أخبار وتقارير

إعصار اليمن قلب معادلة توازنات القوة في المنطقة رأسا على عقب

إعصار اليمن قلب معادلة توازنات القوة في المنطقة رأسا على عقب

عملية إعصار اليمن قلبت معادلات التوازنات في المنطقة  رأسا على عقب بعد هجمات الردع الاستراتيجي على العمقين السعودي - الإماراتي الذي  شكل تحولا في مسار الأحداث

ردا على غطرسة العدوان في التوحش والقتل وجرائم الإبادات الجماعية بحق أبناء اليمن ضمن استراتيجية الأرض المحروقة، جاء هذا الرد بعد التصعيد الميداني في شبوة التي رمت الإمارات بثقلها العسكري فيه سواء عبر ميليشياتها السلفية، أو سلاحها الجوي بغية تحقيق نصر عسكري على الأرض، وتزامن ذلك مع ضغوط سياسية عبر مجلس الأمن وجامعة الدول العربية أدانت الضحية، وطالبت بإعادة تصنيف أنصار الله في لائحة الإرهاب. لم يكن الأمريكان بعيدين عن هذا التصعيد، وبحسب المعلومات كان حاضراً كمخطط وداعم أساسي لوجستيا واستخباريا وعسكريا وسياسيا لفرض شروط  الاستسلام وليس السلام. ومن هنا كان لزاما مواجهة التهديد بالتهديد والتصعيد بالتصعيد. جاءت رسائل صنعاء بالتدرج من رسائل سياسية وعسكرية تحذيرية في بادئ الأمر وعندما لم تلق استجابة جرى التعامل معها بصورة عملية بداية بعملية " إعصار اليمن الأولى" التي طالت أهدافاً حيوية وحساسة في العمق الإماراتي، وحين لم ترتدع أبو ظبي التي مثلت دور الضحية وملأت القنوات نباحا وراح المنافقون يشجبون وينددون، وكأن العالم لا يرى ولا يسمع جرائمها في اليمن منذ بداية عدوانها على اليمن في مارس 2015 واحتلالها الأراضي اليمنية ومناطق الطاقة والجزر والمنافذ وانشاءها جيوش مرتزقة محليين، وإدارة الحروب الداخلية، بل تمادت في جرائمها أكثر باستهداف قتل نزلاء السجن الاحتياطي في صعدة، واستهداف المدنيين في الحي الليبي بصنعاء ومدن يمنية أخرى، وردا على ذلك جاءت  العملية الثانية القاصمة لتضرب  مروحة واسعة من الأهداف، شملت أهدافا عسكرية حساسة في العمقين الإماراتي والسعودي أكبر بكثير مما حملته العملية الأولى، وأبعد بكثير مما توقعه معسكر العدوان، وكان لافتاً هذه المرة إدخال قاعدة الظفرة ضمن بنك الأهداف.

الإمارات غير آمنة
الهجمات التي تعرضت لها الإمارات تطرح أسئلة مهمة بالنسبة لسمعة وأمن واستقرار دويلة الإمارات التي تعتمد في اقتصادها على الاستثمارات الأجنبية والتجارة والترفيه، فضلا على العمالة الوافدة وحركة السياح. جميع هؤلاء اهتزت ثقتهم في جدوى تواجدهم في بلد غير قادر على حماية نفسه، فبسهولة يتم مهاجمته وضرب خاصرته الرخوة بالطائرات المسيرة والصواريخ المجنحة في هذا التصعيد اللافت الذي كشف عن تورط السلطة الإماراتية ضمن تحالف عدواني تقوده السعودية لتدمير اليمن، كانت أبو ظبي قد أنزلقت في مستنقع الحرب في اليمن  وفي ساحات مختلفة في الشرق الأوسط وأفريقيا، وهي غير قادرة أن تحافظ على وجودها أمام الصدمات الكبرى حتى وإن كانت بعيدة عنها، في الوقت الذي تروج فيه لسمعتها في إقناع الشركاء والمستثمرين بأنها بوابة العالم في التجارة الحرة  في بيئة  آمنة ومستقرة وبعيدة عن مناخات الاضطراب والعنف، لكن ما أظهرته الأحداث كان عكس ذلك تماما. ف "أبو ظبي" منغمسة ومتورطه ضمن التحالف العدواني على اليمن، فضلا عن دعمها لجماعات وتيارات دينية  مسلحة في المنطقة، ومشاركة في الحرائق الملتهبة هنا وهناك، وفوق ذلك هي من الدول المطبعة مع الكيان الصهيوني  واحد حلفائه في مشاريع الأطماع الاستعمارية التوسعية الاحتلالية على الجزر والمنافذ البحرية اليمنية، ومع أكثر من دولة أفريقية. ولاشك أن هجمات إعصار اليمن لم تقلق حكام الإمارات فقط، بل أيضا المجرمين وأمراء الحرب الذين يعتقدون أن الإمارات هي ملاذ آمن للثروة المسروقة وغسيل الأموال، فالثروة التي تدعم رخاء دبي تأتي جزئيا من العائدات غير المشروعة من الفساد والجريمة. وستؤدي المزيد من الهجمات إلى انهيار نظرية "الملاذ الآمن" وقد تدفع الشركات الاستثمارية والسياح والعمال المهاجرين على الفرار منها. لقد شكلت عملية  إعصار اليمن الأولى والثانية منعطفا جديدا في موازين القوة في استراتيجية الردع في المنطقة وجاءت بنتائجها العاجلة في معطيات تدعيات الأحداث، وقد تجلى ذلك في اتصالات الخارجية الإماراتية التي استجدت من حكومة صنعاء التوقف عن الهجمات، فيما اشترطت صنعاء بانسحاب كلي وفوري ومغادرة الأراضي اليمنية، وجاءت  تصريحات الخارجية الأمريكية التي صنفت الإمارات بلداً غير آمن، حسب إعلان مكتب المتحدث الرسمي باسم الخارجية الأمريكية في بيان رسمي نشر مساء الخميس الماضي تحذيراً للمواطنين الأمريكيين في الداخل والخارج من السفر إلى الإمارات، ودعا البيان المواطنين الأمريكان إلى إعادة النظر في خطط السفر إلى الإمارات بسبب ما وصفه البيان بـ”خطر الهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار”. ووجه البيان الأمريكي بأن التوجيهات الواردة في البيان تحل محل إرشادات السفر السابقة للإمارات التي صدرت  قبل ثلاثة أيام.
وفي سياق متصل اعتبر مراقبون التحذير العلني لواشنطن يؤكد عدم ثقة الولايات المتحدة في الإمارات ودفاعاتها الجوية الأمريكية، إضافة إلى أن البيان يعد تصنيفا أمريكيا رسميا بمستوى الخطر المرتفع داخل الإمارات. وعلى ذات السياق أكدت قيادة القوات الجوية الأمريكية المتواجدة في قاعدة الظفرة  بصريح العبارة أن قواتها فرت إلى الملاجئ داخل القاعدة خلال هجوم قوات صنعاء على القاعدة. هذه التصريحات غير المسبوقة في تاريخ القوات الأمريكية تشير إلى العديد من المضامين والدلالات الاستراتيجية منها إعتراف ضمني بعجز القدرات الدفاعية لواشنطن عن صد الهجمات الصاروخية والمسيرات اليمنية، وهو الإعتراف الذي يمثل الخاتمة الأخيرة في أنهيار التحالف، لا سيما بعد تأكيد بيان الخارجية الامريكية أن الإمارات ليست وحدها غير الآمنة، بل كل دول هذا التحالف الذي أصبح في دائرة الخطر، خصوصا وأنه تزامن مع دعوة عاجلة للسفارة الأمريكية في الإمارات لرعاياها لتوخي الحذر، ورفع مستوى الوعي الأمني. الأهم من ذلك أن واشنطن لاتريد أن تتحمل تداعيات فشل دول العدوان على اليمن، فهي تدرك أن حجم تكلفة هذا الفشل وتأثيره المباشر سيكون كبيرا وخطيرا على المصالح الأمريكية في المنطقة، لذلك فإنه من مصلحتها خفض التصعيد أمام قوات صنعاء عبر وكلائها الإقليميين، الأمر هنا لا يتعلق بالمصالح الأمريكية الغربية وحسب، بل والإسرائيلية أيضا. ولعلى هذا التراجع والإنكفاء في الموقف الأمريكي أثار مخاوف أبو ظبي وطلبها من تل أبيب سرعة موافاتها بمنظومات القبة الحديدية لصد هجمات صنعاء، واعتبرت إسرائيل ذلك بالفرصة المواتية لتشكيل تحالفات عسكرية جديدة لمواجهة الأخطار الناشئة، وهو ما دفع رئيس الاستخبارات الاسرائيلية عقب عملية إعصار اليمن الثانية لدعوة عاجلة لتشكيل تحالف صهيوني خليجي لمواجهة التحديات القادمة من اليمن، حيث يخشى كيان الإحتلال من الوقوع في شراك صنعاء كصيد سهل في ظل تزايد قدراتها الصاروخية وتراجع نفوذ الولايات المتحدة الشريك الأساس والحليف الإستراتيجي في المنطقة.
وبعيدا عن تلك التحركات يمكن القول بأن صنعاء حققت تقدما إستراتيجيا من خلال عملياتها العسكرية في العمق الإماراتي - السعودي على الرغم من كونها لاتزال في نطاق الرسائل التحذيرية، ولم تنتقل بعد إلى مرحلة الوجع الكبير الذي تحذر منه مرارا وتكرارا تلك الضربة كانت بداية  تدشين أسلحة الردع، ولعل هذا ما يمكن فهمه من تصريحات متحدث القوات المسلحة  العميد يحيى سريع الذي لوح  بإستهداف ” إكسبو ” ونصح بنقله خارج الإمارات، وهو ما جعل أبو ظبي تؤجل فعاليته التي كان من المقرر اقامته في 30 يناير الجاري. على أية حال يبدو أننا  أمام سيناريوهات متعددة في حين قد تبدو  تفاصيل المواجهة أكثر خطورة في انتقالها إلى الفضاءات المفتوحة مع قوى العدوان  وحلفائها الدوليين، وسط توقعات بقرب سقوط التحالف وتفكك قواعده بدءاً من الداعمين الدوليين إلى الأدوات المحلية.

الإنفاق على التسليح
 تساؤلات كثيرة تثار حول مليارات الدولارات التي استثمرتها الإمارات في منظومة الدفاع الجوي الأمريكية "باتريوت"، بالنظر إلى مدى سهولة اختراق الدفاعات الجوية غير الفاعلة من اليمن على بعد آلاف الأميال، ومن غير الواضح طبيعة الخطوات التالية للإمارات، وهو الأمر الذي جعل أبوظبي تلجأ لإسرائيل للحصول على منظومة القبة الحديدية الاسرائيلية، وتجد إدارة "بايدن" نفسها أمام أسئلة تتعلق بدفع اسرائيل إلى انشاء تحالفات عسكرية جديدة في منطقة الخليج موجها ضد إيران ومحاور المقاومة مع سعي الولايات المتحدة لتقليص وجودها العسكري في الشرق الأوسط من أجل التركيز على التنافس مع الصين وروسيا ، فقد سعت بشكل متزايد إلى الاعتماد على شركائها الإقليميين،  وبرزت رغبة واشنطن في تدشين تحالف رسمي بين إسرائيل والدول العربية المطبعة معها فيما عرف بـ"اتفاقات إبراهام"، وتأمل واشنطن في إعادة توزيع عبء الدفاع على شبكة أكثر تكاملا من الحلفاء الإقليميين.  لكن العلاقة بين إسرائيل والإمارات على وجه الخصوص تسهل سيطرة الولايات المتحدة على الطرق البحرية ذات الأهمية الحاسمة التي تشكل الأضلاع الثلاثة لما يسمى  بـ"المثلث الاستراتيجي" في الشرق الأوسط، وهو (الخليج العربي ومضيق هرمز) و(بحر العرب وخليج عدن) و (البحر الأحمر وقناة السويس)، وبالإضافة إلى كونه طريقا بحريا حيويا للتجارة العالمية تقع إحدى أضلاع هذا المثلث على ممرات الشحن التي تتلقى الصين معظم نفطها عبرها. ويرتبط ضلع آخر بالطريق البحري المقترح بمبادرة "الحزام والطريق"، بينما يعتبر الضلع الثالث حيويا للمنشأة العسكرية الإقليمية الوحيدة للصين في جيبوتي والقاعدة البحرية الروسية المقترحة في السودان. وإذا استمرت التوترات في التصاعد بين الولايات المتحدة والصين أو روسيا فسوف تكون قدرة واشنطن على السيطرة على هذه الممرات المائية عبر شركائها الإقليميين ميزة استراتيجية.
ومع ذلك يعتمد هذا على افتراض أن هؤلاء الشركاء ملتزمون بتعزيز المصالح الأمريكية في المنطقة.
يبدو أن جزر اليمن تواجهها تداعيات كبيرة بحكم التنافس   الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط وخارجها، وسيؤدي استمرار السيطرة الأجنبية عليها إلى تواصل تفتيت اليمن، وإطالة أمد الحرب، ما يعني المزيد من محنة الشعب اليمني مع تصاعد التنافس بين الولايات المتحدة والصين وروسيا، قد تجد الجزر اليمنية نفسها في خضم صراع أوسع على النفوذ العالمي، والواضح الآن هو أن ميون وأرخبيل سقطرى الواقعتان تحت الاحتلال الإماراتي ووجود قاعدتين اسرائيليتين عليهما  بتنسيق وتعاون أبو ظبي حين تم إنشائهما، وايضا منصات تجسس في أرخبيل سقطرى وجزيرة ميون في باب المندب، كل ذلك جاء وفق التنسيق السري بينهما في إطار خطط  السيطرة على طرق الملاحة والمنافذ البحرية ومواجهة الخصوم، يبقى القول الأخير أن على أبو ظبي استيعاب إعصار اليمن وأن تغادر الأراضي اليمنية لأن القادم سيكون أشد آيلاما والحليم تكفيه الإشارة.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا