كتابات | آراء

بوح اليراع: بفساد المندوبين أزمة الغاز المنزلي غمة لا تنجلي

بوح اليراع: بفساد المندوبين أزمة الغاز المنزلي غمة لا تنجلي

سلعة الغاز المنزلي الخاص بطهو الطعام من السلع الضرورية الشديدة التأثير على نمطية الحياة الأسرية التي لم تعد تستغني عنها التجمعات السكانية اليمنية وبالأخص تلك الحضرية

التي قدر لها أن تقطن المدن التي تفرض طبيعة السكن فيها على ساكنيها -في سبيل القيام بطهو ما لا بدَّ منه لإقامة الأود من طعام- الاعتماد على مادة أو سلعة الغاز المنزلي بشكل كلي.
ولما لهذه السلعة الاستهلاكية -في حياة الأفراد والمجتمعات- من أهمية استثنائية وفوق اعتيادية، فقد صنفت -وفق معايير المواطنة المجتمعية في كافة المجتمعات البشرية- سلعة سيادية، ومن أهم مقتضيات سياديتها حصر امتياز الاتجار بها على الدولة ممثلة بـ(المؤسسة العامة أو الشركة العامة للغاز) بكل ما يعنيه ذلك الانحصار من النأي بها عما يحدث لبعض السلع -بسبب مغالاة ومضاربة التجار- من احتكار.

بدائية تقديم الخدمة لبُّ الأزمة
ولضمان وصول سلعة الغاز إلى المواطن -في زمني السلم والحرب- بيسر وسهولة وبأسعار ثابتة ومعقولة تتكفل المؤسسة المختصة بتوفيرها -في حالات السلم- في عموم المحطات الحكومية بالإضافة إلى بعض المحطات الأهلية الخدمية بعد تقديمها الضمانات الكافية بحتمية تقيدها بالتسعيرة الرسمية، وبما يمكن المواطن -فور احتياجه لهذه السلعة البالغة اﻷهمية- من تعبئة اسطوانته بما يتناسب مع ظروفه وأوضاعه المادية من كمية وهو في حالة اطمئنان على توافرها في مختلف اﻷحيان.
 وفي حالات الحرب التي غالبًا ما يتأخر -بسبب تعرض الطرقات القريبة من أو الواقعة في نطاق مسرح العمليات لما يشبه الانسداد- وصول القاطرات المخصصة لنقل هذه السلعة من موانئ الاستيراد أو من مناطق الإنتاج والتزويد المترامية -عادة- في أقاصي البلاد بكل ما يترتب على ذلك التأخر المتكرر من حصول نقص شديد حتى لم يعد يتزود بها من المحطات سوى عدد محدد، فتتغير -في ضوء ما طرأ من تحديد- آلية التوزيع (التزويد)، إذ يكلف عقال الحارات بجمع الاسطوانات والأثمان من السكان وإرسالها للتعبئة -حسب الاستحقاق- في المحطة المحددة للنطاق، وبعد تعبئتها تُعاد لكل مواطنٍ اسطوانته ذاتها وفق قاعدة (إعطاء كل ذي حقٍّ حقَّه) تفاديًا لما ينتج عن عشوائية التوزيع من مشقة.

دور العقال في حدوث الاختلال
وإذا كانت هذه الآلية لا تخلو -نتيجة بدائيتها- من بعض المشاكل، فإن التغلب عليها يتطلب من كل عاقل تحري التوزيع العادل، بيد أن معظم العقال يتذرعون بعدم التفرغ وكثرة الانشغال فيسندون القيام بهذه الأعمال ذات الصلة المباشرة بمعيشة المواطنين إلى مندوبين فاقدي الأهلية وغير مستشعري الحد الأدنى من المسؤولية، فلا يلبث المندوب منهم أن يستغل فرصة تكليفه بهذه المهمة المجتمعية لتحقيق مصلحته الشخصية ومحاباة من يدينون لهُ -من سكان الحارة- بالصداقة أو التبعية على حساب الأكثرية التي يتعامل معها تعامل الشيخ مع الرعية.

بعض ما يبين من مساوئ المندوبين
إن ما عشته خلال السنوات الأخيرة من تجربة مريرة أماطت الغشاوة التي كانت تحول دون إبصاري ما يتخلل تعاملات المواطنين البينية من أساليب الانتهاز بدءًا بملاك العمارات وانتهاءً بمندوبي توزيع الغاز الذين بات معظمهم -لاشتهارهم بالمحاباة والتحايل- مضرب المثل في سوء التعامل، ولكوني مجرد مستأجر قدر لهُ أن لا يستقر فقد تبين لي -في ضوء مرارة تجربتي معهم لكثرة تنقلي- من مساوئهم ما يلي:
1 - عدم عدالة التوزيع عَدَدًا ومُدَدا: ففي الوقت الذي يعطي مندوبٌ ما -ودن التقيد بمدة- أسرة صغيرة أو متوسطة -بسبب ارتباطه بها بصلة قرابة أو صداقة أو بفائدة أو واسطة- ضعفي أو ثلاثة أضعاف احتياجها، يسوف ويضيق متعمدًا على أخرى كبيرة جدًّا، فتضطر إلى الحصول على نصف أو ثلاثة أرباع احتياجها من السوق السوداء.
2 - تبديل الاسطوانات النظيفة: فبمجرد ما يستلم هذا المندوب أو ذاك اسطوانة جديدة أو نظيفة في نطاق تكليفه يبيت النية لاستلالها -قبل مباشرة التوزيع- سرًّا، وبعد يأس صاحبها من الظفر بها، يعرض عليه أخرى، فيقبل بها على سبيل اضطرار، وغالبًا ما تكون شبه تالفة وآيلة للانفجار.
3 - استبعاد منتقدي الآلية بصورة كلية: ولأن عبثية أولئك المندوبين باستحقاق الناس من هذه السلعة الضرورية تمارس جهارا نهارا وصارت أوضح من أن تُوارى، نجد -بين الحين والآخر- من أصحاب الرشاد من يتصدى لها بالانتقاد باعتبارها مظهرًا من مظاهرِ الفساد، فينطلق المندوب المنتقَد لإبلاغ العاقل بما هو حاصل متهمًا ذلك المنتقِد بإثارة المشاكل، فيصدر العاقل -بدوره- توجيهاته بشطب اسمه من كشف الاستحقاق من فوره، ليصبح عبرةً لغيره.
4 - ابتداع فرض غرامات التأخير: إذا كان تحرك وسيلة النقل التي تحمل الاسطوانات إلى محطات التعبئة يتم -في الأغلب- في الصباح، فغالبًا ما يكون زمن عودتها غير معلوم، وربما تعمده المندوبون الحُصَفاء بالإخفاء، كي يتخلف عدد من المواطنين عن استلام اسطواناتهم فور وصولها، فتترتب على تخلفهم -ولو لوقت قصير- غرامات تأخير.
كلُّ ذلك الكم الباعثُ على الغم ممَّا تقدم مجردُ جزءٍ ممَّا نعلم، وما خفيَ أعظم.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا