كتابات | آراء

كلك نظر: منعطفات وأحداث الثورة والدولة في جنوب اليمن 1967-1990م - الحلقة (73)

كلك نظر: منعطفات وأحداث الثورة والدولة في جنوب اليمن 1967-1990م - الحلقة (73)

قبل حرب 1979م بين شطري الوطن بفترة بسيطة بقيت في قريتي كنت أتذكر أوامر قائدي صالح محمد الهمزة قال بما معناه: لا تشتم الدولة ولا تجهر بعضويتك في الحزب الاشتراكي اليمني.. أهتم بزراعة أرضك ومارس الرياضة إلى أن يحين موعد التحاقك بالكلية العسكرية في شهر أغسطس من العام القادم 1979م.


ظروف اعتقالي من قبل جماعة المنشقين
عملت بأمر الرفيق صالح الهمزة وتفرغت للزراعة ومارست رياضتي الجمباز وكرة القدم فقط.. ومع ذلك تم اعتقالي من قبل جماعة المنشقين كانت أختي تبكي حاولت أطمأنها- أنا متألم من بكاء أختي أم وليد الى اليوم الله يرحمها- كان عدد الذين جاءوا لاعتقالي ثلاثة أشخاص وهم: حزام مسعد الاسعدي من قرية الخشعة وصالح ناجي قصيلة من قرية سحقان وشخص ثالث لا اعرفه ذهبت معهم لمقابلة القائد حسب قولهم.
وهناك صادفت الوالد محمد ناجي الرحم عاملني معاملة جيدة كونه يعرفني من عام 1974م وأولاده مهدي وعبده وحميد كانوا أصدقائي وزملائي في مدرسة النجمة الحمراء من عام 1972م الى عام 1976م لم يزجوا بي السجن كما كنت اتوقع بل استضافني عمي محمد في ديوان احد المنازل.. وقال: يا أبني لا تظن نفسك معتقل أنت ضيف.. شكرته وقلت له عفواً يا عم محمد ممكن أسألك قال تفضل: قلت له: هل يرضيك إحراق النسوان؟ سكت ولم يرد ثم كررت نفس السؤال فسكت ولم يرد.
وهذا يعني انه غير راض.. ثم قال: باترجع القرية بكرة.. اليوم أنت ضيفنا ارتاح هنا وباشوف ناجي وأرجع لك.. بعد ساعة عاد وقال: القائد ناجي يعرض عليك أن تدرس في الكلية الحربية في صنعاء.. قلت لا أريد سأدرس في الكلية العسكرية في عدن.. وصل إليه كلامي وقال الظليمي على رغبته وعدت إلى القرية اليوم الثاني.. وأنا بطريق العودة إلى قريتي صادفت رجلاً مسناً لا اعرفه لكنه يعرفني.. سألته: هل يرضيكم يا أهل شريح إحراق النسوان؟ سكت ولم يرد.. ثم سألته أين قبورهن أشتي أقرأ عليها الفاتحة؟ أجاب بسؤال تهكمي يا قردعي انتم يا أصحاب مدرسة النجمة الحمراء من أيحين "لا تقروا" الفاتحة على القبور؟ أجبته: من اليوم.. قال قدهن رماد مكان الحرق.. خاطرك القائد موجود وانسحب مسرعاً وهو خائف.. استغربت من الخوف غير المبرر لهذا الرجل الشائب.. وواصلت سيري.
وشعرت في  بالرغبة في البكاء.. وفي أطراف القرية شاهدت ثلاث نساء يحملن قصباً يابساً كفكفت الدموع والنسوة يحملقن في وجهي ربما لسان حالهن يتساءلن: من هذا الشاب الذي يبكي؟ قالت الكبيرة منهن هيا قويت ومن انته من غير منكر؟ رديت: أقواكن أنا أحمد القردعي من بيت طويل.. قالت سمعنا بك.. بس وليش "لا تبكي" يا ولدي؟ أجبتها ابكي على الشهيدة قبول والشهيدة صالحة والشهيد عبده.. الذين احرقوهم أمامكم يا أهالي شريح.. ثم سألتهن: هل يرضيكم إحراق بشر أحياء؟؟ وكانت الإجابة من الكبيرة الإجهاش بالبكاء بصوت مسموع وتجهمت وجوه الأخريات وأسرعن الخطى ربما لذرف دموع الندم على السكوت الخطأ.
وأنا كذلك أسرعت الخطى للابتعاد عن قرية شريح التي شعرت انه ينقصها الوناس آنذاك مطلع عام 1979م نظراً للغياب المؤقت للمناضلين: صالح احمد الورد وأخيه حزام والنقيب عبده مانع الصعدي والنقيب زيد صالح الرياشي- لم يتبق منهم في الوقت الحاضر غير المناضل الرفيق صالح احمد الورد الله يحفظه والبقية استشهدوا خلال فترات سابقة متفاوتة..
على بعد 600 متر تقريباً جنوب شريح صادفت ست نساء يحملن الحطب فبادرتهن بتحية الصباح وردين بمثلها وقبل أن تسألني إحداهن بالسؤال المعتاد في عزلة شريح والذي مفاده:"هيا قويت ومن أنت من غير منكر؟" أنا الذي سألتهن بسؤال مفاجئ..
له معنى سألتهن: لمن هذا الحطب يا حواطب؟؟
أو قد شي قبول ثانية؟ ضحكين.. لكنه ضحك كالبكاء.. واليوم وبعد مرور أكثر من 42 عاماً وأنا أسجل ما تختزنه ذاكرتي من خواطر لمشاهدات واقعية لتلك الفترة ومن ضمنها إشارتي إلى مصادفتي في الطريق لحمالات الحطب.. فقد قرأت بأثر رجعي في شهر مايو من العام الجاري 2020م خاطرة أكثر من رائعة كتبها الرفيق المناضل الأستاذ خالد سلمان في 11نوفمبر 2019م .
حمالو الحطب
أغمضوا أعينكم قليلاً، ادخلوا ساعة الزمن، تخيلوا أنفسكم، وسط ذلك الحشد، المذموم، المسموم، الممسوس، غير المبارك، تخيلوا طفلة تسير إلى جانب أمها، تضع يدها الطفولية، بكف أمها، ولا تعرف إلى أي جنهم أرضي حقير، يقودها أحفاد حمالة الحطب.
أنه رعب تجاوز فيه صناعة البشر، شياطين أزمنة إحراق الساحرات، تخيلوا هذا المشهد، ثم كوروا في فمكم لعاب البصق، وابصقوا على الشياطين المردة القتلة.
لبنت الورد وطفليها، ورفيقاتها، سلامهن الناقص، إلى أن يؤخذ لهن الحق، كي ينمن بسلام.
خالد سلمان في تاريخ 11/11/2019م
يتبع.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا