كتابات | آراء

بوح اليراع:تآكل العملية التعليمية بالرغم من الإعانة المجتمعية والأممية

بوح اليراع:تآكل العملية التعليمية بالرغم من الإعانة المجتمعية والأممية

من القضايا المُجمَع عليها أن التعليم هو الركيزة الأهم في بناء حاضر ومستقبل الأمم، ولعل ما مُني به التعليم في بلادنا -طيلة فترة حكم النظام السابق- من قلَّة بل انعدام اهتمام يقف وراء بقاء بلادنا في أسفل سلَّم البلدان النامية على الدوام.

وإذا كان تعرُّضُ بلادنا -منذ ست سنوات كاملة- لحرب عدوانية متواصلة قد ألحق بجميع جوانب الحياة الكثير من الضرر، فإن جانب التعليم هو المتضرر الأكبر، كونه وثيقَ الاتصال ببناء المستقبل المعتمد -بدرجة أساس- على التأهيل النوعي للأجيال.
وإذا كان قصف المدارس والمنشآت التعليمية هو إحدى وسائل تلك الحرب العدوانية للنيل من التعليم بضرر مباشر، فقد ترتب عليها -من جانب آخر- ضرر غير مباشر ينطوي على الكثير من المخاطر ويتمثل ذلك الضرر الأخطر في انصراف المعلم –نتيجة سوء الأوضاع المعيشية- عن أداء رسالته الإنسانية، وذلك تصرُّف لا يخلو من الشعور والأنانية، فما كان أجدر المعلمين بالإيثار والتضحية إسهامًا منهم في بناء أمجاد وطنهم المستقبلية.

إهمال الواجب ردًّا على انقطاع الراتب
إذا كان كثيرٌ من المعلمين قد برروا انقطاعهم عن تأدية رسالتهم التعليمية في السنوات الأولى من تعرُّضِ بلدنا اليمن للاعتداء قبل أن تتوصَّل السلطات الحكومية -ومعها منظمةٌ أممية- إلى ما توصلت إليه من حلول، فسنجد في أوساط المجتمع من يعتبِر هذا التبرير شبه مقبول، أما الآن وبعد اهتداء السلطات -بالإضافة إلى دعم منظمة الأمم المتحدة للطفولة- إلى وضع معالجات شبه معقولة، فلم تَعُد تلك المبررات مقبولة، وبات لزامًا على المعلم الاضطلاع بدوره الوطني دون أيِّ تواني.

مبادرة المنظمة وفرض المساهمة
ولأن ما ألحقته الحرب العدوانية على اليمن من ضرر بالغ بجانب التعلم وبحياة المعلم قد أثار حفيظة العالم، فقد أصدرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف" أواخر عام 2018م مبادرةً إنسانية بتخصيص حافز شهري لكل معلم يمني قدره 50 دولارًا، وبالرغم من رمزية هذا المبلغ، إلاَّ أنه يُسهم -إلى هذا أو ذلك الحد- في إقامة الأود.
وحين رأت السلطات المحلية أن ذلك الحافز الأممي غير كافٍ، فقد أعطت لمديري المدارس الضوء الأخضر لتحصيل مساهمة مجتمعية مالية شهرية قدرها 1000 ريال على كل طالبٍ قادر، ولم تلبث أن أخذت طابع الإلزام على الطلاب بشكل عام، ومن شأن تلك المبالغ التي لم يَعُد يُعفى عن دفعها أيُّ طالب أن تعوض المعلمين بما لا يقل عن 20% ممَّا كانوا يتقاضونه من الرواتب، فضلاً عمَّا يحصُل عليه منتسبو السلك التربوي التعليمي -استثناءً على معظم موظفي القطاع الحكومي- من سلالٍ غذائية بشكلٍ موسمي.
ومن المفترض أن تلك الامتيازات التي انفرد بها المعلم على سواه من موظفي القطاع العام تحمله على تأدية واجبه بكل اهتمام، لكن الحاصل أن ذلك التميُّز قد حمله على المزيد من التقاعُس والتخاذُل.
وهي حالة تثير في خَلَدِ كل مواطن عاقل الكثيرَ والكثيرَ من التساؤل!!!

المدارس الأهلية تُفاقِم الإشكالية
لقد دفعت ظروف الحرب التي وصلت بالتعليم إلى هذه الحال بعضَ رجال الأعمال إلى الاستثمار في هذا المجال، وذلك ما يقف وراء تزايُد معدل المدارس الأهلية السنوي بشكل قوي، خاصة في العاصمة صنعاء، إذْ كان عددها عام 2018م -حسب إحصائيَّات وزارة التربية- (694) مدرسة، بينما تجاوز العدد -بداية العام الدراسي الحالي- (800) مدرسة في أدنى حدّ.
ومن المنطقي أن التزايُد في المدارس الأهلية يتطلَّب المزيد من المعلمين لأداء ما تَعِد به تلك المدارس الأهالي من رسالة تعليمية مُتميِّزة، ولم يجِد القائمون عليها من خيار مثالي يُكسبها ويُكسبهم ثقة الأهالي سوى معلمي المدارس التابعة للوزارة المُتمتع أكثرهم بالخبرة والمهارة التي تمكنهم من تأدية رسالتهم بكل جدارة.
واللافت في الأمر أن معظم كوادر التعليم الأهلي يبقون مع مدارسهم الحكومية -وربما بتواطؤ من هيئاتها الإدارية الفعلية- على ارتباطاتٍ شكلية تتمثل -في الأغلب الأعم- في الالتزام بتغطية جدولٍ شكليٍّ لا يُسمن ولا يغني من جوع، إذ لا يتعدَّى -في أعلى مستوياته- ثلاث أو خمس حصصٍ في الأسبوع، فيُحرَم طلاب المدارس الحكومية –وبخاصَّةٍ طلاب المدارس الثانوية- في ظل هذه التلازمية وما يترتب عليها من أخطاءٍ تراكمية من أيَّة عمليةٍ تعليميَّة ذات قيمة، إذ تتراوح حصيلاتهم التعليمية اليومية بين الحصة الواحدة والثلاث الحصص، وقلَّما يظفرون بحصةٍ دراسيَّةٍ في أيٍّ من المواد العلمية.
وفي ختام هذا المقال يحسُن بنا أن نطرح على جمهور القراء التساؤلين التاليين:
* أين دور مديري المدارس ومديري المناطق التعليمية من ضبط هذا الاختلال بعد ما أفضى بالعملية التعليمية إلى هذا المآل الذي يسير بها نحو المزيد من الاضمحلال؟!
*هل يُفرِّط أولئك المعلمون -يا تُرى- ببعض الحُقوق نظير التغاضي عمَّا يبدُر منهم نحو واجبهم الوظيفي الحكومي من مُجافاةٍ وعُقوق؟!

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا