كتابات | آراء

تاريخ اليمن الحديث.. بول دريش جامعة أكسفورد (53)

تاريخ اليمن الحديث.. بول دريش جامعة أكسفورد (53)

في الجنوب كان علي ناصر يراقب الانفتاح على الدول الغنية بالنفط والعالم الرأسمالي كان النظام الاشتراكي في الجنوب قد أفاد البعض وليس جميع سكان الجنوب

فكثير من سكان عدن  على سبيل المثال سكنوا في مدن الأكواخ حول العاصمة وكان هنالك عدد كبير من المتسولين وكانت هنالك العديد من الشكاوى من النزعة الاستهلاكية وسياسة التقشف الحكومية لذلك كان التذمر كبير من الحكومة وشجعها وصول مقاتلين فلسطينيين في عام 1983 م طردتهم إسرائيل من بيروت  ومع التنقيب عن النفط تم تشجيع التجارة بشكل أكبر وسرعان ما ركزت التوترات في الجنوب على صورة الدولة العميقة داخل مؤسسات الدولة  حيث بدت الأموال والسيارات والمباني في أيدي أصدقاء علي ناصر وعلى سبيل المثال كان محافظ أبين المدعوم بقوة من علي ناصر نفسه ومن المقربين منه يتفاخر بأنه بنى ما لا يقل عن قصر به حدائق ومسبح ووسائل ترفيه حديثة  أما بالنسبة لغرف مضغ القات فقد استورد المفروشات من أفخم أسواق العالم بعد أن غطت الأرضيات بأجمل أنواع البسط وكانت غرفة جلوس ملحقة بكل غرفة مضغ القات بها أثاث رائع لجلسات الشرب بعد المضغ .
واجه الجنوب مثل الشمال أزمة في ميزان المدفوعات ولا سيما في عام 1985 م حيث بلغت هذه الأزمة ذروتها  واشتدت حدة الخلافات الفصائلية ، علي عنتر الذي كان أحد الأشخاص المساهمين بالإطاحة بعبد الفتاح عام 1980 م أصبح يطالب الآن بعودته ,في مطلع عام 1984 م كانت هناك تحولات خطيرة في المناصب الحكومية وقام عنتر بزيارة المناطق الريفية وكان يستنكر في هذه الجولات تجاوزات علي ناصر والمقربين منه وكذلك الفساد والمحسوبية وكان علي ناصر قد قام ببناء فندق كلفته ملايين الدولارات في عدن على حد قوله وقام علي ناصر ببناء نافورات مياه وحدائق عامة في حين كان الريف يعاني من الجفاف .
انعقد مؤتمر الحزب في أكتوبر 1985 م وكان من الواضح للجنوبيين كيف كانت الانقسامات خطيرة داخل الحزب وفي الشهرين الأخيرين من العام كانت هناك اتفاقيات بقيمة 50 مليون دولار الموقعة مع شركات أجنبية (روسية ، صينية ، بريطانية) للتطوير وتتركز معظم أعمال هذه الشركات في مسقط رأس علي ناصر في أبين وشبوة بينما كانت المشاريع في لحج وحضرموت قليلة جدا كما قام بشراء أسلحة ومعدات كثيرة كانت مكدسة في مقرات تابعة له ، في 13 كانون الثاني (يناير) 1986 م قُتل عدد كبير من أفراد المكتب السياسي على يد رجال علي ناصر الذين كانوا يخشون على أنفسهم من حدوث انقلاب من الفصيل الآخر ,اندلع العنف في عدن وخارجها وفي غضون عشرة أيام من القتال في الشوارع وأشكال الانتقام البشعة بعد ذلك مات الآلاف وفر علي ناصر إلى الشمال مع ما يقرب شخص 30.000 من أتباعه وصف مدير وكالة المخابرات المركزية في واشنطن هذه الأحداث بأنها الحلقة الأسوء في الحرب الباردة: عرض مفاجئ ودرامي لتطبيق غورباتشوف لعقيدة بريجنيف في الآونة الأخيرة   بدأ علي ناصر رئيس جنوب اليمن في الابتعاد قليلاً عن السوفيت وطلب المساعدة من أماكن أخرى فبدأت العناصر المتشددة المؤيدة للسوفيت في حكومته انقلابًا ومن الواضح أن أحداث يناير حيرت الروس وأذهلتهم مثل أي شخص آخر  النسخة الرسمية اليمنية الجنوبية كانت خيالية من نوع مختلف وكان انتصار الحزب الاشتراكي اليمني على هذه المؤامرة الدموية الخائنة يثبت القوة التنظيمية والأيديولوجية للحزب باعتباره طليعة نضالية من العمال والفلاحين وجميع الكادحين خلال مرحلة الثورة الديمقراطية الوطنية بآفاقها الاشتراكية وكونها الحارس من أجل الحفاظ على الثورة من الانحرافات الانتهازية لليمين واليسار ولكن للأسف كان التيار الانتهازي الأيمن مدعومًا بعناصر من أصل طبقي وقف مع هذا التيار نتيجة للتأثير الإقليمي والقبلي وتأثير الافتراضات الغوغائية الخبيثة وقد عبّر فيدل كاسترو عن سخط الحلفاء الاشتراكيين لليمن الجنوبي عندما التقى بعلي سالم البيض زعيم الحزب الاشتراكي اليمني الجديد وقال له: متى ستتوقفون عن قتل بعضكم البعض؟!

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا