ملف الأسبوع

دروس وعبر الـ30 من نوفمبر.. وتحصين الوطن والشعب من عودة الوصاية

دروس وعبر الـ30 من نوفمبر.. وتحصين الوطن والشعب من عودة الوصاية

بذكرى يوم الاستقلال الوطني الـ30 من نوفمبر، نهنئ قائد المسيرة القرآنية والجيش واللجان الشعبية وجميع رفقاء السلاح من القبائل الأبية وكل المخلصين في الداخل والخارج، والتهنئة في الأول والأخير هي لأولئك الشهداء الأحياء عند ربهم، وعلى رأسهم شهداء ثورة 14 أكتوبر المجيدة التي أثمرت تضحياتهم ودماؤهم صنع مجد الاستقلال اليمني الناجز.

يوم الثلاثين من نوفمبر 1967م يوم جلاء آخر جندي للاستعمار البريطاني وهو اليوم الذي فرحت وابتهجت به وفيه عدن الحبيبة، والذي كان نتاج جهد نضالي وتضحيات للثوار والثائرات الميامين الذين انتفضوا يوم الـ14 من أكتوبر 1963م ضد أعتى استعمار على وجه الأرض لإمبراطورية كان يطلق عليها (الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس)، وقد كللت هذه التضحيات والجهد النضالي بتحقيق الاستقلال الناجز برحيل آخر جندي بريطاني من أرض اليمن، وبالذات من عدن الحبيبة يوم الـ30 من نوفمبر 1967م.
ومن المفارقات العجيبة ان تمر الذكرى هذا العام وعدن الجميلة تئن وتدمع حزناً وكآبة ويجثم على صدرها احتلال جديد أقل ما يقال عنه أنه قذر وذو ألوان متعددة الجنسيات، وأسوأها أدوات الاستعمار القديم وصنائعه من عربان الخليج.
والأعجب من ذلك أننا نرى أبناء من قادوا الثورة وقاوموا الاحتلال البريطاني السابق، هم من يشرعنون احتلال أرض الجنوب العزيز اليوم.. وهو أمر يضع أمامنا عدة علامات استفهام: ما هي الأسباب التي دفعت أبناء الثوار والشهداء الأحرار، الذين بدمائهم تحرر الوطن والأرض من دنس المستعمر البريطاني، إلى نهج معاكس لما قام به آباؤهم؟.
وهنا وللإجابة على هذا السؤال، وبإمعان النظر في كل ما تلى الاستقلال، سنجد أن الجنوب خرج من تحت وصاية المستعمر البريطاني المباشر، إلى واقع استعماري جديد يتمثل في استعمار التبعية، وهو الاستعمار الذي سلخ هؤلاء الأبناء عن هويتهم الإيمانية والوطنية بما جاء به من عناوين فضفاضة لا تتناسب مع فطرتنا وانتمائنا لليمن، وأهم هذه العناوين الحريات الشخصية، والمساواة المادية، التي عمد من خلالها الاستعمار غير المباشر إلى فصل جيل ما بعد الاستقلال عن عاداته وتقاليده الفطرية المنتمية إلى هوية وطنية إيمانية عريقة.. وقد نجح استعمار التبعية إلى حد كبير وبعيد في هذا الجانب.. خصوصاً فيما يتعلق بإبعاد جيل ما بعد الاستقلال عن هويته الوطنية الملتزمة بعادات وتقاليد أصيلة.. نتج عنها جيل متفسخ في ارتباطه بالوطن وبالسلوكيات الوطنية والترابط الاجتماعي.. الذي أفضى بدوره إلى نهج سلوكيات غير وطنية جيل ما بعد الاستقلال في عام 1967م إلى نهج مغاير ومعاكس لما نهجه وناضل وضحى من أجله آباؤهم..
وإذا ما أمعنى النظر في المتصدرين للمشهد الخياني الموالي للمستعمرين الجدد فسنجد أن منهم كثيرين لم يكن لهم ولا لآبائهم أي تاريخ وطني أو انتماء وطني أو نضالي.. وسنجد أيضاً أن الداعم لهم والمسير لهم هي الانتماءات إلى كيانات متمصلحة، تبحث عن الكسب المادي الرخيص، على حساب الوطن وأبنائه، وأن آخر اهتماماتها الوطن والمواطن وحريتهما واستقلالهما.
وحقيقة لا شك أن هؤلاء الطارئين على المشهد بصفحات سوداء كمرتزقة وعبيد مسيرين، يفرض علينا أن نحذر من تكرارهم في المستقبل ومن استنساخهم في قادم الأزمان من خلال حماية الشعب وتحصينه بالثقافة الوطنية الحقة، والعقيدة الصادقة، التي تحصن المجتمع من الانزلاق الى المهاوي، ولن يتأتى لنا ذلك إلا من خلال العودة إلى المنبع الذي يستقي منه اليمانيون إيمانهم وعقيدتهم وهو القرآن الكريم الذي به نحصن مجتمعنا ووطننا من كل ما يمس وحدته وسيادته.
إن نضال وتضحيات الثوار الأحرار الذي تصدوا بأجسادهم لأقوى قوة استعمارية على وجه الأرض بإشعال ثورة 14 أكتوبر 1963م وزلزلوا كيان هذا الاستعمار حتى خضع صاغراً يوم الـ30 من نوفمبر 1967م، تمثل لنا الشعلة التي تضيء لنا طريق التحرر والعزة والكرامة، وهي التي توقظ فينا براكين الغضب ضد خونة فضلوا بيع وطنهم وسيادته وخيراته مقابل الفتات، وضد غزاة أجانب دنسوا الأرض وانتهكوا سيادة الوطن وسفكوا دماء الأبرياء من أبنائه، وأساءوا إلى كبرياء هذا الشعب ودمروا بناه التحتية ونهبوا ثرواته ومقدراته واستغلوا خيراته وصادروا قراره واعتدوا على وحدته وسلامة أراضيه.
ولا شك أنه من وحي هذا اليوم الـ30 من نوفمبر الخالد نستمد جذوة مواصلة الكفاح، حتى نرى آخر جندي للاحتلال الملون ومتعدد الجنسيات قد غادر كل شبر في أرض اليمن، لنعيد لعدن بهجتها وتألقها وفرحها لتعود درة اليمن واليمنيين.
كما أن عبر ودروس يوم الـ30 من نوفمبر ستمنحنا البصيرة في كيفية مواجهة جلافة وغطرسة المحتلين الجدد ودناءة أدواتهم الداخلية، من خلال مواجهة الشعب ورفضه للمحتل وأدواته في شرق البلاد وغربها.. وسيعيد إلى أذهان المحتلين الجدد ما واجهه المحتل البريطاني السابق بإمبراطوريته التي لم تكن تغيب عنها الشمس، والذي رضخ أمام بسالة المناضلين والثوار الأحرار وغادر يمن العزة والكرامة صاغراً مكرهاً ذليلاً.. وهو ما سيؤكد للمحتلين الجدد أن مصيرهم لن يختلف عن مصير سابقيهم، وسيضع أمام الخونة من المرتزقة الجدد حقيقة أنهم من سينبذون في العراء لأن السفن والطائرات التي ستجلي جنود المستعمرين الجدد لن تكون متسعة لهم، وسيتركون يجللهم الخزي والعار..
إن مقارنتنا لأحداث التاريخ الماضي بأحداث الحاضر سيذكرنا أن المحتل رحل من كثير من البلدان بعد نضال وتضحيات ودماء طاهرة سفكت، ولكن رحيله كان بعد أن بذر نواة لعملاء ومرتزقة، يوجههم ويديرهم ليقود من خلالهم في المستقبل البلدان إلى حيث لا تقدم ولا ازدهار ولا رخاء.. من خلال جعلهم كالأنعام يأكلون ويشربون فقط، ويجدون أنفسهم مستهلكين لكل ما ينتجه المستعمر ممنوعين مما يحقق لوطنهم أي انجاز، فالاكتفاء الذاتي من الزراعة والغذاء والدواء والتصنيع خط أحمر، لا يمكن الاقتراب منه، وقد لمسنا هذا الأمر في عدة بلدان ومنها بلدنا الحبيب.. مما يجعل الحكام يسيرون في حلقة مفرغة من الوعود الكاذبة والمتخبطة التي تؤدي إلى سلب مقدرات الشعوب وتخديرها سنوات عديدة، تفرض على الحكام الخنوع والذل إلى حد لا يمكن تصوره..
ولنا في صحوة الشعوب وإفاقتها فيما اسمي بالربيع العربي العبرة والدروس، فما أن قررت الشعوب أن تستيقظ من سباتها حتى تكالبت عليها دول الاستكبار الاستعمارية بواسطة أدواتها الداخلية وعملت على إجهاض مخرجات تلك الثورات وأحبطت أهدافها.. إلا أننا في اليمن كعشاق للحرية والاستقلال أنجزنا ثورة 21 سبتمبر 2014م وهي الثورة التي جاءت من الإرادة الشعبية الناتجة عن معاناة ومظلومية، ولم يصنعها أحد غير الشعب.. وما كادت تكلل هذه الثورة بالنجاح حتى تكالب عليها المستكبرون الاستعماريون وأدواتهم، إلا ان هذا التكالب ووجه بصمود أسطوري غير مسبوق، لأن الشعب هو من أراد أن ينتصر غير عابئ بما حشد ضده من أسلحة دمار، لأنه شعب كما قال الشهيد القائد "لسنا مضغوطين من أحد" وهي المقولة التي أكدت لأعداء الأمة وبالذات تحالف العدوان حقيقتها ويقينها.. لذلك ابتدعوا حجة المد الإيراني رغم تأكدهم وعلمهم بعدم صحة هذه الحجة.. وهو ما أكده لهم السيد حسن نصر الله عندما ذهبوا إليه ليتوسط بغية إقناع شعوبهم أن عدوانهم كان بسبب هذه الحجة غير الواقعية، ولكن نصر الله رد عليهم بالقول: "هؤلاء لم نصنعهم نحن"، بمعنى لا نستطيع أن نملي عليهم ما نريد، وإذا قدمنا لهم مساعدة في مجال معين ثقافي أو غيره فما قدمناه إلا لأن عدونا واحد فقط.
في الأخير بقي أن أشير إلى أن إمكانية أن يقوم الاستعمار الجديد وأسياده دول الاستكبار العالمي بزراعة نواة جديدة يستخدمها في المستقبل، لأن التضحيات التي قدمها شعبنا اليمني ستحصنه من ذلك وستكسبه المناعة من أن تزرع هذه الجينات الخبيثة، لأن هذه التضحيات كانت ثمرة التحصن بالمنهج الرباني القويم والارتباط بالخالق بما كسبه من ثقافة إيمانية قرآنية تعزز حريته وكرامته واستقلاله ووحدته.. وأصبح اليمانيون لا يقرون بأية وصاية عليهم إلا من الله فقط "فاعلم أنه لا إله إلا الله".

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا