كتابات | آراء

الساحل الغربي  (الحلقة 71)

الساحل الغربي (الحلقة 71)

الصراع الاستعماري الدولي في منطقة البحرالأحمر:-
إذا كان القرن السابع عشر قد حمل إلى منطقة البحر الأحمر تطورات عديدة أهمها وصول قوى أوروبية مستجدة جاءت من أقصى الغرب الأوروبي بغرض السيطرة على تجارة الشرق

فإن النصف الثاني من القرن التاسع عشر شهد تبلور هذا العامل الذي ما لبث أن تحول إلى صراع لا يستكين من أجل السيطرة على هذا الممر المائي المهم الذي ازدادت اهميته الاستراتيجية كطريق ملاحي بافتتاح قناة السويس , والتي جعلت هذه الدول الأوروبية تنتفض بقوة من أجل إيجاد نقطة ارتكاز في هذا البحر.
وما كانت الخطوات التي خطاها الأوروبيون في المنطقة في العقد الخامس من القرن التاسع عشر إلا إجراءات احترازية كل لسبق غيره من الدول الأخرى إلا أنها كانت النواة أو البذرة التي زرعها كل قطب من أقطاب هذا الصراع في المنطقة التي رآها تناسبه وتناسب مصالحه . وفي تلك الفترة كانت بريطانيا هي القوة الوحيدة المسيطرة على المنطقة بحكم وجودها في عدن منذ 1839م , وبالإضافة إلى أن بريطانيا كانت على استعداد لمنع أي من الدول الأوروبية الأخرى من الدخول إلى مجال مواصلاتها الحيوي (البحر الأحمر ) إلى مستعمراتها في الهند .
ومن المؤكد أن بريطانيا كانت من أهم أقطاب الصراع الذي شهدته المنطقة في تلك الفترة , ورغم أنها كانت بذلت أقصى جهودها لإبعاد منافسيها الفرنسيين عن المنطقة إلا أنها لم تنجح كلية في ذلك فقد كان للفرنسيين وجودهم المؤثر في المنطقة , ولو أنها تمكنت إلى حد كبير من عدم توسيع وانتشار هذا النفوذ , وتجد في خضم هذا الصراع الفرنسي البريطاني في منطقة البحر الأحمر تطلع إيطاليا عقب اكتمال وحدتها إلى إيجاد موطئ قدم فيه , وما كان من بريطانيا إلا لتنتهز فرصة المنافسة الفرنسية لها فتحتضن أطماع وآمال وخطط إيطاليا في المنطقة , وتجعلها حجرة عثرة في طريق توسع فرنسا وآمالها في المنطقة .
كل هذا والمنطقة جميعها أوفي معظمها تخضع للسيادة العثمانية التي كانت ضعيفة لحد كبير في ممارسة حقوق سيادتها في المنطقة بدرجة لا تجعلها تعيق أو توقف أياً من هذه الدول , ولكن وجود مصر في الساحل الغربي للبحر الأحمر كان يمثل الصوت الصارخ المدافع عن هذه السيادة العثمانية , والحقوق الإقليمية لمصر ولكن سطوة الدول الأجنبية , وجبروت إنجلترا لم يدع لمصر مجالاً للدفاع عن نفسها , ناهيك عن أملاكها في البحر الأحمر ( الساحل الغربي ) .
وبحلول العقد الثامن من القرن التاسع عشر أخذ الصراع والتسابق الدولي على مناطق البحر الأحمر يحمل طابعاً آخر بعد أن اتخذفي البداية شكل معاهدات الصداقة والتجارة وشراء بعض الأراضي لإنشاء محطات لتزويد السفن بالفحم والمؤن كما كانوا يزعمون , وذلك نظير مبالغ زهيدة يدفعونها لشيوخ وزعماء تلك المناطق ثم تطورت هذه الأساليب شيئاً فشيئاً من معاهدات الصداقة إلى معاهدات الحماية التي جرت وكان الزعماء المحليين لا يدركون مخا طرها , وقد استغلت الدول الأوروبية جهل هؤلاء الزعماء وافتقارهم للوعي السياسي .
وتعتبر أحداث العقد الثامن من القرن التاسع عشر ابتداء من التسلط البريطاني على مصر هي ذروة الصراع في منطقة البحر الأحمر والتي تمخضت عنها مؤشرات كثيرة كان لها أثرها حتى اليوم في خارطة البحر الأحمر السياسية ففي الجزيرة العربية عملت القوتان المهيمنتان عليها إلى تجزئة وحدتها , وكان الإستعمار البريطاني في جنوب اليمن من العوامل المؤكدة لتجزئة وحدة هذا الجزء , وذلك إدراكاً من بريطانيا للأهمية الكامنة في استراتيجية الجزيرة العربية لتأمين طرق مواصلاتها إلى الهند مما جعلها تعمل على الاحتفاظ بهذا الموقع الهام أطول فترة ممكنة , وبالتالي نجم عن هذا الإسلوب ذلك ( الصدع ) الذي مازال ماثلاً بين شقي اليمن الواحد .
أما في الساحل الغربي للبحر الأحمر فلم تأل الدول الاستعمارية الأوروبية جهداً في سبيل تفتيت ذلك الجزء من المنطقة فأصبحت بلاد الصومال الواحدة مقسمة إلى ثلاثة : صومال فرنسي (جيبوتي حالياً ) وصومال انجليزي , وصومال إيطالي أما منطقة هرر فقد كانت من نصيب الحبشة التي احتلتها عام 1887م .
أما ذلك الجزء من الساحل الغربي للبحر الأحمر , والذي عرف بساحل الدناكل _  وكان يطلق عليه العثمانيون والمصريون بلاد البغوص– قد شهد أهم أحداث تلك المنطقة وتلاعب الأيدي الاستعمارية الأوروبية التي أدت في النهاية إلى تكوين مستعمرة إريتريا الإيطالية ليس هذا فحسب فقد أخذت إريتريا منذ أن وطأة أقدام الإيطاليين أرضها تعاني وطأة الاستعمار حتى وقت قريب.

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا