كتابات | آراء

الاقتصاد المعرفي وحرب المعلومات

الاقتصاد المعرفي وحرب المعلومات

في عالم اليوم تحتل المعلومات مكان الصدارة من جدول الاهتمامات إذ تعاظمت أهميتها بفعل التطورات التقنية والاتصالية وما نجم عن كل ذلك من وفرة المعلومات وسهولة الاستخدام

والتوظيف في عالم أصبح مفتوحا دون حدود ودون هويات محلية فالعولمة كادت أن تجعل منه قرية صغيرة ذات تجانس وتقارب ثقافي حيث كادت الفوارق أن تذوب وتداخلت المصالح وانفتحت الاسواق العالمية ونشطت التجارة الحرة وأصبح من الميسور للفرد أن يتجول في الاسواق العالمية من مكانه ويجري عملية الشراء والتحويل وهو في مكانه دون أن يتحرك.
هذ الواقع الجديد أفرز تنافسا دوليا فكل طرف يسعى وراء تطوير معلوماته ومنتجه التقني حتى يسيطر على السوق العالمية من خلال توسيع دائرة الخدمات التقنية وتطويرها الامر الذي ترك المستهلك في حالة ذهول وملاحقة للتطورات المتسارعة التي فرضتها ضرورات التنافس بين الشركات الدولية.
وتبعا لذلك تشتعل حرب المعلومات بين الدول التي تريد فرض سيطرتها على الفضاء الكوني لضمان مصالح شركاتها من صناع المعلومات , وفكرة المعلومات أضحت اليوم مصطلحا دالا على الصراع الوجودي السياسي والاقتصادي في عالم متحرك في فضاء المعرفة المتسارعة , وقد انتقل الصراع بين الأمم والشعوب من أفواه البنادق الى تطبيقات الكمبيوترات والاجهزة  الحديثة وفي ابسط تعريف لحرب المعلومات هو .." القول أنها الطريقة الأفضل لاستثمار نظم المعلومات لتحقيق حالة من التفوق على الاخر وفرض الخطاب الموجه اليه بعد اضعاف آليات دفاعه المعلوماتية وافشال خططه المعتمدة على صناعة المعلومات وطرق معالجتها فكريا وفنيا بغية استخدامها للتأثير في الجمهور وتغيير قناعاته أو توجيه سلوكه بما يتناسب والاهداف المرسومة لكل طرف " .
في عالمنا المعاصر تغيرت أسس ومحاور القوة الاقتصادية للأمم والشعوب فالأمم التي بدأت بالقوة البخارية ها هي تحط الر حال عند الاقتصاد المعرفي منذ عام 1990م وهو العام الذي شهد انهيار المنظومة الاشتراكية وتفردت أمريكا بقيادة العالم.
 ومنذ عام  1990 وليومنا هذا " اتسمت هذه المرحلة بسيطرة الحواسيب والأجهزة الإلكترونية على القوة الاقتصادية للدول، وأصبح يُطلق على الدول المُخترعة والمطورة لأنظمة الحواسيب والمعلومات بالدول ذات الاقتصاد المعرفي، بمعنى أصبح الاقتصاد المعرفي هو أحد أهم المعايير الأساسية المحددة لتطور الدول وتقدمها، وأصبحت الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا واليابان والصين وكوريا الجنوبية والهند وغير أولئك  هم الدول الرئيسية في هذا المجال، الذي بات يشكل القوة الاقتصادية في عصرنا الحالي، والذي يتصف بانخفاض تكلفته الإنتاجية وتراكم أرباحه الهائلة مع مرور الوقت، على العكس من الأفرع الاقتصادية الأخرى التي قد تنخفض تكلفتها الإنتاجية ولكن تنخفض أرباحها لاكتفاء السوق منها بعد فترة من الزمن "
 يقول خبراء الاقتصاد أن   المثير للاهتمام هو ما يحدث الآن " فبينما تمثل تقنية المعلومات إلى حد كبير المحرك الدافع لعصر المعرفة، فإن الجزء الأعظم من الابتكارات في المستقبل التي تؤدي إلى النمو الاقتصادي ليس من المرجح أن تكون ناتجة من التقنيات والمنتجات القادمة من المعامل بل من تطبيقاتها خارج المختبرات. كما أن الأنشطة والأعمال التي يشارك بها الأفراد، سواء كانوا مستهلكين أو مقدمين للخدمات، سوف تكون ذات أهمية خاصة. وهذا يعني أن فرصاً أكبر من أجل الابتكارات، والإنتاجية، وخلق فرص العمل، والنمو الاقتصادي يمكن الآن تحقيقها من خلال تطبيق التقدم الهائل في تقنية المعلومات والإنترنت، والتقنيات متناهية الصغر لمعالجة مشكلات سوق العمل والمجتمع عموما، في مجالات الصناعة، والرعاية الصحية والتمويل، ووسائل الإعلام. ولا شك في أن الاستثمار في أسواق تقنية المعلومات سيكون جوهر الاقتصاد القائم على المعرفة."
فالمعرفة انبثق عنها اقتصاد المعرفة وهو الفاعل في عالم اليوم وعلي ابعادها تم بناء اقتصاديات قائمة على المعرفة وهي اقتصاديات تحقق التنمية المستدامة في ظل تبدل الموارد الفاعلة في النمو والتنمية والوعي بالمحيط والتموج المعرفي والحضاري يجعلنا عناصر فاعلة متأثرة ومؤثرة ومن المعيب الاستمرار تحت طائلة التأثر فقط .
 العولمة واقتصاد المعرفة
عند وصف الاقتصاد العالمي الحالي يتكرر استخدام مصطلحين أساسيين هما : العولمة واقتصاد المعرفة.
لقد ظل العالم يشهد تزايد عولمة الشؤون الاقتصادية وذلك بسبب عدة عوامل من أهمها ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وكذلك التخفيف من القيود التجارية على المستويين الوطني والدولي. كما ظل العالم يشهد بالتوازي مع ذلك ارتفاعا حاداً في الكثافة المعرفية بالأنشطة الاقتصادية مدفوعاً بثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتسارع خطى التقدم التكنولوجي.
والكثير من الباحثين والخبراء في حالة توافق كامل على أنه توجد عدد من القوى الدافعة التي أدت إلى تغيير قواعد التجارة والقدرة التنافسية الوطنية في ظل اقتصاد المعرفة وهى:
" العولمة  أصبحت الاسواق والمنتجات أكثر عالمية.
ثورة المعلومات :   المعلومات / المعرفة أصبحت تشكل كثافة عالية في الإنتاج. .
انتشار الشبكات : شبكات الحاسوب والربط بين التطورات مثل الانترنت جعل العلم بمثابة قرية واحدة أكثر من أي وقت مضى.
وكنتيجة لذلك ازدادت الحاجة إلى تطوير السلع والخدمات بصفة مستمرة، وفي كثير من الحالات أصبحت تباع وتشترى من خلال الشبكات الالكترونية. وهو ما يعظم ضرورة الإلمام بتطبيقات التكنولوجيا الجديدة حيث يتوقف عليها تلبية الطلب الاقتصادي. وقد ساهمت هذه القوى في توسع الإنتاج الدولي بتحفيز من العوامل التالية طويلة الأمد:
تحرير السياسات وتلاشى الحدود بين البلدان، الأمر الذي أفسح المجال أمام كل أنواع الاستثمار الأجنبي المباشر والترتيبات الرأسمالية المختلفة.
التغير التكنولوجي السريع وانخفاض تكاليف النقل والاتصالات جعل من الأوفر اقتصاديا إجراء تكامل بين العمليات المتباعدة جغرافياً ونقل المنتجات والمكونات عبر أرجاء العالم بحثا عن الكفاءة.
المنافسة المتزايدة أجبرت الشركات على اكتشاف طرق جديدة لزيادة كفاءتها، بما في ذلك استخدام أسواق جديدة وتغيير أماكن أنشطة إنتاجية معينة لتقليل التكاليف.
اعتمد اقتصاد المعرفة اعتماداً أساسياً على نشر المعلومات واستثمارها بالإضافة الى توليدها طبعاً . فنجاح المؤسسات والشركات يعتمد كثيراً على فعاليتها في جمع المعرفة واستعمالها لرفع الانتاجية وتوليد سلع وخدمات جديدة ، وقد أصبح الاقتصاد يقاد من قبل سلسلة هرمية من شبكات المعرفة التي تتغير فيها المعلومات بمعدلات سريعة . وهناك أنواع عديدة بشبكات المعرفة مثل شبكات الجامعات وشبكات مراكز البحوث وشبكات مؤسسات المعلومات كالمكتبات ودور النشر ومراكز التوثيق وشبكات الصناعات المختلفة وغير ذلك من الشبكات . وأصبح المجتمع الذي لا يعتني بتشبيك مؤسسات المعرفة مجتمعاً متأخراً عن الركب الاقتصادي العالمي ."(1)
بعد تراجع المد الاشتراكي وتفرد النظام الرأسمالي بقيادة العالم لم يكن هناك من خيار سوى تمثيل وتجسيد أهداف جديدة تتسق والحال الجديد ,فكانت العولمة من أبرز إفرازات التكنولوجيا الرقمية الذي سعى النظام العالمي الجديد من ورائها الى فرض نموذجه الفكري والثقافي وذلك من خلال استخدام سلاح المعلوماتية والاقتصاد الرقمي والبرامج الالكترونية المتنوعة والهادفة الى صهر الخصوصيات واشاعة هوية عالمية موحدة وبحيث يصبح الانسان كائنا كونيا بالمطلق وكان الهدف السياسي من وراء كل ذلك هو فرض ثنائية الخضوع والهيمنة على الشعوب وتحويل الاوطان الى أطراف تابعة للمركز وتلك هي سياسة القطب الواحد القائم على نظم الرأسمالية وهي نظم نسعى الى تحويل العالم الى اسواق استهلاكية مفتوحة للتجارة الحرة وسوقا للتقنيات والتطبيقات والبرامج وهي تستغل حالة التفوق المعلوماتي ليكون بديلا عن النظريات والافكار والخصوصيات والايديولوجيات والاديان والعقائد ولم يقتصر الدور على تفكيك المقدس في خصوصيات الشعوب بل تجاوز ذلك الى التأثير والتحكم وتغيير القناعات ودمج الثقافات في ركب المجتمع العالمي الشمولي  .
فمن أهم السمات التي يتميز بها هذا العصر هي سمة تفجر المعلومات، والطوفان الكبير منها حيث تنتشر كل لحظة بلا حدود، حتى أصبح التحكم في هذه المعلومات والسيطرة عليها من الأمور البالغة الصعوبة عن ذي قبل.
وهذه القفزة كانت نتيجة التقدم التكنولوجي والحضاري، الذي أثر تأثيراً كبيراً في حياة الإنسان، بسبب الطفرة العلمية الكبيرة.
وتقدم الإنسان في علمه واكتشافه بدرجة تفوق كثيراً كل ما مر خلال تاريخه الطويل من اكتشافات وحضارة فالباحث أو الكاتب أو المفكر لا يستطيع أن يلم بجزء صغير جداً مما كتب في مجال تخصصه، لتعدد أشكال نشر المعلومات وأوعيتها، وتعدد لغات النشر.
فالعالم اليوم يعيش واقعا مختلفا تماما حيث يستخدم الفضاء وطائرات التجسس من دون طيار ويقوم ببناء أبراج مراقبة عن بعد ويكشف الخطط ويقوم بسرقة المعلومات عن طريق الاختراق – الهاكرز – لكشف القوة المعلوماتية لدى الاخر وتدمير الخطط والتحضيرات ومعرفة مواقع القوة والضعف وبالتالي يقوم بالبناء على أسس جديدة تنسجم مع التحديات والتطورات الحديثة وتتصاعد حدة المنافسة بين الشركات والمؤسسات والدول,  فصانعو المعلومات واستخداماتها تقف وراءها مؤسسات وشركات دولية عملاقة تعمل على ادارتها لتحقيق غايات ومقاصد مرسومة بدقة متناهية والغاية الكبرى هي استمرار ثنائية الهيمنة والخضوع لشعوب العالم .
وقد أضحى من الضرورة اليوم ايجاد تشريعات تختص بالاستخدام المعلوماتي ومعالجة المشاكل المتعلقة به وخوض غمار التجربة التقنية في الانتاج وتنمية بنية متخصصة في استثمار المعلومات وضمان الامن المعلوماتي والفكري بغية تحصين المواطن من الانحراف ومواكبة العصر من حيث التأثر والتأثير .

أخبار الجبهات

وسيبقى نبض قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيا