كتابات | آراء

ومضات متناثرة: في ذكراه (58): الزبيري شاعراً فذاً.. ومناضلاً صنديداً..!!

ومضات متناثرة: في ذكراه (58): الزبيري شاعراً فذاً.. ومناضلاً صنديداً..!!

رحل شهيدنا الثائر الزبيري في لحظة زمن فاصلة في تاريخ اليمن، كانت مشحونة بالتوترات والصراعات الداخلية بين الفرقاء والشركاء.. وكان الوطن في أشد الحاجة لمواقفه البطولية والثورية والوطنية تجاه أعداء الوطن أرضاً وإنساناً ووحدةً..

غدر به ورحل رحيل الأبطال العظماء الذين قدموا كل غالٍ وثمين من أجل الوطن الأرض والإنسان.. رحل ساجداً على ثراه.. ساقياً ترابه آخر قطرة من دمه الطاهرة، ومودعاً وطناً الذي عشقه أرضاً وإنساناً وهويةً.. تاركاً وراءه إرثاً ضخماً من الموروث الثقافي والنضالي والثوري.. تتوارثه الأجيال.. جيلاً بعد جيل.. ولسان قلبه المجروح يقول:
"ما كنت أحسب أني سوف أبكيه:
وأن شعري الى الدنيا سينعيه
وأنني سوف أبقى بعد نكبته:
حياً أمزق روحي في مراثيه"..

لقد كان- رحمة الله عليه- إنساناً مرهف الأحاسيس والمشاعر، رقيق العواطف، ذا قلب رحيم وشغوف، عشق الوطن أرضاً وإنساناً، فبادله الجميع عشقاً بعشق.. رغم قسوة الأوضاع، وبؤس الحياة، ظل وفياً مكافحاً ومنافحاً، بالكلمة وبسلاح شعره، فالشعر أحياناً يلعب دوراً مهماً في ميادين الصراع والحروب..
الزبيري لم يكن شاعراً فحسب بل كان سياسياً محنكاً وقائداً ثورياً فذاً، عاصر أحداثاً تاريخية وسياسية مفعمة بالنضال والكفاح والتحرر، جال وصال من أجل عشق وطن، وعانى المنافي والاغتراب من أجل قضية وطن وشعب أراد أن يخرجه من قمقم الجهل والعبودية الى نور العلم والحرية والرقي..
لقد استطاع أبو الأحرار بشعره أن يزلزل قصور الجبابرة، ويهز أركان المفسدين، والفاسدين.. أيقظ مراقدها، واشعل نيرانها على الطغاة والمستبدين، مدركاً أن الطغاة والجبابرة والمستبدين مهما كانوا، فقلوبهم هواء.. وعقولهم خواء.. ونفوسهم هباء..
وهكذا ظل الشعر الثوري يشق عباب قصور الطغاة والجبابرة، مذكراً لهم أن طريق الكفاح والنضال هو طريق التحرر والحرية والرقي.. فهو يحتاج الى رجال شم الأنوف، أقوياء في عزائمهم، صناديد في الميادين، لا يهابون بريق السيوف، ولا يتقهقرون في ساحات الرغى، بل راسخون رسوخ الجبال الراسيات..
لذا جاء شعره مزلزلاً زاخراً بالثورية والوطنية النابعة من القلوب الصادقة الوفية، ليرسمها حمماً وبراكين شعواء على الأعداء والعملاء.. أعداء الحياة، والإنسانية، والحرية والعدالة.. قائلاً لهم:
"دعونا ولا تقربوا جمعنا:
ولا تحرقونا بنيرانكم"
فالمتأمل في محطات أبي الأحرار النضالية والوطنية والثورية سيفاجأ بكم هائلٍ من المعاناة، والمكابدة والآلام التي عايشها الزبيري طيلة رحلته النضالية التحررية وترجمها شعراً ثورياً مع الثورات العربية التي تنادي بالتحرر والحرية والعدل..
وفي خضم الأحداث اليمنية الساخنة لم ينس أبو الأحرار قضية العرب الكبرى "قضية فلسطين" لقد كانت شغله الشاغل، وقال قولته الشهيرة: "الكفاح هو اللغة الوحيدة للتفاهم بين الشعوب، وهو المنطق الوحيد للحق، وكل أمة لا تملك هذه اللغة، ولا تملك هذا المنطق، فهي أمة صماء بكماء.."..
# صفوة القول:
تمثل ذكرى استشهاد أبي الأحرار مرحلةً مفصليةً تاريخيةً في النضال والكفاح والتحرر من ربق الجهل والتخلف والبؤس الذي عاناه أبناء شعبنا طيلة الأزمنة الماضية، ولولا دور حركة الأحرار التي قامت عام 1944م الذي كان شعارها جمع شمل الأمة اليمنية في بوتقة الجامعة العربية، وتوحيد الصف العربي..
وما أشبه الليلة بالبارحة، واليمن اليوم تعيش ظروفاً مأساويةً، وأوضاعاً غايةً في الكارثية بسبب العدوان البربري الغاشم.. مأساة من نوع غريب، لغتها غامضة، ومفرداتها معقدة..
لقد كان أبو الأحرار محقاً عندما قال: "إننا نريد أن نتحرر من العبودية الاجتماعية الكامنة في بعض التقاليد الرجعية، والفوارق التي تميز بين طبقات الشعب وفئاته تميزاً لا يقوم على أساس من المنطق والحق"..
لا يسعنا في الأخير إلا أن نترحم على روح الشهيد محمد محمود الزبيري في زمنٍ كانت المنايا تجئ لخطابها.. ولا يذهبون إليها.. فالى جنات الخلد أيها الخالد في قلوب اليمانيين..!!.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا