ملف الأسبوع

الإسلام السعودي: دور النظام السعودي في إفساد دين المسلمين (الحلقة الاولى)

الإسلام السعودي: دور النظام السعودي في إفساد دين المسلمين (الحلقة الاولى)

لعبت الاستخبارات البريطانية دوراً كبيراً في تغيير وتحريف مبادئ الدين الإسلامي الحنيف لتقويض العالم الإسلامي من الداخل وتشتيته واستعماره وعهدت بذلك لنظام آل سعود الذي أنشأته كظل لتطويع العالم الإسلامي للصهيونية العالمية..

هذا الكتاب يكشف الكاتب والمفكر نبيل محمد رشوان عن حقيقة الفكر الوهابي التكفيري ودوره في افساد الحركات الإسلامية المتطرفة وقد الف هذا الكتاب عن الإسلام السعودي قبل ثلاثة عقود من الزمن وفيه يبرهن على ان كل الحركات التكفيرية من القاعدة وحتى داعش صناعة سعودية بامتياز.
عرض: امين ابو حيدر
في الوقت الذي كانت فيه الثورة الفرنسية تشعل الثورة في كل أوروبا، وقيم العصور الوسطى تتهاوى، وقيم احترام العقل والحرية والمساواة تصرخ بها أفواه الثوار والشعراء والفلاسفة، في الوقت الذي كانت فيه مصر تبنى مشروعها الحضاري للنهضة، والذي تأثر بكل الفوران والجيشان الحادث في أوروبا، في الوقت الذي كان رفاعة الطهطاوي يقرأ لمونتسكيه وروسو ويترجم أهم إنتاج الثورة الفرنسية العقلي ليحدث به زلزالا ثقافياً هائلاً في المجتمع المصري، في الوقت الذي كان محمد علي باشا ينشئ فيه مشروعه الحضاري لنقل مصر إلى العصر الحديث، معتمداً على مشايخ الأزهر العظام الذين شعروا بنبض العصر، وأرادوا أن يلحقوا المسلمين به، أمثال الشيخ الجبرتي والشيخ العطار والشيخ الخشاب الذين استطاعوا أن يضعوا الأساس العقلي لحركة النهضة المصرية في العصر الحديث- كانت مصر بحسها الحضاري المرهف تعلم وتحس أن العصور الوسطى تتقوض وعصراً جديداً يتخلق في الأفق وأن هناك ثورة عارمة تشتعل في أوروبا تضرب بمطارقها وكلمات فلاسفتها الثوار كل أساسيات الدنيا القديمة: الدول الدينية، سلطة الملوك المقدسة، سلطة الباباوات المقدسة، حقوق النبلاء المقدسة.
في الوقت الذي يحدث فيه كل ذلك كانت تنشأ في جزيرة العرب دولة من الواضح أنها لا تعلم شيئاً عما يحدث في العالم وإن كان من الواضح أنها معادية له، أو قل خارجة عن حركة الحياة لعصرها نفسه، عصر تكسير القيود وتحديد سلطة الملوك أو إلغائها والقضاء على الدول الثيوقراطية المقدسة والأخطر من كل ذلك أن تلك الدولة قامت على أساس من عقيدة تكفير المخالفين، فكل فرد أو جماعة أو دولة وصلتها الدعوة الوهابية ولم تؤمن بها أو تنضوي تحت لوائها دولة كافرة، أو قبيلة كافرة.
واعتبرت رؤياها المتطرفة في فهم الإسلام هي عين الإسلام، وأي فهم أو رؤية أخرى كفر صراح ولا مجال للحوار العاقل الرشيد، بل السيف- والسيف فقط- للمخالفين، وأخذت جيوش تلك الدولة الجامحة تغير على الدول المجاورة وتعبث فساداً في كل ما حولها.
وأصبحت سياسة تلك الدولة المتطرفة تعتمد على فتاوى مرشدها(الروحي) محمد بن عبدالوهاب، فيعلن ان قبيلة كذا كافرة لأنها تلقت الدعوة الوهابية ولم تستجب، أي لم تخضع سياسياً. هنا تنطلق حشود المتطرفين بقيادة ابن سعود الكبير ليضم القبيلة وأملاكها له، هنا يعترف المرشد الروحي بإسلام القبيلة ويعترف بإسلام أفرادها وبحله ذبائحهم ومأكلهم ومشربهم بعد أن أصبحوا جزءاً من هذا الكيان المتطرف الجامح.
وأصبح من أهم أعمال تلك الدولة تخريج الدعاة الوهابيين الذين يبدأون في إعادة تشكيل عقول الشبان الذين ضموا إلى المعسكرات (الجهادية) التي يقطنها المسلمون (كما أفهموهم) يتدربون على القتال ويتحرقون شوقاً لملاقاة الكفار، وهم كل من هو غيرهم، بل لقد وصل الأمر إلى أن الشيخ محمد بن عبدالوهاب أفتى بأن الهجرة إلى الدرعية-عاصمة الدولة- فرض عين على كل مسلم، وأن الهجرة إليها تماثل هجرة النبي صلى الله عليه واله وسلم، والمسلمين الأوائل من مكة إلى المدينة أو من ديار الكفر إلى ديار الإسلام.
ولا بد أن ننتبه إلى نقطة غاية في الخطورة، فالدولة السعودية اليوم بما تملك من مال ورجال، روجت من خلال آلاف المطبوعات لمقولة أن الدولة السعودية عندما نشأت من خلال تحالف محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب، قامت لتقضي على مجتمع الكفر والوثنية في جزيرة العرب، وقدمت نفسها كحركة إحيائية تعيد للإسلام شبابه ونضارته، وروجت لفكرة أن عرب الجزيرة كانوا قد ارتدوا وعادوا إلى عبادة الأصنام والأوثان والاشجار، وأن السادة السعوديين جاءوا ليعيدوهم إلى الإسلام من جديد. وكل هذا لم يحدث على الإطلاق، فما تروج له السعودية لتبرر حكمها لجزيرة العرب، هو عين ما تروج له الآن جماعات الإسلام السياسي من أجل الوصول إلى حكم مصر، فهم يروجون نفس المقولات، فالمصريون هم عبدة الأوثان وعبدة القبور، والمجتمع المصري مجتمع جاهلي، تماماً كمجتمع السيد محمد بن سعود أثناء تأسيسه الدولة السعودية الأولى في بدايات القرن التاسع عشر.
والواقع أن المجتمع السعودي زمن سعود الكبير كان مجتمعاً مسلماً مغموراً بالإسلام ولا تعبد فيه أوثان ولا أصنام ولكن السادة الوهابيين اعتبروا أن المسلم إذا زار ضريحاً كفر وإذا سمع غناء أو موسيقى كفر وإذا لبس رداءً طويلاً كفر وإذا لم تتنقب المرأة كفرت. وكل المقولات التي نسمعها الآن في مصر هي ما كفر محمد بن الوهاب مجتمع جزيرة العرب على أساسه. كانت مدرسة الأزهر الدينية هي التي تغمر جزيرة العرب والفهم السمح المتحضر للإسلام هو السائد لا اكثر ولا أقل، وجاء سعود الكبير وحليفه محمد بن عبدالوهاب وقضوا على هذا المجتمع السمح(المستنير) وحطموا أركانه وأطفأوا كل مشاعله العقلية والحضارية وأنشأوا دولة يصعب تصور وجودها حتى في حكايات ألف ليلة، دولة تكفر مواطنيها بسبب أسمائهم أو أزيائهم وزيارتهم لقبر أو لسماعهم فاحشة الموسيقى، فقد استطاع محمد بن عبدالوهاب إنشاء منظومة تأثيم وتكفير تصعب على التصديق، فقد تصور لمسألة توحيد الله( عزوجل) مفهوماً غاية في الغرابة، أساله على كل شيء وفرد مظلته.. على كل شيء فتوحيد الله ليس كما يفهمه المسلمون في كل العصور هو الشهادة بوحدانية والإيمان بذلك..كلاً...
فالتوحيد عند عبدالوهاب يشمل أسماء البشر والنباتات-فنبات عباد الشمس مشكلة وهابية...ويشمل التعبيرات التي يتفوه بها اللسان ويشمل الملابس والغناء والموسيقى والعلم والفن بناء على ذلك أصبح هناك شرك الأسماء، وشرك التعبيرات شرك الملابس وشرك الغناء وشرك الدعاء وشرك النذور وشرك زيارة القبور وشرك قص الشعور وشرك الصور وشرك اللوحات الفنية وشرك التماثيل وشرك حلق الحية، فقد غمرت منظومة محمد بن عبدالوهاب التأثيمية كل كيان المسلم وتخللت مسامه ودخلت تحت جلده، وهذه المنظومة الذي أنشأها عبدالوهاب في أواخر القرن الثامن عشر ما زالت تحكم المجتمع السعودي حتى الآن وما زالت هي مصدر الإلهام لكل حركات الإسلام السياسي حتى اليوم.
ولقد أنشأ ابن سعود الكبير شرطته الدينية لتراقب سلوك الناس وتطبق عليهم منظومة عبدالوهاب التأثيمية.
وكان من الطبيعي أن تكون هذه الدولة معادية للعقل ومكفرة لأهله من المتكلمين والفلاسفة، فقد اعتمدت التفسير الظاهري للقرآن والسنة، ورفضت أي حوار بين العقل والنص الديني، كما لو كان النص من خلق الله والعقل من خلق الشيطان.
واستمرت عربدة الدولة السعودية الأولى الثقافية والسياسية وحاولت فرض مشروعها الظلامي على العراق وبلاد الشام حتى كادت قوات الوهابيين تدخل دمشق. وهنا جاء دور مصر للحسم، فتحرك الجيش المصري إلى جزيرة العرب واستطاع دخول الدرعية عاصمة الدولة عام 1818وقضى على المشروع الظلامي الأول لآل سعود.
وكان من الطبيعي أن تحدث تلك المواجهة بين المشروع التنويري المصري زمن محمد علي وبين المشروع الظلامي المضاد للعصر والمواجه والمتحدي للمشروع المصري، فمحمد علي لم يخرج لمنازلة ومواجهة تلك الدولة المتطرفة بناء على أوامر السلطان العثماني- كما بدا الأمر- ولكنه خرج ليواجه الحركة المعوقة لمشروعة  التنويري التحديثي، بل أن علماء الأزهر هم أول من تحمس لتلك الخطوة المصرية، فهم قد أحسوا أن ما يفعله محمد بن عبدالوهاب انقلاب في عقائد المسلمين، وأن مشروع ابن سعود/ عبدالوهاب الظلامي مضاد تماماً لمدرسة الأزهر الدينية، فقد أعلن عبدالوهاب ذلك صراحة بلسانه وسيوف مقاتليه، فكان علماء الأزهر ومشايخه أول من يُذبح في كل مدينة من مدن جزيرة العرب باعتبارهم زعماء الكفر وطواغيت العصر والواقع أن مدرسة الأزهر الدينية كانت وما زالت تمثل الفهم الديني المتحضر والمتوازن والمستنير في ديار المسلمين.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا