أخبار وتقارير

3 وثائق بريطانية ... تحث على احتلال تعز والحديدة (2)

3 وثائق بريطانية ... تحث على احتلال تعز والحديدة (2)

مع انتهاء الحرب العالمية الأولى وهزيمة الدولة العثمانية , قام البريطانيون مباشرة بتنفيذ تلك التوصيات والمقترحات التي حث بها ضباط بريطانيون في عدن من خلال تقاريرهم ومازالت تلك المقترحات تعود اليوم بعدوان 26مارس 2015م بعد فشلها سابقا .

فالبداية لتلك التوصيات كان في احتلال الحديدة وضربها بمدافع الاسطول البريطاني ومحاولة أقامه مستعمرة ساحلية تصلهم برا بمستعمرتهم في عدن و تفصلها كدولة ساحلية . ومن تلك الوثائق وثيقة ( الكولونيل ووهوب ) ضابط المخابرات السياسي والعسكري في عدن , والتي كانت احدى المذكرتين التي أرفقها ( البريجادير جنرال والتون ) القائد العام للقوات البريطانية في عدن إلى سكرتير حكومة الهند البريطانية في 13 مايو 1916م ,.

علي الشراعي
تقسيم اليمن
اشار ( الكولونيل ووهوب ) إن العثمانيين عندما عادوا إلى اليمن في سنة 1872م , توغلوا في الأراضي اليمنية المتاخمة لعدن . وقد تقدموا من قعطبة ثم قاموا بخلع أمير الضالع . وعلى الرغم من احتجاجات السلطات البريطانية في لندن وعدن فأن العثمانيين اندفعوا حتى وصلوا إلى لحج غير أنهم خرجوا منها بعد أن واجهوا ضغطا سياسيا شديدا .وقد اعترف الباب العالي بوجود بعض القبائل ضمن النفوذ البريطاني في عدن , غير أن العثمانيين استمروا في بذل جهودهم التوسعية والعدوانية ضد القبائل اليمنية المجاورة لعدن حتى اضطرت السلطات البريطانية هناك إلى طرد القوة العثمانية التي سيطرت على منطقة ( الدارجة ) في بلاد الحوشبى في سنة 1901م . وقد تشكلت لجنة لتحديد الحدود بمعرفة الحكومتين البريطانية والعثمانية اتفقت على أن يكون الخط الممتد من ( الشيخ سعيد ) في الطرف الجنوبي الغربي من اليمن إلى نقطة في الشمال الشرقي بالقرب من قعطبة على أن يسير الخط من ورائها متجها صوب الصحراء , بحيث يمنع دخول العثمانيين إلى بيحان ووادي حضرموت . و أن الحدود التي وضعتها اللجنة واتفق البريطانيون مع العثمانيين بشأنها قد تم اكتسابها في وقت لم يكن فيه أي حق معترف به لتركيا ( الدولة العثمانية ) أو للإمام يحيى في الأراضي المجاورة لعدن . و بأن إمام صنعاء قد يطالب بحقوق لم يطالب بها أسلافه منذ ثمانين عاما – وفي هذه مغالطة للحقيقة التاريخية فحكومة صنعاء لم تعترف بمعاهدة الحدود البريطانية – العثمانية الموقعة عام 1914م , معتبره ان البريطانيين والعثمانيين محتلين لليمن ولا شرعية لهما بتقسيم اليمن فيما بينهما ولن تعترف بأي معاهدة وقعت بينهما - .

احتلال ماوية
اكد ووهوب أنه من الضروري قيام البريطانيين بمساعدة القبائل المسيطرة على مداخل عدن , بل أنه كان من المستحيل حينذاك النظر إلى عدن كمركز منعزل دون توجيه أي اهتمام إلى المناطق الداخلية التي كانت تتم عبر طريقها الاتصالات التجارية . و أن تلك الحدود التي وضعتها لجنة الحدود لا يمكن أن تعتبر مرضية للجانب البريطاني , لأنها تتجاهل الاعتبارات العسكرية تجاهلا تاما , فهي تحرم البريطانيين من السيطرة على المرتفعات التي تسيطر على الحدود , كما تحرمهم أيضا من امتلاك الأراضي الخصبة المرتفعة في الوقت الذي تترك لهم فيه سفوح التلال القاحلة والأراضي الصحراوية .
وقد رأى أن استيلاء البريطانيين على ( ماوية ) بالأراضي المرتفعة شمالا كان من شأنه أن يغير الموقف كلية لصالحهم . إذ يمكنهم ذلك من اقامة مراكز أمامية حصينة في جو صحى بحيث يمكن تغطية كل المنافذ المؤدية إلى عدن من الناحية الشمالية الشرقية . وضرورة ان تعسكر قوات بريطانية بالقرب من تلك المنطقة . و اشار إن وجود أي حامية في الضالع لن يكون لها تأثير على مركز البريطانيين بل سيتم عزلها إذا زحف العثمانيون نحوها , نظرا لأن العثمانيين قد زحفوا إلى أبعد مدى ممكن لهم في جنوب اليمن حتى لحج واستولوا عليها في 15 يوليو 1915م , مع بداية الحرب العالمية الأولى (1914- 1918م ) .
فجغرافيا ماوية مديرية واسعة شرقي مدينة تعز تتصل من شمالها بمنطقة الحشا وذي سفال والجند , ومن شرقها ببلاد قعطبة والضالع , ومن جنوبها ببلاد مديرية لحج . وبلاد ماوية منطقة جبلية بها الكثير من الوديان الغنية بالزروع خاصة البن . وتسيل مياه بلاد ماوية جميعها في وادي لحج بعد أن تمر من وادي تبن ووادي ورزان وغيرهما .

منطقة حاجزة
و في تلك الوثيقة أشار الكولونيل ووهوب أن الأتراك إذا كانوا سيبقون في اليمن بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى فأن ذلك يستوجب الاحتفاظ بمنطقة حاجزة بينهم وبين البريطانيين في جنوب اليمن . وأن هذا يستلزم في تلك الحالة وضع خط جديد للحدود يرضى عنه البريطانيون ويضمن بسط نفوذهم على المرتفعات المحيطة بعدن ويكفل لهم السيطرة على المنافذ والممرات الموصلة بين عدن وبين تلك المرتفعات . أما إذا خرج الاتراك من اليمن فأن مشكلة أكبر سوف تثور ذلك لأن الحكومة البريطانية لم تكن تفكر في احتلال جميع مناطق اليمن بما يورطها في تحمل مسؤولية حماية تلك المناطق . و بأن الجزء الأكبر من تلك المناطق سيظل مستقلا أو تحت حكم اليمنيين . لذا يمكن للبريطانيين ممارسة الرقابة على موانئ تلك السواحل وذلك للعمل على تنمية صادراتها - ميناء المخا و الحديدة واللحية - .

عمليات عسكرية
وخلال الحرب العالمية الأولى (1914- 1918م) بدأوا بترجمة تلك المقترحات والتوصيات من خلال عمليات عسكرية متعددة فبذريعة وجود اسرى هنود وبريطانيين لدي العثمانيين في الحديدة وصلت في 29 يونيو 1917م سفينتين قبالة الحديدة وانزال 300 جندي بريطاني إلى الشاطئ مع قصف مدفعي من تلك السفينتين ( العمليات البحرية ضد اليمن ) ولكن سرعان ما انسحبوا بسبب المقاومة , والخوف من فقدان المزيد من الجنود بعد جرح جنديان ,بالإضافة إلى ذلك كانت الحديدة تحت قبضة قوية ومن اجل دخول المدينة فقد كان هذا سوف ينطوي على حرب الشوارع في تيه من الأزقة والحوارى الضيقة . ولمساندة الادريسي في احتلال ميناء اللحية واسكات المدافع الساحلية للعثمانيين فقد قام الطيران البريطاني وبوارجه و سفنه الحربية بضرب اللحية والصليف والزهرة والخوخة وكل المناطق على الشريط الساحلي .
وعندما قام القائد البريطاني ( الجنرال اللنبى ) بزحفه على العثمانيين في فلسطين في نهاية عام 1917م , فقد أصبحت مهمة الاسطول البريطاني في البحر الأحمر أن يقوم بمحاصرة السواحل اليمنية التي يسيطر عليها الاتراك وقصف الموانئ التابعة لهم كجزء من الخطة الحربية للهجوم العام لحملة اللنبى على فلسطين لذلك قام الاسطول البريطاني بضرب الموانئ اليمنية التي يسيطر عليها الترك كالحديدة والمخا والصليف واللحية . وفي 21 فبراير 1918م وصلت إلى اللحية حاملة الطائرات البحرية البريطانية ( سيتى أوف اكسفورد ) وقامت الطائرات البحرية برحلات استطلاعية في المنطقة المجاورة لجبل قودمية والزهرة بحثا عن المواقع التركية . وفي الثاني والعشرين من فبراير أظهرت الرحلات أن القوات التركية تقبض بقوة على جبل قدمية .

دولة ساحلية
وأشارت الوثيقة أنه يمكن أن يؤخذ في الاعتبار قيام البريطانيين باحتلال الحديدة أو أحد الموانئ اليمينة المطلة على البحر الأحمر فالحقيقة أن الحديدة تعتبر المنفذ الطبيعي لمناطق زراعة البن اليمني في حراز وريمة كما انها منفذا طبيعيا لمدن تهامة الأخرى . كما أن هناك دول أوروبية أخرى تظهر اهتماما بميناء الحديدة . بل أن الترك فكروا في مشروع أقامه خط للسكك الحديدية يربط الحديدة بصنعاء . لذلك فعلى البريطانيين إلا يتجاهلوا مسؤولياتهم في تلك المناطق - تعز والحديدة - حماية لوجودهم في عدن والبحر الأحمر على السواء .
ومع انتهاء الحرب العالمية الأولى وهزيمة الدولة العثمانية بدأ تنفيذ تلك التوصيات والمقترحات التي اوصى بها ضباط بريطانيون في عدن بداية الحرب فمع توقيع هدنة موندروس المنعقدة في 30 أكتوبر 1918م , والتي كانت اعلان لنصر الحلفاء على المانيا والدولة العثمانية والتسليم بدون قيد او شرط . ففي الوقت الذي سلم فيه القائد العثماني في اليمن علي سعيد باشا قواته للمقيم السياسي البريطاني في عدن كانت الحديدة هدفا لمدافع الاسطول البريطاني في ديسمبر 1918م , وكانوا يرمون من ضربهم للحديدة واحتلالها وضع أقدامهم في اليمن لمواجهة حكومة صنعاء آنذاك . حيث كانت بريطانيا تعلم أن ميناء الحديدة بالنسبة لصنعاء ذات أهمية بالغة لأنها المنفذ الطبيعي لصنعاء ووسط اليمن .وأهم من ذلك كانوا يهدفون من احتلالهم للحديدة الوقوف في وجه توسع حكومة صنعاء حتى لا تشكل خطرا على مصالحهم في اليمن . وكانوا يهدفون ايضا إلى اتخاذ الحديدة نقطة البدء في الانطلاق لتأسيس مستعمرة جديدة تتصل برا بمستعمرتهم في عدن . وتمهيدا لبلوغ تلك الغاية فأنهم ضربوا نطاقا من الاسلاك الشائكة حول مدينة الحديدة وأخذوا في استمالة شيوخ القبائل المجاورة .

خطوط استراتيجية
ويوضح ووهوب في تقريره أن تنفيذ تلك السياسة يحتاج إلى قوة فعالة تتمكن من أن تمسك بزمام المبادرة عقب جلاء الترك عن اليمن . حتى لا تعم الفوضى البلاد.- كانه استشرف هزيمة العثمانيين في الحرب العالمية الأولى لذلك وضع الخطوط العريضة للاستراتيجية البريطانية لما بعد الحرب بضرورة احتلال اهم المناطق في تعز والسواحل بالذات منطقة الشيخ سعيد والمخا وميناء الحديدة حتى اللحية , وان كانت تلك السياسية الاستعمارية قد بدأت بالتنفيذ مباشرة بعد انتهاء الحرب وهزيمة العثمانيين باحتلال ميناء الحديدة لكنها فشلت بعد سنوات بعد استعاده صنعاء عسكريا لميناء الحديدة عام 1925م , لكنها ظلت قائمة في الدوائر الاستعمارية وما عدوان 2015م على اليمن الا امتدادا لتلك المشاريع الاستعمارية المنبثقة من هذه الوثائق .
وقد أوصى الكولونيل ووهوب في ختام تقريره حكومته بعمل الترتيبات الضرورية من الناحيتين السياسية والعسكرية لضمان تنفيذ تلك السياسة في اللحظة المناسبة . وبضرورة تشكيل حامية دائمة خاصة تابعة لعدن وذلك بعد توافر الأماكن الصحية التي تتميز بجوها المعتدل لتعسكر فيها قوات الحامية البريطانية . واكد أنه لا يحبذ استخدام القوات الهندية في الجزيرة العربية ومنها اليمن بل أنه يفضل تجنيد العرب المحليين - يقصد بهم اليمنيين - الذي توقع تعاونهم واخلاصهم طالما كانوا مقتنعين بأن المحمية أصبحت حقيقة دائمة وباقية – وهذا ما يؤكد على استمرارية تلك التوصيات اليوم لخدمة مشاريع استعمارية في اليمن فشلت بالماضي من خلال انشاء فصائل وميليشيات متعددة وخلق كيانات مجزئه وهزيلة وضعيفة تخدم إحياء اطماعهم وسياستهم ومشاريعهم الاستعمارية القديمة .

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا