أخبار وتقارير

فصل المناطق الشرقية حضرموت- المهرة- سقطرى (10)

فصل المناطق الشرقية حضرموت- المهرة- سقطرى (10)

 المساعي السعودية التي ظهرت منذ مطلع القرن العشرين بفصل المناطق الشرقية من اليمن وضمها إليها بمساندة ودعم بريطاني تتجدد اليوم من خلال ما تشهده المناطق الشرقية الغنية بالنفط من سعي حثيث للاستحواذ عليها..

وفي الفصل السادس من كتاب (تقسيم اليمن بصمات بريطانية) تناول الباحث عبدالله بن عامر قضايا تاريخية هامة عن تحركات المستشار البريطاني فليبي وكيف عمل على استقطاب ابناء القبائل بالأموال والهدايا في المناطق الشرقية طالبا منهم رفع السعودي في حضرموت.. فيما يلي نص الموضوع وفق أورده الباحث:

ضم حضرموت للسعودية:
رأى الملك عبدالعزيز أن وصوله الى السواحل الجنوبية للجزيرة العربية لا بد أن يكون عن طريق منطقة حضرموت اليمنية وذلك بضمها الى مملكته الواسعة مستفيداً من الإجراءات البريطانية القاضية بمحاربة الإمام يحيى وحصر مناطقه في شمال اليمن وكانت تلك الإجراءات تضمن عدم بلوغ الإمام يحيى بن حميد الدين الى شبوة او حضرموت وتحقيق ذلك كان من خلال دعم السلطنات والمشيخات الجنوبية لتكون حائط صد أمام تقدم أية قوات من الشمال اليمني نحو البحر العربي.
وفي العام 1915م كان العثمانيون قد اعتبروا حضرموت جزءاً من أراضيهم لاسيما بعد اندلاع الحرب بين البريطانيين والعثمانيين، واحتوت وثائق البريطانيين وتقاريرهم من عدن 1916م على توصيات مفادها عدم السماح للإمام بالوصول الى البحر العربي خاصة بعد أن كانت المعلومات لديهم تفيد بتجهيز 4آلاف مقاتل من القبائل وبدعم تركي للتقدم من مارب الى شبوة وحضرموت. قبل ذلك كان العثمانيون قد وقعوا اتفاقية ترسيم الحدود بينهم والبريطانيين في اليمن 1914م والتي جعلت حضرموت جزءاً من المناطق البريطانية إلا ان اندلاع الحرب العالمية الأولى أدى الى التصادم العسكري بين الجانبين في اليمن ،وكان الإصرار البريطاني على اعتبار حضرموت جزءاً من المحميات التابعة لها نتيجة الشكوك لدى القيادة البريطانية بأن حضرموت منطقة نفطية إضافة إلى شبوة وكان ذلك معروفاً لدى الإمام يحيى لا سيما بعد أن حاولت شركات بريطانية التنقيب عن النفط هناك..  
كانت بريطانيا تراقب حركة الزعماء المحليين الذين تعهدوا بالتحرك ضد العثمانيين وتقيم عملياتهم وعلى ضوء ذلك تحدد نوعية ومستوى الدعم الذي سيقدم لهم في المرة القادمة، وقد سجلت أول محاولة للأتراك للوصول الى البحر العربي في 1850م، وفي العام 1933م درست القيادة البريطانية مقترحاً يقضي بضم حضرموت الى عمان والاعتراف بما يسمى إقليم ظفار وعمان بعد ضم حضرموت اليه إلا ان هذا المقترح لم ينفذ نظراً لعدم واقعيته فاتجهت بريطانيا نحو الإبقاء على وضع حضرموت على ما هو عليه ضمن المحميات مع ضمان عدم وصول اليمن المستقل حينها الى هذه المنطقة النفطية الواعدة، وقد تطلع ابن سعود المدعوم من بريطانيا الى مد نفوذه الى حضرموت وبالتالي الى البحر العربي وسارع الى تنفيذ ذلك فور توقف الحرب اليمنية السعودية وتوقيع اتفاقية الطائف 1934م حيث اعتبر عبدالعزيز بن سعود ان الإمام يحيى لا يمكن ان يقف ضد أية محاولة سعودية توسعية نحو شبوة وحضرموت ،أما البريطانيون فبالتأكيد لن يبخلوا عليه بإضافة هذا الجزء المهم من الجزيرة العربية الى مملكته الواسعة والتي توسعت وتمددت في كل اتجاه برعاية بريطانية، ويؤكد فيلبي أن الملك عبدالعزيز استدعاه بعد اتفاقية الطائف وقال سوف تذهب الى نجران وهناك الحدود الجديدة التي سوف يتم ترسيمها بالخرائط..
وراح الملك عبدالعزيز يتطلع أكثر إلى تغيير معالم الحدود المرسومة وفق الخطين الأزرق والبنفسجي حتى يمنح لنفسه أراضي إضافية على حساب اليمن وعمان وابوظبي وقطر وكانت أفكار ضم حضرموت تعود إلى فيلبي البريطاني الجنسية الذي عمل مستشاراً للملك عبدالعزيز منذ الحرب العالمية الأولى ووصل الى الرياض خلفاً للمستشار السابق شكسبير بتكليف من الاستخبارات البريطانية وعلى ما يبدو أن بريطانيا وقتها رأت أن تقرأ تداعيات نتائج زيارة فيلبي لحضرموت وقياس رأي الأهالي عما إذا كانوا بالفعل راغبين في الانضمام للسعودية أم لا وعلى ضوء ذلك يمكن ان تقرر الإدارة البريطانية التي كانت تخشى أولاً من رفض الأهالي وكذلك رفض الإمام يحيى وهو ما قد يؤدي الى ثورة ضد الوجود البريطاني جنوب اليمن بشكل عام.

التحركات:
حصل فيلبي على تصريح من الملك في استكشاف الربع الخالي وصولاً إلى حضرموت وقال: إن أي ارض تكتشفها هناك هي تابعة للملك ولهذا سارع إلى تنفيذ مخططه لصالح الملك السعودي فوصل الى حضرموت في 1936م معززاً بحراسة سعودية.
ساعد فيلبي في مهمته في المناطق الشرقية لليمن أن اتفاقية الطائف لم تشمل تلك المناطق وظل الحد الشرقي غير محدد بين الجانبين نظراً لوجود الاستعمار البريطاني في عدن والمحميات وقد اتخذ فيلبي انشاء طرق تربط حضرموت بمكة ذريعة من أجل كسب أبناء تلك المناطق ودغدغة مشاعرهم الدينية ورغبتهم الجامحة في تسهيل الحج والوصول إلى مكة وتحدث فيلبي عن علاقات سعودية قديمة بحضرموت تعود الى زمن الملك فيصل بن تركي وذكر أسماء قادة وهابيين أمثال ناصي وعلي باقملا وتأييدهما للدولة السعودية الأولى وكان هؤلاء من المؤيدين للدعوة الوهابية في عهد الدولة السعودية الأولى وتشير التقارير البريطانية ان فيلبي مارس الدعاية السياسية لصالح الحكومة السعودية وان الكثير من رجال القبائل شمال حضرموت أصبحوا مرتبطين بالسعودية حيث كان فيلبي يدعو صراحة أبناء تلك المناطق للانضمام للسعودية ورفع العلم السعودي في مناطقهم، وبدأ بالفعل في استقطاب المشايخ وتوجيه الدعوات لهم لزيارة الرياض منهم شيخ الصيعر علي قنيبر وكانت الخطة لضم حضرموت تتطلب دفع المشايخ في حضرموت الى التقدم برسائل للملك عبدالعزيز يطلبون فيها حمايته وارسال قوات من طرفه لبسط الامن والاستقرار في مناطقهم وبهذا تكون حضرموت قد دخلت طواعية ضمن الحكم السعودي غير أن أبناء حضرموت لم يتفاعلوا مع تلك الدعوات، وتشير برقية بريطانية من الحديدة أن فيلبي زار حضرموت بمعية شخص يدعى عبدالله السليمان وهو وزير المالية السعودي والذي وصل الى تلك المنطقة محملاً بالأموال والهدايا لتوزيعها على رؤساء القبائل الحضرمية، وفي لقاءات فيلبي كان يحث الناس على ضرورة الارتباط بابن سعود وإرسال مندوبين عنهم إلى الرياض  كما فعل ذلك اثناء لقاءاته في سيئون وتريم حيث كانت حضرموت وقتها تنقسم الى سلطنة الكثيري في سيئون وتريم، وسلطنة القعيطي في المكلا والشحر، وعن أهمية حضرموت في تلك الفترة باعتبارها منطقة مرشحة لأن تكون ضمن المناطق النفطية على مستوى العالم يقول فيلبي في كشفه تفاصيل المباحثات السعودية مع كل من أمريكا وبريطانيا بشأن امتيازات النفط، أن إيران والعراق وقطر والبحرين والسعودية والكويت ومصر هي الوحدات المنتجة للنفط فيما ستكون الدول التي سترسم ضمن محور النفط هي السودان والحبشة والصومال وحضرموت وعمان وفي جميعها وجدت مؤشرات النفط.

احتجاج صنعاء ورفض الأهالي:
الى جانب رفض الأهالي كان هناك عائق أكبر بالنسبة للبريطانيين والسعوديين على حد سواء وهو موقف الإمام يحيى الذي سارع الى الاعتراض فور وصول المعلومات اليه التي تتحدث عن زيارة فيلبي الى حضرموت ونجران ومارب وشبوة وأكد في 21أكتوبر 1936م ان تلك الزيارة سببت عدم ارتياح في سائر اليمن وأشار الى ان فيلبي زعم أنه ممثل الحكومة البريطانية وحاول نشر دعاية تؤكد ان مارب والجوف تحت حماية الملك السعودي ولم يكتف الإمام بذلك، بل سارع الى بعث الرسائل الى الملكة البريطانية والى الملك السعودي وفيها تفاصيل كاملة عن اهداف وأسباب رحلة فيلبي من ضمنها معلومات وصلت الى الامام تفيد بأن فيلبي كان يحرض الناس على ان يكونوا تابعين للسعودية وقد رافقه في تلك الرحلة 25 سعودياً وسرعان ما رد الملك عبدالعزيز على الامام يحيى مؤكداً ان فيلبي ومرافقيه ليسوا الا مسافرين الامر الذي دفع الإمام الى التهدئة بعد أن كان يحمل البريطانيين وابن سعود المسؤولية عما يجري بعد رحلة فيلبي بعامين فقط تقدمت القوات اليمنية الى شبوة وحررتها الامر الذي دفع بريطانيا الى إنذار الإمام يحيى إلا انه لم يستجب فنشبت المواجهات العسكرية بين الجانبين حتى انسحبت القوات اليمنية في نوفمبر 1938م غير أن الامام لم يقبل بالأمر الواقع فقد احتج على الاحتلال البريطاني لشبوة ما دفع الجانب البريطاني الى وعد الإمام يحيى بالتوصل الى تسوية ولعل اكتشاف النفط بكميات كبيرة في ثمود بيحان وراء تفاقم الخلاف حول شبوة غير أن منطقة شبوة ظلت محل صراع فقد كانت بريطانيا تدعم اتباعها بالسلاح وبدورهم كانوا يدعمون قبائل في مارب للوقوف ضد الإمام أحمد الذي سبق وان ارسل حملة عسكرية تمكنت من الاستيلاء على السلاح المقدم من البريطانيين..  

الموقف البريطاني:
لم يكن ليتحرك المستشار فيلبي وهو ضابط في الاستخبارات البريطانية ومعروف لدى القيادة البريطانية دون أن يكون ذلك التحرك بضوء أخضر من بريطانيا غير أن تعدد الجهات المتخصصة في شؤون المنطقة لدى البريطانيين دفع القيادة في عدن إلى الإشارة الى عدم رغبتها في تسليم أي منطقة لأي حكومة أجنبية وما عزز هذا الموقف هو رفض الأهالي الاستجابة لفيلبي وإضافة الى ذلك فإن أحد أسباب تغير الموقف البريطاني من الصمت وانتظار النتائج الى التحفظ ومن ثم الاعتراض هو موقف الإمام يحيى الذي اتهم بريطانيا والسعودية بالتفاهم حول تقرير مصير مستقبل حضرموت ،وعلى ما يبدو ان المقيم السياسي البريطاني شعر بأن تحركات فيلبي لا تخدم السياسة البريطانية فطلب منه مغادرة حضرموت وسحب مجموعته المسلحة السعودية..
وهناك من يؤكد أن السياسة البريطانية تغيرت بعد ذلك خاصة بعد أن أصبحت السعودية ضمن النفوذ الأمريكي أرادت أن تبقي على جنوب اليمن كإمارات صغيرة تحت السيطرة البريطانية ولعل السبب الرئيسي في إفشال مشروع ضم حضرموت الى السعودية موقف الإمام يحيى فقد ظن البعض أنه قد يتغاضى عن تلك التحركات نظراً لتوقف حرب 1934م مع الجانب السعودي وتوقيع اتفاقية الطائف ولعل الخطورة لدى القيادة البريطانية تكمن في إتحاد الموقف بين أهالي حضرموت وبين الإمام يحيى مما قد يهيئ الظروف لإشعال ثورة قد تكون نتائجها انضمام حضرموت الى صنعاء او اليمن المستقل بتلك الفترة.

موقف أبناء حضرموت:
تحدث فيلبي عن رحلته الى حضرموت وأكد انه كان يضرب مثلاً بالأمن الذي حققه ابن سعود في نجران بعد ضمها اليه وان اليمن يعيش حالة من الفوضى ويضيف: اليمنيون ليست لديهم رغبة في ان يتسلط عليهم الأجانب فالاختراق الأجنبي بالنسبة لهم مرادف للاستغلال والاجنبي يأتي ليتجسس على ارضهم لصالح من بالخارج ولضمها ان كانت جديرة باهتمامه وكنت انا في نظرهم سوى رسول من ابن سعود ليعرض عليهم الامن والسلام ولا يوجد غيره يستطيع ان يحققه لهم..
حديث فيلبي عن الشخصية اليمنية ورفضها للأجنبي يؤكده ما أشار اليه من تفاصيل بشأن لقائه بمشايخ ورؤساء مدينة المكلا منهم قاضي المدينة محمد باجنيد الذي ابدى انزعاجه من دعوة فيلبي لضم حضرموت الى السعودية وأكد أن حضرموت جزء من اليمن وعلى ما يبدو ان فيلبي كان متوقعاً أن يسمع بمثل هذا الكلام ولهذا كان مستعداً للرد بالقول ان حضرموت ليست جزءا من اليمن واذا قبلنا بذلك فذلك يعني ان فلسطين يهودية واسبانيا عربية وكان من خلال هذا الكلام يحاول الإشارة الى ان اليمن دولة وحضرموت دولة أخرى فيعمل على اثارة نزعة الاستقلال من خلال التركيز على وجود هوية حضرمية، وحاول فيلبي في رحلته توظيف أية قضية لصالح التدخل السعودي في تلك المناطق فلم ينس الإشارة الى انه لاحظ وجود اسم عبدالعزيز لدى عائلة من الاشراف في مارب ولاحظ كذلك انتشار اسم فيصل وكأن ذلك دليل على العلاقة بين أبناء تلك المناطق والدول السعودية الأولى والثانية والثالثة، وبشأن حضرموت اتجهت بريطانيا نحو الاهتمام بها أكثر وشهدت الأعوام السابقة والتالية لرحلة فيلبي تحركات بريطانية بهدف اخضاع القبائل الحضرمية وإعادة تقسيمها إضافة الى النشاط المتعلق بدراسة المجتمع الحضرمي بما في ذلك المهاجرون في السعودية والذي كان قد بلغ عددهم وقتها خمسة آلاف معظمهم كانوا يعملون في التجارة وكان لذلك النشاط أهمية كبيرة في بناء الاقتصاد السعودي..

العبر:
كان فيلبي قد مر على منطقة العبر وعرف أهميتها الاستراتيجية وحينها تفجر الموقف بين اليمن بقيادة الإمام يحيى والبريطانيين في عدن والسعوديين كذلك حول تبعية تلك المنطقة فالبريطانيون كانوا اكثر إصراراً على عدم التخلي عن العبر لأسباب على رأسها انها منطقة بترولية إضافة الى ان لها ميزة استراتيجية كمدخل لحضرموت فمنها يمكن للإمام يحيى الوصول بقواته بسهولة الى حضرموت اذا كان يسيطر على العبر وذلك دفع البريطانيين الى استحداث ما عرف بخط الفوليت وعن موقف الإمام يحيى فإن ولينكسون وثق ذلك بالقول أن الإمام في 1935- 1936م- وهي مرحلة النزاع على العبر- لم يكن خائفاً من ان يواجه القوة بالقوة فقد سبق وان قاوم محاولات احتلال العبر وشبوة من قبل البريطانيين وكان يرفض بشدة الاعتراف بأي حدود وأصر على الحقوق التاريخية والطبيعية لليمن وفي خمسينيات القرن الماضي بدأ الجانب السعودي يتطلع في الزحف الهادئ نحو مناطق الشرورة والوديعة وصولاً الى العبر وكانت القبائل اليمنية ترصد بعض تلك التحركات منها ما تحدث به الشيخ سنان ابو لحوم مؤكداً أن بعض البدو بحثوا عن إبل ضالة لهم وتفاجأوا بوجود خيام في منطقة الرملة والشرورة الامر الذي دفع قبائل الجدعان وآل هضبان الى ابلاغ ولي العهد في تلك الفترة البدر بن الامام احمد وعلى ما يبدو ان تلك الخيام كانت تابعة لشركة أرامكو التي أصبحت بتلك الفترة عملاقاً نفطياً عالمياً وكان لها قوات أمنية خاصة وكان التوسع السعودي بتلك المرحلة يجري عبرها.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا