كتابات | آراء

بوح اليراع: سياسة التعليم الأهلي في إغراء الأهالي

بوح اليراع: سياسة التعليم الأهلي في إغراء الأهالي

لقد لحق بمجال التعليم العام -بسبب الحرب التي تشن على اليمن منذ قرابة عقد من الزمن- ما لحق بسواه من مجالات الحياة، فاتجه الأهالي -في سبيل استنقاذ مستقبل الجيل- نحو التعليم الأهلي الهزيل كخيارٍ بديل.


مدارس أهليّة فاقدة للأهليّة
كانت المدارس الأهلية إلى ما قبل عقدين زمنيين أو ثلاثة -كأقصى حدّ- قليلة بل محدودة العدد، وغالبًا ما كانت تقارن -لما تتسم به من نموذجية- بنظيراتها في البلدان الخارجية، وقد ظلت -بسبب ضخامة رسومها التي كانت عادةً تدفعُ بـ(الدولار) بدلًا من الـ(ريال) - حكرًا على أبناء النخب المجتمعية المتخمة بالأموال ككبار المسؤولين وكبار التجار وصفوة رجال المال والأعمال.
بيد أنَّ ما ترتب على تواصل الحرب الدائرة منذ ٩ أعوام من أثرٍ سلبيٍّ هدَّام على واقع التعليم العام -بالإضافة إلى رغبة معظم الأهالي بإلحاق أبنائهم بمدارس نموذجية الانتظام- قد حمل الكثير من متوسطي الثراء -من الرجال والنساء على حدٍّ سواء- على المسارعة -منذُ عدَّة أعوام- للاستثمار في هذا المجال الخدمي الهام، ففتحت الكثير من المدارس الأهلية الفاقدة للحدِّ الأدنى من الأهليّة والعاجزة عن الاضطلاع بعملية تعليمية ترقى إلى مستوى ما تتشرَّف به من تسمية، وهكذا تمرُّ السنون وما يزالون يكسبون بجنون والأهالي -من جانبهم- يدفعون ولا يعون فداحة ما يصنعون، لأنَّ الطواقم الإدارية والفنية والتعليمية لتلك المنشآت التعليمية الهلامية تتقن -وباحترافية متنامية- فنون التعمية.

الإيهام بالتفوق أسلوبُ إغراء بالبقاء
أما وسيلة هذه النوعية من المدارس لجذب الطلاب إلى التسجيل فيها إبَّان الافتتاح فتتمثل -في المقام الأول- بتسجيل طلاب العام الأول من عمرها -باعتباره عامًا تجريبيّا غايته الأولى نيل ثقة الأولياء- لقاءَ رسومٍ دراسية منخفضة، إلى مستويات قياسية، فتحظى تلك المدارس المتواضعة التأهيل -في مقابل ذلك التسهيل- بإقبال غير قليل، ومن أجل الحفاظ على ذلك الإقبال من الانفضاض، تختتم السنة الدراسية -بالإضافة إلى ما يتخللها من تمظهر مبهر- بمنح جميع الطلاب شهادات ومستويات نجاح باعثةٍ على الانشراح، حتى إذا طغى على رسوم العام التالي قدرًا من الارتفاع، دفعها الأهالي بكل اقتناع.
بل لم تتردد إدارات عدد من تلك المدارس أو تخجل -في سبيل إغراء الأهالي أو الآباء بتدريس بنيهم فيها باستمرار لا يطرأ عليه أيُّ تحوُّل- من أن تجعل أو تضع جميع الطلاب أو جُلِّهم أو نصفهم على الأقل في (الترتيب الأول) وبتساوٍ مخِل لا يقتنع به عاقل أو حتى مختل، والأدهى الأمرَّ -في حال تسليمنا بتساوي الطلاب في التفوق إلى ذلك الحدِّ غير المتصوَّر- خلوُّ قواميس تلك المدارس البراقة المظهر المتواضعة الجوهر من لفظة «مكرر».

نعم لتطبيق معيار وكيلة «عمر المختار»
الحقيقة أنَّ ما تعمِد إليه تلك المدارس من إيهام الأهالي بحصول أبنائهم على تفوُّقٍ خيالي مجرد وسيلة إغراء بإبقاء الأبناء، وغالبًا ما تتلاشى عن عيونهم غشاوة الإيهام بمجرد انتقال الأبناء من إطار التعليم الأهلي إلى إطار التعليم  العام، فيكتشفوا أن أبناءهم الذين صورتهم لهم المدارس الأهلية عمالقةً مجرد أقزام.
وقد كنت شاهدًا على موقفٍ كشفَ هذا الجانب المظلم من واقع التعليم الأهلي المؤلم، إذْ صادف ذهابي في بداية أحد الأعوام لتسجيل ابني في الصف الخامس أساسي بمدرسة «عمر المختار» إخضاعَ وكيلة المدرسة للفترة المسائية الأستاذة القديرة «فواكه يحيى الضلعي» عددًا من الطلاب القادمين للتسجيل لديها من مدارس أهلية بمستويات نجاح خيالية لاختباراتِ قبولٍ تُحدد ما يناسبهم من صفوف أو فصول، ولأنَّ معظم تلك المستويات كانت وهمية فقد كانت الأستاذة «فواكه» -في ضوء قدرة كل طالب على الكتابة- تتخذ قرارها أمام أهالي أولئك الطلبة بإنزال بعضهم الصف أو الصفين، فلم يكن يسع العقال من الآباء -بعد التثبت من دقة تقييم الأخت الوكيلة للمستويات بل للأوضاع- سوى الانصياع، بينما لجأ الرعاع إلى التظلم بها إلى «المنطقة التعليمية» التي توصلت -بعد جدلٍ عقيم- إلى إقناعهم بالتسليم بنتائج ذلك التقييم.
وقد ظل ذلك المعيار هو سيدُ الموقف لدى الأخت الوكيلة أعوامًا طويلة، حتى صدرتْ -مطلعَ العام المنصرم- أوامر عليا تقضي بتعديله.
ولكي يتم التوصل إلى إيقاف ما يتخلل العملية التعليمية من انحدار يجدُر بالآباء الحريصين على التأسيس التعليمي السليم للأبناء رفعُ شعار: (نعم لتطبيق معيار وكيلة «عمر المختار»).

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا