كتابات | آراء

الإمارات قريبا "إسرائيل" الثانية

الإمارات قريبا "إسرائيل" الثانية

لم يكن اختيار دولة الإمارات المتحدة من قبل الولايات المتحدة لتكون"الضحية" الثالثة للتطبيع والأولى خليجياً بأمر غير مخطط له.

في البدء علينا أن نعرف أن "إسرائيل" لم تعقد اتفاقاً (تطبيعياً) مع أي دولة عربية دون رعاية أميركية، وذلك لسببين: الأول أن دول التطبيع لم تكن يوماً شعوبها وحتى حكامها راغبين بالتطبيع مع الصهاينة، إنما جميعاً يعتبرون ذلك من باب واقع حال.
كما أكد أول رئيس مطبع "أنور السادات" فيما بعد، وتبعه الآخرون بذات المنطق أو الحجة آخذين بنظر الاعتبار أن التطبيع مع مصر جاء بعد هزيمة حزيران أو نكسة حزيران كما يحلو للبعض أن يسميها والتي يوجز حال العرب فيها الشاعر نزار قباني بقوله"كنت مجروحاً ومطروحاً على وجهي كأكياس الطحين.. أيها السادة لا تندهشوا كلنا في نظر الحاكم  أكياس طحين.. كلنا بعد حزيران خراف.. نتسلى بحشيش الصبر والله يحب الصابرين".
كان حال العرب بعد نكسة حزيران عام 1967م بائسا وحزينا، ولم تسعفه انتصارات حرب تشرين الباهتة عام 1973م بقيت إسرائيل تخضع للمعادلة الدولية حيث أوجدها الاستعمار الغربي وظل محافظا عليها خدمة لمصالحه، وخاصرة موجعة في جسد العرب والمسلمين.
تسلل التطبيع إلى مصر، والأردن، والإمارات، والبحرين، والمغرب، وجاء متسقاً وفق المخطط إنما الهدف الأساس هو الإمارات التي يسعى الغرب لأن يجعل منها "إسرائيل الثانية" لاسيما بعد إعلان التطبيع بين الإمارات وإسرائيل وأكد الاستطلاع الذي أجرته منظمات ووكالات عالمية أن 80‎%‎ من الشعب الإماراتي غير راغبين بالتطبيع بكل أشكاله بما في ذلك الرياضي وأن الـ20‎%‎ رؤوا انه واقع حال.
إن الكيان الإسرائيلي لا يرغب بالتطبيع الشعبي ويكفيه من الدول (الحكومات) لأسباب تخص طبيعة الشخصية اليهودية التي لا تميل إلى الانسجام والتفاعل مع الآخرين ولو أرادت ذلك لأقامته مع العرب داخل الأرض المحتلة وان واحداً من أسباب وجودها هو الخلاف مع الآخر على الرغم من أن مؤسس الإمارات زايد بن سلطان كان يسمي "إسرائيل" عدواً إلا أن اليهود وخاصة الصهاينة ومنذ تأسيس الإمارات في بداية سبعينيات القرن الماضي يرون فيها مشروعاً صهيونيا، أما الأسباب فهي عديدة وفي مقدمتها انه لم يكن لهذه الدولة (أسس دولة) من قبل إنما تعاون البريطانيون والمغاربة على تأسيسها في تنظيم السجلات والعملة ونظام الدولة. لذا فهي دولة (فجة) وعدد سكانها البالغ 750 ألف نسمة غائب وسط عدد الأجانب من 220 جنسية و150 قومية لدرجة أن عدد الهنود يشكل حوالي خمسة اضعاف عدد الإماراتيين، وتبلغ تحويلاتهم من دولة الإمارات إلى الهند حوالي 13 مليار دولار أمريكي سنوياً، ويحتلون حوالي خمين في المئة من سوق العقارات في دولة الإمارات، وهذا يتمدد على قوميات وجاليات الدول الأخرى.
إن كيان الاحتلال يفهم جيداً أيضاً أن الإمارات ضعيفة، وتحتاج إلى دعم امني، وان عدد سكانها القليل لا يكفي للحفاظ على أمنها، فمثلاً أن 750 ألفاً أو حتى 800 ألفاً إذا حذفت منهم النساء يبقى منهم 400 ألف ثم الأطفال والشيوخ والمرضى فسيبقى منهم 200 ألفا، ولو تحول أفراد هذا الرقم جميعهم إلى (رجال امن) لما استطاعوا أن يشكلوا جيشاً وشرطة وأمناً واستخبارات في دولة عدد نفوسها (11) مليون بألسن متعددة وجنسيات وثقافات مختلفة؟ خلال عام واحد بعد إعلان التطبيع زار حوالي 200 ألف إسرائيلي دولة الإمارات فماذا يعني ذلك؟ وهل زار اقل من هذا العدد من الإسرائيليين مصر، وهي التي طبّعت منذ عام 1979م إلا في الحدود الساحلية أو صحراء سيناء للابتعاد عن التماس المباشر! ثم أين هم المصريون في السياحة إلى إسرائيل؟ وأين هم الإماراتيون الذين قوبلوا بالاستهجان والرفض من قبل الصهاينة، لم تكن بين "إسرائيل" ومصر تجارة ولا مع المغرب أو الأردن الا في حدود ضيقة لكن سرعان ما تمت اتفاقية تجارة حرة بين الإمارات و"إسرائيل"، وبات الميزان التجاري يرقى إلى المليارات.
إن التطبيع الناعم الصهيوني بدأ يتسلل إلى الإمارات، من إنشاء مطعم يهودي إلى معبد إلى المعابد الإبراهيمية حيث المسجد جوار الكنيسة والمعبد والكنيست. ثم التبادل الرياضي والثقافي والأمني، والتنسيق العالي في جميع الجوانب، اليهود يفضلون الدولة البكر لأنهم يرغبون تصنيعها حيث يشاؤون، لذا فإنهم هم من اقنع الملكة الاسبانية "إيزابيلا " يومها بان تمّول رحلة اكتشاف أمريكا، مقنعين إياها بالذهب والفضة والمعادن بهذه الأرض، وقد رافق الرحلة خمسة من اليهود، بعد اكتشاف أمريكا فإن اليهود عمدوا إلى إبادة الشعب الأصلي، حتى يكون الجميع (مهاجرين) وليس لأحد أن يدّعي بان هذه الأرض تعود لأجداده، وفعلاً هيمن اليهود على أمريكا، واعتبروا أن نيويورك بمثابة " أرض الميعاد" ويشكل اليهود أعلى نسبة سكانية لهم في أمريكا (2‎%‎) وتؤكد الإحصائيات من خبراء إماراتيين وقطريين أن دول الخليج ستفقد خاصيتها العربية باتجاه دول آسيا الذين باتت إعدادهم في تزايد، ويفوق عدد سكان الدول خاصة في الإمارات وقطر والبحرين والسعودية كذلك.
منذ إعلان التطبيع والعرب في الإمارات يعانون من المضايقة والمتابعة وفقدان فرص العمل، حيث ما زالت الشعوب العربية منزعجة من التطبيع مع "إسرائيل"، وهذا يعني أن أفراداً من دول أخرى وفق الانتخاب الصهيوني سيعوضون فرص العرب بالعمل، المشكلة ليست فقط بالتطبيع الإماراتي الصهيوني ولكن الإمارات انخرطت بالمشروع الصهيوني بالمنطقة فباتت تتدخل في مصير 18 دولة عربية، وتغير الحكومات، وتتلاعب بمصير هذا الحزب وذاك، مستغلة حجم الأموال الهائلة التي تتدفق عليها، وكان لها في" الربيع العربي" الدور في صناعة الحكومات، وصناعة الفوضى، وتغيير المعادلات السياسية والأمنية، وأخطرها الهيمنة على المواقع والممرات والجزر المهمة وتسليمها إلى الكيان الإسرائيلي، وحتى عام 2030 تكون الإمارات "إسرائيل الثانية" بالمنطقة، وهي تهيمن على المال والموقع والقرار السياسي والأمني.. الإمارات الآن تسعى إلى شراء أصول قناة السويس، وقد تشارك إسرائيل بمشروع حفر "قناة جديدة" تغني العالم عن قناة السويس وبمواصفات أفضل، وما إفقار مصر والأردن والسودان وتونس وابتلاع المغرب إلا بداية لهذا المشروع الخطير، لذا علينا أن لا نعجب حين تدين الإمارات العمليات البطولية للشعب الفلسطيني فلم تعد الإمارات عربية.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا