كتابات | آراء

طوفان أقصى بإنسانية لا تنسى

طوفان أقصى بإنسانية لا تنسى

باستثناء عدد محدود من اليهود، فإنَّ الغالبية العظمى من التجمعات السكانية الصهيونية ناتجة -بدرجةٍ أساسية- عن الهجرات ذات الغايات الاستيطانية التي بدأت بشكل متكرر من بدايات الربع الأخير من القرن التاسع عشر.

فبإجماع معظم المصادر التأريخية، لم يكن عدد اليهود في فلسطين في أوائل القرن السادس عشر يتجاوز -حسب التقديرات الصهيونية- خمسة آلاف يهودي، وقد جاؤوا إلى فلسطين لاعتبارات ودوافع دينية محضة، بل إنَّ معظمهم قدم من أسبانيا بعد طرد اليهود منها في أواخر القرن الخامس عشر.
أما بعد توافق الأنظمة الصليبية في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين على زرع «دولة الكيان» وإنشاء وطن قوميٍّ لليهود في هذا المكان الذي يقسم الوطن العربي إلى نصفين، وعلى تسخير ذلك الكيان المزروع من قبل الغرب لخدمة الاستراتيجية الغربية الهادفة إلى استمرار استنزاف الثروات العربية، فقد هيأت المناخات وقدمت الإغراءات لهجرات اليهود إلى البلاد التي أوهموهم أنها «أرض الميعاد»، إذ لم يمض على صدور «وعد بلفور» المشهور سوى عقدين زمنيين، حتى كان تعداد اليهود المهاجرين قد بلغ الملايين.
أما حربا عام 1948 وعام 1967 اللتان ترجم الكيان الصهيوني انتصاره فيهما إلى تشريد مئات الآلاف من الفلسطينيين في أكبر عملية تهجير إلى الشتات، فقد أفضيتا إلى استقدام مئات الآلاف من اليهود الذين استوطنوا عشرات -إن لم أقل مئات- المدن والقرى والبلدات، بالإضافة إلى استحداث عشرات المستوطنات التي أسست لسياسة الاستيطان التي ما تزال سائدة  إلى الآن.
ومن اللافت للانتباه أنَّ مباني المستوطنات تبنى على أنماط القلاع المعدة لخوض معارك الدفاع، وأنَّ المستوطنين يتلقون -باستمرار- تعبئة تحريضية عدوانية قتالية تجعلهم شركاء فعليين في تكريس الأجندة الاحتلالية القائمة على فكرة ضمَّ ما بقي من أرض فلسطين بأيدي أهلها المرتبطين بها جيلًا بعد جيل إلى الكيان المسمى «إسرائيل» وترك الفلسطينيين يتسكعون بحثًا عن وطنٍ بديل.
ويكفي استدلالًا على تشبُّع مجتمع المستوطنين بالتوعية العدوانية إلى حدٍّ كبير إفرازه أشدَّ القادة الصهاينة تطرفًا وعنصريةً وتعطشًا إلى قتل الفلسطينيين دون وازعٍ من ضمير مثل الوزيرين المتطرفين: «بستلئيل سموتريتس» و«إيتمار ابن غفير».
وفي مقابل ذلك جاءت جلَّ المواجهات التي خاضتها المقاومة الفلسطينية وآخرها عملية «طوفان الأقصى» التي ما تزال فصولها متواصلة إلى هذه الأثناء ردَّ فعلٍ منطقي على ما يقوم به قطعان المستوطنين من اقتحامات وتدنيسٍ متواصلٍ للمقدسات ومن اعتداءات مسلحة على المدنيين وسطو على الممتلكات.
ومن المؤكد أنَّ أبطال كتائب الشهيد الهمام عز الدين القسام قد التزموا -أثناء مداهماتهم في عملية «طوفان الأقصى» مستوطنات «غلاف غزة» التي لا تقل عدوانية عن سائر المستوطنات الصهيونية- الالتزام التام بتعاليم وأخلاقيات الإسلام التي تنهى عن قتل الأطفال والشيوخ والنساء والضعفاء وكل من يلقي السلاح استلامًا وطلبًا للنجاء، فلم يستهدفوا من مستوطينها بالقتل إلَّا الذين بادروا بقتالهم وأبدوا حرصًا شديدًا على قتلهم، وما عدا هؤلاء فقد أخذوهم أسرى، وفي هذا المعنى أورد موقع «التليفزيون العربي» يوم الثلاثاء الـ10 من أكتوبر -بالاستناد إلى ما نشرته «القناة 12 العبرية»- ما يلي: (روت مستوطنة إسرائيلية الطريقة الإنسانية التي عاملها بها مقاتلو "كتائب القسّام"، بعد دخول مخبئها أثناء عملية "طوفان الأقصى".
وتحدّثت «روتم» -وهي أم لطفلين- للقناة الـ12 الإسرائيلية موضحةً أنَّ مقاتلي "القسَّام" امتنعوا عن إيذائها وإيذاء طفليها عند اقتحامهم مخبأها في مستوطنة «كفار عزة».
وقالت روتم: "لقد دخل 6 مسلحون منزلي، بعد أن أطلقوا رصاصة واحدة على باب الملجأ، وحينها أخبرتهم -باللغة الإنكليزية- أنَّ لديَّ طفلين، فقالوا لي: نحن مسلمون لن نؤذيكم".
وأكدت «روتم» أنّها تفاجأت بردِّ المقاومين، وأنّها شعرت بالاطمئنان.
وأشارت إلى أنّهم تجوّلوا في المنزل، وأنهم غادروا منزلها نهائيًّا بعد ساعتين بعد التأكد من عدم وجود أو دخول مقاتلين.
كما نقلت القناة 12 الإسرائيلية شهاداتٍ لمستوطنين آخرين في غلاف غزة تؤكد أنَّ الفلسطينيين تركوا النساء والأطفال ولم يقتلوهم، وأنّهم كتبوا -على الأسوار والحيطان- ما معناه: "لا نقتل الأطفال والنساء داخل منازل المستوطنين كوننا مسلمين").
فسطر المقاومون بذلك التعامل الأرقى مع الأطفال والنساء والمسنين والضعفاء الذين كانوا يقعون تحت أيديهم -وهم يخوضون معمعان القتال مع الأعداء خلال عمليتهم العسكرية الكبرى «طوفان الأقصى»- مواقف إنسانية لا تنسى، (فَبِأَيِّ آلَآءِ رَبِّكَ تَتَمَارَىٰ) النجم الآية: (55).

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا