كتابات | آراء

صنعاء ترسم لوحة نبوية هي الأكبر في التاريخ

صنعاء ترسم لوحة نبوية هي الأكبر في التاريخ

النبي محمد أعظم إنسان في التاريخ، أسمى من أن ينتهي إليه الوصف، بقدومه خرج العرب من براثين الظلم والجهل إلى العلم والرقي والتقدم وقيادة العالم.

بولادته أضاءت الدنيا فرحا، وتساقطت النجوم على الأرض لتضيء للعالم أجمع درب الحق والهداية. إنَّه يوم مبارك ومقدس عند جميع المسلمين.
اليمن يتحول إلى لوحة فنية رائعة الجمال، رسم فيها اليمنيون عشقهم ومحبتهم لرسول الله، هذه اللوحة الإيمانية يصل طولها لأكثر من ثلاثمائة ألف كيلومتر مربع هي الأكبر في تاريخ البشرية.
النبي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو الحقيقة التي أوجدها الله من نوره ليضيء بها العالم، مكانته عند أهل اليمن مقدسة ورفيعة، لا يشبهه أحد من الأنبياء والرسل والعظماء، يذكره اليمنيون في كل أوقاتهم وتفاصيل حياتهم اليومية، من الفلاح البسيط حتى رئيس الدولة، وخروج الشعب اليمني بأكمله يحتفلون بمولد النبي محمد، ما هو إلَّا دليل على صدق المحبة ونداء روحي من شعب مظلوم يشكو جراحه إلى نبي يحبهم ويحبونه.
وصدق رسول الله الذي قال: "يطلع عليكم أهل اليمن كأنهم السحاب، هم خيار من في الأرض، أتاكم أهل اليمن هم أرق قلوباً وألين أفئدة، الإيمان يمان والحكمة يمانية، أهل اليمن هم مني وأنا منهُم" وقوله: "فو الذي نفس محمد بيده، لولا الهجرة لكنتُ امرئ من الأنصار، ولو سلك الناس شِعباً، وسلكت الأنصار شعباً لسلكتُ شعب الأنصار، اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار"، وأهل اليمن هُم أول من يشرب من حوض النبي يوم القيامة.
القيادة المحركة هي التي تحدث الفارق
المحبة المتبادلة بين الشعب اليمني والنبي محمد ليس لها علاقة بالسياسة وصراع المذاهب إنها الفطرة الإنسانية، والدينية الاسلامية العربية المتأصلة في وجدان كل يمني، ومن يحدث الفارق هُم القيادات التي تُبرز تلك المحبة من خلال الاحتفالات الشعبية والرسمية، لتقول للعالم نحن اليمانيين أنصار النبي محمد وحملة رسالته إلى البشرية، نفتخر بمولده الذي أضاء بنوره الدنيا ومحبته ستظل راسخةً في قلوب كل اليمنيين حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
إنه النبي محمد الذي وصفه الكاتب الإنجليزي تومس كاريل بقوله: "محمد ليس كاذباً أو طالب مُلك، إنما هو قطعة من الحياة تفطر عنها قلب الطبيعة، فإذا هي شهاب قد أضاء العالم أجمع، ظهر الإسلام فاحترقت فيه وثنيات العرب، ذلك أمر الله وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم".
في هذا المقال سوف أسرد باختصار قصة الملك تبع والملك سيف بن ذي يزن ومحبتهم للنبي محمد قبل ظهوره، وماذا فعلوا لنصرته وتهيئة موطن حُكمه في المدينة.
أولاً: الملك تبع أول من كسا الكعبة وبنا بيتًا لنبي آخر الزمان
ملوك اليمن قبل مئات السنين بشروا بظهور النبي محمد ومناصرته واتباع دينه، والثابت تاريخياً بأن الملك تُبع الحميري، ملك اليمن هو أول من كسا الكعبة كاملة قبل الإسلام، وصنع للكعبة باباً ومفتاحاً، ووضع أموالاً لخدمتها، وهدم الأوثان حولها وجعل قوم جرهم أوصياء عليها، وتوارثه بقية ملوك اليمن في كساء الكعبة.
الملك اليمني تبع أسعد الحميري عندما توجه لغزو يثرب أخبره حبر يهودي بأن يثرب ستكون موطن هجرة نبي آخر الزمان، وتكون دار إقامته وأنصاره قوم من اليمن، فتوقف عن غزوهم، وأمر ببناء بيت لنبي آخر الزمان، حتى إذا هاجر يسكن فيه، وأحضر مجموعة من العلماء وعددهم أربعمائة عالم وأعطى لكل عالم منهم بيتاً وجارية ونفقة، وأمر بإحضار النخيل من اليمن وغرسها في يثرب المدينة حاليا، وفتح الآبار وحرث الأرض وأجرى عليهم النفقة من اليمن، وأمرهم أن يسكنوا في هذه البلدة، حتى إذا جاء هذا النبي آزروه ونصروه، وترك لهم رسالة كُتبت على قطعة من النحاس بماء الذهب يسلمونها إلى النبي مكتوباً فيها :
شهدت على أحمد أنه * رسول من الله بارى النسمّ
فلو مدَّ عمري إلى عمره * لكنت نصيراً له وابن عمّ
وجالدت بالسيف أعداءه *** وفرّجت عن صدره كل غمّ
البيت الذي بناه الملك أسعد وسكن فيه أجداد أبو أيوب الأنصاري، هو الذي وقفت ببابه ناقة النبي محمد عندما هاجر إلى المدينة، وعندما دخل النبي منزله طلب من أبو أيوب تلك الرسالة، التي تركها الملك أسعد ولم يكن يعلم عنها أبو أيوب فأخبره النبي بأن يبحث بين أمانات أجداده فوجدها ورائحة المسك تفوح منها، فقرأها النبي وتعجب من أهل اليمن وملوكها ودعا لهم.
ثانياً: ملك اليمن بشر عبد المطلب بظهور نبي آخر الزمان.
الملك اليمني الحميري سيف بن ذي يزن، كان له قصة مع عبدالمطلب بن هاشم، جد النبي محمد (ص) ذُكرت القصة في كتب التراث، وأكدها المؤرخون الكبار، وهي دليل على عظمة ملوك اليمن وشموخهم، وبحثهم عن حقيقة الكون والديانات السماوية.
عندما انتصر ملك اليمن سيف بن ذي يزن على الأحباش أتته وفود العرب وشعراؤها تهنئه وتمدحه، من بينهم وفد قريش يرأسهم عبدالمطلب بن هاشم، استقبلهم الملك ذو يزن في قصر غمدان الذي بناه سام بن نوح، ويعتبر من معجزات العمارة في العالم حيث يبلغ ارتفاعه عشرين طابقاً، الطابق العشرون مسقوفًا برخامة واحدة شفافة، من يجلس فيه يستطيع أن يميز الطير في السماء، وتحيط بالمجلس مجسمات أسود مصنوعة من النحاس عندما تهب الرياح تصدر أصواتاً كأنه زائير الأسود.
عندما أذن الملك ذو يزن لعبدالمطلب بالكلام، قال عبدالمطلب: "إن الله قد أحلك أيها الملك محلاً رفيعاً صعباً منيعاً شامخاً باذخاً، وأنبتك منبتاً طابت أرومته، وعذبت جرثومته، وثبت أصله، وبسق فرعه في أكرم موطن وأطيب معدن، فأنت ملك العرب وربيعها الذي تخصب به البلاد، ورأس العرب الذي له تنقاد، وعمودها الذي عليه العماد، ومعقلها الذي يلجأ إليه العباد، وسلفك خير سلف، وأنت لنا منهم خير خلف، فلن يخمد من هم سلفه، ولن يهلك من أنت خلفه.
قال له الملك: إني مفض إليك من سر علمي، فليكن عندك مطوياً حتى يأذن الله فيه، فإن الله بالغ أمره، إني أجد في الكتاب المكنون، والعلم المخزون، الذي اخترناه لأنفسنا، دون غيرنا، خبراً عظيماً، وخطراً جسيماً، فيه شرف الحياة، وفضيلة الوفاة للناس عامة، ولرهطك كافة، ولك خاصة، ولد بتهامة غلام به علامة، بين كتفيه شامة، كانت له الإمامة، ولكم به الزعامة إلى يوم القيامة، هذا حينه الذي يولد فيه، أو قد ولد، واسمه محمد، يموت أبوه وأمه، ويكفله جده وعمه، ولدناه مراراً، والله باعثه جهاراً، وجاعل له منا أنصاراً، يُعزبهم أولياءه، ويذل بهم أعداءه، ويضرب بهم الناس عن عرض، ويستبيح بهم كرائم أهل الأرض، يكسر الأوثان، ويخمد النيران، يعبد الرحمن، ويدحر الشيطان، قوله فصل، وحكمه عدل، يأمر بالمعروف ويفعله، وينهى عن المنكر ويبطله، والبيت ذي الحجب، والعلامات على النقب، إنك يا عبدالمطلب لجده غير كذب، فخر عبدالمطلب ساجداً فقال: ارفع رأسك، ثلج صدرك، وعلا أمرك، فهل أحسست شيئاً مما ذكرت لك؟!
فقال عبدالمطلب: أيها الملك كان لي ابن، وكنت به معجباً، وعليه رفيقاً، فزوجته كريمة من كرائم قومه آمنة بنت وهب، فجاءت بغلام سميته محمداً، فمات أبوه وأمه، وكفلته أنا وعمه.
قال الملك: إنه الذي قلت لك، فاحتفظ بابنك، واحذر عليه اليهود، فإنهم له أعداء، ولن يجعل الله لهم عليه سبيلاً، واطو ما ذكرت لك دون هؤلاء الرهط الذين معك، فإني لست آمن أن تدخل لهم النفاسة، من أن تكون لكم الرياسة، فيطلبون له الغوائل، وينصبون له الحبائل، فهم فاعلون أو أبناؤهم، ولولا أني أعلم أن الموت مجتاحي قبل مبعثه، لسرت بخيلي ورجلي حتى أصير بيثرب دار مملكته، فإني أجد في الكتاب الناطق، والعلم السابق، أن بيثرب استحكام أمره، وأهل نصرته، وموضع قبره، ولولا أنى أقيه الآفات، وأحذر عليه العاهات، لأعلنت على حداثة سنه أمره، ولأوطأت أسنان العرب عقبه، ولكني صارفً ذلك إليك، عن غير تقصير بمن معك.
وعندما غادر الوفود أمر الملك ذو يزن لكل رجل منهم بعشرة من العبيد، وعشرة من الإماء، وبمائة من الإبل، وحلتين من البرود، وبخمسة أرطال من الذهب، وعشرة أرطال فضة، وكرش مملوء عنبرا، وأمر لعبدالمطلب بعشرة أضعاف ذلك، وقال لعبدالمطلب: إذا حال الحول فأتني، فمات الملك سيف بن ذي يزن قبل أن يحول الحول.
الخلاصة:
ما يقوم به الشعب اليمني من تعبير عن محبة النبي محمد (ص)، إنما هو امتداد لما قام به ملوك اليمن العظماء الباحثون عن حقيقة الكون والديانات السماوية، وما ذكرناه في هذا المقال ويؤكد مدى ارتباط، وتبعية عرب الجزيرة العربية، باليمن الكبير موطن الملوك ومنبع الحضارات، البلد الذي بدا محركاً للتاريخ، وسوف يعود إلى وضعه الطبيعي مهما مرت عليه المحن والأزمات، أهل اليمن في عناية الله وسوف يخرجونَ من حطام الحروب إلى رحاب المستقبل أكثر قوة قادرين على قلب صفحات التاريخ نحو مستقبل مشرق؛ حينها سوف تنطوي لهم الأرض، وتفرح السماء بعودة أحباب النبي وأنصاره الذين فتحوا الأرض من مشرقها إلى مغربها يحملون رسالة السلام والخير إلى العالم.
وختاماً لن أجد أبلغ من هذه الأبيات الرائعة التي تأخذنا إلى عنان السماء، والتي كتبها شاعر اليمن الكبير معاذ الجنيد.
نحنُ اليمانين يا من ليس يعرفنا
‏لو لم نكُن نحنُ.. هذا الكون ما كانا
‏بعزمنا شيّدَ الإسلامُ دولتهُ
‏وباسمنا سُمّيَ الإيمانُ إيمانا
‏سَلِ الرسولَ عن الأنصارِ يُنبئكُم
‏عنّا… وعن بأسنا فاسأل (سليمانا)
‏لما جهلنا.. عبدنا الشمسَ شامخةً
‏وما عبدنا تماثيلًا وأوثانا.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا