ملف الأسبوع

الأجواء الإيمانية لدى المجاهدين.. الصيام والجهاد مقترنان في الكتاب والسنة المحمدية وعلاقتهما وثيقة

الأجواء الإيمانية لدى المجاهدين.. الصيام والجهاد مقترنان في الكتاب والسنة المحمدية وعلاقتهما وثيقة

اقترن الصيامُ بالجهاد في تاريخنا الإسلامي، حتى كأنهما صنوان لا يفترقان، فعلى رأس 7 أشهر من الهجرة النبوية الشريفة فرض الصيام، وعلى رأس 7 أشهر من الهجرة النبوية الشريفة

فرض الجهاد أيضا.. ولقد كان أول رمضان للمسلمين هو أول رمضان يجاهدون فيه، فتطابق الصيام والجهاد حتى في أسلوب فرضهما.
فقال جل شأنه عن الصيام: (كُتب عليكم الصيام). وقال عن الجهاد أيضاً:(كُتب عليكم القتال).
فقد عُقد أول لواء في الإسلام لجهاد أعداء الله في رمضان،وفي رمضان الثاني كانت ملحمة بدر الخالدة، التي وصفها الله بما وصف به كتابه العظيم فقال جل شأنه.(يوم الفرقان يوم التقى الجمعان).
لقد ربطت سورة البقرة بين فريضة الصيام وأمر الله المسلمين بقتال المعتدين ومجاهدة الظالمين، وهنا تجتمع لدى المجاهد الصائم مجاهـدةُ النفس ومجاهدةُ الأعداء؛ فإنِ انتصر تحقَّق له انتصاران: هما الانتصار على هوى النفس، والانتصار على أعداء الله تعالى، فآيات الصيام تبدأ بالآية: (يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ (البقرة:183  إلى آخر الآيات رقم 187، ثم تأتي في السورة الكريمة الآيات 190 فيه تتحدَّث عن الجهاد والقتال، وهي آيات كثيرة تحضُّ على الجهاد، يقول ربنا عز وجل: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ) البقرة:190-193.
فارتباط الجهاد عمومًا بشهر رمضان هو ارتباط بين رفيقين ارتباط تآلف وموافقة لا ارتباط تنافر أو مصادمة، فرمضان صومه لا رياء فيه، وكذلك الجهاد لا رياء فيه، ورمضان صيامه صبر على تحمل المشقة، وكذلك الجهاد صبر على تحمل المشقة، ومن أجل هذا كان الصوم تدريبًا على الجهاد.
التطبيق العملي لهذا الارتباط: هذا أمر واضح في توقيت أبرز الغزوات، وبعض المعارك الحربية في رمضان (فغزوات بدر الكبرى، والخندق، والفتح، وتبوك) وقعت في رمضان في سنوات مختلفة.
فشهر رمضان لم يشرعه الله للقعود والتخلف عن ركب الجهاد والحركة والدعوة إلى الله، ولم يشرعه كذلك للتحجج به عن التفلت من الالتزامات الوظيفية أو الاجتماعية، بل إنه شهر نشاط وحركة، وفتوحات وانتصارات، فغالبية الهزائم التي لحقت بالشرك وأهله على أيدي المسلمين كانت في شهر رمضان المبارك، وهذا كافٍ لأن ينفض عنَّا غبار الكسل والخمول، نعم إن رمضان شهر الصبر، وتقوية الإرادة، وتكامل بناء الشخصية الإسلامية بشقيها الروحي والبدني.
ويأتي علينا شهر رمضان والأمة تئن، لكننا نعتبره شهر الانتصارات على مدار التاريخ،فما بدر وغيرها إلا ذكرى ذلك الحدث العظيم وتلك الملحمة الكبرى، والتي كانت ومازالت وهي معركة الجهاد والنصر والتي نستلهم منها دروس، بل هي صورة مشرفة صادقة للجندي المجاهد المسلم، الذي هتف "الله أكبر" وحافظ على الصلاة والصيام وقراءة القرآن وقيام الليل، فاستطاع أن يدافع عن كرامة أمته، واستطاع أن يثبت وجوده، لقد أقبل الجنود على الجهاد والعبور صادقين لملاقاة أئمة الكفر وأهل الباطل في تلك الغزوات والمعارك، فوهبهم الله النصر على عدوهم، كانت قلوب الصائمين موصولة برب الأرض والسماء، ضارعة إلى خالقها تهتف باسمه -سبحانه-، قد أيقنت أن الله يدافع عن الذين آمنوا، فنصروا الله فنصرهم الله.. وهذا النصر الذي حدث في الماضي القريب البعيد يمكن أن يحدث اليوم وغداً بشرط أن نعود إلى الله، وأن نلتقي تحت راية الإسلام والقرآن والهدي المحمدي، وما ذلك على الله بعزيز {يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُركُم وَيُثَبِّت أَقدَامَكُم}(محمد: 7).
فإذا قلنا أن رمضان شهر الجهاد فهو قول يحمل مصداقه التاريخي دون جدال .
ويأتي رمضان هذا العام والأمة مازالت تنزف في مواطن كثيرة، فهذا جُرح اليمن الغائر والذي دخل عامه السابع , وذاك جُرح سوريا النازف، وجُرح العراق ،وجُرح فلسطين  ... و ما يبرح أن ينزف جرح جديد حتى يلحق به جُرح آخر..
والجميع يعرفون ما تواجهه الشعوب الإسلامية وشعوب المنطقة من مخططات خبيثة ومؤامرات وأخطار تهدد كيانها ووجودها وأمنها واستقرارها، ومستقبلها، بل وتواجه عدواناً وظلماً لم تعد تُخفى على أحد، وتلتقي جميع أطماع المعتدين على هدف واحد، هو القضاء على هذه الأمة ومقدساتها وإسلامها وكرامتها وعزتها وسيادتها وقرارها، وتقف الشعوب أمام هذا الطوفان حائرة مضطربة، لأنه يحال بينها وبين حريتها وحركتها، وأداء الواجبات التي فرضها الله عليها، ومع أن الخطر يتزايد، والصهيونية والإدارة الأمريكية تضرب في كل جزء من فلسطين والمنطقة، بل وينخرون في جسد الأمة، ويدمرون ويستبيحون كل شئ، وما حدث و يحدث في أفغانستان واليمن والعراق وسوريا وليبيا، ويدور  ويجري من قتل ونهب للثروات من قبل أعداء الأمة والمتمثل في العدوان الأمريكي البريطاني السعودي الإماراتي الصهيوني الإماراتي على بلدنا وأمتنا لم يعد يخفى على أحد فلمواجهة هذا الطغيان فقد أصبح من الواجب الجهاد لتحيا الأمة والثبات في مواجهة الأعداء .
فقد جعل االله الجهاد شرفًا لا يطاوله شرف آخر، ومن لم ينل هذا الشرف، ولم يسهم فيه مات على شعبة من النفاق، كما قال -صلَّى الله عليه وآله وسَلَّم:
((من مات ولم يغزُ ولم يحدثْ نفسَه بالغزو مات على شعبة من النفاق)). وارتباط الجهاد عمومًا بشهر رمضان هو ارتباط بين رفيقين، ارتباط تآلف وموافقة لا ارتباط تنافر أو مصادمة، فرمضان صومه لا رياء فيه، وكذلك الجهاد لا رياء فيه، ورمضان صيامه صبر على تحمل المشقة، وكذلك الجهاد صبر على تحمل المشقة، ومن أجل هذا كان الصوم تدريبًا على الجهاد.
فالجهاد في سبيل الله عمل لا يعدله عمل آخر،فقد روي عن رسول الله -صلَّى الله عليه وآله وسَلَّم- عندما سأله رجل: (دلني على عمل يعدل الجهاد، فقال: لا أجد) ثم قال:( هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر وتصوم ولا تفطر؟!!).
إذاً فهذا دليل قطعي على أن العلاقة بين الصيام والجهاد علاقة مترابطة ومتلازمة بحيث فرض الجهاد والصيام في نفس السنة، في نفس الشهر إذاً فالعلاقة علاقة وثيقة بينهما، لأن الصيام يعلّم جهاد النفس، فإذا أجدت جهاد النفس، كنت مؤهلاً لجهاد الأعداء، لهذا لم يكن صدفة أن أعظم الفتوحات والانتصارات، والمعارك الفاصلة "كغزوة بدر، وفتح مكة" ومعظم المعارك الفاصلة كلّها وقعت في رمضان، من كثرة ما يعلو جهاد النفس، تتضاعف القدرة على جهاد الأعداء، فواقع الأمة لن يتغيّر إلّا بأناس صائمين إذا أردت أن تنصر دين الله وتعزه فعليك بصوم رمضان، صوماً حقيقياً.
فبما أن شهر رمضان ما عُرف عنه إلا أنه شهر الإيمان والتقوى وتلاوة القرآن والإحسان، فإنه في نفس الوقت شهر الجهاد، شهر التعبد، شهر التحلي بالصبر والعزيمة والإيمان، نعم الإيمان والذي يمد صاحبه بقوة تجعله يقتلع الجبال من مكانها ويخوض البحار وعبابها .
اعلموا أيها المقاتلون المجاهدون بأن الجهاد عبادة، وأي عبادة!! إنه من أرقى أنواع العبادات في الإسلام، ومِنْ أعلاها منزلةً ومكانةً..
فمن الناس من يظن أن العبادة هي الصلاة والصوم والزكاة والحج، ولا ينظرون إلى العبادة بمفهومها الشامل الواسع الذي يضم كل صغيرة وكبيرة في الحياة..
يقول الله جل شأنه: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الأنعام: 162].
فشهر رمضان هو شهر الجد والعمل، وشهر العزة والنصر والتمكين،فجلَّ انتصارات المسلمين كانت في رمضان، بل أن قواعد بناء الأمة واستجلاب النصر كان في رمضان من خلال التشريعات في ملحمة وغزوة بدر،فقد ربط هذه التشريعات والتوجيهات بواقع المجاهدين اليوم من التعلق بالله والثقة بالله والتوكل على الله وموالاة أولياء الله،فالواجب على المجاهدين الانضباط والمداومة في مواقعهم والإعداد للمعركة، وترك التنازع، وغيرها.
فلتعلموا أيها المقاتلون المجاهدون أن الصبر والثبات والعمل بروحية الإيمان والجهاد والعمل بروح الفريق الواحد هي بمثابة قواعد وأسس وأصول وُضِعَتْ في غزوة بدر.
وقاعدة وحدة الصف وضعت أيضاً في بدر قال جل شأنه: (وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الأنفال: 46).
فلا تتنازعوا  فتفشلوا، فدماء الشهداء تستنهض هممكم، لا تنازعوا فهناك الأسرى تنادي ضمائركم، لا تنازعوا فهناك الأرامل والثكالى تنتظر شفاء صدورها من عدوكم على أيديكم، لا تنازعوا فهناك المهجرين تلهج ألسنتهم بالدعاء ينتظرون ساعة عُرس نصركم، لا تنازعوا فالأمة كلها ترمق ساعة ظفركم، إنه نداء الله الخالد إلى قيام الساعة :
(وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ ريحُكُمْ)
(وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ )( الأنفال: 46).   
فقاعدة الصبر وضعت في بدر وهي إلى قيام الساعة، اصبروا أيها المجاهدون، واصبروا أيها الشعب اليمني المجاهد وحنانيكم على مجاهديكم، لا تستعجلوا النتائج، فالنصر حليفكم بإذن الله وبعونه وتأييده، وآسوا مجاهديكم وادعوا لهم وأعينوهم وقدموا العون لهم بقدر ما تستطيعون، (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ..) (التوبة 91).
وبهذا نعلم مدى أهمية وارتباط شهر الصيام بالجهاد في سبيل الله، كيف لا ورمضان  جهاد للنفس والروح والبدن، والجهاد في سبيل الله أيضا جهاد للنفس والروح والبدن والمال، فإذا ارتبطا ببعض كان ذلك أقوى للمؤمن وأكثر رفعةً لمعنوياته وأشد تثبيتا سيما أن الوجهة واحدة وهي ابتغاء رضوان الله سبحانه وإعلاء كلمته.
ومن هنا ارتبط الصيام بالجهاد، فكلاهما حرب ومقاومة للنفس والعدو، فالصوم تدريب على الجهاد، ولذلك نجد أن المسلمين في شهر رمضان، كانت لهم أقوى المواقف الحاسمة في تاريخ المواجهة بينهم وبين أعدائهم، وكان الفوز والغلبة حليفهم في مثل هذه الأيام المباركة، ففيه كان الفتح الأعظم لمكة المكرمة، وإزالة معاقل الشرك والوثنية، وتطهير الكعبة من دنسها، وإعلان كلمة الله سبحانه.
اعلموا أيها المجاهدون المرابطون أن من السنن الإلهية أن المجاهدين المخلصين  في كل زمان ومكان قادرون - بتوفيق من الله سبحانه (على صنع النصر من رماد الهزيمة)، وزرع حدائق العلم والنور في ظلمات الجهل، إذا أخلصوا لله والتزموا بتوجيهاته، وإذا وجدوا مَن يُحسن قيادتهم، ويضرب لهم المثل والقدوة، ويتميز بالتضحية والشجاعة والإخلاص لله سبحانه، ويُغلّب همَّ إعلاء كلمة دين الله على مصالحه الشخصية البالية الفانية، لكن إذا هانوا واستكانوا كانوا قصعة مستباحة لكل الأدعياء قبل الأعداء، واللهَ نسأل أن يردَّ هذه الأمة إلى دينها ردًّا جميلاً، إنه وليُّ ذلك والقادرُ عليه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله الطاهرين(وشهر مبارك)..

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا