كتابات | آراء

القبائل والحكومة والتاريخ في اليمن .. بول دريش جامعة أكسفورد « 38 »

القبائل والحكومة والتاريخ في اليمن .. بول دريش جامعة أكسفورد « 38 »

عاد الإمام أحمد في أغسطس عام 1959م إلى اليمن مما أثار دهشة العديد من معارضيه الذين افترضوا أنه سيموت في الخارج ولن يعود أبدا وبنوا طموحات وخطط على هذا التصور

وعندما وصل إلى الحديدة هدد بالانتقام ممن كانوا يخططون للإطاحة به وهو خارج البلاد أصيب العديد من أولئك الذين كانوا على خلاف معه بالذعر وانهارت أي خطط كانت غير مكتملة لمعارضته ودبرت مؤامرة من قبل شيوخ من حاشد وذو محمد ومراد وغيرهم لاغتيال الإمام في السخنة ولكن يبدو أن مجرد وجود الإمام أحمد في البلاد كان كافياً لشل المقاومة وبث الرعب في نفوس أعداءه ، لقد انتهى الإمام أحمد من شق جبهة حاشد من الداخل كما فعل من قبل .
أكمل الإمام احمد استعداداته للتقدم على حاشد ثم بارات والجاوي ونهم وخولان وهو ما مهد له تفكك وحدة حاشد ، تم القبض على عبد اللطيف بن قايد الرجيب من خولان بعد معركة قصيرة في العود في اليمن السفلي و تم القبض على علي الشايف من ذو حسين بعد إصابته بالقرب من الحزم في الجوف وعندما تم أخذ شيخ حاشد في نفس المنطقة لم يكن معه أحد سوى صبي من الأشمور اسمه محمد الدقيمي ولم يكن حسب معظم الروايات يعلم أن ابنه قد تم القبض عليه ، لقد جمع قوة كبيرة من رجال القبائل بالقرب من حوث في نفس الوقت الذي كان فيه والي الإمام هناك يجمع قوات خاصة به لكنه تركهم خلافاً لنصيحة أتباعه وذهب إلى صنعاء بنفسه على وعد السلامة من الإمام أحمد وبناءً على أمر الإمام تم قطع رؤوس حميد وحسين الأحمر وعبد اللطيف رجيب في حجة فيما فر العديد من المشايخ الصغار إلى عدن ، وفي هذه المرحلة المتأخرة فقط وفي آخر أعماله النثرية الكبرى تحول الزبيري في المنفى إلى القبائل وذكر في كتابه: انه على الرغم من أنهم قد سحقوا بالفعل ثورة الوزير قبل عقد من الزمن لقد كانت هزيمة ثورة 1948م هي الوسيلة الغريبة والفعالة التي انتشرت من خلالها فكرة الثورة إلى دائرة أوسع لقد تسربت من المستويات الحاكمة العليا إلى القاعدة الشعبية تماما كما فعل الإسلام بين التتار الذين حطموا الإمبراطورية الإسلامية فقط ليعانوا من انهيار روحي بسبب طغيانهم وهكذا اعتنقوا الإسلام وأصبحوا أعظم قوة فيه التتار في هذه القضية هم على وجه التحديد همدان الكبرى التي ينتمي إليها حاشد وبكيل أقوى قبيلتين في بلادنا وتاريخنا بل وفي تاريخ العروبة والإسلام حسب وصف الزبيري في كتابه.. في الفترة التي سبقت وفاة الإمام أحمد كان مجموعة من ضباط الجيش اليمني على اتصال ليس فقط مع الليبراليين في المنفى ولكن مع الحكومة المصرية من اجل الترتيب لانقلاب بدعم من جمال عبد الناصر دعما لفكرة القومية العربية أصبح الانقلاب الآن ذا أهمية كبيرة في تعريف الجمهورية لدرجة أن التفاصيل قد لا تتضح أبدًا ولكن الجمهوريين ورعاة الانقلاب في صنعاء كانوا تحت سيطرة المصريين في كل خطوة واستمر الدعم المصري للانقلاب من قبل ان يتم وحتى بعده ليصل الدعم ويرتفع عدد الجنود المصريين تدريجياً حتى يصل في نهاية عام 1965 م إلى نحو 55 ألف جندي موزعين على 13لواء مشاة ومسنودين بفرقة مدفعية وفرقة دبابات وتشكيلات من قوات الصاعقة والمظلات وبهذا يتضح ان الانقلاب ما كان له أن يتم بدون دعم خارجي من قوى خارجية خططت ونفذت بأدوات محلية يمنية.
قبل اندلاع الحرب في عام 1962م انجذبت اليمن إلى صراع الحرب الباردة المتنامي وقد دفع الاتحاد السوفييتي تكاليف بناء ميناء الحديدة الجديد بينما كان يسعى إلى التحالف مع الإمام محمد البدر على أمل أن يصبح اليمن قاعدة لوجستية لعملياتهم الإقليمية وخوفًا من الاختراق السوفييتي في شبه الجزيرة العربية أجرت الولايات المتحدة سلسلة من عمليات التنقيب عن النفط غير الناجحة للحفاظ على وجودها الاسمي في بلد يصعب تحديده من قبل صناع السياسة الأمريكيين.. لا يزال ولي عهد اليمن يحظى باهتمام كبير من الرئيس المصري جمال عبدالناصر وكثيراً ما كانت المناسبات التي قدم فيها ناصر تكريماً علنياً لوريث العرش اليمني والإمامة ووصف ناصر الأمير الشاب بأنه رجل تقدمي وواسع الأفق ولا علاقة له بالعقلية السلبية لوالده الملك والإمام أحمد وأعلن ناصر أن نية البدر كانت تحرير اليمن من العادات والمؤسسات المتخلفة التي عفا عليها الزمن والتي كانت تعيق دخوله إلى القرن العشرين وما زال الكثير يتذكرون المجاملات السخية التي كان عبد الناصر يغدقها على البدر والتملق المستمر له وكان يقول الحمد لله أن اليمن لديه الأمير محمد البدر ولدي ثقة كبيرة به وعندما يخلف والده على العرش فإن اليمن سوف يتقدم إلى الأمام وسنقدم له كل العون والدعم لمساعدته على التحديث و تحسين أمته كان هذا هو فحوى تعليقات عبد الناصر بشأن الأمير اليمني في الخمسينيات وكرس الرئيس المصري الكثير من الوقت والاهتمام لكسب ثقة وصداقة البدر، أراد البدر أن يحث والده الملك أحمد على السماح لليمن بالانضمام إلى مصر في الجمهورية العربية المتحدة التي كان ناصر يرغب في استحضارها كنوع من الدولة العربية ومن خلال الإطراء الذكي في الصحافة المصرية ومن خلال أسلوبه الشخصي اللطيف تجاه الوريث اليمني نجح ناصر في كسب ثقة البدر الساذج بأي حال من الأحوال حتى أن مطالبات عبد الناصر دفعته إلى قبول دعوة لزيارة موسكو قدمها السوفييت وكان السفير الروسي في القاهرة قد طلب من الرئيس المصري استخدام نفوذه لدى الأمير لإقناعه بقبول هذه الدعوة.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا