الذي أشاع المغنين والقيان إلى الحجاز وأطراف الجزيرة العربية، ومن قبلها إلى المناطق الشمالية؛ حيث لم تكن الموسيقى اليمنية قديمها وحديثها في يوم من الأيام أسيرة حدود اليمن، فانتقل جُلّها إلى الجزيرة العربية حتى صار فناً من فنونها، بما فيها الغناء المتقن الذي شاع بعد ذلك في الحجاز في العصر الإسلامي.

ولعل أول من غنّى من العرب قبل الإسلام، كانتا جرادتي بني عاد، وتسميان تعاد وتماد، قدمتا من عاد اليمنية، وكذلك قينتا الحضرمي سيرين وصاحبتها، كما أن أول من غنّى في الإسلام في المدينة كان “طُويس” وقد اشتهر بالغناء وصناعة الطرب، فذاع صيته واشتهر، وهو يمني كما أكد ذلك الباحث الكبير أحمد تيمور، وقد عُد طويس أبا الغناء في الإسلام، كما ذكر “الأصفهاني”، وطويس أول من أدخل الإيقاع إلى الغناء العربي، حتى تحول الغناء إلى فن متقن في عهد الخليفة عثمان بن عفان، وكان الغناء المتقن فناً يمنياً ما زال معمولاً به ويُغنَّى في اليمن حتى اليوم، وبناؤه الموسيقي يقوم على استهلال غنائي خالٍ من الإيقاع، يُؤدى بأسلوب الموال، ثم يتحول في جزئه الثاني إلى الأداء بمرافقة الإيقاع الثقيل؛ ليصير هزجاً سريعاً بمرافقة الرقص في جزئه الثالث.

على منوال طويس أخذ أعلام الموسيقى والغناء العربي في عصر الأمويين والعباسيين مثل “إسحاق الموصلي” و”زرياب” وأشاعوه، ونقله الأخير إلى الأندلس وطوّره، وكان الأصفهاني في مؤلفه الأضخم “الأغاني” قد عدّ ثمانية أصوات يمنية أو هي الألحان والكلمات المنسوبة إلى اليمن والقادمة من جهته، ووردت في الأشعار العربية بمنهج إيقاعي معين.

المغنون اليمنيون

اشتهر المغنون اليمنيون في عصور مختلفة، ففي نهاية العصر الأموي وبداية العصر العباسي اشتهر منهم “ابن طنبور” الذي عُرف بالغناء الخفيف المسمى الهزج، ووصفه المؤرخون أنه كان أهزج الناس وأخفهم غناء، كما ورد في “المستطرف”.

على أن فن الموشحات التي اشتهرت بالأندلس، هو بالأصل من اليمن، إذ إن جذور كلمات الموشح وتراكيبه ومذاهبه تشبه الأصل اليمني، وقد رأى ذلك الكثير من الباحثين مثل الرفاعي في كتابه “الحميني الحلقة المفقودة في امتداد عربية الموشح الأندلسي”، ومن قبله المؤرخ محمد عبده غانم، كما أكد ذلك الباحث والفنان اليمني محمد مرشد ناجي بقوله إن أول من قال الموشح الشعري هو مقدم بن معافر المقبري وهو أيضاً من اليمن من معافر

ويعد كتاب الفنان المؤرخ محمد مرشد ناجي المرشدي من اهم المراجع

الذي يتكلم عن حياة مبدع كبير له مكانته الكبيرة في الوسط الفني والأدبي والثقافي، شخصية فنية وثقافية رائدة بحجم شخصية الفنان الكبير محمد مرشد ناجي، تأخذ أبعادًا عدة؛ لأننا أمام اسم استثنائي في تاريخ ومسار الغناء اليمني، ولا يدرك هذه المكانة الكبيرة إلا من وقف على إبداعه الفريد والمتنوع؛ إبداع المرشدي في التلحين والأداء، وإبداع المرشدي في التأليف ودراسة التراث الغنائي اليمني من خلال مؤلفاته وأبحاثه التي ابتدأها بكتابه الشهير "أغانينا الشعبية" الصادر في العام 1959، وهو الكتاب الأول الذي يوثق للغناء اليمني بشكل منهجي. وتلاه كتابه الشهير أيضًا "الغناء اليمني القديم ومشاهيره"، الصادر في العام 1982، وهو الكتاب الذي وثق فيه المرشدي لرواد ومشائخ الغناء اليمني، ووقف في هذا الكتاب على تجارب رواد الغناء اليمني بالشرح والتحليل لتلك التجارب، وقدم تلك الشخصيات الفنية بأسلوب رفيع ينمّ عن معرفته الواسعة بأصول الغناء اليمني. ويعتبر هذا الكتاب أهم مرجع في الغناء اليمني القديم، لما يحتويه من ثراء فني كبير عن حياة الرواد الأوائل للغناء اليمني، وتناول تجاربهم بشكل مفصل ودقيق، ولولا هذا الكتاب ما عرفنا الكثير من التفاصيل حول حياة أولئك الرواد، الذين تناولهم المرشدي في كتابه "الغناء اليمني القديم ومشاهيره"، ومنهم:

الشيخ سعد عبدالله، الشيخ سلطان بن الشيخ علي، والأمير أحمد فضل القمندان، والشيخ علي أبوبكر باشراحيل، والشيخ أحمد عبدالله السالمي، والشيخ محمد جمعة خان، والشيخ قاسم الأخفش، والمطرب عمر محفوظ غابة، والشيخ صالح عبدالله العنتري، والشيخ إبراهيم محمد الماس، والشيخ عوض عبدالله المسلمي، والشيخ أحمد عُبيد قعطبي، والفنان عبدالقادر بامخرمة...

كل هذه الأسماء الفنية وغيرها وثّقها الفنان والأديب الراحل محمد مرشد ناجي بين دفتي كتابه، ولم يكتفِ بتقديم سيَرهم والمرور على أخبارهم مرور الكرام، لكنه غاص في تفاصيل أدائهم للألحان اليمنية، وكل التفاصيل المتعلقة بطبقات أصواتهم، وطريقة عزف كل واحد منهم وتعاملهم مع الآلات الموسيقية، وكل ما يتصل بهم وبأغانيهم الخالدة.

تأتي خاتمة الكتاب لتؤكد على ضرورة الاهتمام بالموسيقى اليمنية؛ كون الموسيقى تعتبر الوجه الحضاري المشرق للبلد، وإضافة إلى ذلك، أكدت خاتمة الكتاب على ضرورة الرجوع إلى الألحان اليمنية القديمة وتقديمها بهُويتها وخصوصيتها المعهودة.

مواقع اخبارية

 

تقييمات
(0)

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا