كتابات | آراء

من أحبَّ الحياة عاش ذليلاً

من أحبَّ الحياة عاش ذليلاً

كان ظن الطلقاء والمنافقين والانقلابيين الذين ارتدوا عن دين الإسلام تمكنهم من القضاء على ذرية رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم- الذين أرادهم الله-سبحانه وتعالى-

أن يكونوا ورثة القرآن العظيم وحملته وقرناءه وأولياءه وأعلام الهدى الذين أوجب على الأمة موالاتهم ونصرتهم ومعاداة أعدائهم وطاعتهم والامتثال لأمرهم كما يشاء الله رب العالمين.
ولم يكن بحسبانهم أن الله- سبحانه وتعالى- الذي له ملك السماوات والأرض وهو على كل شيء قدير، قد فرض أمر الولاية في الأمة لآل بيت رسوله -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله- بعد انتقال الرسول- صلى الله عليه وآله وسلم- إلى الرفيق الأعلى، وقد حفظهم من الاندثار والزوال؛ ليكونوا ورثة الكتاب وقادة المنهج وقادة الأمة إلى الخير والفوز والفلاح والنجاح إلى يوم الدين.
كان الإمام السجاد علي زين العابدين بن الحسين -عليها السلام- عليلاً مريضاً، وقد اعتقد القتلة أن المرض سيقضي عليه، ولكن كانت إرادة الله تقضي بحفظ ذرية رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- فحفظه الله.
فذلك الذي بقي منهم بعد القتل والتنكيل بالإمام الحسين -عليه السلام- وذرية رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- في كربلاء، وبقية من بني عمه الحسن الذين كانوا يأمنون في كنف الله وحفظه ورعايته، هؤلاء هم بقية الله في أرضه من آل بيت نبيه -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله- ومنهم سيستمر نسل الرسول-صلى الله عليه وآله وسلم- من علي وفاطمة الزهراء صلوات الله عليهم أجمعين.
كان الإمام السجاد علي زين العابدين- سلام الله عليه- يعيش تحت رقابة أعداء الله من بني أمية، ولم يكن أمامه إلا أن يضع على عاتقه مسؤولية إعادة بناء الأُمَّة وقيادتها الجديدة، ولم يكن بوسعه إلا أن يستثمر الدعاء في إعادة هذا البناء، وقد كان له ذلك، حيث تمكن- سلام الله عليه- بتوفيق من الله من إعادة بناء القيادة الجديدة التي ستواصل مسار الثورة الحسينية العلوية المحمدية الربانية،  فنشأ وترعرع ولده الإمام زيد بن علي بن الحسين بن الإمام علي -عليه السلام- حتى صار قادراً على مواجهة الظالمين ولما رأى من ظلمهم وفسادهم وغيّهم ما يندى له الجبين، فراح يدعو علماء الأمة للوقوف أمام هذا الطغيان والفساد والإجرام الذي لا يمت إلى دين الإسلام بصلة، فما آمن  معه إلا نفرٌ قليلٌ، ولما رأى من فسق هشام بن عبدالملك المنصّب ظلماً وعدواناً والياً لأمر المسلمين وحاكماً عليهم وسلطاناً جائراً ظالماً فاسداً يعاقر الخمر والنساء، ويسفك الدماء، ويدعو إلى مجلسه اليهود المجرمين، فيقربهم ويدنيهم ويعمل بمشورتهم.
 وما كان لزيد أن يسمع سبَّاً وشتماً وقدحاً يطال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- بالسوء في مجلس هشام المجرم ويسكت على ذلك، فلما أخرس ذلك اليهودي وأسكته قام هشام بن عبد الملك يسيء الكلام إلى الإمام زيد ويسخر منه  في مجلسه، إلا أن الإمام زيد قال له: لن تراني إلا حيثما تكره.
 فقرّر الإمام زيد- عليه السلام- من فوره إعلان الخروج للقضاء على هذا الظلم،  فقاد ثورة في وجه ذلك الظلم والطغيان والإجرام والكفر البواح من رجل مدّعٍ لإمامة المسلمين وفاجرٍ لا يؤمن بالله رب العالمين، وقد التفّ حوله ثلةٌ من المؤمنين الصادقين الناصرين للحق المستعدين للتضحية في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم غير خائفين ولا آبهين من ظلم طغيان بني أمية المجرمين، فانطلق بهم وهو يصرخ بصرخته المدوية المشهورة: (من أحبَّ الحياة عاش ذليلاً)..
نعم نحن نريد الحياة بعزة وكرامة، لكننا لا نحبها بل ونرفضها حينما نحيا حياة المذلة والهوان والضعف والخذلان نتيجة حبنا لها.
كان- سلام الله عليه- يدعو أنصاره الصادقين إلى البصيرة والحكمة، إلى المسؤولية، إلى معرفة ما سيقدمون عليه، بحيث لا يتراجعون عن مواجهة الظالمين بفعل مكرهم وخداعهم ومغالطاتهم، فثبتوا في مواجهة عظيمة جمعت قلة القلة من المؤمنين ضد جحافل جيش ومرتزقة ومنافقي هشام بن عبد الملك، وقد ارتقى في هذه المواجهة مولانا الإمام القائم بالحق، سبط رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- شهيداً في سبيل الله ومعه خيرة أصحابه المؤمنين الصادقين ..
ولم يكتفِ أعداء الله بقتل الإمام زيد فحسب، بل قاموا بصلبه- أيضاً- ليظل جسده الشريف مصلوباً لمدة عامين كاملين قاتلهم الله أنّى يؤفكون.
ولم يتوقف المسار الجهادي لأعلام الهدى بعد مقتل الإمام زيد -سلام الله عليه- عند هذا الحد، بل كان قد استنهض أبناءه لمواصلة دورهم الجهادي ومواجهة الظالمين والقيام بالحق، فواصل من بعده ابنه يحيى بن زيد، واستمر النضال والجهاد في سبيل الله لمواجهة كل ظلم وطغيان، واستمرت التضحيات العظيمة والجليلة لأجل إعلاء كلمة الله من قبل أعلام الهدى وأئمة الحق من آل البيت الطاهرين، فيُقتل عشرات الأئمة الأطهار شهداء في معارك الجهاد مروراً بمولانا الإمام محمد بن عبد الله النفس الزكية وانتهاءً بمولانا القائد المؤسس الشهيد السيد الحسين بن بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه.
لتبدأ من بعد ذلك التحولات إلى زمن النصر والتمكين والغلبة، ولا تزال المواجهة مستمرة بين الحق بقيادة أعلام الهدى، وبين الباطل بقيادة محور الشيطان الرجيم،  ولله عاقبه الأمور وبشر الصابرين.
هذا هو دور الأطهار أعلام الهدى من آل البيت الطاهرين، وتلك هي مهمتهم لمواجهة كل ظالم مستكبر لا يؤمن بالله رب العالمين، وإقامة الحق وإحقاقه، فما كان لهم أن يتخلفوا عن نصرة الحق ولو كلفهم ذلك التضحيات الجسيمة والعظيمة قرباناً لله رب العالمين.
ولم يكن هم الأئمة الأطهار- سلام الله عليهم- هو السلطان والملك ومطامع الحياة الدنيا وزخارفها، بل كان شغلهم الشاغل متمثلاً في حرصهم الكبير على الأمة بأسرها، فكانوا يضحون بأنفسهم لأجل أن تحيا الأمة حياةً كريمة عزيزة لا تهان ولا تذل من قبل الطغاة والمستكبرين.
ذلك هو الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب سبط رسول الله-صلى الله عليه وآله وسلم- وحفيد مولانا الإمام علي بن أبي طالب ولي أمر المسلمين من بعد رسول الله وذريته من بعده إلى يوم القيامة.. وتلك هي ثورته التي هزّت عروش الظالمين المجرمين المستكبرين.. نعم، ذلك هو الإمام زيد بن علي بن الحسين الذي ما كان كتاب الله ليدعهُ أن يسكت لمَّا رأى الحقَّ لا يُعمل به والباطل يُعمل به، ما كان مذهبياً ولا طائفياً، بل كان حنيفاً مسلماً محمدياً علوياً حسينياً ربانياً، وقائداً ثورياً لمواجهة المستكبرين.
ذلك هو الإمام زيد السائر القائم بالحق الذي كان بوده أن يصلح الله امة جده رسول الله ولو كلفه ذلك الأمر أن يعلق بين السماء والأرض، فهو ابن الإمام الحسين السبط صلوات الله عليهم أجمعين الذي قال يوما [إن كان دين محمدٍ لا يستقمُ إلَّا بقتلي فيا سيوف خذيني].
هكذا هو الإمام زيد- سلام الله عليه- كبقية أهل النبي الذين ظل مشروعهم نصرة دين الله وحماية شرعه، والانتصار للمستضعفين المظلومين، وهو واحد من أولئك الذين كان لهم القتل عادة وكرامتهم من الله الشهادة.
أما علماء السوء فقد اختاروا الظالم على المظلوم، ونشروا ظلمهم واستبدادهم، فخسروا الدنيا والآخرة، وباؤوا بغضبٍ من الله عليهم، فأعدّ لهم عذاباً أليماً.. ومثلهم أبناء الأمة المحسوبين على الإسلام الذين لا تزال سيوفهم تقطر بدماء الحسين وأل بيت النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- في كربلاء ومعه خيرة أهل بيته وخيرة أصحابه، فبعد أن جرى عليهم ظلم الطواغيت لم يتخذوا ثورة الإمام زيد- سلام الله عليه- حجة للقيام في وجه الظالمين والثأر لأنفسهم والانتصار لدين الله، بل خنعوا، وتلك هي الطامة الكبرى التي لا نزال نعاني منها ومن أعداء الأمة ودواعشها المحسوبين على الإسلام إلى يومنا هذا، وهم عنه بعيد!!.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا